المشاركات الشائعة

السبت، 18 ديسمبر 2010

العادة العلنية
قصة
حسان العوض

ماذا ستختار لهذه الليلة؟ صبية في مثل عمرك, أم فتاة أصغر منك ينطبق عليها تخيلك للكواعب الأتراب, أم ستشطح في طلبك وتنتقي امرأة ناضجة تساعدك بحكم الخبرة حسب عادل إمام, وربما تود التطرف مع ما قد يكون جديداً لدى امرأة عجوز.. صبية ممتلئة. لا بأس. هل تريدها مجهولة أم تشبه أحداً ما: ابنة الجيران, ابنة عمك, زوجة ابن خالتك, زميلتك في الوظيفة... حسناً فلتكن مجهولة لا تعرفك ولا تعرفها. هل ترغب بها عارية, أو ترتدي ما سهل خلعه, أو حتى ثياباً كثيرة تطيل طريقك إلى جنانها فتشتعل دماؤك وأنت تجتاز الحواجز واحداً إثر آخر وعندما تحين ساعة الصفر سينفجر البركان قاذفاً حممه.. والآن من أين تنوي أن تبدأ؟ لا,yes, no, نعم أن تصل متأخراً خير من أن تصل باكراً, أجل إنها المرة الألف التي يسبقك فيها جسدك. تعاتبه, تلومه, تلعنه, تسب, تكفر,.. تتذكر أول قبلة سرقتها من خد صديقة أختك, كانت نائمة تحت شجرة الزيتون في قيلولة ما بعد اللعب والركض والضجيج والغداء. قارنت بين طعمها ومذاق القبل المفروضة عليك من وجنات وجبهات العمات والخالات, كان المذاق مرّاً
ومتشابهاً بينما كان طعم تلك القبلة حلواً ومميزاً ولذيذاً وشهياً لدرجة أنك كدت تتمادى وتسرق قبلة أخرى من شفتيها ربما, لكنك لم تفعل لأنها كانت صغيرة وكنت صغيراً أيضاً بل لأنك جبنت وخفت من أن تشاهدك أختك... وتتذكر أول قبلة جنيتها من شفتين, كانت لطالبة من المدرسة المجاورة لمدرستك, في أطلال بيت عربي قريب من المدرستين أصبح مكانه الآن بناء عالي الارتفاع, لم تكن أنت السارق, وليت كل السرقات التي تعرضت لها مثل هذه السرقة. اختلست الفتاة قبلة واحدة فقط تركت خلفها على شفتيك رحيقاً حاولت أن تجمعه بلسانك فانقلب عسلاً وأحسست أن لكل خلية في جسدك لساناً يصبو إلى تذوق هذا الطعم, وشعرت أن روحك غدت سرباً من النحل اكتشف حقلاً من الورد؛ لكن الفتاة كانت قد ذهبت... تتذكر أول مرة مارست فيها الجنس, كانت مع عاهرة... ثم ماذا تريد أن تتذكر أيضاً؟ لا شيء بل كل شيء... غداً ستكتب رسالة تنقلها من كتاب "رسائل العشاق" وتسلمها باليد لابنة الجيران عندما تعيد أرغفة الخبز التي استعارتها البارحة, وقد تسنح الفرصة كي تدس الرسالة في صدرها, وقد يصادف ألا يوجد أحد سواك في البيت فتدعوها للدخول فتلبي وتغتنمان الوقت كما يجب بالعناق والقبل و... لكن قد تدخل أمك فجأة أو أمها لتستفقدها أو... لا, لا. بل نعم؛ حان الوقت لكي تعبّر لزميلتك في الوظيفة عن إعجابك بها, صحيح أنك لست معجباً بها كلها وإنما ببعض أجزائها, لكن لا بأس, غداً ستدعوها إلى مشاركتك في شرب القهوة, ستوافق ظانة أن الدعوة ستكون في مكتبك أو مكتبها, لكنك ستقنعها بأن المستخدم لا يجيد غلي القهوة, وأن هناك كافيتريا تصنع قهوة يفوح منها عبق البرازيل, ستضحك وتوافق على دعوتك وقد تذكّرك بأحد إعلانات القهوة الكثيرة. وقد تفشل في إقناعها, وقد تكون معجبة بقهوة المستخدم, وقد تكون ممن لا يحب القهوة أصلاً.... ربما من الأفضل أن تجري اتصالاً هاتفياً عشوائياً, قد يرد عليك رجل أو طفل أو عجوز ولكن قد ترد عليك فتاة تخبرها أنك تود التحادث معها, ستخبرها أن الطقس حار وتسألها عن الثياب التي ترتديها, لكن قد يفضحك كاشف الأرقام خاصة إذا كان الذين ستتصل بهم يعرفك... لذلك من الأسلم أن تستأجر غداً جهاز فيديو وبعض الأفلام الإباحية؛ لكن قد تقبض أمك على أدوات الجريمة أو آثارها وقد تقبض عليك متلبساً بالجرم المشهود.
بوتالوحت احماد
عــــــــــــلال

1
عندما أدخل, يستقبلنى برائحة البحر المخبأة فى ثيابه, أجده منهمكا فى اعداد سيجارته المحشوة... الأولى بعد رجوعه الى البيت... أسأله عن العمل يجيب بقطع من الكلام... أدلف الى المطبخ تقفز الى أنفى رائحة السمك المحشور فى السلة... لا أسأله ان كان يريد أن يأكل, تعلمت أشياء كثيرة فى صحبته... أحفظ عاداته كما أحفظ مسالك جسمه... أهتدى الى كل بؤرة فيه ولو فى بحر الظلام... أبدأ باعداد طبق السردين المشوى فيما يكون هو قد أكمل سيجارته الأولى وفتح زجاجة من سعة ثلاثة أرباع اللتر من النبيذ الأحمر... سدادة الفلين تفرقع فى الفضاء يصلنى صوتها الى المطبخ... أصحب طبق السردين المشوى بصحن من البصل الفج المفروم وأصابع من الفلفل الأخضر اللاسع... أزاحمه, ضاحكة, الجلوس على اسفنجة مدت فوق حصير مهترىء.... يتزحزح قليلا... أواصل اللعبة... يضحك... أحاول اخراجه من عالمه المغلق يأكل فى صمت... أتابع من شرفة عينيه ما يجرى بداخله... أحاول أن أقدر سعادته... أنكمش
حين أعجز عن ذلك... أشاركه الشراب وأعب أنفاسا من السجائر المحشوة التى يعدها... عندما يحل المساء أبدى رغبتى فى مغادرته... لا يحاول أن يستبقينى... يعرف أنى محجوزة وأن عليه أن يكمل سهرته وحده... يلوح لى بقبلة... لا يغادر مكانه... يطلب منى أن أهتم بنفسى... أصفق الباب خلفى وأخرج... أتركه وحيدا مع هواجسه .
أفتح احدى تلك الشقق التى أملك مفاتيحها. شقق مجهزة, بكل واحدة منها مشرب يحوى أنواعا نادرة من الخمور.. أغلبها مستورد... أصحابها يملكون كل شىء... القوادين... النساء الجميلات ..السيارات الفارهة... السلطة... أصابعهم دسمة مطوقة بخواتم الخيانة... لا يستمتعون, يفعلون ذلك الشىء بطرق لا تبعث على الارتياح... لكنهم يدفعون, فى آ خر السهرة يدفعون ... أحدهم نضا عنى لباسى... سال رضابه على الوثاب الذى يجلس عليه... أرغمنى أن أتمشى أمامه مدبرة ضبط مسدسه على ايقاع الردفين ثم أكمل فى الحمام... عاد فأعطانى بعض الأوراق المالية... عدت الى بيت علال
لأكمل السهرة. عجوز فشل فى أداء المهمة... انتحب بين جذرى فخذى... ظل ينتحب... بلل مابين رجلى بالدموع ركلته ارتمى الى الخلف، تركته يلهث رابضا باحد أركان الغرفة رميت له مفتاح الشقة وغادرت... لم أأخد منه ثمن البكاء بين فخذى... تركته يلهث وخرجت... أكملت تزرير قميصى فى الخارج... حين أعود باكرا الى بيت علال... يغسلنى من أدران ومواطىء المعطوبين.. يطهرنى... لا أبيعه بضاعتى... نظل نلهث حتى نتلاشى... لا يفعل ذلك الشىء بطريقة مقرفة وخليعة كما يفعل الآ خرون, الذين يلحون على أن أتخد وضعيات تبعث على الغثيان... لا أطلب مقابلا من علال... أستمتع فقط... الآخرون يدفعون... أشترى رغيف الخيانة للعجوز ولاخوتى... تتسع عيونهم من الفرح... أشيح بوجهى الى الجهة الأخرى, حتى لا أبكى... يعرفون من أين أحصل على الرغيف وعلى حاجاتهم, حين اراهم يلوكون قطع اللحم التى أجلبها لهم أحيانا أشعر أنه لحمى الذى يلاك .

2

تزورنى كل يوم بعد الظهر...تجدنى جالسا ألف سجارة بالحشيش أو أذخن...ترتب بعض الأشياء القليلة فى الغرفة...تقفز الى المطبخ, تفعل كل شىء بعفوية تامة... حتى ذلك الشىء تفعله بعفوية وعذوبة... يأتى لذيذا. تشاركنى الشراب, لا تشترط نوعا من الشراب " أشرب معك الحنظل " تقول لى. نشرب الحنظل... تعب أنفاسا من السجائر المخلوطة بمسحوق الحشيش... حين تكون على موعد... تودعنى وتطبع قبلة على جبينى, عادة ألوح لها بها قبل أن تصفق الباب خلفها, أحيانا تنهى سهرتها باكرا حتى يتسنى لها أن تبدأ سهرة أخرى معى... "معك أستمتع, لا يحدث هذا مع أغلبهم " تقول!.... حين تزورنى, تحمل معها فى بعض الزيارات هدايا صغيرة... أقلاما... رزنامات... ولاعات ذهبية... علب سجائر فاخرة.... حاملات المفاتيح... وآلات الكترونية صغيرة... تفرغ حقيبة يدها أمامى على الحصير... أفرح كطفل صغير بهذه الهدايا... ترسم عيناها ابتسامة وهى تنظر الى أفرد تلك الأشياء أمامى.
تعرض على بعض الأوراق المالية, أرفض... أعرف أنها تحتاجها قبلى... أولئك الذين تصاحبهم يدفعون لها كذلك مقابل الفاكهة التى يتذوقونها.. الذين تذوقوا فاكهتها... يجمعون على أنها فاكهة شهية, كما أخبرتنى. بعضهم لا يتذوق الفاكهة يستمتع بطرق أخرى.
أغلبهم مجانين أو مصابين بعطب داخلى... مجنون, تحكى عنه , جردها من ثيابها -الداخلية كذلك- أجبرها أن تعدو على أربع وتعوى ككلبة أمامه... كانت مؤخرتها مكشوفة للريح... عدت... وعوت ثم عوت.... كانت تلهث... وجدت نفسها بعد جولات على حافة الانهيار. وكان من حسن حظها أن ذلك الشىء حصل للرجل... ذلك الشىء الذى اسمه الارتعاش... تدفق عضوه... استوقفها... سقطت منهكة لاحظت أن صاحبها بلل مابين رجليه بماء دافق -ذلك الذى يخرج من بين الصلب والترائب - رمى فى وجهها بعض الأوراق... التقطتها... أخذت زينتها عند مرآة الكوافوز, ثم ودعت الرجل بعد أن مسحت شيئه وخرجت... كانت تحكى, كلامها يخرج مصحوبا بالذخان كقاطرة تتأهب للانطلاق. آخر مزق ثيابها بعد عراك افتعله أصبحت "لحمة " رجاها أن تتبول عليه... ضاعف الرجاء... عصرت مثانتها أسعفتها ببعض القطرات... همت على رأسه, سالت على وجهه , حين أفرغت مثانتها وسد المنفذ... صفعته... لم يتردد... هشم أسنانها الأمامية .

