المشاركات الشائعة

الاثنين، 27 ديسمبر 2010

إلى معذبتي إيمان
مانقدرش على فراقك ياعيني        وإذا غبتي في دقيقة نتوحــــــــش
غايب عقلي في هواك مبكيني          وإذا غبتي في دقيقة نتوحـــــــــش
وأنا ساهل غي بضحكة تديني          وقلبي يضعف من هواك ويتهشهش
تفوتي عليا وعارفة مايقتلني           وحتى أنا نبغي العزيزة تتقلــــــــش
تمشي مشية غير شوف وخليني           وكي نلقاها باغية وتدير النــــــش
ونروح مع طيفها ويجريني               ويسمح فيا عند بابك حين يخــــش
وشعرها عند الفراق يودعني           وحين تهزو باي باي أنا ريـــــش
الجنس في مصر القديمة
قسم الآثار المصرية

مثلهم مثل باقي شعوب الأرض العاشقة للحياة لم يخجل المصريون من عرض تصوراتهم عن الجنس وكيفية الأعداد له وصيانة القدرة على فعلة والاستمتاع به، ظهر ذلك جلياً في الأشعار والأغاني وعلى جدران المقابر والمعابد حتى النصوص الدينية التي لم تخلو من الأشارة لذلك، لكن يجب ورغم ذلك الاشارة إلى ان النصوص الرسمية تمتعت بقدر أعلى من التحفظ أما النصوص الشعبية والمدونات فلم يكن لها سقف محدد، لكنها بقت في النهاية في الاطار الإنساني المشترك، رغم عدم صحة الجملة الأخيرة فلسفيا. امامنا مثال طريف وهو بردية تورين رقم 550001 (turin papyrus) والتي اكتشفها شامبليون في غرب طيبة بالقرب من مدينة العمال والفلاحين، تعرض البردية ثلاث جنسية أوضاع مختلفة، وهناك الكثير من هذه الأوضاع رسمت على شقفات الحجر، ثم من الأمور التي بدت محيرة لي وأنا أتناول موضوع الجنس في مصر القديمة هو لجوء المصريين إلى وسائل منع الحمل مع أن عدد السكان كان منخفض بالقياس لمساحة الأرض الخصبة وكمية العمل المطلوبة سنوياً، ويدلل على ذلك مظاهر الرخاء الذي تمتعت به مصر آنذاك

حيث ان المصادر التي نقلت الينا وصفات منع الحمل لم تذكر الاسباب الداعية الى إستخدامها فلا يبقى لي الا تخمين سبب اللجوء لتلك الوسائل. لربما كانت الوصفات لمن تعاني مرضا ما ويشكل الحمل خطراً عليها، او لربما كانت الوصفات للطبقات العليا من المجتمع للحفاظ على جمال الجسم، أو ربما كانت هذه الوصفات للنساء اللواتي يقدمن اجسادهن لزوار االمعابد المقدسة ، أو خادمات المعبد . ومع كل هذه الاحتمالات إلا ان البرديات تؤكد لنا السيدات المتزوجات هما من مستخدمي هذه الوصفات، فمثلا في بردية إبرس رقم 783، نقرأ الفقرة التالية: " بداية العلاج الذي سيقوم به المرء للزوجة لكي تتوقف عن الإنجاب لمدة عامين أو ثلاث أعوام: يطحن البلح والحنظل والكافور في إناء من الفخار ثم يعجن (الخليط) مع عسل النحل وفتائل من الكتان، ليوضع داخل مهبل المرأة. ومن بردية برلين رقم 192 نتعرف على وصفة أخرى لا نعتقد في نجاحها: يجب أن تبخر الرحم بحبوب الشعير. وحتى لا يصل السائل المنوي له يطبخ قليل من الزيت وقليل من الكرفس وقليل من البيرة المحلاة لتشربه صباحا


الختان:

لم يعرف المصريون ختان الفتيات، لكن بالنسبة للأولاد كان يعد بمثابة أعداد الفتى لممارسة فعل الذكورة. وقد وصلنا من مقبرة الطبيب عنخ ماحور في سقارة، من عصر الأسرة السادسة، نهاية الدولة القديمة نحت جداري يمثل عملية الختان لاحد الفتيان

لغوياً

كان يطلق على الرجل الذي لم يدخل تجربة الذكورة بعد لفظ: عمعم، وعلى البنت البكر لفظ عمعت، أما الرجل صاحب التجربة فهو: نمنمي، أما زير النساء فهو: نكو
أما المخصي فيطلق عليه لفظ: سختي

الألفاظ الدالة على عضو الذكورة: باح، مت، نفر، حمس، حنن، قرنت

الألفاظ الدالة على عضو التناسل الانثوي: إيوف، شد، كات
كما كان يطلق لفظ: باجج للعضو ضعيف الانتصاب

الألفاظ الدالة على الفعل الجنسي
عاع: يعشر، يقذف
منزا: القذف والاورجازم
عمق: يعشر
وبا: يفض البكارة
بنن: ينكح
باي: ينط
بند: يخصب
منمن: ينكح
نوح: يعشر
رخ: يعشر
نهب: يعشر
نكيكي: يحبل
هد: هيجان جنسي
حاد: يثير
خنب: تستقبل ماء الرجل
سما: يضاجع امرأة
سنهب: التحضير للمعاشرة
دادا: ينكح
ناك: ينيك

وكما نلاحظ فإن اللفظ الأخير " ناك" هو اللفظ الشائع حاليا في العامية دون الاعتراف به كتابياً كأحد تجليات الوقار الكاذب. إذ رغم أن اللغة العربية صدرت الينا عدد كبير من الألفاظ البديلة مثل حرثها، ولامسها، ورفثها، وباشرها، ونكحها، وعرفها وعاشرها، وجامعها، إلى جانب ألفاظ الإفضاء والوطء والمتعة والسر والبُضع والتماس، ومع ذلك بقيت أغلب هذه الألفاظ حبيسة الخطاب الديني وأروقة المحاكم الشرعية والقواميس واللغة الادبية النخبوية، أما في لغة الشارع اليومية والحية فتستخدم كلمات اللغة المصرية القديمة: ناك، وينيك، ومتناكة، ونييك، إلخ. وفي القبطية اللهجة الفيومية: نويك، وفي اللهجة أخميمية: ناييك، وفي اللهجة الصعيدية: نايك

هذا اللفظ المصري الأصيل استخدمه أجدادنا في حياتهم اليومية ولغة الأدب تعبيراً عن الفعل الذكوري سواء مع الأنثى أو بطريقة الاستمناء، وظهر التعبير كثيرا في النصوص الدينية المقدسة وفي مادتها المعجمية نجد أيضاً: نكيكي بمعنى يعشر، نكو بمعنى زير نساء، نكك بمعنى مضاجعة الفتيان. لكن عند انتقال اللفظ المصري الى اللغات السامية انحصر استخدامها عندهم على الفعل " الجنسي مباشرة وبمضمون غير سامي". وبدخول المسيحية الى مصر وترجمة التوراة إلى القبطية تقلص مجال الكلمة الدلالي السابق لينحصر في الفعل الجنسي متأثرا بالنص التوراتي ووصايا موسى العشر (سفر الخروج20، 1) : לא תנאף (لو تناك) لا تزنى، كما ظهرت في التوراة أكثر من خمسة عشر مرة بنفس المعنى، وأصبحت الكلمة أسيرة المعنى السامى وأصبحت تشير للفجر والكفر في القبطية تحت تأثير النص التوراتي. في اللغة العربية لا تدل الكلمة على فعل الزنى بالمفهوم الديني له، كما هو الامر في العبرية، لكنها تقف وحيدة في مادتها المعجمية، نيك: ناكها، ينيكها بمعنى جامعها

وجاء في المثل العربي القديم: من ينك العير ينك نياكا، والعير هو الحمار، وكان هناك أكثر من تعبير عن العاهرة، فكان يطلق عليها " مست" وترجمتها الحرفية الصبية، او الوليدة، وكذلك اللفظ " خنمت" وهي مشتقة من الفعل يفرح، ينعش، لكنها تشير أيضاً مرضعة سواء كانت أميرة أو ملكة أو ربة. وكذلك أطلق علي العاهرة اللفظ: تاحوت، هو في الواقع لفظ من ألفاظ السباب القبيحة أعتقد أنها على صلة بالكلمة التي تشير لخميرة البيرة التي تترسب في قعر الجرار، فربما كان معناها المرة القعر، كذلك كان يطلق لفظ " كات" بمعنى عاهرة لكنة أطلق أيضاً على فرج الأنثى، فقد ورد في إحدى البرديات الطبية " شساو ست حر من كات س " علاج لمن يؤلمها فرجها، الطريف أني اكتشفت أن الكلمات المعبرة عن العاهرة، مست و خنمت و تاحوت و كات، تشير أيضا للغذاء الأساسي للمصريين وهو الخبز لكن طبعا بتغير العلامة المعبرة عن المعنى. أما كلمات السباب ذات المدلول الجنسي فمنها
حم: خول
نكو: داعر


آلهة الجنس والخصوبة

أوزير: إلى جانب كونه إلهاً للعالم الأخر وسيد الغرب وسيد الخلود، فهو رمز الخصوبة ويظهر ذلك لنا أول ما يظهر في مستويين في الأسطورة الأوزيرية، المستوى الأول عندما جمعت إيزيس أشلاء زوجها أوزير ولم يكن بينها العضو التناسلي لأن السمك كان قد ألتهمه، فعجنت له عضو بديل منتصب وضاجعته وحبلت منه وجاء للوجود حورس وريث العرش الأسطوري لمصر، لذا تصوره الرسومات في صورة مومياء بعضو ذكورة منتصب. المستوى الثاني أن أحد أسباب الصراع الدامي بين أوزير رب الخير والنماء والخضار والخصوبة وست رب الصحراء والجدب والأجواء المتقلبة أن الأخير قد دخل على زوجته نفتيس فوجد على فراشة حزمة من البرسيم والتي تشير ميصيولوجيا إلى الخصوبة فعرف أن زوجته قد عاشرت أوزير وفيما بعد نعرف أنها أنجبت " أنوبيس" وتخلصت منه خوفا من ست لكن إيزيس تبحث عنه وتجده وتربية وهو الذي سيكفن أبيه أوزير فيما بعد فأصبح حاميا للجبانات

أما على مستوى الطقوس فقد اعتاد المصريون عمل تماثيل على هيئة مومياء اوزير بخليط من الطين والقمح وربما حبوب أخرى، وفي الربيع يتفجر هذا الخليط خضارا ويحتفل بعيد الربيع حيث الخروج للأماكن المفتوحة وكانت تقدم القرابين لاوزير والإله مين رب الخصوبة وخصوصا الخس البلدي، حيث كان المصريون يعتقدون في قدرة هذا النبات على زيادة الدافعية الجنسية وزيادة الخصوبة، ومازلنا نحافظ على جزء من هذه الطقوس في أعياد شم النسيم وهو دوما يتلي عيد القيامة، الذي كان في الأصل قبل ظهور المسيحية عيد لقيامة أوزير في الربيع وامتصته المسيحية فيما امتصته من طقوس عدة
بس (bes or bisu): قد يبدو من ملامح الإله بس أنه أفريقي المنشأ، فهو بوجه أقرب للأسد وبلحية كثيفة وشعر غزير وزيل طويل، هو أولا حامي من الثعابين والأشباح لكنه أيضا إله الطرب والفرح والمتعة، وعلى الاخص حامي الاطفال والنساء عند الولادة، انتشرت عبادته في أنحاء حوض الأبيض المتوسط في العصر الهيليني. وفي نسخة اخرى له اكتشفت في تركيا وموجودة في متحف الاثار Selçuk، وفيه يظهر عضوه الذكري قائم على اقصى مداه ويصل طوله الى طول ثلثي التمثال، وقطره بقطر رجل الاله.