3
حين هشم أسنانى, ذلك الرجل الواسع النفوذ... أدار أرقاما فى التلفون جاءوا كما يجيئون لنقل عصابة... جاءوا بأعداد كبيرة... لم يسألونى... أجبرونى على الصعود الى سيارة الخدمة... فى المركز سجلوا أقواله... تلا " الحنش "الأصلع المحضر... اتهمونى باقتحام الشقة ومحاولة السرقة... لم يصدقوا حكاية البول.. كما لم يصدقوا وجود مفتاح شقة الرجل معى ولا رقم هاتفه الذى كتبه بخطه فى مذكرتى... صدر الحكم على بالسجن شهورا... لو كنت أعرف أن الأمور كانت ستؤول الى ما آلت اليه, كنت أدبته بطريقة أخرى. بعد ذخولى السجن... لم يستمتع الرجل الواسع النفوذ بالحياة, وجدوه غارقا فى دمه... لم يجدوا عضوه العاطل عن العمل... وجدوا ثقبا غائرا مكانه... عندما زارنى علال فى السجن بعد الحادث... دس فى جيبى مفتاح شقة الرجل المرموق .

جلال نعيم
الماموث

هي ذي ترسم، على وجهها، علامات الرغبة، باحتراف، وتلتفت اليّ. التقط الطُعم راضياً وأخطو نحوها، ترتبك خطواتي وانأ أحاول أن أقلّد الآخرين باستعراضيتهم، على طرف المسرح نلتقي، أغرز سبابتي على فخذها، بين سبابتي وجلد ما فوق ركبتها يستلقي دولار واحد، تستلّه هي بينما اسحب سبابتي، تمسح به تكويرة فخذها اليقظ، تمثّل نشوة عناق المال بالجسد وكلاهما يمثلان المشهد في حفلة غير تنكرية، تكوره مثل سيكارة ثم تنشره كبساط، تتخذ منه أداة للأستعراض، المهم هو جسدها بمفاتنه التي لا يعلق بها شيء سوى العيون، العيون التي تتطلّع بفضول هو أكبر من الإغراء، أو هكذا بدا الأمر لي، تشمّمه مابين فخذيها، تمرّغ انفه هناك، ثم تفرجه ليصبح مثل سكين لاهثة، تتركه ليتسلّق جسدها الناحل، ترفعه الى سرّتها المندرسة باحتفالية راقصة، تطوف به حول حبة بندقها، ثم لتأخذه في رحلة لابد وان ترسو بين نهديها ، نهدان صغيران وحلمة مدبّبة، هكذا تسترجع "الحلمة" و"الحلم" همّهما العربي، وكأننا لا نجرؤ على لصق تاء التأنيث به فيظل معلّقاً هكذا : حُلُم.. حُلمة، لغة وكابوساً يخترقان رأسي ، رأسي الممتليء بطعم البيرة، البيرة التي اشربها في البار المجاور لأعود.. أعود الى حفل الأجساد في عريها المتكامل حدّ الصمت، صمت الرغبة التي تعتلي الوجوه ولا تبقي في الفضاء غير دوي الموسيقى، الموسيقى التي تعانق رأسي مثل إسطوانة قديمة ، اشمّها ولا أراها، على نافذة فرن (الصمّون)، حيث البرد يشعّ من كلّ العظام سوى نافذة المخبز وتلك الصبيّة، الصبيّة التي لا تبعد غير أصابع عنّي، والتي ما ان اقتربت منها حتى راحت تنحني وتنتصب مثل فراغات اعماقي المراهقة التي ما كنت أعرف لها مبرّراً، فراغات أعماقي التي ما كنت أفهم لماذا تسلّلت الى سمرة عنقها ، وراحت تلهب فيّ وكأني شخص لا أعرفه، ولد معها او فيها، وراح يحنّ لملاصقة الجسد بالجسد في عراء ذاك البرد البغدادي، ذاك البرد الذي لا يشبه احداً غير حزنها، حزنها الذي ما فهمت شيئاً منه، فلا سواد ملابس امي يفسره ولا عيون المخذولين، تطوف بهم الشوارع كما كان يطوف بي ابي بسيارته القديمة وأحاديثه المبتورة ، فلا أعرف يحب مَن أو يكره مَن ، ولا أعرف ان كان يقف ضد أحد غير جزعه الذي يتضح احياناً مع تراكم البيانات وإحتلال شاشة التلفزيون من قبل "الماموث" ، "الماموث" الذي لم يعرف "اوديب" سرّه ولم يرديه قتيلاً على قارعة الاسطورة ، الإسطورة التي إحتالت الى كابوس نحياه ، كابوس لن يتكشف بغير ملامسة الصبيّة المنحنية ، التي ينفث جسدها رائحة دخان مدوّخة تستدرج اعضائي البكر ، فما أعود اميز بين شهوتها ورائحة الصمّون ، الصمّون الذي لا يعرف دفئه أحد هنا ، في مدينة كبيرة يسمونها "لوس أنجلس" او يفاخر بعضهم بتسميتها "هوليوود" ، المدينة التي تمنحكَ كل شيء سوى ذاك الحنان المفتقد ، الحنان المشرد الذي ما عاد له مأوى .
هل أخذ دولاري طريقه لطراوة شفتيها ؟ شفتاها المبللتان بالفسفور ، الفسفور الذي يلتمع ليغتال شيئاً من رغبتي ويهيّج فيّ ذكرى رائحة قديمة ؟ نعم .. نعم ، عندما رصّونا مثل كتلة كبيرة من البشر ، في تلك الغرفة المظلمة الباردة (وكيف تكون السجون إذن ؟!) العيون مكممّة تماماً ، وكأنها قد تعدي حقارتهم بمحبّتها ، وألأذرع مقيّدة للظهر ، ينتقون ثلاثة ، يسحلونهم الى ظلمة مصيرهم وينسحبون ، يقفلون باباً لم يره غيرهم ، تبتعد الخطوات ليعلو الصراخ وكأنه يخرج منا او ينبع فينا ، نحن المنتظرين هنا ، وكأن لا مدن هناك ولا خرائط ولا من يتنفّس على رقعة الخراء هذا الذي يسمونه الكون مَن يعبأ بنا ، ان نتنفس أم لا ، أن تسحق أفواهنا بالأقدام المدرّبة على التسديد من كل زوايا العالم الى انوفنا ..؟
البرد يتكاثف مع الصمت المتقطع ، ومعهما تنبت حواس جديدة ، تتشكل فجأة ، تتعرف فيها على الآخر من لوعة أنفاسه ، خوفه أو حزنه وتنهداته ، لايمكنك الجزم بدوافعكَ ألآن ولكن همس رائحة ما ينادي ، هناك ايضاً أو فيك او ربما غير بعيد عنك ، تزحف بمؤخرتكَ قليلاً ، تستطلع الهمس ، او "مسحوق الهمس" كما يصفه يوسف إدريس راح يتلألأ في رئتي ، رئتي المسحوقة بالبرد والرعب وخراء الدنيا ، رئتي التي راحت تتقلّص مع كل صرخة : ذلك صوت أعرفه ، تهمس لي أذني ، قلبي ، روحي الموغلة في مواجهة اللاجدوى ( وهل هنالك أكثر عبثاً من ذلك ؟!) ربما كانت رئتي ألأكثر جوعاً ، او تمرّداً ، فراحت تدافع عن رغبتها بالأنتفاخ ، الإنتفاخ بأنفاس إمرأة تشعر بها غير بعيد عن الهناك .. الهناك الذي ما عاد هنا ، وما عادات سلاسل رعبه توقظك عند الفجر وانت تتنفس صراخ شارع الرشيد في صباحٍ بغدادي ، وانما تملأك الرغبة بقنينة أخرى من البيرة ، كم أنت بحاجة الى "عرق" ؟ تتذكر ضحكة "صفاء" مجيباً على ضابط أميركي ، ربيع 1991 على أطراف الناصرية ، عندما سأله ألأميركي " هل صحيح ان أغلب الشباب العراقيين ما زالوا يمارسون (العادة السرّية)؟ فأجابه "صفاء" وأنا اتخيل ضحكته : " وكيف يمكن العيش في عراق صدام بلا عرق ولا إستمناء ؟!"
وكأنه إستمناء آخر ما أحياه ، رغم أن لي إمرأة لا بأس بروعتها ، ورغم إمتلاء العوالم بالنساء ، ولكني ما زلت أذكر تلك اليد التي منحتني أصابعها ، وتلك الروح التي التصقت بي بكلّ ذلك البوح والرغبة بالتضامن ، التضامن او أي شيء ربما رحت أتخيّله الآن ، في بار العري الذي اخطو خارجه ، أشهر للحارس ختم المرور ، فسفوري هو ألآخر ، فيشير لي موافقاً وكانه لمح تلك المرأة تنبض في رأسي ، رأسي المولع اليوم بالبيرة وبالذاكرة ، الذاكرة القاحلة القديمة ، الذاكرة التي لا تشبع رغم انها شهدت نهاية الكابوس ، الكابوس الذي ، حتى قبل سقوط أصنامه ، راح ابي يعلن ضده سبابه وشتائمه ويهمس ، " مع ألأسف لقد كبرتم في ظلّ خرابه "، خرابه الذي كان يعلو منسوبه فينا ، بين صرخة وصرخة ، ومع كل لمسة إصبع نتسلّل فيه وكأننا " خارجون من بطون التوابيت ، ومن جحور إبن آوى .." كما كتب (فرج الحطّاب) في قصيدة ما ، وكأنه يتمنى أن يحرر لنا شهادة ميلاد أخرى ..
سألتني شابة أميركية مرة :" هل تعتقد باننا نمتلك عقولاً مفتوحة ؟ "
قلت ، دون أن أتذكر الأفخاذ المفتوحة هنا : " نعم ولكنكم تحيون في قفص مغلق .. قفص كبير ومغلق يسمونه الولايات المتحدة ! "
لم تفهم ما أقصد بالذات ، كانت وجهة نظري غريبة عنها بعض الشيء ، أو ، ربما لأنها لم تكن ، ولن تكون ، صاحبة اليد التي منحتني أصابعها فمنحتها روحي في عمق الصمت الذي لا تقطعه غيرالصرخات التي يتوسطها صوت حميم أعرف لوعة ألمه ورونق ضحكته وهويقهقه عالياً عندما نتذكر "نعيمة الصغير" ، الممثلة ، الملقّبة – سرّاً – بقوادة السينما المصرية ، وحاملة شعارات " ربنا يوقف نموّك " ، و نتخيلها زعيمة حزب سياسي وثوري ، ونقلّد طريقتها في ترديد "شعارات المرحلة" ونبرتها وهي تحرضنا لمقاتلة "الفرس المجوس" او "اليهود" او أعداءنا الأزليين الذين ما عاد مرخصاً لنا ، في الوجود ، غير شتمهم ! ثم نتخيّل "توفيق الدقن" و"ألو .. يا أمم " لشدة أمميته ولتفسّخ اليسار فينا ، او التفافه من خلف ظهورنا ليصبح اكثر يمينيّة من "عيدي أمين" الذي يجذبنا جرس إسمه الذي ربما يصلح أكثر لأن يعلّق كعنوان عريض لشركة إستثمار الهية تلفق ربحها من ذقون الفقراء ولا تدفع ضريبتها لغير سماء ما ، سماءها هي أو لا سماء ، يُعلي بها الجميع ولا أحد يعلو عليها ، هكذا .. مثل علم خطوا عليه إسم الله ليبقى عالياً دون ان يرى الآذان التي تقطع والأيدي التي تبتر ، والنساء اللواتي يرجمن ، او يحلّ ربيع المفخخات الذي لا موسم له ، فيفجّر ، فرحاً ، كل المواسم ..!
أتحسس أصابعها ، استبطن ذاك الدفء وأقول لنفسي "ألآن عرفت ، أكثر من اي وقت مضى ، لماذا نتشابه بالإحساس بالبرد والحزن واللوعة والقهر ولا نتشابه ببصمات الأصابع" .. ها هي ترسم دوائر أنفاسي ، تلامس خيوط روحي دون ان تسألني ما أنت أو مَن أنت .. ؟ ربما لأنها هجست بأني بت لهاث اللاجدوى المنتشر في الهواء وأنا اسمع أصدق عذاباتي تتسرّب من المبنى المقابل ، بينما روحي تنتظر دورها للفلقة والكهرباء وأصناف الموت المصنوعة عمداً لما تخلّفه لمسة اصبع منها ، او لمجرد سماعها نفثة مثقلة ..؟
لحظة .. ثم أخرى .. يعلو فيها قمع الخطوات ، ثم إذا هو العماء المطلق .. حيث ليس غير طعم البيرة ، وختم البار الفسفوري الأزرق ينبت على ظهر الكف مثل زهرة صناعية (أرأيتم زهرة زرقاء من قبل ؟!)
لا يهم ما دمت هنا اللا أحد الذي انتمي اليه ، لهذا إستأذنت صديقتي ، ونصحتها بالنوم " انني اليوم ملك شخص آخر " .." اللا أحد الذي فيّ " ، لم التقي به منذ زمان ، مزحوم بعملي والعالم الذي عدت لفك حروفه ، خطاً خطاً ، ونقطة نقطة ، هكذا جئت وحيداً وكأني أحاول أن انتج ذاتي ثانية ، في وطنٍ آخر ، أعدّ خساراتي وكأني الخاسر الوحيد دائماً ، ولكني ، في الحقيقة ، تملّكني الشوق الى إمرأة أخرى ، امرأة أدرت برأسي مشروع ان أتلفن لها ، ولكني أرجأت ذلك ليوم آخر . ورحت أفكر كيف كانت تأتي هي مع "عمّان" ورائحة القهوة ، بشمسها الخاصة وإطلالتها ، أتكون أعذب لحظات الشوق تلك التي تستمني فيها ذاكرتكَ وحيداً مع طيف او حتى بدونه ؟ والأكثر لوعة فيه أن يكون مع رائحة ، رائحة لا تتكرر مثل بصمة إصبع أو طعنة "حبيبة" : ما قلتُ لها أحبكِ ، كانت أجمل من ذلك بكثير ، الا إني دهمتني الرغبة في مقهى عمّاني جميل ، فهتفت لها في سرّي او في إطلالة غمّازتيها البغداديتين.. قلت "أشتهيكِ" وكأني أغازل حلماً او أستيقظ من جوع خيبة قديمة ، عميقة ومتأصلة ، فما كانت عمّان جنّة نلوذ بها ، وانما كانت جحيماً أهون من آخر ، وصراخاً أهون من نعيق ، كانت نافذتنا التي سنتهاوى منها على العالم ، العالم الذي نتخيّل التمرّغ في وحله ، وهو كل ما نريد . فقد تجاوزنا الحلم منذ زمن ولم يبق لنا غير الهجرة او الرحيل .. وهو ما قادني لأن أحلم بالقطارات والخرائط : وبدأت أصرخ مع "وليد إخلاصي" (يا قارّات الله الخمس .. أليس لي مكان ؟!) ويهدّني الجوع والتعب والذلّ فأنام بعد أن تسيل دموعي – مثل محمد الماغوط – من قارّة الى قارّة .. وجرعة الحنان الوحيدة تصلني ، عبر الحدود ، من أمي " ولكم جوعان ويحب الفاصوليا .." "يا عيني عليه ما جاع هنا أبداً وما أدري ما الذي أخذه ؟" ، وتأتيني قدور الفاصوليا ، مغلّفة بأنفاسها وورق السيلوفان ، بينما أغيب بين ضحك وبكاء ، ودبابيس تنغز الجلد و لا تنبت من الحنين الجارف والإبتعاد المرّ عن بلاد دخلت دائرة المستحيل رغم انها لا تبعد أكثر من أنفاس ..
كنت عاجزاً عن ذلك الذي يدعونه الحب ، ومتمرّغاً بالشهوة حدّ القتل ، حدّ بتر الأصابع التي عانقت خلاصي يوماً ، والتطويح بها بعيداً ، خلف بحارٍ سأعبرها غير بعيد عن جنح طائرة ، في بلاد علمتني ان التآلف معها يعني تواصلاً مع الذات ، و"ترسيم حدود" مع الذاكرة . علّمتني كيف أن أخسر بلداً لأكسب العالم .. ما دمت قد خسرته رغماً عني ، وفقدت نعمة استنشاق غباره ، وإذن ، فليكن ، ولتولد آلاف المرّات حتى ولو من دون رحم ، لا تقلق فلن تكون مخلوقاً فرانكشتاينياً آخر ، ولربما ستكون أكثر قرباً من ذاتك وهي تتشكل في مختبرات أخرى ؟
كانت ، هي الأخرى ، تنفرج غمازتاها البغداديتان لتقول ذلك أيضاً: ذكرني بذلك منولوجست الكازينو أمس وهو يصف خلافه مع صديقته :"تقول بأني أريد أن أعرف أين و مَن أنا .. " يقول " فجلبت لها خارطة ومرآة وقلت لها : هذه خارطة لتعرفين أين أنتِ ، وهذه مرآة ترين فيها وجهكِ وتعرفين مع أي شيطانٍ أعيش !! " .
ضحك الجميع وتذكرتك ، هل كنت بحاجة لجوابه لألقيه عليكِ ؟! .. إلا إني أعرف حجم إغترابنا العاثر .. وبحثنا الدائب عما يبعث قوة الحياة فينا .. هل أقول أشتهيكِ مرة أخرى ؟ ربما ولكن ليس حدّ القتل ، والتطويح بتلك الأصابع .. ربما حدّ ان أطرحكِ أرضاً ، وأشمّ عبيركِ المنبعث مما خلف رقبتكِ .. وأهمسِ : أتعرفين شهوة ألأصابع وهي تتسلّق الهواء بحثاً عن أنثى ؟ يا لقسوة انوثتك الحمراء !
أخاصرها ، في الظلمة ، منحدرين من "جبل اللويبدة" ، أنظر لإمتلاء قميصها ، فتنسل أصابعي أسفل نهدها ألأيسر ، تجفل ، أقول : أشتهيكِ .. تنفر بنهدها بعيداً ، وضحكتها تعكّر مزاج المدينة العابس : "لو تموت.."
أجيب بابتسامة خابية :" أنتِ الخاسرة !"
" أخسر رغبتكَ أفضل من أخسر صداقتنا ..؟"
" سحقاً لماجدة الرومي ونزارها .. !"
" سحقاً لرغباتكم التي لا تعرف الإنتظار .."
" أكره السعادات العرجاء .."
" وأنا أكره العلاقات العرجاء "
" على العكس .. يمكن أن نضيف رجلاً أخرى لعلاقتنا بذلك ؟"
" كذّاب .. لم أر كائناً في حياتي يمشي على ثلاثة أطراف ! "
" تعرفين .. كان عندي صديق ، أحول ومتزوّج من إثنتين ، ودائماً يدعو الى التعددية الجنسية بحماسة ، حاصرناه مرّة لنعرف سرّ دعوته .. فقال : إذا تحدثت عن التعددية السياسيّة فلن يكون مصيركَ غير السجن .. أما إذا تحدثت عن التعددية الجنسية فقد تجد نفسك في الشارع ، أو بالنسبة لي مع الزوجة الثانية ، فهي مكافأة أحياناً أكثر مما هي عقوبة ! "
" ولكنها تؤدي الى الخيانة الزوجية أيضاً .."
" حاججناه بذلك ، ولكنه لم يعبأ .. قال : نعم ، وهذا ينطبق عليكم .. أما أنا فليس على الحولان حرج... .."
" وعسى أن تكرهوا شيئاً "
" وهو عزاء لكم .."
" عزا في عينك .."
فقلت وكأني أمثل مشهداً مفبركاُ :
" بل لقلبي الذي الذي لا عزاء له "
ثم همست لها ، وهي على الطرف الآخر من العالم ، وكأني أحدث نفسي :
" هي الرغبة .. جنين يواصل نموه حتى يموت مع حامله ، او يولد ، في مكان ما "
ثم جاءني همسها ثانية عبر الهاتف :
" كنت أنا الخاسرة .. كما قلت لي ذلك اليوم"
" ربما كان العكس صحيحاً .."
كانت تصفني ب" السافل اللذيذ " ، وكنت قد نلت اللقب باستحقاق ، كلما عزمتني في مطعم أو مقهى ابادر لفتح الباب لها وأقول ب" عربنكليزيّة " متأففة " ليدييز فيرست " ثم أدمدم بخبث وأنا أتطلع لمؤخرتها " الآن عرفت عظمة هذه القاعدة !" . بينما كان صعود السلالم ، وهي تتقدمني ، يرهقني حدّ اللهاث ، وأنا أهمس " لم اعرف مدى الكبت الذي عاناه مَن إكتشف (ليدييز فيرست) الا الآن !"
بينما هي تضحك ، تضحك وكأنها تتواطأ معي برغبة الإنتقام من جفاف المدينة ، وحدّة كائناتها ، رغم الطيبة التي تتآكلها شروط العيش فيها .. أقول لها :" مساكين " وأشير اليهم " نحن مجرّد عابرين ، ونشعر بثقل وطأة الحياة فيها ، فكيف وقد كتب عليهم ان يولدوا ويعيشوا .. وربما أن يدفنوا فيها ؟"
" فيها كشف عن لا عدالة التوزيع الإلهي .." تقول هي " لا ماء .. لا خضرة لا نفط ، حتى الدم ، يبدو وكأنه نشف في عروق ابناءها ..!"
" شحة عنيفة بجميع أنواع السوائل !"
تضحك " حتى المنويّة منها !"
" سمعت الكثير عن ذلك .. ولكن كيف عرفتِ ؟"
" نساءهم يهمسنَ به .. وكأنهنّ خارجات تواً من شاشة (النوم في العسل) !"
" لا تقولي بأنكِ جرّبتِ .. لأنه سيكون إعتداءاً صارخاً على انوثتكِ التي أتوق اليها .."
تجيبني بنصف ضيق ، ونصف تمثيل :
" اووووه .. نصحتكَ بأن تتبنّى قاعدة : اصرف نظر .. واشبع قهر !"
" شبعان قهر والعبّاس .." ثمّ وانا أتابع التماعة ما في رقبتها :" هي الروح الجائعة .. ولا تشبع !"
"شيطان .."
" ملاك والعباس .. ولكن بلسان شيطان .. انظري في عينيّ وسترين ؟"
"ماذا أرى ؟"
" كيف أصلب كل لحظة ، مثل مسيح ضائع ، كلّما تأخرت عن اقتحام كيانكِ .."
" لا أملك أكثر من جزءٍ بسيط من هذا الكيان ، ما تبقّى منه فأحمله أمانة لمن يسكن هناك .. ألم تقنع بذلك ؟"
بدت وكأنها تحلم ، كم يبدو حلم الحب معدياً .. وأكثر عدوى من الصراخ أو الهيام بشبح يسمونه الحرية !
قلت :" تحتفظين بأسرار تبدو لي كلعنة .. لذا ما عدت أميّز ايهما حلم ، وايهما واقع ..؟"
" هو حلم واقعي متجسّد .. هناك "
" وأنتِ ؟"
" طيف أو كابوس .. سيصادفكَ مراراً "
" ماذا تعنين ؟"
" أعني إن فيكَ خوفاً داخليّاً من شيء ما ، من حب أو موت الحب ، كما يسميه حسب الشيخ جعفر في احدى قصائده .."
" لست خائفاً .. أنا مجرّد ضائع .."
" وصايع .."
" ونذل .."
" وسافل لذيذ .."
" وأشتهيكِ .."
" حسّي .. مثل بقية الرجال !"
" وكأنكِ قلتِ : مثل بقية الكلاب !"
تضحك وتتلكأ وكأنها ستفقد نعمة الكلام :" ليس لذاك الحد .. ولكنكم تقضون نصف اعماركم تنظرون عن الثورة والتغيير ، لتكون نهاية نصف منكم الى سجادة صلاة ، ونصف آخر هائمين على ابواب العاهرات .."
قلت مقلّداً نبرة مسرحية كوميديّة :
" هؤلاء نحن .. وأنتن أيتها النسوة ؟"
" اننا نحلم .. مثل فيروز : بيت وأوظة منسيّة وسلّم داير مندار "
" ومع ذلك تنتهينَ الى رجل عابس ، وحجاب ، وخراء أطفال .."
" سنّة الوجود في بلادنا .. لهذا قررت المغادرة .."
" شجاعة اليأس .. يا عزيزتي !"
" أنتم مشكلتكم قد تنحصر بنظام .. (الماموث) كما تسميه .. أما نحن فمشكلتنا مع كل شيء ، بما في ذلك أنتم ..!"
" أوتظنين خروجنا كان مجرّد نزوة .. أم هم متراكم من كل شيء !"
" أعتقد بان جرثومتكم أكبر من ان يعقمها العالم الآخر الذي تتوقون اليه .. خوفي أن تواصل أمراضكم نموّها حتى لو عشتم في جزيرة روبنسون كروزو !"
" طبعاً سأكون كذلك في جزيرة الأخ كروزو .. لو ذهبتِ معي .. فلن أسمح لقردة الجزيرة بالإستمناء على فخذيكِ !"
" يا قرد .."
" يا سحلية .. يا مربربة !"
" يا مجرم "
تضربني على ظهر كتفي ، التقط ذراعها وألويها ، فجأة أجد ظهرها ملء صدري ، تتأوه ، وقد لامس وجهي صفحة خدها ، تمرّ سيارة فأحررها من قبضتي .. ها نحنذا تفصل بيننا سكين حادّة .. يدعونها الجسد ، لا تجرح فقط ، وانما تنزف موتاً ورعباً هناك بينما يشبه هنا أشياء كثيرة ، قابلة للتبادل والإستهلاك ببساطة أكبر ، مما يفقده احياناً مكانته ، قيمته ودوره ، وهو في كليهما ضائع ما بين حبسه في وحشيّة القداسة هناك ، واستباحته وصفّه على رفوف الأسواق هنا .. حيث أتنقل من البار الى نادي العري كالمهووس بذاكرة هبطت مع أجراس البيرة التي ترن في رأسي مثل ناقوس بعيد في ضباب صباح غائم ، عشته وما عدت اميّز فيه ما بين واقع وخيال ، همس وصراخ ، وكأني ما شاهدت "الماموث" الذي استباح "طيبة" ودمر جبالاً من طيبتها ، وهو يخطو في المحكمة ، ساحلاً ذاكرة خراب متراكم ، وتأريخ مرّ ، بدأ معي من صرخة "ثريا" ، جارتنا التي هجّروها مع أسرتها ، بعد منتصف ليلة رعب بغدادية ، ولا ينتهي بسخريّة "شيرزاد" واصفاً ضابط ألأمن في "كركوك" :" كان يعذبني ويصرخ :" أخ القحبة .. تريد تصير وزير !"
فيضحك ونضحك ، بينما يتدلّى الموت مثل شاهدة في عراء ذاكرة رحت أستعيدها ، محتفلاً ، في سيرك الأجساد هذا ، بينما أشعر بدبيب شوق بارد لصديقتي ، التي ستكون نائمة حتماً ، متدثرة بطمأنينة هادئة بعيداً عن صخب جنون مازال يضجّ فيّ ، رغم مغادرتي أحلام القطارات منذ زمانٍ ، ورغم ان دموعي ما عادت تسيل ، مثل الماغوط ، من قارّة الى قارّة ، حتى وأنا اهمس لكِ ، عبر (النقال) ، بشيء من السكر والغموض ، بينمااقود سيارتي مغادرا سيركات العري :" ربما أنا مَن بدأ يغادر رغباته السحيقة .. هنالك إحساس ، متراكم ، بالعهر كلّما قررنا مغادرة المكان الذي أحببناه .. هي تعدّدية من نوع آخر ، لم ينظّر لها صاحبنا الأحول.. ذاك !"
تضحكين ، ولا أبتسم ، ربما لأني شعرت بشيء ما يتدحرج ويمضي مثل زجاج متكسر.. فلا اقوى على القول أكثر من :
" وداعاً .. !"