مين: معنى الاسم غير معروف، يصور واقفا في هيئة أوزيرية منتصب العضو الذكري وأحيانا ممسكا به بيده اليسرى، وأحيانا يصور وهو يرفع يده اليمنى، هو إله الخصوبة والفحولة الجنسية، عندما دخلت بعض الآلهة السورية مصر ومنها ربة الجنس والخصوبة " قادشو" تمت المزاوجة بينهما. هذه الربة تصور دائما عارية، واحيانا واقفة على ظهر اسد او حصان. وتحمل بيدها زهرة والاخرى حية. هذه الشخصية تظهر بأسماء اخرى ايضا مثل: anat, astarte, asherah.
حتحور (Hathor): هي من أقدم الربات في مصر، ظهرت بعدة صور منها في هيئة نوت ربة السماء، وهي أم وزوجة حورس حتى أن اسمها والذي يتكون من مقطعين يشير لذلك " حت" أي بيت، و " حور" أي حورس أي انها بيت حورس أي السماء، هي أيضا ميثولوجيا أبنة إله الشمس " رع" ، صورت في الغالب في هيئة بقرة أليف لكنها صورت أيضا في هيئة بشرية، هي ربة النساء، والتي ترعى شئونهن الجنسية وتنميها، هي باختصار الرمز النسوي في الخليقة، من أسمائها: ربة العضو الجنسي النسوي (فاجينا)، وتستدعى للتبارك بها أثناء ممارسة الجنس والحمل والولادة
قدشو (Qadesh): ربة الخصب في سوريا السامية وفلسطين. ويعني الاسم بالأرامي: "المقدسة". دخلت هذه الربة الى مصر مع أفواج المهاجرين من سوريا، وجرى تقديسها في الدلتا كربة للخصوبة. وقد ساوى المصريون بينها وبين حتحور
باستت: الربة صاحبة وجه الهرة، كان محل عبادتها تل بسطة الذي مازال يحمل في اسمه بصمتها، وكانت تقام فيها الاحتفالات في معبد الربة حيث الرقص والشرب وممارسة الحب، وفقا لرواية هيرودت الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد لكن ليس لدينا دليل اخر على اقواله


الجنس في الأساطير المصرية


من مجموعة برديات كستر بيتي التي اشتراها من أحد أهالي البر الغربي في طيبة عام 1928، واحدة منها دون عليها قصة الصراع بين أوزير وست ومواصلته على يد إيزيس وحورس لينتقم من قاتل أبيه ويستعيد عرش البلاد، وتحاول إيزيس بالحيلة أن تستدرج حورس للاعتراف بحق حورس في عرش مصر، بان غيرت هيئتها في صورة انثى لعوب وما أن شاهدها ست حتى أخرج عضوه وبدأ في الاستمناء. وبعد عدة لقاءات بين حورس وست مع تاسوع هليوبوليس، يبدأ عهد السلام بينهما

هنا يقول ست لحورس: تعال معي ولنقضي يوما سعيدا في بيتي، وعندما جاء الليل ناما، وفي الظلام دس حورس عضوه التناسلي بين أرداف حورس، لكن في اللحظة المناسبة يستطيع حورس مد يده بين فخذية ويتلقى السائل المنوي في يده. ويذهب حورس شاكيا لأمه ايزيس فتقوم. بقطع يد حورس وتلقي بها في النهر، وتصنع له يداً بديله، ثم تضع موع من الزيت على عضو ذكورة حورس وتدهنه حتى ينتصب وتأخذ سائله المنوي ووتضعه على الخس الذي يأكل منه ست، وبهذه الطريقة دخلت نطفة حورس في جوف ست والتي ستخرج، فيما بعد، من رأسه على هيئة قرص الشمس

في قصة الأخوين، هناك مشهد غير مفهوم بالمرة، فالفتى " " باتا" يهرب من اخيه بعد أن ادعت زوجة أخيه بأنه حاول الاعتداء عليها، لكنه في طريق هروبه يشبك قلبه في أعلى زهرة في شجرة أرز، ثم تهبه الآلهة رفيقة جميلة ، احبها جدا، وذات يوم قال لها: لا تخرجي حتى لا يخطفك البحر، لاني مثلك بلا عضو ذكورة ولن أستطيع نجدتك، فإن قلبي في أعلى زهرة في إحدى شجرات الأرز" حتى الآن غير مفهوم العلاقة بين عضو الذكورة والقلب، وكيف حاول الاعتداء على زوجة اخيه وهو بلا عضو ذكورة؟


مقتبس من كتاب الموتى، الفصل السابع عشر:
أنا اعرف ذلك الإله العظيم
- من هو؟
هو أوزير، وفي قول آخر: رع هو اسمه، المقدس من رع هو اسمه
هو العضو التناسلي لرع الذي به أضجع مع ذاته

وقد استخدمت كلمة ناك للتعبير عن المقصود، أما تعبير أضجع مع ذاته فهو تعبير عن الاستمناء الذي قام به رع لبداية عملية الخلق، فهنا يتم التوحيد بين خبرو أحد الآلهة التي تجسد الشمس الوليدة كل صباح وبين رع: توحدت مع يدي وعانقت ذاتي بحب وقذفت بسائلي المنوي في فمي وبصقت لي أبناء شو وتفنوت. كما أن هناك نص آخر يشير إلى أن المصريين جاءوا من دموع حورس، أما الزنوج فقد استمنى حورس من أجل وجودهم، ربما كان الخط الرابط بين الحكايتين يكمن في كون فكرة الخلق بالاستمناء هي فكرة أفريقية الأصل

جاء أيضا في الفصل رقم 125 وهو فصل الاعتراف السلبي وفيه ينفي المتوفى قيامة بالمعاصي، ومن هذه المعاصي بالطبع الجنس غير الشرعي، وهنا استخدم النص لفظ " ناك " الذي أشرنا إليه، الطريف أن في البرديات التي كتبت لسيدات حافظت على نفسها نفس التعبير، وهنا يكمن سؤال: هل هذا التعبير " ناك" كان يستخدم للجنسين، أم هي قيود النص الديني؟


أخلاقيات الجنس في العصر الفرعوني

في نص جميل وصلنا من عصر الدولة الحديثة، لكاتب يدعى " آني" ينصح فيه أبنه " خنسو حتب" بالعديد من النصائح العامة جاء فيها عن العلاقة مع الأنثى التالي:
احترس من المرأة الغريبة التي لا يعرفها أهل بلدتها، لا تغازلها ولا تضاجعها، فهي كالبحر العميق لا يعرف الرجال مساراته. أما المرأة البعيدة عن زوجها التي تقول لك يوميا " أنا جميلة" عندما تكون بعيدة عن أعين الناس ستجيئك لتوقعك في حبائلها، احترس فهذه خطيئة

ومن نصائح بتاح حتب التي صاغها لأبنه في عهد الملك اسيسي، نجده ينصحه بكيفية التعامل مع الزوجة


تزوج، واجعل زوجتك سيدة قلبك، اشبع بطنها واكسيها، وبالدهان جدد أعضائها، أسعد قلبها طول الحياة فهي حقل خصب لبعلها ... .. وإذا كنت تريد الصداقة في بيت دخلته سيدا أو خادما فلا تقترب من نسائه

عام 1964 اكتشف باحث الاثار المصري احمد موسى مجموعة من الاثار قرب الهرم Unas في منطقة، Saqqara. في الرسومات نرى رجلين يمسكان بأيد بعضهم البعض وهم يتباوسوا. والاغرب انه قد ظهر ان المبنى الذي عثرت فيه اللوحات كان قد جرى بناءه من اجل ان يعيشوا مع بعض ويموتوا مع بعض. كلا الرجلين كانوا يملكون المكانة الاجتماعية ذاتها في قصر الفرعون Niuserre العائد للاسرة الخامسة، حيث تذكر الكتابات انهم كانوا رؤساء ورش النسيج. على مدخل احد الابواب نجد ان اسماءهم قد نقشت عليه. عند ترجمة الاسماء يظهر واضحا انهم قد غيروا اسماءهم الاصلية من اجل ان يعكسوا علاقتهم التي يفتخروا بها، إذ ان معنى الاسم الاول هو: الوحدة مدى الحياة، في حين اسم الثاني: لتتبارك الايام حتى الموت، ومع بعض يصبح معناهم " متوحدين في الحياة والموت". احدى اللوحات تشير الى ان احدهم كان متزوجا ولديه اطفال، وتم إزالة صورة الزوجة، ليصبح الرجال الشخصيات الرئيسية.
المتجردة
رحاب ضاهر



1
ِ
هذه أنا
الممتدة جزرٌ مسكونة
باللؤلؤ والمرجان,
وحبات النار.
هذه أنا التي طبعت شفاهك,
وكلماتك على جسدها,
ونسيت في غمرة انشغالك
أن تكتشف شامة على ظهري.

2

هذه أنا المتجردة
المزروعة أمامك مسلة مصرية
فأكتب على ظهري قصيدة عمودية,
وعلى نهدي قصيدة دائرية,
وعلى كفي نقوشاً سومرية.

3

هذه أنا
فتعال نتداخل كما الليل والنهار,
ونتمازج حتى لا نميز الخيط الأبيض من الأسود.
أنا المتجردة
أحبني حتى يتم إنطفائي,
أحبني حتى يعاد إشتعالي,
حتى يكتمل انفجاري,
أحبني حتى أتساقط حمماً بركانية.
أحبني حتى تطلع الشمس من مغربها,
وينشق القمر وتقترب الساعة.



* عن الحوار المتمدن
رجاء إلى رجاء بن سلامة:
لا تفسدي علينا فتوى الرضاع
فتحي بن الحاج يحيى



العزيزة رجاء،
صداقتنا لن تمنعني من البوح لك بأنّك حقّا مزعجة لذكر مِثلي (حول فتوى إرضاع المرأة زميلها في العمل: جنون العودة إلى ما قبل الفطام ).
أن يطلع علينا عالم فقيه وباحث أصيل من داخل أكبر المؤسّسات الإسلاميّة بفتوى حلوة كالتي أتى بها صاحبنا، فذلك لعمري بمثابة هديّة السّماء إلى ديوك الأرض وهبة اللّه إلى عياله.
أنت تقفين تماما خارج الوعي بمعاناة مواطن عربيّ يلتقي يوميّا بفاتنة زميلة له في الشّغل، ويستنفذ جميع طاقاته وحيله في مداراة الرّغبة، ومراوغة فيض الشّبق، وكبح الفحولة التي تمثّل عندنا فائض القيمة الوحيد الذي نمتاز به على سائر الشّعوب والأمم حتّى كادت تكون قولة " خير أمّة أُخرجت للنّاس" لا تأخذ معناها سوى ضمن هذا السّباق…
تصوّري أختاه طوابير المسلمين مصطفّة أمام بيت هيفاء وهبي أو إحدى الفاتنات الأخريات الخارجات من ورشات " روتانا"، لأجل رضعة ثدي ننهي بها احتلاماتنا ووابل مشاعر الذّنب التي ترافقنا يوميّا في حياتنا بفعل صعوبة أو استحالة توفّقنا إلى الارتقاء من مرتبة البشر إلى مقام المسلم النّموذجيّ.
أنتِ كالذي يرفض استعمال " باتش" مرّة واحدة لينهي مأساته لبقيّة حياته مع التّدخين والإدمان على السّيجارة.
هناك حلاّن لا ثالث لهما لإضفاء العفّة والنّقاوة على علاقات الزّمالة بين الأنثى والذّكر في الشّغل : إمّا أن تُقطع الأداة الأمّارة بالسّوء، وفي ذلك انعكاس سلبيّ كارثيّ على سنّة الحياة في توالد الأجيال، علاوة على أنّ سلاحنا الوحيد في وجه الأعداء هو تطوير قنبلتنا البشرية، أو توسيع مساحة " التروماتيزم " (الصّدمة النّفسية) فينا فنبصم شهواتنا الطبيعية بشريّا والممنوعة دينيّا بوصمة اقتراف أعظم الخطايا ألا وهي خطيئة " أوديب".
أنت تنطلقين من فلسفات أوروبية ما بعد دينية في اعتبارك " الفطام شكلا من أشكال الانفصال بين الأمّ والابن، وبما أنّ الانفصال هو الإخصاء الرّمزيّ الضّروريّ لكي يكون الإنسان إنسانا… "، وكأنّي بالمسلمين يتوافدون عليك يوميّا ليقولوا لك: " نريد أن نكون أناسا بالمعنى التي تضفينه على لفظة الإنسان" بينما لا أراهم سوى قائلين " نريد أن نكون عبادا للّه ". والفارق شاسع فلسفيّا وأنتروبولوجيّا ونفسانيّا ومصلحيّا وتعريفيّا.
ثمّ من وجهة نظر السّلم الاجتماعية، ما هو الأصلح لنا نحن الذّكور العرب، وقد متّعنا اللّه بقدرات جنسيّة تخرّ لها غواني البلاد الباردة من سائحات مللن برودة أزواجهنّ: أندع ما وضعه اللّه فينا من متفجّرات يتحوّل فجورًا، أم ننزع الفتيل ونُبدع في حِيَلِ تصريفها بما يُرضي اللّه ونبيّه شرعا وفقها أسوة بسابقينا من علماء أجلاّء ؟
الحجاب وحده لم يعد يكفي في زمن الفياغرا التي تنتجها خلايانا طبيعيّا، وأنت أكثر من يعلم أنّ الحجاب قد استنفد غايته التّاريخيّة بعدما اكتشفت عبقريّتنا أنّه لا يخفي سوى ليزيد إظهارا ولا يكتم سوى ليبوح أكثر.
وبما أنّنا خسرنا حرب 48 ثمّ 73 فكان لزاما تغيير استراتجيتنا أمام ما لم ينفع معه الدّهر: وهنا تندرج فتوى صديقنا العالم الأزهري الذي لم يُفهم مقصدها ولم تفهمي أنتِ مغزاها.
وفي كلمة خفيفة: في مصّ حلمة نهد فاتنة تؤرّقنا ربّ إطفاء لحريق قائم قادم، وعبقريّة علمائنا من أهل الدّين، وهو كلّ ما هو مطلوب منهم تاريخيّا، ووظيفيّا، ومنهجيّا، أن يساعدونا على نسج الوهم أو الإيهام المستحبّ في تسمية الفعلة بـ " استرضاع ثديِ لدرء مأساة". فباللّه لا تُنغصّي عليهم عيشهم وعيشنا، يعشيِّك، ودَعِي " فرويد" يرتاح في قبره حتّى نقضي وطرنا إضافة إلى أنّه لن يُفلح في شيء أمام العرب.
ولأنّي بطبعي شخص خجول ولا أحبّذ كثيرا النّزول إلى السّوق فسأحتفظ لنفسي بالسّؤال المشروع الوحيد الذي كان من المفترض طرحه على عالمنا الموقّر: وماذا عن المرأة؟ ما الّذي سترضعه لإسباغ لعنة أوديب على كلّ ذكر اشتهته نفسها ؟
ولك منّي أجمل التحيّة وأسخن الدّعوات لأن يُبقي علينا اللّه الستر.


* عن ألاوان
عبادة الحب عند العرب:
مفتاح للفهم
يوري ريوريكوف
Yuri Riurikov
ت: نوفل نيُّوف

ظهرت عبادة الحب عند العرب في الألفية الميلادية الأولى، بل كان عندهم عبادتان. الأولى، هي عبادة الحب الأفلاطوني المضني، السِّرّيِّ، الذي لا يجرؤ على الإفصاح عن نفسه، ولذلك لا يقابَل بالمِثْل. وقد عاش هذا الحب في الإنسان على شكل مرض يكويه ويميته، فيفضي به إلى الجنون، ويجعله مجنوناً.