نهايةُ مُعامَلَةٍ رَسْمِيَّةِ.
الياس توفيق حميصي

سألتْهُ: هلْ أنتَ متزوِّجٌ.؟.
أجابَها بِرزانةٍ مُفتَعلَةٍ مُتنهِّداً: " نعمْ. أقصدْ لِلأسفْ، نعمْ. أنا مُتزوِّجْ.!. في مُشكِلِةْ.؟.".
اِمتصَّتْ شفتَيْها بِنَهَمٍ فاجِرٍ، نظرَتْ في صدرِهِ المُغَطَّى بِشَعْرٍ كثيفٍ؛ ثُمَّ أخذَتْ نَفَساً مِنْ سيجارتِها الَّتي كادَ فِلْتِرُها يذوبُ بينَ شفتَيْها الورديَّتَيْنِ؛ كانَ يتأمَّلُها بِصَمْتٍ، وعيناهُ تفترسانِهِما وصَدْرَها المُمْتَلِئَ، والشِّقَّ الفاصِلَ بينَ ثَدْيَيْها؛ قالَ في نفسِهِ: "آَهْ، يا بِنْتْ الشَّرموطَهْ، لَوْ تْخَلِّينِي أرضَعْ ها الِبْزَازْ، لَحَتَّى ما اكْتَفِيْتْ بِساعاتْ، يِلْعَنْ أختكْ، شُوْ هَالصِّدِرْ.!.".
فَرَدَتْ ساقَيْهَا بِحَرَكَةٍ مُبَاغِتَةٍ، رافِعةً ساقَها اليُمْنَى، لِتَضَعَها فوقَ ساقِها اليُسرَى، كاشِفَةً عَنْ فَخْذَيْنِ بَضَّتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ مُمْتَلِئَتَيْنِ.
نَظَرَتْ إِليهِ نَظْرَةً اخْتَرَقَتْ أعصابَهُ، فَارْتَعَشَ، سألَتْهُ إِنْ كانَتِ المُعاملَةُ جاهزةً أَمْ لا؛ شَعَرَ بِشَيْءٍ مِنَ القُوَّةِ تَعودُ إِلى شِغافِهِ، اِلتَقَطَ أنفاسَهُ، وَاسْتعادَ بعضاً مِنْ هَيْبَتِهِ المَعْهُودَةِ، إِذْ طالَما هُوَ مِنْ أكثرِ الشَّخصيَّاتِ قُوَّةً وهَيْبَةً في المَدينةِ، ومُديرٌ عامٌّ في مُؤَسَّسَةٍ مَعْروفٌ بِسَطْوَتِهِ ونُفوذِهِ.!
قالَ في نَفْسِهِ: " لِماذا أضعُفُ أمامَ هذهِ القحبةِ إلى هذهِ الدَّرَجَةِ.؟. عليَّ أَنْ أُثْبِتَ لها أَنِّي أقوى مِمَّا تَظُنُّ، بَلْ سأجعلُها تَرْضَعُهُ لِي بعدَ دقائقَ.!.".
رَنَّ الجرسَ بِزِرٍّ صغيرٍ ثُبِّتَ على طَرَفِ الطَّاولةِ الفَخْمَةِ الَّتي يسترخِي وراءَها على كُرَسِيٍّ جِلْدِيٍّ وثيرٍ. سَأَلَها على عَجَلٍ: "شُوْ قَهُوتِكْ.؟."، فأجابَتْ: "سادَهْ".
دخلَ الآذِنُ، "نَعَمْ مْعَلّمِي"، قالَهَا بِخُنُوعٍ وخُضُوعٍ ووَجَلٍ؛ رَدَّ عليهِ: " سادهْ اتْنِيْنْ، بْسِرْعَهْ "، " أَمْرَكْ مْعَلّمْي."، خرجَ الآذِنُ. نظرَتْ حولَهَا، رمقَتِ المكانَ رُكْناً رُكْناً، زاوِيَةً زاوِيَةً، لم تترُكْ شيئاً، مُتَلَفِّتَةً حولَها، مُستطلِعَةً تفاصيلَ المكتبِ مِنْ أثاثٍ وستائرَ وتربيزاتٍ وكراسِيَّ، ثُمَّ توجَّهَتْ إليهِ مُباشَرَةً، مُبْدِيَةً إِعجابَها الشَّديدَ بِمكتَبِهِ، قائِلَةً: لا شَكَّ أَنَّكَ تستأهِلُ - يا أُستاذْ - مثلَ هذا المَكْتَبِ، يبدُو أَنَّكَ مُدَلَّلٌ، ضَحِكَتْ، فَضَحْكَ، وقالَ لها مُتَباهِياً: " نَعَمْ، الحَمْدُ لِلَّهْ، كُلّْ هادا بِفَضْلش اللهْ، إِذا أعطَى أغدقَ بِنِعَمِهْ."؛ فَانفَجَرَ الاثنانِ بِضِحْكَةٍ مُجَلْجِلَةٍ؛ تناولَ سِيجاراً طويلاً مِنْ عُلْبَتِهِ الفِضِّيَّةِ، بِلَّلَهُ بِرِيْقِهِ، مَادَّاً لِسانَهُ، مُحَدِّقاً بِهَا، فأَسْبَلَتْ عَيْنَيْهَا، ورَمَقَتْهُ بِنَظْرَةٍ زَلْزَلَتْهُ، قَضَمَ بِرُؤُوسِ أسنانِهِ طَرَفِ السِّيجارِ، وقذفَ الفُتاتَ بِلِسانِهِ بعيداً، أخذَ الوَلَّاعةَ، أشعَلَهُ، مَصَّهُ بِضْعَ مَصَّاتٍ قصيرةٍ حتَّى توهَّجَتْ شُعْلَتُهُ تماماً، ثُمَّ أخذَ نَفَساً عميقاً، ونفَثَ الدُّخَانَ بِاتِّجاهِ وَجْهِهَا، وهِيَ تتأمَّلُهُ، فَغَطَّتْ سَحابَةُ الدُّخانِ وجهَهَا؛ اِستنشَقَتِ الدًّخانَ مُتَلَذِّذَةً، وأَثْنَتْ عليهِ: " يا اللهْ .!. ما أطيبْ ريحتُوْ.!." ، نفخَ صدرَهُ، وأجابَها: " نَعَمْ، مَعِكْ حَقّْ، هافانا أصلِي، أنا ما بْدَخّْنُو – بِالمُناسَبِهْ- إلَّا بِالأوقاتِ السَّعيدهْ، وْأَنا سعيدْ بُوجودِكْ، وبِيشرِّفْنِي أُنُّو أتعرَّفْ بْهَا الوِشِّ الْحِلُوْ.".
اِرتفعَتْ حرارتُها فوراً، وشَعَرَتْ بِنَسْمَةٍ دافِئَةٍ تَهُبًّ مِنْ بَيْنِ فَخْذَيْهَا، ضَمَّتْهُمَا، وفَتَحَتْهُمَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ، تارِكَةً سَحابةَ الَّلهَبِ الخارجةَ لِلتَّوِّ مِنْ أَتُونِ الإِثارةِ والشَّهْوَةِ تنداحُ على مُرُوجِ فَخْذَيْهَا المَرْمَرِيَّتَيْنِ، فَتَحَتْ حقيبتَها، أخرجَتْ عُلْبَةَ السَّجائِرِ؛ قُرِعَ البابُ بِخِفَّةٍٍ نَقْرَتَيْنِ، " أُدْخُلْ."، قالَها بِصَوْتٍ مُمْتَلِئٍ بالعَزْمِ، دخلَ الآذِنُ، يحمِلُ صينيَّةَ القهوةِ، قَدَّمَ لها الفِنْجانَ، واضِعاً إيَّاهُ على التَّربيزةِ المُقابلةِ لَها، ووضعَ الثَّانِيَ أمامَ مُعَلَّمِهِ بِتُؤَدَةٍٍ وحِيْطَةٍ بارزَتَيْنِ، تراجعَ إلى الخلفِ، قائِلاً: " أْمِرْنِي مْعَلّْمِي.". قالَ لَهُ: " اِنْصَرِفْ. وقُلْ لِلسِّكرتيرةِ أَنْ تأتِيَ إِلَيَّ في الحالِ "؛ "أَمْرَكْ مْعَلّْمِي." رَدَّدَها الآذِنُ بِوَجَلٍ، وخرجَ.
دخلَتِ السِّكرتيرةُ، أشارَ إِلَيْها أَنْ تقتربَ مِنْهُ، ففَعَلَتْ، وأَدْنَتْ أُذُنَهَا اليُسرَى مِنْ فَمِهِ، هَمَسَ لَها؛ " حاضِرَهْ مْعَلّْمِي."؛ قالَتْهَا بِصَوْتٍ مَهْمُوسٍ مِطْواعٍ، وخرجَتْ مُغْلِقَةً البابَ بِهُدوءٍ مُبالَغٍ فيهِ.
***
رفعَتْ يدَهَا نحوَ الهواءِ المُنْبَعِثِ مِنْ جِهَةِ المُكَيِّفِ خلفَها، تتحَسَّسُ الهواءَ الباردَ، قائِلَةً: " رَغْمَ المُكَيِّفِ، أشعرُ أَنَّ الجَوَّ حارٌّ.". قالَ لهَا مُداعِباً مَعَ ابْتِسامَةٍ خبيثةٍ: " هذهِ حرارةُ الإيمانِ.! "؛ فانفجَرَا ضاحِكَيْنِ ضِحْكَةً وصلَ صَدَاها إِلى مكتبِ السِّكرتيرةِ والمكاتبِ المُجاوِرَةِ؛ أشارَ لها بِإِصْبَعِهِ أَنْ تأتيَ لِتقترِبَ مِنْهُ، رَشَفَتْ رَشْفَةً مِنْ فنجانِ قَهْوَتِها، وَأَشَارَتْ لَهُ بِدَوْرِها، لا.!. وقالَتْ: " لِمَ لا تأتِي أنتَ.؟."؛ فأجابَها: " لا شَيْءَ، فقط أُريدُ أَنْ أرى هذهِ القامةَ الهَيْفاءَ."؛ قامَتْ على الفَوْرِ، واتَّجَهَتْ نحوَ طاولَتِهِ، مُنْتَصَبَةً كَأَفْعَى الكُوبْرا، مُلْتَفَّةً حَوْلَهُ مِنْ يَمِينِهِ إِلى يسارِهِ، وهُوَ يَغْزُوها بِعَيْنَيْنِ مُفْتَرِسَتَيْنِ، ثُمَّ الْتَفَّتْ لِمُواجَهَتِهِ، مُرْخِيَةً بِإِلْيَتِها على طَرَفِ الطَّاولةِ، رافِعَةً ساقاً فوقَ أُخْرَى.!.
مَدَّ يدَهُ إِلى فَخْذِها الأَيْمَنِ رافِعاً تَنُّورَتَها القصيرةَ المُثِيرةَ، أَخَذَتْ بِيَدِهِ، وساقَتْهَا على مَهْلٍ طُوْلَ المَسافةِ بينَ الرُّكْبَةِ ونِهايةِ الفَخْذِ صُعُوداً ونُزُولاً؛ قالَتْ لَهُ: " هَلْ رأيْتَ أَرَقَّ وَأَنْعَمَ مِنْ هذهِ الفَخْذِ.؟."، تَسَمَّرَ الكَلامُ في حَلْقِهِ، يَبِسَ بُلْعُومُهُ، تَوَقَّفَ رِيْقُهُ عنِ السَّيَلانِ؛ أَخَذَ فِنجانَ القهوةِ، بَلَّ فَمَهُ بِرَشْفَةٍ كبيرةٍ، ثُمَّ أَنْزَلَها بَيْنَ فَخْذَيْهِ، فَتَوَضَّعَتْ مُؤَخِّرَتُهَا بَيْنَهُمَا، وامتَدَّ جَسَدُها على طُوْلِ ذِراعِهِ اليُمْنَى، وأخذَتْ تَتَلَوَّى، وتَفِحُّ؛ مَدَّ يَدَهُ إِلى أزاررِ قميصِهَا المَفْتُوحِ إِلى مُنْتَصِفِهِ، أخرجَ ثَدْياً، وبَدَأَ يُقَبِّلُهُ، ويَمُصُّ حِلْمَتَهُ، ويَرْضَعُهُ بِنَهَمٍ.
اِنتفضَتْ فجأَةً، حينَ شعَرَتْ بِانتِصابِ قضيبِهِ بالكاملِ تحتَ مُؤَخِّرَتِهَا؛ فَوَقَفَتْ، وعادَتْ إلى مكانِها، وزَرَّرَتْ ما انفتحَ مِنْ قميصِهَا، مُرْجِعَةً ثَدْيَهَا إِلى حَظِيرتِهِ، تَنَفَّسَتْ بِعُمْقٍ، وقالَتْ لَهُ: " أنتَ لا تستحِقُّ.". لقَدْ جعَلْتَنِي أنتظرُ سِنِيْنَ طويلةً لِتُنْهِيَ لِيَ تلكَ المُعاملةَ.!. وها أنتَ الآنَ، تنهمِرُ عَلَيَّ بِكُلِّ عَظَمَتِكِ. مَنْ تَظُنُّ نفسَكَ؟. ها. أنا ذاهبةٌ. ولَمْ أَعُدْ أُريدُ شيئاً مِنْكَ، وَلْتَذْهَبِ المُعاملةُ إِلى الجَحيمِ.!.
اِنْغَرَزَ في مكانِهِ خلفَ الطَّاوِلَةِ مَشْدُوهاً، مُنْصَعِقاً، مَأْسُوراً، لَمْ يُصَدِّقْ مَا يَرَى، ثُمَّ اسْتحالَ فَجْأَةً إِلى وَلَدٍ صغيرٍ مُراهقٍ، فَبادرَ يرجُوها أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ الأمرَ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، وأَنَّ المُعاملةَ شائِكَةٌ، وأطرافُها كثيرونَ، وأَنَّ مِثْلَها يستدعِي وَقْتاً وجُهْداً فائِقَيْنِ لِتنتهِيَ بِسلامٍ؛ قالَتْ لَهْ إِنَّها انتظرَتْ سنواتٍ، على أَمَلِ أَنْ تنتهيَ على خَيْرٍ، وإِنَّها دفَعَتْ ما يكفِي مِنَ الرَّشاوَى، حتَّى كادَتْ تُفْلِسُ، ولَمْ تَنْتَهِ، وإِنَّها قَدْ صَبَرَتْ على المُؤَسَّسَةِ ومُدرائِهَا المُتعاقِبِيْنَ، ومُوَظَّفِيْها الفاسِدينَ، فماذا كانَتِ النَّتيجةُ. لا شَيْءَ. لا شَيْءَ.!.
نظرَتْ إليهِ نَظْرَةً شَرِسَةٍ، وقالَتْ لَهُ بِلهجَةٍ حازِمَةٍ: " كُلًّكُمْ مَنَايِكْ، عَرْصَاتْ.!." هذا ما تُريدُونَ إِذَنْ لِكَيْ تنتهيَ المُعاملةُ. ثُمَّ كيفَ عَرَفْتَ أَنَّني امرأةٌ جميلةٌ.؟. لا بُدَّ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنْ مُوَظَّفٍ أوْ مُوَظَّفَةٍ، مِنْ أَحَدِ أطرافِ المُشكلةِ أَنِّي جميلةٌ. لا بُدَّ أَنَّ أحدَهُمْ نَصَحَكَ بِأَلَّا تُيَسِّرَ لِيَ أَمْرِيَ إِلَّا بَعْدَ مُضاجَعَتِي.!. حَسَنٌ. أنا لا أعرفُكَ مِنْ قَبْلَ، ولا أريدُ أَنْ أعرفَكَ أكثرَ الآنَ. فَقَطْ وَقِّعْها لِي. أَنْهِ الموضوعَ، وستنالَ ما تُريدُ.
تناولَ قَلَماً أخضرَ على الفَوْرِ، أخذَ الأوراقَ المُتَراصَّةَ في مُعاملةٍ عُمْرُها سَنَواتٌ، ودونَ أَنْ يُدَقِّقَ، أَوْ يُراجِعَ ما فيها، كتبَ حاشِيةً تُفيدُ بِوُجُوبِ إِنهاءِ المُعاملةِ، تحتَ عبارةِ "فوريّ".
أمسكَ بِالأوراقِ، ومَدَّ يدَهُ بِاتِّجاهِهَا، قالَ لَهَا: " خُذِي، لَكِنْ أرجوكِ، لا تترُكينِي هكذا كَالأَهْبَلِ. تَعَالِي.!".
أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الآنَ تستحِقُّ جِزاءً كَرِيماً؛ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ، أَلْقَتْ بِجَسَدِهَا على الأَريكَةِ، كانَ صَدْرُها لا يزالُ يعلُو ويهبِطُ بعدَ سورةِ الغَضَبِ الَّتي انْتَابَتْهَا، رَفَعَتْ تَنًّورَتَها إِلى آَخِرِها، نزعت سروالها، باعَدَتْ بينَ ساقَيْهَا، وقالَتْ لَهْ: " اِلْحَسْهُ، بِفَمِكَ فَقَطْ."، رَكَعَ على الأرضِ مُقابِلَها، وَحَشَرَ رأسَهُ بينَ فَخْذَيْهَا، وهُوَ يَشْخُرُ وينخُرُ كَالخِنزيرِ البَرِّيِّ، أخذَ يلعقُ فَخْذَيْها، وفَرْجَها كَالكَلْبِ، اِسْتَسْلَمَتْ لِلشُّعورِ الَّلذيذِ المُفْعَمِ بِالانتصارِ.!؛ ومَا هِيَ إِلَّا ثَوَانٍ حتَّى شَهَقَتْ، وأَطْلَقَتْ زَفْرَةً خَرَجَتْ كَطَلْقَةٍ مِنْ غَوْرِ صَدْرِهَا، مُتَأَوِّهَةً، مُرْتَهْزَةً، أمَّا هُوَ، فقَدْ فتحَ أزرارَ بنطلونِهِ، وأمسَكِ بِقضيبِهِ يُريدُ أَنْ يُورْدَهُ ماءَ فَرْجِهَا العَذْبَ، فأَبْعَدَتْهُ عَنْها، وترَكَتْهُ يُطْلِقُ نِيرانَهُ في الهواءِ، قاذِفاً عُهْرَهُ على الأرضِيَّةِ المُفروشةِ بِالمُوكيتِ الخَمْرِيِّ.
رفعَتْ سِروالَها بِسُرْعَةٍ، أخذَتِ المُعاملةَ بِيدِهَا اليُمْنَى، وبِاليُسْرَى حَمَلَتْ حقيبتَهَا. اِتَّجَهَتْ نحوَ البابِ، فتحَتْهُ، اِسْتَدارَتْ نَحْوَهُ، بَصَقَتْ في وَجْهِهِ؛ وَخَرَجَتْ.!.
تمــــام التلاوي
أريج فواح في المصعد