وقد انتشر هذا الحبُّ- الهوسُ في العالم العربي والفارسي كلِّه، إلى أن تسرّب أيام الحروب الصليبية من هناك إلى أوروربا.

وانعكس هذا الحبّ، ولكنْ بصورة مخفَّفة، في حبّ الفروسية إبّان القرون الوسطى، ثم في الحب الرومنسي من العهد الجديد. فحتّى في القرن التاسع عشر كان أبناء روسيا الحسّاسون يذهلون ويتجمّدون وهم يقرأون قول الشاعر العربي:
أنا من قبيلة بني عذرة، الذين يموتون عندما يحبّون(1).

والعبادة الثانية معروفة لدينا من خلال الحكايات المبكِّرة في " ألف ليلة وليلة". إنها عبادة الحب الجسدي، العبادة الشرقية للحب بوصفه المتعة الأحلى في الحياة. وقد تجلّى في هذه العبادة نمطٌ مختلف تماماً عمّا في أوروبا، هو نمطُ موقفٍ من الحياة، هو سيكولوجيا أخرى من حيث مبناه القومي.

إن الحب عند العرب عيدٌ، مأدُبةٌ فيها جميع أصناف المشاعر، يشارك في ملذّات الحب عندهم جميع الأحاسيس البشرية. عندما يلتقي العاشقان يتوضّآن، يتطيَّبان بالعطور، ويرتديان أجمل الثياب. يتناولان الطعام اللذيذ، يشربان أفخر الخمور، ويستمعان إلى الموسيقى والغناء. يتنقّلان ببطء من مُتعة إلى أخرى، إلى أن يقتربا من ذروة الملذّات الحسّيَّة. ولا ينتقلان إلى إشباع أحاسيسهم الأخرى إلا بعد إشباع حواسِّ الذوق والسمع والبصر، بعد أن يكونا قد تكهربا، وأُثيرا، وباتا مستعدِّين للهجوم.

هذه الإثارة لجميع الأحاسيس الجسدية هي الخصوصية الأولى لعبادة الإمتاع الشرقية، هي الفارق الرئيس الذي يميِّزها من عبادات الحبِّ الأخرى.

لقد كان عند العرب تراثٌ كامل، ثريٌّ ومتشعِّبٌ، من ضروب الإجلال العظيم للجسد البشري. كلُّ شيءٍ متميِّزٌ في التعامل مع الإنسان: المخاطبة، القبلات، العناق، النظرات واللمسات، هناك سجلٌّ كامل من هذه الطرق في الحب العربي. ما من زاوية من زوايا الجسد البشري ظلّت بعيدة عن تصنيفات الحب عندهم.

هذا الحبُّ البهيج كان ما يزال بعدُ في كثيرٍ من جوانبه تعبيراً فطريَّاً عن أهواء نمطية، وليس عن أهواء فردية. ليست السمات المميَّزة هي التي كثيراً ما كانت عاملَ جذبٍ بين الرجل والمرأة، ليست الصفاتُ الشخصية التي لا تتكرَّر، وإنما ملامح "النوع"، أي الميزات الرِّجاليّة عندهم، ولكنَّه يأتي بطريقة واحدة تماماً. فلكلِّ جُزء من أجزاء الجسد، ولكلِّ تجلٍّ من تجلِّيات الحبِّ قوالبُه (كليشيهات) الشعريَّة، وأنماطُه المكرورة الثابتة.

يقولون عن المرأة: الرمحُ يخجل من رشاقة قدِّها؛ وبَريقُ وجهِها يحجبُ البدر، فجمالها أقصى حدود المشتهى؛ و خدّان مثلُ شقائقِ النُّعمان… وشفتان قانيتان كالمرجان، أسنانها كاللؤلؤ المنظوم، لها جِيدُ غزال، صدرُها لَوحُ مرمرٍ، نهدان كالرمّان، بطنٌ بديع، وسُرَّةٌ تتَّسع لأونصة من المِسك…

هذا، أو ما يشبِهه، هو ما يقال عن النساء جميعاً في الحكايات، وكلُّ أجزاء الجسد البشري موصوفة بهذه التشبيهات. إنها صوَرٌ ثابتة، لا تتغيَّر، تنتقل في الوصف من إنسان إلى إنسان. لقد استقرَّ استخدامها مرّة وإلى الأبد. ليس استخداماً شخصياً، هو استخدام سائد، معتَمَد.

إن الصدارة في الحبَّ، في "ألف ليلة وليلة"، هي لعبادة الجمال البدائي والمقبِل على الحياة، المفعَم بوحدة الوجود pantheism الشرقية، باتحاد الإنسان والطبيعة. لقد كان العرب يغرفون تشبيهاتهم، بطريقةٍٍ عاصفةٍ لا يقف في وجهها شيء، من جميع العناصر، من الحَور والرمح، المرمر والجيبس، المرجان وأزهار عِرف الديك، والكَرَز والنجوم. إن الجسد البشري بالنسبة لهم هو أعظم تكثيف للجمال، هو شَعرَنة الجمال، والافتتان الجمالي بمحاسنه الروحانية التي كانتِ الخيطََ الناظم لعبادة الحب في ذلك الزمان.

لقد كانوا يولُون الحب في الشرق أهمية عظيمة، ربّما لا مثيلَ لها من قبلُ، بل وانعكست عبادة الحب في تصوراتهم عن الحياة الآخرة (ما بعد الموت). إذا كان عقاب الحب الجسدي في الأديان الأخرى هو احتراق الناس في النار، فإن الإنسان في الشرق يكافَأ بالحوريات اللاتي يعشن في جنّة المسلمين.

وقد وجدت عبادةُ الجسد هذه، خلال القرون 14- 16 ميلادية، تجسيدها المفصَّل في رسالة الشيخ النفزاوي " الروض العاطر في نزهة الخاطر". ووصلت هذه الرسالة إلى أوروبا بفضل " موناسّان"، إذ حصل عليها من ضابط في الجيش الفرنسي الاستعماري الذي كان يحارب في الجزائر. وعندما تُرجِم "الروض العاطر" في فرنسا وإنكلترا أحدث صدمة بصراحته المدوِّخة.

إن الجنس في "الروض العاطر…" قوَّةُ جذبٍ لا تُقهَر، فروسيّة عاتية عملاقة، بل والفرسان هناك أكثر عدداً من الفارسات بكثير، وهم أكثر ظَفَرأً منهنَّ أيضاً. إذ يستطيع الفارس في ليلة واحدة أن يأتيَ ثماني عشرة عذراء، أو أن لا يتوقَّف عن جماع نساء مختلفات مدَّة ثلاثين يوماً، أو أن يظلَّ مستمرّاً مدّة ستِّين يوماً في مضاجعة امرأة حتى ينهكها، بعد أَن لم يستطِع أيٌّ من الرجال قبله إشباعَها.

لكنْ – واأسفاه - ليست هذه إلا أساطيرَ أبديةً، موغلةً في القِدم، تتحدّث عن الفحولة العملاقة في الجنس، وعن قوّة الرجال المظفَّرة.

إنّ "الروض العاطر…" مليء بسيكولوجيا أبويّةٍ تقوم على تمجيد الرجال وكُرْهِ النساء. وبوجود هذه السيكولوجيا عند الرجال والنساء تنتفي إمكانية قيام أيِّ حبٍّ بينهما، ولذلك يتحوَّل الجنس إلى معركة، إلى حرب بين قوَّتين لا تشبعان، بين دبّوس (عصا تنتهي برأس غليظ) ذكوريٍّ، وحفرةٍ نسائيةٍ لَزِجةٍ لا تشبع.

ويتكشَّف الخَللُ، انعدامُ التواون، بين الرجال والنساء في الفصول التي تتحدَّث عن المكروهِ من الرجال، والمكروه من النساء.

فالمكروه من الرجال عند النساء " صغيرُ الذَّكر، فيه رخوةٌ ويكون رقيقاً". إذ لم تكن المرأة، في فَهْم ذلك الزمان، بحاجة إلى شيء في الرجل إلا إلى ذَكَرِه. ذلك أن المرأة لم تكن في نظرهم إلا صاحبة فرْج هي عبدة له، إذ نقرأ في " الروض العاطر" أن دِين النساء وعقلهن في فروجهن.

ولهذا السبب تحديداً كانت عيوب الرجل، في نظر النفزاوي، محصورة في عيبٍ واحد فقط، وهو ضعف عضوه الجنسي. بينما دائرة عيوب المرأة تتسع كثيراً لتشمل عيوب فرجها، وعيوبَ نفسِها، وطبعِها، وسلوكِها وعاداتِها… ولكننا نسمع في " الروض العاطر" نغمة عالية معاكسة. فـ " في كيفية الجماع" (الفصل السادس) يشدِّد المؤلِّف على دعوة الرجل كي يولي المرأة اهتمامه، فيستخدم الطرق والأساليب التي تمكِّن الطرفين معاًمن بلوغ المتعة: " فإذا فعلتَ ذلك تأتي شهوتكما جميعاً، وذلك يقرِّب الشهوة للمرأة، وإذا لم تَنَلِ المرأة غرضها لا تأتيها شهوة".

وهكذا لا يعود الأمر صراعاً ومعركة بين غريمين، بين أعداء هم " أنا"، " نحن"، " كلانا"، وهذا ما يؤدِّي بالطرفين إلى بلوغ المتعة القصوى.

إن "الروض العاطر" يختلف كثيراً عن قصص الحب الباكرة في " ألف ليلة وليلة". فما كان هناك منثوراً مثل ذرّات الذهب، نجده مكثَّفاً هنا في سبيكة من ذهب، أي في عِلْمٍ واحدٍ عن الشهوة، في عِلْمٍ أكثر غنى وتشعباً بكثير.

وينطبق هذا أكثر ما ينطبق على تصنيف أنواع النكاح، أنواع مختلف أشكال الجِماع، مختلف أنواع العضو الجنسي عند المرأة والرجل، مختلف شهوات الجسد وطرق إطفائها، مختلف الأطعمة التي تزيد القوة الجنسية عند الرجل والمرأة وتحميهما من الأضرار. إن " الروض العاطر" يغصّ بهذه التصنيفات، وهو في ما يخصُّ أنواع العضو الجنسي عند المرأة والرجل يتفوَّق كثيراً على الإيروسية الهندية والصينية.

فأسماء هذه الأعضاء الجنسية مرئيةٌ تماماً ومعبِّرة. إذ من أسماء فرج المرأة، مثلاً، العصّ، الدّكّاك، الثقيل، النفَّاخ، العضّاض…إلخ؛ ومن أسماء عضو الرجل: الخَبّاط، المتطلِّع، والزدّام، القصيص…إلخ. ونحن نلمس في هذه الأسماء روح السخرية والهزء، فلعلّها ليست وليدة القصور، بل هي وليدة روحٍ أكثر شعبية وبُعداً عن الرهافة والتمجيد…

وعموماً، فإن "الروض العاطر" أكثر بساطة، وكثيراً ما يكون أكثر فظاظة من " ألف ليلة وليلة". فليس فيه ذلك الإفراط في تزويق الحب والمرأة، ليس فيه ذلك الإجلال الجمالي الاحتفالي لجمال الحس والجسد. بل الغَلَبَة فيه للنزوات الأكثر جسدية، الأكثرِ أرضية، والأكثرِ ابتذالاً أحياناً. وهو مليء بعقلٍ سليم من نوع خاص، بعقلٍ قويمٍ، هادفٍ مُصِرٍّ على بلوغ غايته، ولكنه لا يخلو من مَكرٍ.

على أن في هذا العقل السليم ما ليس عقلاً سليماً أيضاً، فيه الأسطورة والحكاية وخداع النفس. ففي رسالة النفزاوي مبالغة في الخوف من ضرر الجنس، وقصصٌ مريبة عن عقم النساء والشفاء منه، وحكايات سحرية عن الأطعمة التي تمنح الرجل قوة جنسية خرافية…

ولكنْ، لعلَّ الأسطورة الأطولَ عمراً، وما تزال حيّة على الأرض حتّى الآن، هي الأسطورة التي تزعم أن حجم الذَّكَر عند الرجل يلعب الدور الأوَّل في الحب الجسدي. فإذا كان العضو كبيراً كان الرجل قديراً، وإذا كان صغيراً كان الرجل هزيلاً، عديم القيمة.

إلا أن أهل المعرفة، سواءٌ في ذلك قدماءُ العارفين وعلماءُ الجنس اليوم، يعرفون منذ زمنٍ بعيد أن المهارة في الحب الجسدي أهمُّ من الحجم. فقد يكون الرجل كبيرَ العضوِ، ولكنه لا يُحسِن التصرُّف، عديمُ الحِذق، فظٌّ. ويمكن التعويضُ عن صغر العضو بكثرة المهارة، بل وبالمهارة دون زيادة.

لقد تعلَّم الناس منذ قديم الأزمنة تعويضَ صغر العضو بمزيدٍ من الحنكة، وبحركات دائرية ومكو كية تزيد من قوّة احتكاكه.

ويعوَّل هنا على خصوصية الأوضاع التي تتَّخذها المرأة كي تساعد العضو على الولوج عميقاً، وتضِّقَ عليه الدخول في الوقت نفسه، لمعانقة الضيف بقوّة أكبر. هذا ما يتحدَّث عنه، وإن قليلاً، كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" (ولا سيّما الفصول 6و12و18)، وكتب الحب الهندية والصينية، وكثير من الكتب اليوم.