المصعد فوّاح بأريجٍ, كامرأةٍ خرجتْ للتوّ,
هي ابنة جارتِنا ذاتُ العشرينَ قرنفلةً, قال المدخلُ,
ثمةَ من ينطرُ غُرّتَها في آخرِ هذا الشارع..

يا مدخلُ.. لم أبصر ثمة أحداً
وأظن العطر لزوجةِ جاري المفتونِ بسُمرةِ زوجتِه
فكما أعرفُ أن لها نهدانِ من المسكِ
وأعرف أن لها عادةُ ذبحِ العُشاقِ بريحانِ غوايتِها
فأنا مثلاً ذبحتْني عشرةَ مراتٍ
ورأتني امرأتي اتخبّط عند العتْبةِ عشراتِ المراتْ..

ويظنّ الدرجُ المهجورُ بأنّ العطرَ لزائرةٍ
كانتْ عندَ العازبِ في غرفتهِ فوقَ السطحِ
وقال: هي امرأةٌ تحمل في دمها مِفتاح العالم
ما اقتربتْ من بابٍ إلا فُتِح الحبّ على مصراعيهِ
وخرّتْ لوحاتُ البيتِ سجودا
ذاتَ شتاءٍ حين تعطّل مصعدُنا مرّتْ فوقي بخطىً وادعةٍ
فأصابتني الحمّى خمسةَ أيّامٍ, واكتظّ الوردُ على الدرَجاتِ شهورا..

قال المصعدُ: لا هذي كانتْ فيّ ولا تلك
والأمرُ برمّتِهِ
أنّ الشاعر منذ قليل كان هنا وتذكر من غابت عنه,
فانكسرتْ في عينيه قواريرُ الدمعُ,
وفاحَ الحزن على خدّيه أريجا..

تمام التلاوي
تعرّي ولو لحظةً في المنامْ


أحبّي إذا شئتِ غيري
ولكن دعيني أحبكِ لوْ ساعةً كلَّ عامْ
وإن شئتِ نامي مع الآخرين
ولكن تعرّي أمامي ولو لحظةً في المنامْ

أفيض اخضراراً إذا سقطتْ قطرةٌ
من غمامةِ تَبغكِ في الرَّدهاتِ
وأشبع من كِسرة الحبّ بعد الصيامْ

قليلُكِ مهما يقلّ كثيرٌ عليَّ
وجسمي المُسَجَّى على التختِ
تنهشه ضارياتُ اشتياقي
فلا تبخَلي بالترابِ.. حرامْ

تسيرُ المآذنُ خلف ظلالكِ في الطرقات
وعطركِ يُحرِج وردَ الحدائق
بِنطالُك الجنزُ يُربكُ سيرَ المشاةِ
وشَعرُكِ يُنشِبُ عشرينَ معركةً في الزحامْ

أصدّق أنكِ أجمل مني
وأهلي يقولون لنْ تأخذيني
ولكن ظننتُ حكايتنا ستطول قليلا
وأنّا سنبقى إلى أن يصيرَ الوراءُ أمامْ

تريدينَ أنْ تخرجي الآن.. لا بأسَ لا بأسَ
لنْ أتداعى كبُرجِ التجارةِ
لن أتساقطَ مثل الزجاج المهشَّمِ
فلتُغلقي البابَ دونَ ضجيجٍ
عليكِ السلامْ

غداً ستعودين وحدَكِ لي
وسوفَ تفكّينَ لي في السريرِ الحِزامْ..
منامٌ.. منامْ..
توفيق الحاج
هيولا

"الى التي قالت تأخر "



رعشة الجنس..
منة الملكوت..
أصلي ..
أشكر المولى على نعمة دونها..
يتحجر الهواء..
يتضور الملأ..

..


..ساحل بض
نهدان شامخان
يوقظان المرجل البدوي
أشعلني..
أشد أنفاسي..
أهمس..
كي يبدأ بالعزف الجسد
..
ثمة من يطلق الذئب داخلي ..
ويفتح قمقم الشهوات
يخرج من عيني..
جوع بدائي..
يزهو الانتصاب..
كل شيء في عروقي ينطفئ..
إلا التراب..!!!
..
..

شيئا..فشيئا
تبدأ رقصة ال.. هيولا..!!
تشرق الهنيهة وردا..
وترتعش الحروف ..
على وقع شهي ..
للشفاه..
..
..
أنحني رويدا
أستكشف العناقيد الطرية في كرم أنثاي
أبحثني عن نصفي الهمجي
أعري كل ما خبأت من نزوات في عمري
أعصر الكرمة تحتي
وأواصل متعة العزف..
أضلاعي تذوب
أصابعي تزحف عفوا في انحناء السهل
أسبح فوق مدائني الملساء
يدهشني الخليج
أبدو..
كطفل يتذوق الحلوى لأول مرة
يهزني الدفء ....
تورق الحركات..
أشرعة وسكر
أهتز أكثر
أتاخر..
يتجلى الوحش في
يعوي نصفي الغجري
يا الله..
لم أعد أقوى على اعتقال النهر
أقذف..
يدهمني اليباس..
يجهدني العرق
أغيب عن وعيي قليلا
أرتخى..
أغرق في التعب الشفيف
يا الله
ما أروع الأنثى....
ما أحلى الغرق..!!
شيركو بيكه
قريبا من تَكويرَةُ النَّهدَيْن، تحتَ السُّرَّةِ،
ظلك ينحنيِ
ت: صلاح برواري


الانـــــــزلاق
عارِيَةً تَقِفينْ
أمامَ مِرآةِ الغُرفَةِ،
شَعرُكِ يتهادى على جِيدِكِ وكَتِفَيكِ
كشَلاّلَينِ مِن ماءٍ أسوَدَ!
أو جزيرةٍ بَلُّورِيَّةٍ
تُلاطِمُ أمواجُها جسَدَكِ.
يا لَهُ مِن ربيعٍ أبيَضَ يُشِعُّ ببريقِهِ في عَينَيَّ!.
يا لَهُ مِن ماءٍ بُرونْزِيٍّ
يَتقاطَرُ عليَّ!.
تَكويرَةُ النَّهدَيْنِ
استدارَةُ الرِّدفَيْنِ
دَوَراناتٌ قَوسِيَّة
تنسابُ مِنَ الوَسَطِ
صَوْبَ الفَخِذِ الصَّقيلَةِ المَلْساءْ.
وبسُرعةٍ.. بسُرعةْ
تُصيبُني بالدُّوارِ،
فأنزَلِقُ فُجاءَةً
على زُجاجِ جِلْدِ الهُلْبَةِ.
أَندَلِقُ صَوبَ دُنيا مُعشَوشِبَة،
وَسْطَ مَرْجٍ مُنَدَّى
ذي حشائِشَ ساحِرة.
عَينايَ تَجُنّان،
أصابِعي تَتمرَّدُ و
تُغادِرُ كَفِّي.
الآنَ..
كِلانا
مِرآةُ الآخَر!.



البِرْكَــــــــة

بلِباسِكِ الأزرَقِ الشَّفّاف
تَتمدَّدينَ في السَّريرِ لِتُصَيِّريهِ بُحَيرةً،
أجلسُ على ضِفَّتِكِ نِصفَ عارٍ،
أُحَملِقُ فيكِ كأنّي أراكِ أوَّلَ مَرَّة!
المِخَدَّةُ مُبَلَّلَةٌ
وشَعرُكِ لَمْ يَجفَّ بَعْدُ. شُعاعٌ
خافِتٌ ينسابُ متسلِّلاً إلى الداخِل،
ليُحيلَ جُلَّ البِرْكَةِ إلى لُجَينٍ،
فتأتلِقُ الأقراط. جَعَلتِ إحدى ساقَيكِ هَرَماً،
حيث الحَجَلانِ الأبيَضانِ يَستَظِلاّن!.
وتحتَ السُّرَّةِ
بُقعةُ مَرْجٍ رَطيبة
تشعُّ ضياءً.
أجلِسُ إزاءَكِ
نصفَ عارٍ،
وقد اضطَرَمَ فيَّ
لهيبُ الجَسَد!.
والآنْ..
أنا عارٍ تماماً
وأكادُ أنقلِبُ
صَوبَ هذهِ اللُّجَّةِ الزرقاء،
التي لَنْ أبرَحها
حتى آخِرِ أَزَّةٍ (2)
في سُفودِ الحَسرَةِ
داخِلَ جسَدي!.


الحَمّــــــام

مِن طَرَفِ الحاجِزِ الزجاجيِّ ذاك
تَبدينَ تحتَ رذاذِ الدوشِ الهادِرْ.
ظِلُّكِ أكبرُ من جسدكِ،
ظِلُّكِ يقطُرُ ماءً،
ظِلُّكِ قد عَلَته الرَّغوَة.
تُنادينَني بصوتٍ عالٍ،
صوتٍ مُبتَلّ.
ثَمَّةَ بُخارٌ
يتصاعدُ منَ الظِلِّ.
مِن طرَفِ الزجاجِ المُحزَّزِ ذاك،
يتراءى جسدُكِ مُقَطَّعاً،
يبدو عَكِراً.
أُحسُّ، مِن هُنا، أنني
مِرآةٌ مُضَبَّبة.
تحتَ رَذاذِ الدُّوشِ الهادِرِ
تَقِفينْ،
وظِلُّكِ ينحَني
ولا صَوتَ للماءْ.
ظِلُّكِ يَهرُبُ الآنَ،
وأنتِ تَخرُجين
في إزارِكِ الأحمَرِ.
كُنتِ لا تزالينَ في الرَّغوَةِ،
بينما أنا غاصٌّ في القُطنِ،
أنتظِرُكِ في الفِراشْ!.

الشاعر أوفيد
فن الهوى
2

ولتسرفْ في وعود، فطالما خدعت الوعود النساء،
واختر أي إلهٍ شئت تشهده على قسمك.
فجوبيتر في عليائه يضحك ملءَ شدقيه، على قسم العشاق الكاذب
ثم ما يلبثُ أن يأمر رياح أيولوس بأن تذروه أدراجها.
ولكم أقسم لجونو بنهر ستيكس زيفاً،
فما أحراه الآن أن يناصر من هم على شاكلته.
حقاً إنه من الخير أن تكون ثمة آلهة.


فلنؤمن إذن بوجودهم 1،
ولنحرق لهم البخور،
ولنسكب النبيذ على المذابح العريقة،
فما كان الآلهة في سمائهم غافلين كالنيام لا يبالون.
640 وحذار أي تسيء إلى غيرك، لأنهم يرقبون أفعالك عن كثب.
رد الوديعة إلى صاحبها، والتزام بما وعدت دون احتيال،
ولا تلوث يديك آثماً بسفك دم
وإن كنت حكيماً فلا تخدع سوى النساء، كي تخلص من المتاعب.
واحفظ عهد إلا فيما تقطعه لهنّ،
فلا بأس عليك أن تخدع الخادعات:
ففي أغلبهن الشر، فلندعهن يقعن فيما ينصبنه من فخاخ.
يحكى أن مصر قد نضب من سمائها المطر،
وعاشت أرضها ظمأى تسع سنوات عجاف،
فاقترب ثراسيوس من بوزيريس،
يعرض استرضاء رب الأرباب بسفح دم غريب.
فرد بوزيريس قائلاً: «لأنت الغريب،
ولتكونن اول ضحية لرب الأرباب، وبك تمنح مصر الماء».
وقضى فالاريس بأن يحشر بيريلوس في جوف الثور، ليكتوى بما صنعت يداه[2]
فكان صانع الشؤم أول من اختبر صنيع يديه.
بوزيريس وفالاريس، كلاهما عادل،
فليس أكثر عدالة من قانون يقضي بموت من أملت عبقريته عليه صنع الموت.
وليس أكثر عدالة من أن تجزى الخيانة بخيانة مثلها،
ومن أن تذوق المرأة ألم الخيانة الذي أذاقته غيرها من قبل.
الدمع سلاح يفل الحديد.
فهيئ لفتنتك ما وسعك الجهد أن تشهد وجنتيك منداتين.
660 وإن أخفقت في استدراك دمك
[فقد لا يستجيب إليك طيعاً حين تريد]،
بلل عينيك بقطرة ماء.
أي حكيم لا يمزج بين القبلات والملاطفة؟
إن تمنعا عنك القبلة، حاول أن تجنيها قسراً،
قد تلقى منها مقااومة وتسبك قائلة «يا وغد»،
بينا هي في الحق تتوق لأن تستسلم بين يديك.
ولكن إياك أن تغلظ في القبلة المخطوفة، كي لا تدمى شفتيها الرهيفتين،
وتتيح لها أن تندد بغلظتك.
القبلة وحدها ليست غاية،
فمن لا يظفر بها يتبعها، غير جدير بأن ينعم حتى بما منح.
فيم انتظارك بعد القبلة؟
إن لم تصل السعي لبلوغ المأرب، فلا تتعلل بالحشمة، فالسر ما ينتابك من خور،
ولا ضير إن جنحت للعنف أحياناً، فكم تستطيبه النساء،
يفضلن أن يهبن مكرهات ما هن راغبات في منحه.
وما أسعدها تلك التي تأخذها على غرة،
فهي تفسر جرأتك على أنها خير تحية لها.
أما تلك التي تمضي دون أن تمسها، وكان في وسعك أن تعنف بها لتخضعها
فصدقني، أنها شقية وإن بدت سعيدة.

680 - لقد ذاقت فويبي وشقيقتها هيلايرا مع السبى عنف التوأمين كاستور وبوللكس،
ومع هذا ظفرتا بأعذب متعة في كنف الأسر.
فكل مغتصبة تحس متعة مع مغتصبها
ومع أن قصة العذراء دايداميا الإسكيرية وعشيقها أخيل الهايموني ذائعة الشهرة
إلا أن ذكراها جديرة بالإلماح.
وما إن أهدت فينوس لباريس حب هيلينا،
نظير حكمه لها بجائزة الجمال تفوقاً عى جونو ومنيرفا،
ووفدت هيلينا الإغريقية إلى قصر بريام الطروادي،
حتى أقسم أمراء الإغريق جميعاً يمين الولاء لمنيلاوس زوج هيلينا جريح الفؤاد،
ومضوا معه للأثر من طرواده، فغدا عذاب فرد قضية أمة.
وعلى نحو مخز أذعن أخيل لضراعات أمه ثيتيس،
واستخفى في زي امرأة، حتى يفلت من مصير مشئوم في حرب طروادة.
أي أخيل،
ما كان غزل الصوف حرفتك،
بل شهرتك فنّ آخر... ترعاه «باللاس»،
ما لك وصناعة السلات، فما أخلق ذراعك بحمل الترس؟
وما لكفك التي ستصرع بها هيكتور «وشلات» الصوف؟
طوح بالمغزل ولفافاته المضنية بعيداً،
فقبضتك جديرة بأن تسدد رمحاً من خشب أشجار جبل بيليون.
وكانت الأميرة دايداميا في قاعة تضم أخيل متخفياً في زي أنثى،
ولم تكتشف أمره إلا بعد أن نالها غصبا.
وما كان من الممكن أن ترضخ لو لم يخمد بالعنف مقاومتها.