زِدْ على ذلك أن علماء الجنس يؤكِّدون اليوم مسألة في غاية الأهمية يمكن أن تشجِّع من كان "صغيرَ العضو". فكلَّما كان العضو صغيراً في الحالة الطبيعية ازداد حجمه عند الانتصاب (مرّتين، أو ثلاث مرّات). وهذا يعني أن الفرق بين العضو المتوسِّط والعضو الصغير يقلُ إلى أن يزول تماماً أحياناً.

بَدَهيٌّ أن في "الروض العاطر…" (وفي "ألف ليلة وليلة" أيضاً) جملةً من التصورات البالية والخاطئة، غير أن أهمَّ ما فيهما هو ذلك العدد الكبير من اللُّقى والاكتشافات العظيمة التي أسفرت عنها عبادة الحب عند العرب. ولعلَّ هذه اللُّقى والاكتشافات، إذا ما صُقِلت وأُدرِجت في عِداد الإنجازات الحديثة، تصبح جزءاً من ثقافة الحب الجديدة التي تتخلَّق على شكل سبيكة تتألَّف من الذُّرى الرئيسة في جميع ثقافات الحب عند البشر.


هامش:

1- لم نعثر على أصلٍ لهذا البيت في الشعر العربي. ولكننا نقرأ ما يؤدِّي هذا المعنى في كتاب ابن قيِّم الجوزية "روضة المحبِّين…":
"يُروى أن سعيد بن عقبة سأل بدوياً، ممن أنت؟ فأجاب: من أولئك الذين يموتون عندما يحبّون. فقال سعيد: وكيف كان ذلك؟ فأجاب البدوي: لأن نساءنا جميلات، ورجالنا عفيفون". (انظر: ابن قيِّم الجوزيَّة. روضة المحبين ونزهة المشتاقين. تحقيق أحمد عبيد. المكتبة التجارية الكبرى. القاهرة، 1956، ص336- 337). – م.

- المحرّر: ما نسبه الكاتب الى شاعر هو خبر سائر في كتب الأدب، ومن رواياته "..قال سعيد بن عقبة لأعرابيّ : ممّن أنت؟ قال : من قوم إذا عشقوا ماتوا. قال : عذريّ وربّ الكعبة"



* عن الاوان
الجنس المقدّس
فرح جبر

كيف نكتب عن علاقة الجنس بالدين؟ من أي باب ندخل في لب هذا الموضوع المعقد والشامل؟ كيف نصل الى الاستنتاجات الوافية حول موضوع يعتبر الى جانب الاكل اهم الامور في الحياة؟ بل كيف نفسر صورة الجنس الضائعة بين المقدس والمدنس؟ تلك هي المعضلة.

لنبدأ من حيث طُرد ادم وحواء من الجنة وسكنا الارض. هل سقطا بسبب المعصية ام لسبب آخر؟ يقال إن الله طردهما بعدما كساهما، لكن المفسرين التقليديين لم ينظروا الى الطرد في وصفه برهانا على الاغواءات او الفحش الجنسي، بل ان السرد ينص صراحة على ان الاتحاد الجنسي بين آدم وحواء حصل لاحقا.

لم تحدَّد الثمرة التي أكلتها حواء على نحو مؤكد باعتبارها تفاحة، بل قد تكون تينة او خوخة ذات رمزية جنسية. وقد أدرك آدم وحواء بعد أكلها أنهما عاريان فأعدا لنفسيهما مآزر من أوراق التين لستر عورتيهما. هكذا في البدء كان الجنس، وهكذا الجنس كان.

اسطورة الصعود والنزول

في افريقيا ثمة اسطورة يجري تداولها في اوساط الـ اشانتي الغانيين (من غانا)، تفسر اصل الجنس والعائلة ربما لا تختلف عن الاسطورة التوحيدية. قيل انه منذ زمن هبط رجل وامرأة من السماء، وطلع ايضا رجل وامرأة من الارض، وفي وقت لاحق ارسل الإله الاسمى ثعبان الاصلة وبنى بيته في النهر. في البدء كان الرجال والنساء يتعايشون معا من دون اتصال جنسي، ولم تكن لديهم فكرة عن الحمل والولادة. وذات يوم سألهم الثعبان ما اذا كان لديهم اطفال، وبعدما أجابوه بالنفي ابلغهم أنه سيعلمهم كيف يتم الحمل. جعلهم يصطفون ازواجا، وجها لوجه، ثم رش الماء على بطونهم بالترافق مع تلاوة طقسية، ثم طلب اليهم ان يعودوا الى بيوتهم ويتضاجعوا. من هذا المثال الذي يرمز الى القضيبية تعلم هؤلاء الجماع وانجبوا الاطفال الأوائل في الكون.

بين التوراة والحكايات الافريقية نجد رمزي التفاحة والثعبان، والبلاغة المشتركة تكمن في الاسطورة التي تحاك عن الجنس سواء في التوراة او في القصص. اقترن بالجنس بالأسطورة والأسطورة بالدين والدين بالجنس، هكذا دواليك في عالم لا ندري كيف جرى بناؤه. اسقطت التفاحة (او الثمرة) آدم وحواء وقيل إن حواء هي التي اكلتها، وصارت رمز الرغبة في العالم مثلما كان الدراقن رمزا اساسيا للانثى، كذلك المشمش في الهند، والرمان في اليونان القديمة. واعتبر الارز رمزا انثويا، كما كان يستخدم سابقا في طقوس الطهارة.

قصة سقوط آدم وحواء من الجنة تبين ان الجنس والدين هما من اكثر الاهتمامات شيوعا بين البشر. وهما متعارضان في اغلب الاحيان، فالاول جسداني زائل، والثاني روحي سرمدي. وكلاهما يشغل حيزا مختلفا. وهذا ما يبينه الكاتب جيفري بارندر في دراسته عن الجنس في اديان العالم . يقول انه رغم توافر عدد لا يحصى من الكتب التي تناولت الاديان في العالم، يبدو ان جل هذه الاعمال تقريبا يستخف بالعناصر المرتبطة بالجنس على وجه التحديد، رغم الاعتراف بأهمية الجنس في ما يخص الدين. كما ان العديد من الدراسات المقارنة التي تناولت اسفار الاوبانيشادية في صدد الطقوس الخاصة بالاتصال الجنسي، غالبا ما تحذف من النصوص المترجمة. وهناك نصوص حول اليوغا تنزع الى اهمال التمرينات الجنسية التي يمكن استخدامها، وكذلك النظريات الفيزيولوجية المتصلة بالسلوك الجنسي، والتي تشكل العنصر الأساسي المكوّن لطرائق اليوغا الهندية والصينية.

البغاء... مقدّساً

التقارب بين الدين والجنس يبدو أشد وضوحا في الهند، حسبما ورد في الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية، إذ اعتبرت أن العلاقات الجنسية، خارج نطاق الرباط الزوجي، في ما يخص الرجال طبعا، امرا مقبولا في وصفه جزءا لا يتجزأ من الحياة. فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع الحاجات الشهوانية لدى الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة الهيتيري عند اليونان، و فتيات الغيشا لدى اليابانيين. كن على ثقافة عالية، وينبغي ان تدفع الدولة لمعلميهم. ومن المهام التي كن يضطلعن بها الرقص، الغناء، التمثيل، الخياطة، تنسيق الازهار، وسواها من الفنون المنزلية. ويتوضح ان تاريخ البغاء قد اولته الديانات القديمة احتراما قبل ان ينقلب تحقيراً وإنكارا. فقد كان هناك البغاء المقدس حيث كان يقام لفض بكارة العذراء احتفال مقدس تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الاله قوة الاخصاب وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة تحصل على اكتمال انوثتها الا بمنحها نفسها لهذا الشخص، ويحق لها بعد ذلك الزواج.

البغاء المقدس، على ما نعلم، هو تلك العلاقة الانفصالية ذات الطبيعة المختلفة عن الحب العذري، وهي تقابل بالتفعيل والجانب الجسمي في مقابل كبت الجانب النفسي أي التعلق الوجداني بالآخر.

لم يبق البغاء المقدس على سمت واحد، فقد تبدل بتبدل انماط الحياة. تلفت الدراسات الى احتجاز العذارى في المعابد إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب ومضاجعة الحجاج من جانب آخر لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس فأصبح من حق البغي المقدسة ان تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج.

ملحمة المهابهارتا كان الملك يوديشترا يحظى ليس فقط بعدد من الزوجات، بل كان يبعث تحياته الى النساء المتأنقات. ومن جهة اخرى تبرز التوترات في الحياة وفي التعاليم الهندية من خلال ما ذكر في الملاحم ايضا من حملات مضادة للبغاء العادي. فقد كانت تفرض رقابة صارمة على المباغي وصالات الشراب، لانها تتسبب بالاذى للملكة. اما الديفا - داسيز (أي خادمات الله) فكن محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لخدمة الالهة في المعابد الهندوسية. هذه الممارسات ترقى الى عهود غابرة، حين كانت الفتيات يتلقين دروسا في فنون الاثارة الشهوانية حتى يصبحن مؤهلات لخدمة زوار المعبد لقاء اجر، لان واجباتهن كانت تشتمل على الرقص والغناء، وغالبا ما كان يُنظر الى الرقص في وصفه عملا لا اخلاقيا، الى ان ساهمت الاصلاحات الحديثة في نزع هذه الصفة عنه.

لقد ساءت سمعة البغاء المقدس في المعابد الهندية، وبات الحجاج يتشكون احيانا بسبب اغواءات فتيات المعبد التي كانت تلهيهم عن العبادة. اما إلغاء البغاء في المعابد فتقرر على يد البريطانيين وبدعم من الاصلاحيين الهندوس، وترافق ذلك مع حظر حرق الارامل.

الكتاب الاشهر في الثقافة الهندية والذي صوّر الشهوانية بحذافيرها هو الكاماسوترا ، أي مذهب الشهوة او الحب ، واقتبس عنه الكثير من الكتاب واهل الفن. يؤكد هذا الكتاب انه ينبغي للنساء ان يتعلمن فنون الغرام كما الرجال تماما. ويسرد فنون الباه التي يتعلق معظمها بالتدبير المنزلي، بما في ذلك طبعا القراءة والشعر واتقان اللغة الرمزية والملغزة. اما في ما يخص الرجال فيقر بضرورة ان يكونوا مهرة في انواع الرياضة واستخدام السلاح والمراهنة. ويمكن المحظيات ان يكن بارعات في هذه الفنون، كما يمكن النساء المتزوجات ان يزدن من جاذبيتهن عبر الالمام بهذه الطرائق، حتى اذا انفصلن عن أزواجهن وجدن وسيلة يعتمدن عليها. يعنى الجزء الرئيسي من الكاماسوترا بتقديم امثلة حول عملية الاتصال الجنسي، مميزا بين الشريك المناسب وغير المناسب. ويتطرق ايضا الى انواع العناق، والتقبيل في مختلف اشكاله، والهصر والخمش والعض. ويورد تفاصيل عن وضعيات متعددة الانماط، بعضها يتميز بمهارة بهلوانية ويتطلب الكثير من التدريب. وتتجلى هيمنة الذكر حين ينعم الرجل بمضاجعة امرأتين في وقت واحد او نساء عديدات معا. ويمكن المرأة ان تتخذ دور الرجل حين يكون متعبا من قبيل التغيير. غير ان الممارسة الفموية مقتصرة على الخصيان المتنكرين بهيئة ذكور او اناث. وهنالك اجزاء اخرى من الكاماسوترا تبحث في موضوع المغازلة، من خلال زرع الثقة في الفتاة الساعية الى الظفر بقلب رجل، وعلى يد فتاة اخرى، وكذلك موضوع الخطبة وانماط الزواج.

لقد تركت الكاماسوترا اثرها في الفنون والرسم وصنوف الادب، واستمرت حوالى الف عام نموذجا ادبيا معياريا حول الجنس، كان ملموسا في الانواع الادبية، بما في ذلك الشعر التعبدي. اما التانترا فقيل انها اعادة اكتشاف لاغوار المرأة. وبحسب الشعائر اليوغية فإن المرأة اليوغية تمارس التمرينات وهي عارية، وتمثل الاعضاء الجنسية، من وجهة نظرها، القوى الكونية التي يرمز اليها بعضو شيفا الذكوري. وسعى بعض التانتريين الى المضي ابعد من حدود الطقوس الجنسية العادية التي كان الهندوس يؤدونها، معتبرين ان المحرمات كانت صائبة في ما يخص آخرين وينبغي تحطيمها بغية احراز قدرات استثنائية. ان السمة العامة للجماع التانتري هي احتجاز المني، الذي كان يعتقد ان له قوة سحرية. فاذا ما بقي محتبسا في الجسد، لن يكون هناك خوف من الموت.

ما نجده عن الجنس في الهند يختلف عنه لدى البوذيين، اذ كان الجنس مثار خوف عند هؤلاء لانه قد يغدو ندا للسكينة التي ينشدها الراهب بطريقته التي اختارها لنفسه في انكار الذات. وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية، وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين، وتأثرت مجتمعات الصين واليابان بالطقوس البوذية، والتغيرات التي طرأت عليها، ومن بين هذه الطقوس التي كان لها تأثيرها في الجنس، ولو بشكل هامشي، طقس عبادة الشاي الذي ادخل في القرن الثالث عشر ليصبح بمنزلة طريقة ذات فاعلية لتدريب النساء الشابات على قواعد اصلاء الموقد.