700 ولكن ما أسرع ما نسيت عنفه وتاقت أن يعاود الكرة،
بل لقد ناشدته أن يمكث حين اعتزم الرحيل عنها.
لكن أخيل نحى المغزل،
خلع ثياب الأنثى، وامتشق سلاح الأبطال.
ما خطبك يا دايداميا، أتستبقين هاتك عرضك قسراً بنداءات مغويوة؟
قد تخجل المرأة أحياناً من أن تبدأ،
ولكن ما اشرع أن تغمرها النشوة ساعة يأخذ الرجل بزمام المبادرة.
العاشق المغرور وحده يرقب أن تبدأ محبوبته بمغازلته.
اخط الخطوة الأولى واضرع إليها،
فكم يطيب للمرأة ما تنطوي عليه الضراعة من إطراء.
دبر لها ضريعة تحفظ لها حياءها، إذن تمنحك ما تصبو إليه.
وقديماً مضى جوبيتر نفسه ضارعاً إلى بطلات الزمن الغابر،
فلم نسمع عن إحداهن بدأت بمغازلة رب الأرباب.
ولتتراجع خطوة إذا اكتشفت أن ضراعاتك تزيدها عنتاً.
ومن النساء من يتشبثن بمن يبادر بهجرهن،
وينفرن ممن يرتمي لاصقاً بأعتابهن.
فرافقهن هوناً حتى لا يسأمنك
ولا تكشف في ضراعاتك عن رغبة في تملكهن.
وليشق الحب طريقه مقنعاً بخمار الصداقة.
فقد صادفت امرأة متمنعة ذات مرة، خدعتها الوسيلة عينها،
720 فاستحال الإعجاب عشقاً مدلهاًَ.
*****
عار أن تبقى بشرة الملاح بيضاء صافية.
الملاح الحق من يلوح بشرته وهج الشمس وملح البحر،
والفلاح الكادح وسط عراء الحقل لا تبقى بشرته بيضاء صافية
بينما يفلح الأرض بمحراثه المحدب ومسحاته الثقيلة.
والرياضي الطامح في أن يتوج هامته إكليل غار الربة بالاس،
يحرص على ألا يبدو جسده أبيض صافياً.
أما العشق فيغشى بشرة العشاق بشحوب الوجه،
وما أحمق من يتصور أن شحوب البشرة يزري بالعاشقين!
أو لم ينعم أوريون الشاحب الوجه بفتيات غابات ديركي[3]؟
وهل رفضت دافنيس[4] الشاحب غير حورية واحدة [بعدما خانها]؟
وليكن الهزال أيضاً دليل معاناتك،
ولا تستح أن تحجب خصلات شعرك اللامع تحت قلنسوة.
وليالي السهاد كفيلة بيت السقم في أجساد العشاق،
كما يبث فيها الجوى المشبوب القلق والشجن.
ولكي تبلغ تصبو إليه، تظاهر بما يبعث على الإشفاق عليك،
حتى يدرك من يصادفك أنك عاشق معنى.
أتراني أشكو أم أحذر من امتزاج الخطأ والصواب حين أقول:

740 ما أكثر ما تكون الصداقة اسماً والوفاء خرافة.
لذا، ليس من الفطنة النسيب بمحبوبتك أمام صديقك.
فما إن يقف على أوصافها، حتى يتسلل ليغتصب مكانك.
حقاً لم يدنس باتروكلوس بن أكترو [5] فراش صديقه أخيل،
والتزمت فيدرا بالعفة في علاقتها ببيريثوس[6].
وكذلك أحب بيلاديس هيرميونيه الحب الطاهر[7]،
الحب نفسه الذي حمله فويبوس لشقيقته باللاس،
والتوأمان كاستور وبوللكس لشقيقتهما هيلينا.
ولكني أنذرك:
إذا كان هناك من يتعلق بهذا الأمل،
فدعه يأمل أن تثمر شجرة الطرفاء تفاحاً،
ودعه يبحث عن الشهد في مجرى النهر.
فالمرء لا يعبأ بغير متعته،
وأروع متعة هي أكثرها مجلبة للعار،
تحلو إن نبعت من آلام الغير،
مهما أورثتنا من لوم أو تأنيب،
فما أغنى العاشق عن أن يكون له غريم.
أهجر حتى من تثق في وفائهم تأمن.
واحذر قريبك وأخاك ونديمك،
إنهم واخجلاها مكمن الخطر!
كنت أهم بأن أختم حديثي، لولا أن النساء قلب،
ولا مهرب من أن نتزود بألف وسيلة
كي نقوى على مواجهة أنماطهن المختلفة.
فالحقول لا تتماثل عطاء،
هذا ينتج كرماً وذاك يغل زيتوناً، والآخر يغمرنا حنطة.
وكذلك تتباين أنماط القلوب تباين ما في العالم من أشكال.
760 الحكيم هو من يكيف نفسه لوفق شتى المواقف،
وله أسوة في بروتيوس الذي يتشكل كيف شاء،
تارة موجاً أو أسداً، وتارة شجرة أو خنزيراً برياً فظاً.
ونحن نصيد السمك هنا بالرمح، وهنا بالشص،
وهناك بالحبال المشدودة في الشباك البعيدة الغور.
ونفس الحيلة لا تنجح مع كل فريسة،
فالوعل اليافع يلمح الفخ من بعد بعيد.
ناشدتك ألا تتحذلق أمام ساذجة أو تتماجن مع محصنة،
وإلا زعزعت ثقتهما بنفسيهما.
فما لتبث الأنثى التي تتهيب عاشقاً مهذباًَ
أن تؤثر الانحدار إلى أحضان وغد داعر.
*****
والآن وقد فرغت من نشيدي الأول،
فلنلق بالمرساة هنا هنيهة،
كي يخلد قاربنا للراحة قبل أن نصل الرحلة.

*****

[1] كثيراً ما استند النقاد على هذه الأبيات للقول بأن أوفيد كان لا أدريا في معتقداته. ولكن تمعن النص يبين أنه يقر عبادة الآلهة بل يحبذها على ألا يظن الناس (كما كان الفلاسفة الأبقوريون يظنون) أن الآلهة في سمواتهم لا يهتمون بما يحدث في الدنيا. فيعتقد أوفيد أن الآلهة يتدخلون في أمور البشر من وقت لآخر ومن حيث لا يشعرون، لذلك تحسن عبادتهم عبادة خاشعة على أمل أنهم سيثيبون الأبرار ومن لا يوقع الضرر بالآخرين. وواضح أن أوفيد يخشى ألا يستطيع الإنسان أن يعيش حياة صالحة إذا لم يستشعر قوة عليا تراقبه وتحاسبه. ولم تكن الديانة التي يعنيها تلك الديانة البدائية الغليظة المرتبطة بالعبادات اللاتينية المحلية الشعائرية، بل الديانة الإغريقية العامرة بالأساطير اللماحة الرامزة لأحوال النفس لأحوال النفس وظواهر الطبيعة. وليس من مكان للديانة المحلية سوى ربة الحظ «فورتونا» التي لا ترقى إلى مستوى الآلهة وإن كانت تعد منفذة لإرادتهم في أمور الدنيا. وكان هذا الميل نحو الديانة الإغريقية القديمة متجلياً أيضاً في اتجاه الامبراطور أوغسطس نحو تمجيد فكرة النظام والاستقرار رغم تقلبات الطبيعة والدهر. وكانت الديانة الرسمية في الامبراطورية الرومانية تعد الامبراطور بمثابة ممثل شخصي لرب الأرباب جوبيتر على الأرض، بل وتدعوه «الإله الحاضر بيننا»، ومن ثم غدت الديانة الرسمية وسيلة لربط الأمة بولاء ديني موحد ومشترك لا يهتم بتعاليم دون أخرى، وإنما يفتح المجال للديانة الموحدة الإغريقية القديمة التي لا ترتبط بآلهة قبائلية محلية متفرقة، كما كانت الحال في إيطاليا قبل تأسيس الامبراطورية الرومانية، فأصبح الآلهة حلفاء الدولة والدولة حليفة الآلهة.
أما أوفيد، فكان يحاول مسايرة العقيدة الرسمية السائدة لأسباب بديهية، وإن كان لا يهتم كثيراً بأمور السياسة والملك على حد قول الأستاذ هرمان فرنكل في كتابه «أوفيد... شاعر بين عالمين»: «لم يؤمن أوفيد إلا باثنين: الفن والإنسان». واهتمامه بالأساطير هو من مظاهر إيمانه بالفن والآداب وليس دليلاً على معتقدات دينية معينة.
[2] فالاريس طاعية أجريجنتوم، كان قد طلب بيريلوس الفنان الأثيني أن يصنع له ثوراً نحاسياً يحشر في باطنه المجرمين ويحرقهم أحياء فتصدر صيحاتهم تحاكي خوار الثور.
[3] كان أورويون قناصاً شهيراً يصيد الحيوانات المفترسة في غابات ديركي بجوار طيبة، حيث عذّبت ديركي بأن شدّ إلى ذيل ثور متوحش جرها على الصخور عقاباً لها على أسرها لأنتيوبي مطلقة زوجها ليكوس ملك طيبة، وحولها الآلهة بعد ذلك إلى نافورة رحمة بها.
[4] دافنيس هو ابن هرميس [مركوريوس] وإحدى الحوريات، اشتهر بأنه مبدع الشعر الرعوي. ولد في أجمة من شجر الغار حيث تركته أمه ليموت، إلا أن حوريات الغابة رعينه وربينه كما علمه الإله بأن عزف الناي فبرع وامتاز. وكان جميلاً وسيماً أحبته بعض نساء البشر وبعض الحوريات، بيد أنه خان إحدى الناياديس التي كانت تعشقه فانتقمت منه وأعمته. فرفعه هرميس إلى السموات وفجر ينبوعاً من مكان صعوده أخذ الرعاة يختلفون إليه كل عام لتقديم القربان إلى روحه.
[5] باتروكلوس كان صديق أخيل الحميم اشترك معه في معارك الحرب الطروادية حتى صرعه هكتور، فحزن أخيل على موت صديقه حزناً شديداً. والمقصود أن تلك الصداقة الكبرى بين الاثنين تحرّم باتروكلوس أن يخون صديقه بأن يغازل شريكة فراشه وهي أسيرته بريزييس.
[6] كان بيريثووس ملك اللاييث صديقاً حميماً لثيسيوس فرعي حرمة زواج هذا الأخير من فيدرا.
[7] كانت هرميونيه زوجة لأريستيس، أما ببلاديس فكان أعز أصدقائه.