العالم العائم

استخدم تعبير العالم العائم في اليابان في اواخر القرن السابع عشر للدلالة على المجتمع السعيد ولكن غير المستقر. وثمة امثلة بارزة عن الاوكيو او الفن القصصي لعالم المومسات، ظهرت في مؤلفات ايهارا ساياكاكو الذي رصد القضيتين الاكثر حضورا في العالم وهما المال والجنس. فروايته الاولى، الرجل الذي انفق عمره في ممارسة الحب ، تحكي عن بطل كان يطوف البلاد، ممارسا العشق مع آلاف النساء ومئات الغلمان. وفي روايته الاكثر واقعية، خمس نساء عاشقات لمحبوب واحد ، كان سايكاكو شاعريا وشعبيا في آن واحد. وبدلا من البلاط ثمة البيوت وغرف الاستحمام والمسارح والمباغي وبيوت العامة. وفي روايته مرآة الحب الذكوري، عالج سايكاكو قضية اللواط. فقد كان لتنامي الحياة الرهبانية البوذية دور في شيوع الجنسية المثلية بين المعلم والمريد.وقد اعتبر صاحب الرواية ان المعابد البوذية بمنزلة ملاذ مفضل لممارسة الجنسية المثلية.

اشتملت كتب الاوكيو على كتابات مبهجة، واحيانا داعرة. مع ذلك، هناك على ما يبدو، اعمال مشابهة تعارض تلك التي تنطوي على نية صريحة لـ تشجيع الفضيلة ومعاقبة الرذيلة وسادت الكثير من الرسوم الجنسية في اليابان. وقد رسم اوتامارو مغنيات ومومسات وسابحات عاريات. وكانت هذه الاعمال تصور فتيات بيوت الشاي وهن عاريات الصدور، او هنّ يدخنّ بنهم، او ينغمسن في المتع الجنسية. وثمة لوحات لمتعبات ذاهبات الى السرير. كان هذا العالم العائم بمنزلة رد على شكلانية الحياة المنزلية التي يتخللها المنع والقمع. وحدهم رجال الطبقات العليا في وسعهم تحمل نفقات الخليلات والمحظيات، بينما يجد رجال الطبقة الوسطى متنفسهم عند فتيات الغيشا او لدى المومسات. كانت فتاة الغيشا بارعة، راقصة، وعلى نحو ادق كانت راقصة ومغنية ومحترفة. وكان ارتياد بيت الغيشا يوفر التسلية لكنه لا يمنح بداهة الحق في الجماع. ولهذا كان يترتب على الرجل ان يوقع عقدا تغدو فتاة الغيشا بموجبه خليلته.

الجنس لدى اليهود

كانت مواقف قدماء العبرانيين من الحياة في وجه عام ومن الجنس طبيعية على الفطرة، وكانت دينية من ناحية قبول الجنس في وصفه من عند الله. واعتبرت ان الله دائما فوق البشرية بطريقة غير تقليدية. فبدلا من ان تنظر الى الانسان في وصفه مقياسا لكل الاشياء، صورته هو نفسه في حضرة الاله. كانت الغاية من الاتصال الجنسي عند اليهود وسيلة للحفاظ على النوع. نجد في الدين اليهودي ميتولوجيات جنسية غريبة، من الختان الى قصة زليخة ويوسف وصولا الى العبادة القضيبية، وبيّن فيلم قادش ما يكتنف الاصولية اليهودية حيال الجنس. تبدو الامور معقدة ولا تحتمل، فأنبياء اليهود، على ما تقول الحكايات، لهم فحشهم في النوازع الجنسية. ربما لا يصدق القارئ ان يكون ثمة نبي من الفاحشين في الجنس على نحو يتجاوز الاعراف. لكن ما ينبغي التنبه اليه ان الجنس من المقدسات في غالبية الاديان. خير دليل على ذلك نشيد الاناشيد الذي كانت مكانته في شرعة الكتاب المقدس اليهودي موضع نزاع حتى اتى رجال اللقاء الكبير وفسروه تفسيرا روحانيا . ودار النقاش حول الكتاب هل هو قصيدة حب، او انه حكاية مجازية عن العلاقة بين الله واسرئيل، تقدم الانساني - المقدس بلغة رمزية. وقد سادت وجهة النظر الاخيرة وقيل ان السفر كتبه سليمان بإلهام من الروح الالهي.

عند قدماء العبريين كانت توجد طوائف من النسوة يزاولن البغاء في المعابد وكن يعتقدن انهن يجلبن الخير والبركة لمن يتصل بهن. وظل هذا التقليد الديني سائدا الى ان حرّمه سفر التثنية.

وعند قدماء الكنعانيين كانت توجد طائفة من النسوة وهبن جسومهن للبغاء المقدس. ومن اشهر انواع البغاء المقدس عند الشعوب ما كان يجري عليه العمل في معابد بابل وقد افاض المؤرخ اليوناني هيرودوت في وصف هذا النظام، فذكر ان كل بنت تولد في تلك البلاد كان يجب ان تذهب الى معبد الالهة ميليتا حيث تقدم نفسها لرجل اجنبي عن البلاد. فكانت تجلس في ساحة المعبد حتى يمر بها اجنبي ويضع على ركبتيها قطعة فضية من النقد. وكان يعتقد ان هذا الضرب من العبادة نوع من القربان، وانه مصدر خير وبركة للفتاة نفسها.

النبي المزواج

ماذا عن الجنس في الاسلام؟ كيف كانت صورته؟ الواقع ان الاسلام عنى بهذا الجانب الفطري من حياة الانسان، ووضع فيه من القواعد والاحكام والتوجيهات ما يضمن اداءه لوظيفته. تركز الاراء التي كثيرا ما تعتمد في العالم غير الاسلامي على زيجات محمد المتعددة، مدعية ان ذلك لا يتناسب مع مرتبته كنبي. فالدين والممارسة عند النبي محمد اساسيان لفهم العلاقات بين الدين والجنس في الاسلام، الا ان هذه الوقائع ينبغي توثيقها بالاستناد الى القرآن والسيرة النبوية وكذلك الاحاديث النبوية. يتكرر القول ان محمدا كان لديه الكثير من الزوجات، وتبين الوقائع انه لم يتزوج حتى بلغ الخامسة والعشرين من العمر، وخديجة أولى زوجاته وكان عمرها اربعين عاما. ومن بين زوجات محمد، عائشة هي الوحيدة لم تكن متزوجة من قبل، وكانت الثالثة بينهن.

الجنس في الاسلام له قصصه التي لا تنتهي ولا يكتمل الحديث عنها بمقالة او كتاب. ذلك لأن الجنس يحضر في كل شيء وقد اشتمل القرآن على آيات عديدة عالجت العلاقات بين الجنسين، فهناك آيات تقول بالزواج من واحدة الى اربع نساء. ويتردد القول تقليديا ان هذا الاقرار قد منح بعد مقتل عدد كبير من الرجال في معركة احد مخلّفين وراءهم أرامل ويتامى بائسين. وكما هي الحال لدى شعوب كثيرة، كان الهدف من الزواج إنجاب ذرية. ثمة نقطة ينبغي التركيز عليها اذا قارنّا بين الجنس في الدين الاسلامي والجنس في الدين المسيحي وحتى في الدين اليهودي، فكثيراً ما ارتبط اسم محمد بتعدد الزوجات وقيل انه ولد مختونا. أما المسيح بحسب ما تقول الميتولوجيا الدينية فقد ولد من سيدة عذراء، او ولد من غير اب، ولهذا دلالته في الجنس. كان يسوع يهوديا وكانت كلماته عن الجنس والزواج مأخوذة من الجذور التاريخية العبرية. اكد يسوع حالة الزواج الاحادي في اعتبارها مفروضة من الرب. ان المثال الذي ضربه عن الوحدة الزوجية وعدم الافتراق كان متوازيا مع مثله الاخرى. فهو لم ينتقد فعل الرغبة الجنسية فحسب، بل انتقد ايضا هذا الفعل في الخيال. ولن تناقش قضايا الجنس والزواج بصورة واسعة في الكنيسة القديمة، لكن موقفها انطوى على إعراض عن الدنيا وهي شاطرت الكثيرين من مناوئيها مشاعر الغنوصية والعداء للجنس. صحيح ان الكنيسة لم تدن الزواج لان المسيح باركه، الا ان الزواج عدّ ادنى درجة من العذرية، وكان التبتل مثال من يود ان يكون كاملا، لكن العلمانيين طرحوا آراءهم لمواجهة محاولات الاكليروس تنظيم حياتهم.

الجنس عند العرب

في المقابل يبدو الجنس عند العرب غريبا وغرائبيا وبمعزل عن الاحاديث الشريفة وتفسيراتها التي قدمها فقهاء الشرع. فقد ظهرت اعمال ادبية ضخمة تناولت كل جوانب الحياة. واتسعت صناعة الادب عندما امتد الاسلام ليشمل الشرق الاوسط. وقد شكل بلاط هارون الرشيد خزانا من الحكايات الظريفة النادرة، وقصص الغرام التي نهلت منها حكايات الف ليلة وليلة الشهيرة. وعلى رغم مما تشتمل عليه هذه من مغامرات جنسية، وتصور النساء غالبا وهن يتمتعن بالجنس كما الرجال، فانها ليست في أي حال مرجعا جنسيا، وانما هي انعكاس للحياة والخيال الجامح المتحرر من كل قيد.

ان ظهور المؤلفات الجنسية في العالم العربي والإسلامي يرجع الى بداية القرن الثالث الهجري. ورغم ان اسباب هذا النوع من الكتابات متنوعة ومختلفة، فقد لخصها احدهم في النقاط الاتية: تطور الحضارة العربية والإسلامية وامتزاجها بالحضارات الشرقية، الهندية والفارسية على وجه الخصوص. وقد ادى التثاقف الى حركة ترجمة واسعة شملت المؤلفات الجنسية كذلك".

قدوم الجواري من مختلف انحاء الإمبراطورية الاسلامية ساهم في انتشار تقنيات وممارسات جنسية جديدة دخيلة. وتطور الذوق في ما يتعلق بجمال المرأة، وساهم في ذلك وجود طبقة مترفة تعيش البذخ والمجون، وفي بحث مستمر عن الجديد في الميدان الجنسي. وهذا ما يبين ان معظم المؤلفات الجنسية كتبت استجابة لرغبة الامراء والملوك والاعيان. هذه العوامل ادت مجتمعة الى انتشار الخطاب الجنسي، والمعروف انه يمتد من الجاحظ الى ابن كمال باشا صاحب كتاب"رجوع الشيخ الى صباه".

كان هناك مراجع مختصة بموضوعات الجنس، في مصر على وجه الخصوص، حتى ان العلامة والمؤرخ جلال الدين السيوطي نسب اليه تأليف كتاب "تفسير الجماع"، ومما فيه دعاء "الحمد لله الذي زين صدور العذارى بالنهود...". وثمة عناوين اخرى لكتب جنسية بينت كيف يمكن الرجال والنساء ان يحققوا المتع عبر الجنس.

ويذكر السيوطي ما قاله العرب من اسماء عضو الرجل وعضو المرأة وهي تبدو مضحكة اذ ما قرأها المرء اليوم، وتخفي عنفا لفظيا وصوتيا وسلوكيا. فكأن الجنس عند العرب عراك وليس شغفا وحبا واتصالا. ورغم ان كتاب السيوطي عن الجنس بطرفيه الرجل والمرأة، الا انه يركز كثيرا على المرأة الكاملة الاوصاف. يذكر في كتابه "الكنز المدفون": "قال بعض العرب: افضل النساء اطولهن اذ قامت واعظمهن اذا نامت". وفي "تحفة العروس" نقرأ ان اعرابيا جلس في حلقة يونس بن حبيب فتذاكروا النساء فقالوا للاعرابي أي النساء افضل عندك، فقال: البيضاء العطرة، اللينة الخفرة، العظيمة القاع، المشهية للجماع، اذا ضوجعت انّت، واذا تركت حنّت".

في القرن التاسع عشر كتب الشيخ النفزاوي من تونس، "الروض العاطر" ويشتمل على قصة غرامية خيالية وارشادات جنسية. ويفتتح بالدعاء: "الحمد لله الذي جعل اللذة القصوى للرجل في الاعضاء الطبيعية للمرأة، وقدر ان تمنح الاعضاء الطبيعية للرجل المتعة القصوى للمرأة". لكن الكتاب، في سياقه اللاحق، ينفي ان تكون المرأة قادرة على الشعور باللذة الا اذا طاف بها الذكر، ويؤكد ان الرجل لا يعرف الراحة والهدوء ما لم يتحد بالمرأة. ويواصل الكتاب عرض موضوعاته وقصصه المشابهة لحكايات الف ليلة وليلة. وبعد بحث موجز للخصائص البدنية التي تتطلع النساء الى توافرها لدى الرجال، يروي حكاية مفعمة بالتصوير الحي للمضاجعات التي تتم بين مهرج البلاط وزوجة الوزير حمدونة التي تطارحه المتعة بالكفاءة نفسها، ثم يلي ذلك وصف لامراة فاتنة، وقصة زنجي يسعى الى إغواء زوجة الوزير وتنتهي به الحال الى بتر اوصاله واعدامه.

اكثر من ذلك، فالميتولوجيا الاسلامية تزخر بأوصاف الحور العين والجنس في الجنة.

يقول الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي ان كتاب "الروض العاطر" ليس بالضبط نصا خليعا، كما يفهم الغرب الخلاعة على الاقل، أي كلاما قذرا، لا قداسة له. انه تركيب خاضع لتقاطع مكثف بثلاثة قوانين، هي القانون الحمدلي، والقانون الحكائي، ثم ثالثا القانون الرمزي. القانون الحمدلي يفتتح النص ويختمه. والقانون الحكائي وهو قانون النادرة والطرفة والمكيدة، ومحدد الكلام المتعارف عليه اثناء التحادث وجريان الزمن الحكائي، وهو الذي يزين حكمه، او يطور حجة شبقية بأسلوبوظيفي. القانون الرمزي الذي يدل على بلاغة اللعب بالكلمات. ولنص النفزاوي خاصية نادرة (وهذا ما جعله شعبيا) تستند الى لغته السهلة التي تقلص المسافة بين الادب الشفوي والادب المكتوب، كما ان معرفة النفزاوي تعتمد على الطب الشعبي. وقد ركزت على الجانب الحسي في الموضوع، عارضة احواله وابوابه، مطعمة بنظرات اجتماعية، ووصفات طبية علاجية، ومسوغات دينية، مدونة في كتاب.

والكتاب يظهر قدرة النفزاوي في توظيف الكلام في وصف الجنس بل انه يختم الحكاية الجنسية بالحكمة المقدسة، او أن بلاغته هي في معنى آخر مشرعنة. وهذا يذكرنا بـ"نشيد الانشاد" الذي ورد في الكتاب المقدس والذي وضع، رغم تأكيده الشؤون الدنيوية، نواظم ذكورية وصارمة للعلاقات بين الجنسين، يحتوي بين دفتيه نصا غنائيا وغراميا، يبدو اكثر انسجاما مع البيئة الهندوسية، كالقصائد الغرامية لـ"كريشنا" او لـ"رادا"، كما قورن مع غيتا غوفيندا.

ويلعب الجنس دورا مسيطرا في التصور الشعبي الاسلامي للجنة والنار، الامر الذي يجعل هذا التصور موضع اهتمام وذلك لسببين: الاول، الاعتقاد ان في الجنة متسعا لكل متع الجنس، والثاني، ما تنطوي عليه صور النعيم والجحيم. تناولت احاديث الرسول بدورها شرح الامور المتعلقة بالثواب والعقاب، موضحة كيفية اكتساب رضى الله ورضوانه في الدنيا والاخرة. وتبعا للسيوطي، فالعبد المؤمن يتزوج بسبعين حوراء، الى جانب زوجاته الادميات، ولا تقتصر النشوة على الحور، بل تنعم الازواج الادمية بمتع الحب الالهي. وعكفت بعض الدراسات التاريخية الجادة على ابراز بعض اوجه الشبه بين التراثين الاسلامي والمسيحي في مسألة الحياة الاخرى. الاسلام من جانبه يقدم استمرارا مدهشا من الحياة الدنيا الى الحياة الآخرة عبر رؤية كلية غنية بأدق التفصيلات، بحيث يجعلها عقيدة صحيحة ثابتة. في حين يفسر بعضهم ان المسيحي يكون في الفردوس غير جنسي، على حين ينعم المسلم في المقابل باللذة المطلقة. ويرجع السبب في ذلك الى ان البعث في المسيحية يعد جزءا من سر المسيح حيث يعتبر الانجيل الحياة الآخرة غر خاضعة للمعرفة او الخيال. وعند اليهود، السعادة في الحياة الآخرة تتوقف على ازمنة الخلاص. ويقتصر التلمود - أكثر النصوص دقة في المعتقد اليهودي - على الاشارة الى ان الحياة الآخرة تخلو من الطعام والشراب والتناسل والتجارة والغيرة والكراهية والمنافسة. يستقر المؤمنون فحسب، تكللهم التيجان لينعموا بالحضور الالهي، فهناك وعد ما لكنه محجوب تماما.

ويحض الاسلام على تحقيق الرغبات وليس العكس، ولا يقمع الغريزة، ففي الجنة تلبّى كل رغبات الانسان وتؤخذ برمتها على محمل الجد، وقال بعضهم ان الاسلام اعطى الحرية الجنسية لجمهوره، وقمعه في السياسة او صادرها منه.

تحولات

لقد تبدلت الثقافة الجنسية عبر العصور، واكثر من ذلك كشفت اعمال الأنتروبولوجيين بين الشعوب البدائية عن اتجاهات جديدة في صدد الاتصال الجنسي، ولعب الرجال والنساء في مجتمعات متنوعة ادوارا مختلفة. وعثر على كميات ضخمة من الادب الذي يتناول الموضوعات الجنسية، بصرف النظر عن الطابع الخيالي للاوصاف، وعن الغرابة في التعبير. وكانت رواية دي اتش لورنس، عشيق الليدي تشاترلي ، احدى الروايات الاكثر شهرة، وبقيت لفترة طويلة ممنوعة في البلاد التي كتبت فيها. وكتب لورنس في مقدمة طبعة متأخرة، عن الطاقة الجنسية المثيرة للعواطف وللذكريات الكامنة وراء الكلمات التي يطلقون عليها اسم الفاحشة.

هذا غيض من فيض عن الجنس في اديان العالم، ولا يبدو أن هذا الغيض يغلق الباب.



ملحق النهار - 2004
القاضي الطبيب العالم الأديب اللغوي
أحمد التيفاشي


نترجم لأبي العباس التيفاشي أحد العلماء الموسوعيين الجزائريين في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي –وأنا أعرف أن الكثيرين من أبناء وطني يجهلونه - فهو يعتبر موسوعة معارف كاملة في الطب وعلم الاجتماع والجغرافية والفلك والكلام والقانون، والأدب وقد اشتهر خاصة كعالم معادن من الطراز الرفيع، كان يجري التجارب العلمية والمشاهدات الشخصية لتأكيد معلوماته مزيلا بذلك عنها ما علق بها من خرافات وأساطير اليونان والإغريق والرومان،
يعد أول من ألف من المسلمين في علم الأرصاد الجوي، كتب في تفسير القرآن الكريم ونقل الكثير من الأحاديث الشريفة بإسناده، أشتهر بأنه أديب متمكن له شعر حسن، ونثر جيد، ملما بكثير من علوم عصره، رحالة كبير جاب كثيرا من أقطار العالم للحصول على المعلومات العلمية الدقيقة من مصادرها تدل على ذلك آثاره التي تعتبر حجة بمقاييس عصره، وهي حبيسة المكتبات تنتظر من يزيح عنها غبار السنين لتعود إلى الواجهة.
وقد تعرضت بعض كتبه إلى التشويه والتحريف، فزيد فيها مما جعل الناس تنفر منها وتتجنب قراءتها، وهذا عمل الزنادقة والشواذ كما سنرى في توثيق نسبتها إليه إن شاء الله.

اسمه ونسبه و كنيته:
التيفاشي (580-651هـ / 1184 -1253م)
احمد بن يوسف بن احمد بن أبي بكر بن حمدون بن حجاج بن ميمون بن سليمان ابن سعد القيسي، لقب بشرف الدين وشهاب الدين وصباح الدين، ويكنى بأبي العباس وبأبي الفضل.
ولد في تيفاش وهي قرية صغيرة تابعة لولاية سوق أهراس بأقصى الشرق الجزائري على الحدود التونسية، وفي عصر مترجمنا كانت تيفاش تتبع لمدينة قفصة التونسية ولذلك يكنى في بعض المراجع بالقفصي، أما القيسي فنسبة إلى قبيلة بنو قيس بن ثعلبة الذي ترجع أصول أسرته اليها.

نشأته وطلبه العلم وشيوخه ورحلاته :

نشأ التيفاشي في أسرة ذات جاه وحسب، حيث أن والده كان يشغل منصب القضاء في مدينة قفصة، وعمه يحي بن أحمد أديب وشاعر مقرب من الحكام والسلاطين، أُدخِل إلى كُتَابِ قريته، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ اللغة العربية، لينتقل بعدها مع أسرته إلى مدينة قفصة.
وفي قفصة درس على والده، وتقيل كثيراً من خطواته؛ ولعل شغفه بعلوم الأوائل إنما كان تأثراً به، واعتماداً على الكتب التي جمعها أبوه في تلك العلوم، ومنها انتقل إلى تونس فسمع فيها على أساتذة منهم أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن جعفر المقدسي، ثم غادرها إلى مصر وهو لم يبلغ الرابعة عشر من العمر كما حدث ذلك بنفسه، ولعل السبب في ذلك هو قلة العلماء والمراجع العلمية المتعلقة بعلم المعادن والطب في قفصة وتونس، وهناك في مصر اظهر رغبة كبيرة في طلب العلم فكان ينتقل بين مجالس العلماء ومقابلة الشيوخ، فقرأ وتفنن واستفاد كثيرا، بعدها انتقل إلى دمشق وبغداد واشتغل بهما على علمائها وأدبائها وبعد هذه الرحلة العلمية عاد مترجمنا إلى مدينة قفصة واستقر بها وعين في وظيفة القضاء الذي لم يستمر فيها طويلا، ليستأنف رحلاته العلمية، خاصة ما يتعلق بعلم المعادن والحجارة حيث عرف عنه خرجاته وجولاته الميدانية لاستخراجها البحث عنها ، وإجراء التجارب التطبيقية عليها، والبحث عن المتخصصين والمهتمين بهذا العلم، فكان يدرس معهم ويناقشهم ويقوم بالرحلات الميدانية معهم، ولم يكتف بما عرفه من معادن وحجارة في هذه البلدان ، بل زار أرمينية وفارس وتركستان وبلاد ما وراء النهرين وفي جولاته هذه كان يدون كل ما يسمعه من العلماء من أوصاف للأحجار وأماكن تواجدها، كما كان يقف على امتحان الجواهر والحجارة بنفسه مما عرفه من المتخصصين، كما كان ينتقل للجلوس مع التجار ليتعرف على أثمان هذه المعادن وقيمتها، وهي إفادات شفوية جمعها من أعيان تجار الهند وسرنديب [تعرف اليوم باسم (سيرلانكا)]واليمن وبلاد الشام ومصر، والمغرب والأندلس.
وعرف عنه كثرة المطالعة، واقتناء الكتب ولهذا تجده يقول في بعض المواقف: " إني امرؤ استنبطت العلوم وحذقت النجوم وطالعت جميع الكتب من العلوم بأسرها على اختلاف أجناسها وأصنافها " (1)، ومع ذلك فلم تكن المطالعة مصدره الأهم في المعرفة، بل ربما كان أهم منها المعرفة التي حصلها عن طريق السماع والمشاهدة والاختبار العملي، وأعانه على ذلك دقة في الملاحظة، ومسارعة إلى تقييد ما يلاحظه أو يسمعه أو يجري فيه اختباراً، تستوي في ذلك بسائط الأمور ومعقداتها.
ولعل السب في رأي - والله أعلم - الذي جعله يتفرغ ويغرق نفسه في طلب العلم و التجول في البلدان هي المأساة التي تعرضت لها أسرته التي غرقت كلها في البحر بساحل برقة ونجا هو بحشاشة نفسه على لوح من خشب بعد أن سلب منه ماله ومتاعه، وقد ذكر هذه الحادثة للأديب المؤرخ ابن العديم الذي أوردها في كتابه " بغية الطلب في تاريخ حلب 1/447" حيث ذكر بأنه التقى به في القاهرة فوجده شيخاً كيساً، ظريفاً، حريصاً على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه، وأنه : "... ذكر لي أنه ولد بقفصة من بلاد إفريقية، وأنه خرج وهو صبي، واشتغل بالديار المصرية على شيخنا أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ورحل إلى دمشق وقرأ بها على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأحب المقام بها ثم إن نفسه اشتاقت إلى الوطن، فعاد إلى قفصة، ثم إنه حن إلى المشرق وطالبته نفسه بالمقام بدمشق، فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله، وأخذ معه أولاده وزوجه وماله، وركب البحر في مركب اتخذه لنفسه، فغرق أهله وأولاده، وخلص بحشاشة نفسه، وخلص عرب برقة بعض متاعه، فخرج معهم متفكراً خوفاً منهم أن يهلكوه بسبب أخذ متاعه، وسبقهم إلى الإسكندرية، وتوصل بعمل مقامة يذكر فيها ما جرى له في طريقه، وعرف الملك الكامل أبو المعالي محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية بذلك فكتب له إلى الإسكندرية بتخليص ماله، فخلص له منه جملة، ثم إنه لما رحل الملك الكامل إلى آمد وافتتحها، توجه إلى دمشق، ومنها إلى حلب، ومنها إلى آمد، فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية، فعاد معه إليها، وسكن بها"
ونستشف من كلام ابن العديم أنه كانت تربطه صلات قوية بالملك الكامل، وأنه كان يقدره لعلمه وفضله، وقد عرف عن الملك الكامل حبه لأهل العلم ومجالستهم ومناظرتهم، وصلتهم بالهدايا والعطايا.
لم تقتصر علاقة التيفاشي بالملوك والأمراء على الملك الكامل، بل نجده من المقربين في بلاط الصاحب نحيي الدين الكبير حاكم جزيرة ابن عمر بالقرب من الموصل، الذي خصه يدار كبيرة يقيم فيها ووفر له كل لوازم الراحة وجعل خزائن كتبه المسماة بالصاحبية تحت تصرفه ليل نهار، وكرد لهذا الجميل ألف له التيفاشي موسوعته " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الالباب" وأهداها لخزانته.
وفي بلاط هذا الأمير التقى مترجمنا بحشد من العلماء والأدباء ونشأت بينهم صداقات وأخوة فتبادلوا الزيارت والمجالس معارفهم و أجاز بعضهم البعض بكتبهم ومروياتهم وقد ذكر الصلاح الصفدي في كتابه ( الوافي بالوفيات: 1: 172.) منهم :
- شرف الدين التيفاشي، مترجمنا.
- رشيد الدين الفرغاني.
- أثير الدين الأبهري.
- صدر الدين الخاصي.
- ضياء الدين أبو طالب السنجاري.
- شهاب الدين أبو شامة.
- نور الدين ابن سعيد الأندلسي.
- نجم الدين القمراوي.
وأضيف إلى ما عدده الصفدي: الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة الإشبيلي ( ت سنة 636 هـ ) وأبو المحامد القرطبي ( ت سنة 643 هـ).
وعاد إلى مصر بعد إقامته مدة بجزيرة عمر، وولاه الكامل رئاسة دائرة التعدين بها، كما ضمه إلى مجلسه الرئيس جمال الدين موسى بن يغمور (663 هـ ) الذي شغل مناصب متعددة في الدولة، وكان لعطفه على القادمين من المغرب يسمى " كهف المغاربة " وجعله من جلسائه المقربين ، وقد شارك التيفاشي في مجالس هذا الأمير أصدقائه المغاربة الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة، وأبو المحامد القرطبي، ونور الدين ابن سعيد الأندلسي مؤلف الكتابين الشهيرين: " المُغرب في أخبار أهل المَغرب" و" المُشرق في أخبار أهل المَشرق " وقد أهدى للتيفاشي نسخة من كتابه الأول و أجازه بروايته و سيأتي نص هذه الإجازة، وسجل التيفاشي قصة الإهداء والإجازة في قطعتين من شعره، فقال في الأولى: ( 02)
سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً
وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد
طلعت شمسه من الغرب تجلى
فأقامت قيامة التقييد
لم يدع للمؤرخين مقالاً
ولا ولا للرواة بيت نشيد
إن تلاه على الحمام تغّنت
ما على ذا في حسنه من مزيد
وقال في الثانية:
يا طيب الأصل والفرع الزكي كما
يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر
ومن خلائقه مثل النسيم إذا
يبدو إلى بصري أبهى من القمر
أثقلت ظهري ببر لا أقوم به
لو كنت أتلوه قرآناً مع السور
أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه
في قاب قوسين بين السمع والبصر
وقضى بقية حياته بمصر يصطحب أصدقائه في جولات للقاء العلماء و الأدباء، يتبادل معهم المناقشات العلمية والفكرية ويتناشدون الأشعار، ويدونون الأخبار، ولم يتوقف عن الكتابة و التأليف إلى حين وفاته.

شيوخه:

- العلامة موفق الدين البغدادي ( 629 هـ ): أبو محمد موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن سعد، العلامة موفق الدين البغدادي الشافعي النحوي اللغوي المتكلم الطبيب الفيلسوف المعروف بابن اللباد، ولد في بغداد سنة 557هـ، بعد أن تخرج وتهذب جاور بالمدرسة النظامية نسبة إلى الوزير نظام الملك. ثم توجه إلى دمشق الشام حيث جمع السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى بلاطه كثير من أهل العلم وبعد ما درس في الجامع الأموي مدة توجه لزيارة بيت المقدس ثم جاء إلى القاهرة واجتمع فيها بالعلماء، وكان في النهار يقرئ الناس بالجامع الأزهر وفي الليل يشتغل على نفسه.
كان مشهورا بالعلوم اشتغل على الأخص بعلم الطب وكان مليح العبارة كثير التصنيف متميزا في النحو واللغة عارفا بعلم الكلام والطب وتطرقا من العلوم النقلية ومصنفاتها عديدة منها كتاب " الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر".
- أبو اليمن الكندي ( ت 613 هـ) : زيد بن الحسن بن زيد بن سعيد الحميري، تاج الدين أبو اليمن الكندي النحوي اللغوي الحافظ المحدّث، ولد ونشأ ببغداد، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأكمل القراآت العشر وهو ابن عشر، وكان أعلى أهل الأرض إسناداً في القرآات.
سمع الحديث من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي وأبي القاسم هبة الله بن البطر وأبي منصور القزّار ومحمّد بن أحمد بن توبة وأخيه عبد الجبّار وأبي القاسم ابن السمرقندي وأبي الفتح ابن البيضاوي وطائفة سواهم. وله مشيخة في أربعة أجزاء خرّجها له أبو القاسم ابن عساكر، وقرأ النحو على ابن الشجري وابن الخشّاب وشيخِه أبي محمّد سبط الخيّاط، وأخذ اللغة عن موهوب الجواليقي. وقدم دمشق في شبيبة وسمع بها من المشايخ وبمصره، وسكن دمشق ونال بها الحشمة الوافرة والتقدّم، وازدحم الطلبةُ عليه.
له تصانيف، منها " كتاب شيوخه" رتبه على حروف المعجم، و" شرح ديوان المتنبي" و"ديوان شعر".
- أحمد بن أبي بكر بن جعفر المقدسي، أبو العياش: الإمام، برع في الفقه ورسخ فيه وفي الأصلين والعربية وفنون شتى وله معارف في علم النظر وعلم البلاغة والإنشاء، اشتغل بالتدريس وولي الأحباس والمساجد في مدينة قفصة، وكان خطيباً مصقعاً سمع من أبيه ومن أبي بحر.
ومن العلماء الذين التقاهم واستفاد منهم في علوم التعدين وتشكيل الجواهر وتجارتها:
- القاضي الحسيب معين الدين بن ميسر كبير المعدنين في عصره.
- الشريف الجوهري.

وفاته:
أصيب بالصمم في السنوات الأخيرة من عمره "... وكذلك أصيب بعد ذلك بنزول الماء في عينيه حتى عمي، فقدحهما وأبصر واستأنف الكتابة، وعوفي، ثم شرب مسهلاً، وأعقبه بشرب آخر، فأدركه حمامه على أثر ذلك [ أنظر ابن العديم " بغية الطلب في تاريخ حلب 2: 161"].
كانت وفاته رحمه الله في 13 محرم سنة 651 هـ بالقاهرة و دفن بمقبرة باب النصر.
مؤلفاته:
خلف مترجمنا تراثا موسوعيا ضخما شمل موضوعات شتى، في علوم البلدان، المعادن، الطب، الأدب، الشعر،الفنون، لم يطبع منه إلا القليل وكثيره لا زال مخطوطا حبيس المكتبات وبعضه الأخر في حكم المفقود، وقد أرجع بعض الباحثين ومنهم الدكتور أحمد الليثي ضياع كتبه إلى نفاستها مما أغرى الناس بالاستئثار بها فضاع معظمها ، وهو قول وجيه، وهذا سرد لما استطعت جمعه:

01 - في علم المعادن:
- " أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" وقد انتهى من تأليفه عام 640هـ / 1242 م، أي قبل أحد عشر عاما من وفاته، يقع في 25 فصلا يختص كل فصل بدراسة معدن من المعادن عالج فيه:
- تكوّن الحجر في معدنه.
- معدنه الذي يتكوّن فيه.
- جيّده و رديئه.
- خواصه في ذاته.
- قيمته و ثمنه .
طبع أول مرة سنة 1818 م مع ترجمة الى اللغة الايطالية، بمطبعة مدينة فلورنسا من طرف الكونت الايطالي رينري بيشيا RAINERI BISCIA ، وهي طبعة ناقصة عن النسخ الخطية الموجودة من هذا الكتاب في خزائن العالم (3).
وعدد بروكلمان ما يربو على عشرين مخطوطة في المكتبات المختلفة، عدا ما لم يره مثل مخطوطتين بمكتبة الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب، ومخطوطة مكتبة الكونغرس الأمريكي وغير ذلك.
وقد طبع سنة 1977 م بالهيئة المصرية للكتاب - القاهرة، وهي طبعة منقحة ومحققة مذيلة بتعليقات هامة للدكتور محمد يوسف والدكتور محمد بسيوني خفاجي.
- " الأحجار التي توجد في خزائن الملوك وذخائر الرؤساء " توجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم ميكروفيلم 14888 وعدد أوراقها 44 ورقة أولها : " بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ثقتي ...". وقد " رتبه على 25 حجراً - كسابقه - تكلم عن كل حجر في خمسة أبواب منها أوجه تكونها و تكون معدنه وجيده ورديئة وقيمته، طبع قسم منه في الحجارة الكريمة والجواهر في مدينة اوترخت على نهر الراين في هولندا سنة 1884م".(4).
وقد سماه صاحب كشف الظنون 1/621 " جوهر نامه " ولست أدري من أين استقاها؟
- " خواص الأحجار ومنافعها " توجد منه نسخ مخطوطة بباريس وكلها مبتورة وناقصة، وحسب ما يبدو من عنوانه فهو يذكر خواص الاحجار سواء الكريمة منها وغيرها وفائدة كل نوع ومنافعه.

02 – في الطب:
- " الشفاء في الطب عن المصطفى صلى الله عليه وسلم" وقد نهج فيه مهج المحدث الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه" الطب النبوي"، جمع فيه عدداً كبيراً من الأحاديث مما خرجه الإمام أبو نعيم الأصبهاني ضمن تصنيف واسع حول التطبيقات الطبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم مجردا من الأسانيد إلا القليل منها.
توجد منه نسخة مخطوطة مصورة في دار الكتب المصرية تحت رقم 515 ميكروفيلم 20241 يضم حوالي 91 ورقة منسوخة بقلم شيخي حسن من رجال القرن التاسع الهجري، جاء في مقدمته: " بسم الله الرحمن الرحيم قال العبد الفقير إلى الله تعالى احمد بن يوسف التيفاشي اللهم يا من لطف حتى دق عن الأوهام والظنون، وجل حتى ظهر في كل حركة وسكون ، وتفرد بالوحدانية التي لا تدركه العيون، والتأثر عن خليقته بعلمه المكنون المشتمل على علم ما كان وما هو كائن وما سيكون، أهدنا لعمل يقرب في دار القرار، واحشرنا في زمرة أوليائك المصطفين الأخيار ،ويحول بيننا وبين أهل النار، وصلى الله على نبيك وخليلك محمد المختار [ صلى الله عليه وسلم]". ثم يشرع في شرح منهجه في الكتاب ، وكيف رتب مواضيعه جريا على ما كان شائعا في المؤلفات في عصره وقبله ، ويوضح انه أورد في الكتاب الأحاديث الموجودة في كِتَاب الطِّب من صحيح البخاري، كما أورد أحاديث غريبة بأسانيدها حاول تخريجها وشرحها ، والكلام عنها من جانب الصناعة الحديثية - رغم أنه ليس من أئمة هذا الشأن - ثم يذكر عنوان هذا الكتاب فيقول : " وسميت هذا التخريج بالشفاء في الطب المسند عن المصطفى صلى الله عليه وسلم".
وقد طبع هذا الكتاب سنة 1988م بتحقيق عبد المعطي قلعجي - جزاه الله خيرا - وصدر عن دار المعرفة ببيروت لبنان في حلة قشيبة.
- " المنقذ من التهلكة في دفع مضار السمائم المهلكة " : من الكتب المفقودة، و قد ذكره التيفاشي ضمن مؤلفاته في خاتمة كتابه " أزهار الأفكار" حيث جاء في آخر النسخة المحفوظة بمكتبة طوبقبوسراي استانبول ( تركيا ) : " ... يتلوه كتاب " المنقذ من التهلكة".
[ انظر مقدمة أزهار الأفكار في جواهر الأحجار ص 13.]
- " رسالة فيما يحتاج إليه الرجال والنساء في استعمال الباه مما يضر وينفع ".
- " رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه "
ينسب إلى التيفاشي تأليفه هذين الكتابين - وأنا أرجح إنهما كتاب واحد غُيِّر عنوانه - في المعرفة الجنسية وفوائد الأعشاب والأطعمة التي تقوي الرغبة الجنسية لدى الزوج والزوجة وبعض الأمور المتعلقة بهما.
وقد قام أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا المتوفي سنة 940 هـ (05) بترجمة الكتاب الأول وترك مضمونه على حاله، لكن هذا الكتاب تعرض إلى الكثير من التشويه والتحريف على يد المجان والشواذ والمنحرفين ومن ذوي الثقافة المحدودة، حيث أن النسخ المتداولة منهما حاليا تحتوي على كثير من الألفاظ والعبارات البذيئة والفاحشة، إلى جانب كثير من أخبار المجان، وكذلك الألفاظ العامية ( ومصطلحات لم تعرفها اللغة العربية إلا في العصور الأخيرة ابتداء من القرن 11 هـ) التي لم تكن معروفة في عصر التيفاشي، مما يجعلني أشكك في نسبة هذين الكتابين إليه، خاصة بعد اطلاعي على التحقيق الذي أنجزه كل من العالمين المدققين الخبيرين ( كارل بروكلمان وصارتون جورج ) اللذان ناقشا نسبة الكتاب إلى التيفاشي ورجحا انه ليس من تأليفه ، وهو الرأي الذي ذهب إليه أيضا الدكتور إحسان عباس في مقدمة تحقيقه لكتاب سرور النفس بمدارك الحواس الخمس حيث قال عن كتاب " رجوع الشيخ إلى صباه " ما يلي : " ... فهو لا يعد من كتب التيفاشي، ولا يشبه طريقته في التأليف " (06).

03 – في علم الجغرافية:
" سجع الهديل في أخبار النيل" موسوعة في تاريخ و جغرافية نهر النيل و يبدو مما نقله منه السيوطي في كتابه " حسن المحاضرة" والمقريزي في " المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" أنه أهم مرجع معروف في ذلك الوقت عن نهر النيل فهو موسوعة اشتملت على وصف حوض النيل وذكر أحواله و فيضانه و مزروعاته، وما قيل فيه من أشعار، ومما أورده التيفاشي فيه " ... أن الله سبحانه و تعالى لم يسم من انهار العالم إلا نهر النيل وأستشهد بأقوال المفسرين في تفسير اليم بأنه نهر النيل في الآية الكريمة: { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ } الآية 39 من سورة طه، كما ذكر أن نهر النيل من أنهار الجنة وأورد الحديث الشريف: " سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّة "(07).

04 - في علم الأرصاد الجوي:
- " طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار وجميع ما يحدث بين السماء والأرض من الآثار ": وهو جزء من موسوعته فصل الخطاب في مدارك الحواس، تناول فيه التيفاشي وصفا لأحوال الفصول الأربعة، وعلاقتها بزيادة مقدار الليل والنهار، ودلائل المطر و والاستسقاء و دلائل الصحو ومعرفة الشتاء الذي يطول وهل يتقدم أو يتأخر؟
والبرق والرعد والغيم والرباب، وهالة القمر وقوس قزح والاعتدالين والحر والبرد والغيوم والبروق، والرياح والضباب، والأعاصير والزلازل والكسوف والخسوف، وفي النار ذات اللهب وما تعلق بها ونار النفط والصاعقة ونار الفحم والكوانين.
و هذا الكتاب يعتبر أقدم موسوعة وافية في علم الأرصاد الجوية حيث احتوى على تفسيرا وحقائق علمية يؤكدها العلم الحديث، لكنه لا يخلو من بعض النقول والكلام الساذج الملئ بالخرافات.
وقد أختصر الكتاب ونقل منه الكثير من العلماء كابن منظور والقلقشندي والجبرتي وابن الاكفاني والغزولي وغيرهم، وهو في حكم المفقود.

05 - في التاريخ:
- كتاب في تاريخ الأمم: ذكر الصلاح الصفدي أن له كتاب في تاريخ الأمم، وأورده كذلك الادفوي في البدر السافر، أما الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب الصمادحي فذكر أن للتيفاشي كتابين في تاريخ الأمم مفقودان (ورقات 2: 455).

06 - في الشعر:
الديباج الحسرواني في شعر ابن هانئ: وهو عبارة عن كتاب شرح فيه ديوان الحسن محمد بن هانئ الأزدي الاندلسي (326 - 363هـ ) وركز على شغف ابن هانئ بالغريب والألفاظ الصعبة التي قام التيفاشي بشرها و التعليق عليها، وأعلن أنه من المعجبين بشعره واعتبره ذو طابع خاص مميز عند اهل المغرب لا يضاهيه فيه إلا المتنبي عند أهل المشرق.
- " درة الآل في عيون الأخبار مستحسن الأشعار": هذا الكتاب يعتبر من مجاميع الاختيارات الشعرية، حيث ضمنه مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية وقد التزم بشرطه في الكتاب فكان لا يعرض إلا النصوص المختارة السبك والرصف والمعنى.

07 - في الأدب و الفنون:
- " مشكاة أنوار الخلفاء وعيون أخبار الظرفاء ": ذكره الحافظ الأديب محمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري ( ت سنة 727 هـ ) في كتابه " الروض المعطار في خبر الأقطار: 1 / 146 " و قال عنه: " وهو كتاب مطول حسن ممتع ضاهى به عقد ابن عبد ربه [ يقصد العقد الفريد ] فأبدع فيه وأجاد ". وهو مفقود أيضا.

- " كتاب في البديع": جمع فيه سبعين نوعا من أنواع البديع(08)، وقد ذكر جملة كبيرة من أنواع البديع والألوان البلاغية الواردة في القرآن الكريم ، و في خطب العرب، وأشعارهم، و نهج فيه طريقة عبد الله بن المعتزّ العبّاسيّ ( ت سنة 296هـ) الذي جمع سبعة عشرة نوعا في أول مصنف لليديع و سماه " كتاب البديع "، وحسن بن عبد الله العسكري ( ت سنة 382 هـ) الذي جمع سبعة وثلاثين نوعا في كتابه " كتاب الصناعتين ".

08 - في الموسوعات:
" فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لاولي الالباب": موسوعة كبيرة في مختلف العلوم و التاريخ و الآداب و القانون و اللغة تقع في
40 مجلدا، وقد أكد الدكتور إحسان عباس - رحمه الله - في مقدمة نشرته لكتاب " سرور النفس بمدارك الحواس الخمس " نقلا عن الاستاذ الحسني الوهابي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت، 1400هـ 1980م ص31 بأن الموسوعة تقع في (40) جزءاً، لا يقل حجم الجزء عن (200) صفحة.
ألف التيفاشي هذه الموسوعة وأهداها للصاحب محيي الدين ابن ندي الجزري الكبير(ت651هـ) صاحب جزيرة ابن عمر، واستعان التيفاشي في جمع كتابه بمؤلفات الموفق التلعفري (ت602هـ) ومكتبة بني ندى أعيان جزيرة ابن عمر، وقد فقدت أجزاء كثيرة منها كما نُقِل عن كل من ذكرها، فها هو صلاح الدين الصفدي يقول بكل إنصاف ويصرح بعدم وقوفه عليها و إنما اطلع فقط على اختصار ابن منظور لها، قال في ترجمته للتيفاشي : " ... وله كتاب كبير إلى الغاية وهو في أربع وعشرين مجلدة [24] جمعه في علم الأدب وسمّاه فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب، ورتبّه وجمع فيه من كل شيء وتعب عليه إلى الغاية. ولم أقف عليه لكن رأيت الذي اختصره منه الفاضل جلال الدين محمد بن المكرّم "
[الصلاح الصفدي الوافي بالوفيات: 3/125.]
و الصفدي هنا يشير الى انه اطلع على المختصر الذي هذبه و نقحه اللغوي الأديب أبو الفضل محمد بن مكرم الشهير بابن منظور ( ت711هـ) صاحب المعجم الكبير " لسان العرب"، فلولا ابن منظور واختصاره لبعض أجزاء من هذه الموسوعة لضاعت هي الأخرى كما ضاع غيرها من مؤلفات مترجمنا ، والسبب في تلخيصها كما ذكر ابن منظور في مقدمة سرور النفس: " ...كنت في أيام الوالد - رحمه الله - أرى تردد الفضلاء إليه، وتهافت الأدباء عليه؛ ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي القيسي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه؛ غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتاباً صنّفه، أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب "، وأنه لم يجمع ما جمعه كتاب. وكنت على صغر السن أنكر تجاسره على هذا الاسم الذي عده الله عز وجل من النعمة، ومنَّ على نبيه بأنه آتاه فصل الكتاب مع الحكمة.
وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وتوفي الوالد رحمه الله في سنة خمس وأربعين وستمائة، وشُغلْتُ عن الكتاب، وتوفي شرف الدين التيفاشي بعده بمدة، فلما ذكرته بعد سنين، وقد جاوزت الستين، تطلّبتُه من كل جهة، ورمته من كل وجهة، فلم أجد من يدلني عليه، ولا من يذكر أنه نظر إليه؛ فبذلت الجهد في طلبه إلى أن ظفرت به عند شخص كان من أصحابه، فسعيت إلى بابه، وبذلت له جملة لم تكن في حسابه، فلم يسمح لي مع فقره ببيع ولا عارية، ولا استحسنتُ تملكه باليد العادِيَةِ؛ وعدت إلى طلبه منه، واستعنت عليه بمن لا غنى له عنه، فلم يفد فيه سؤال ولا شفاعة. ولم يعط لنا فيه طاعة. إلى أن قدَّر الله تعالى تملّكه في سنة تسعين وستمائة. فرأيته مجرداً في مسودات وجزازت. وظهور وتخريجات. وقد جعلته من تجزئة أربعين جزءاً. لم أجد منها سوى ست وثلاثين ربطة. وهو في غاية الاختلال، لسوء الحظ، وعدم الضبط. ولو لم يكن تكرر وقوفي على خطة في زمن الوالد، وعرفت اصطلاحه، في تعليقه. لما قدرت على قراءة حرف منه غير أني عرفت طريقته في خطه واصطلاحه، وتحققت فساده من صلاحه، ووقفت منه على أوراق في مفرقات ومفردات. وجزازات تفعل في مطالعها ما لا تفعل الزجاجات. فضممت ما وجدت منه بعضه إلى بعض. وأحرزته بتجليده من الأرضة والقرض." (09)

09 - في التفسير:

" كتاب في تفسير القرآن الكريم": ذكر القلقشندي في " صبح الأعشى: 1: 471" أن للتيفاشي تفسيرا تغلب عليه القصص، وأورد الدكتور إسماعيل سامعي ضمن مؤلفات التيفاشي تفسيرا للقرآن الكريم في مقالة كتبها بمجلة جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية (10) وقال عنه أنه مفقود ولم يذكر مصدره.
وقد وجدت في " تاج العروس " للعلامة المحدث اللغوي مرتضى الزبيدي إستشهادا بقول للتيفاشي أثناء عرضه لمختلف التفاسير والشروح لكلمة غاسِقٍ من قولِه تَعالى في الآية الكريمة:{ ومن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَب} [ الفلق : 3 ].
بالإضافة الى ذلك فإنني أثناء مطالعاتي لبعض آثاره وجدت له تفسيرا لبعض الآيات وأقوال تفسيرية مبثوثة هنا وهناك.
10 – في فنون شتى:
- "الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة": أهدى المؤلف منه نسخة إلى ابن العديم حين لقيه بالقاهرة، لعله كتاب يتحدث عن فضائل الأفارقة ودورهم العلمي والثقافي، ويذكر ما اتصفوا به من فروسية والأخلاق الحسنة.
[ انظر بغية الطلب 2: 160 وكشف الظنون: 742، وهدية العارفين 1: 94.]
- " قادمة الجناح في آداب النكاح " ذكره الحميري صاحب الروض المعطار ص 146، في مادة " تيفاش "، كما أن أبو محمد التونسي التجاني (721 هـ) في كتابه " تحفة العروس ونزهة النفوس " أكثر من النقل عنه في عدة مواضع.
- "كتاب في المسالك": ذكره الصلاح الصفدي في (الوافي 8: 291).
- " نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب": توجد منه نسخ كثيرة منها نسختين بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقمي: Arabe 3055 و Arabe 5943 منه نسخة بالمكتبة الملكية بكونهاجن رقم Code Arabe CCXII، ونسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 1333 ك، وقد طبع الكتاب سنة 1992 م بتحقيق جمال جمعة ونشرته رياض الريس للكتب والنشر بلندن في طبعة تجارية أطلعت عليها وأظن - والله أعلم - أن هذا الكتاب قد تعرض أيضا إلى الكثير من التحريف وأن هناك أيادي خبيثة أضافت إليه أمور وكلام لا يمكن ان يصدر من رجل عاقل، فكيف بالتيفاشي؟!.
لاحظت أن المخطوطات التي اعتمدها الكاتب اضطرابا كبيرا واختلافا في الأسلوب داخل الفصل الواحد، فأنت تقرأ مرة كلاما فصيحا رصينا بلغة عربية فصيحة راقية، ومرة أخرى كلاما ركيكا وألفاظا سوقية بذيئة لا تصدر إلا عن مريض شاذ، كما لاحظت أن هناك تناقضا واضطرابا في المتن حيث يختلط الاستشهاد بالآيات القرآنية وتفسيرها والحديث الشريف وأقوال الصحابة رضي الله عنهم و التابعين وعلماء الإسلام من المحدثين والفقهاء في الإحماض وملح الآداب كما جاء في الورقة الأولى من المخطوطة " ... وجعل ملح الآداب جلاء للعقول وصيقلا لصدأ الألباب، وحببها لأهل المروءة في الخلوات كما حببها لهم في الجلوات، وجعلها مع الخواص من الحسنات، ومع العوام من السيئات..." وما يتبعه من كلام هادف حول الظرافة و الفكاهة و نوادر الأدباء والشعراء كل ذلك في أدب واحتشام، قلت يختلط مع الكلام الفاحش والأشعار الساقطة والكلمات العامية التي لم تعرفها اللغة العربية في عصر المؤلف.
مع العلم أن التيفاشي بدأ في تسويد صفحات هذا الكتاب بعد أن جاوز الستين من العمر، فكيف بالله عليكم نقبل أن شيخا كبيرا في السن أمتهن القضاء وكان ملازما وصديقا للعلماء والفضلاء أمثال الإمام رشيد الدين الفرغاني والشيخ أثير الدين الأبهري وصدر الدين الخاصي وجلال الدين المكرم - والد العلامة ابن منظور - وضياء الدين أبو طالب السنجاري، وصهره الإمام العلامة مجد الدين أبو الحسن القشيري (زوج ابنة التيفاشي) وهو والد الحافظ ابن دقيق العيد وغيرهم، يكتب عن بائعات الهوى والزناة ( حاشاكم) وعن نوادر أخبارهن، وملح أشعارهن
أعاذنا الله وأياكم من مكر الزنادقة واليهود.

ثناء العلماء عليه وتعليق بسيط:

ان التشويه الذي تعرضت له مصنفات هذا العالم هي خطة خبيثة لتنفير الناس من الاطلاع عليها وعلى إسهاماته العلمية وآثاره الحافلة، ولو كانت مؤلفاته تحتوى على هذا الكلام الفاحش البذيء ، لما قرأها العلماء والفضلاء أو لما سكتوا عن التشنيع بها، بل إن الكثير من المؤلفين الذين عرفوا بصلاح دينهم و فضلهم استشهدوا بأقواله ونقلوا عنه في كتبهم، ومنهم من أختصرها كالأديب اللغوي ابن منظور صاحب " لسان العرب" ومحمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري، والعماد الاصبهاني والإمام السيوطي والجبرتي ومحمد المرتضى الحسيني الزبيدي صاحب المعجم المشهور " تاج العروس من جواهر القاموس " وغيرهم.
فلو كان هو من صنف هذه الكتب المليئة بالإنحرافات الشاذة لما أثني عليه العلماء وكتاب السير والتراجم الذين كتبوا عنه أو ترجموا له، ومن بينهم من عاشروه وعرفوه وكانوا أقرب وأدرى به منا.
إننا نجدهم يطلقون عليه ألقابا ويصفونه بالقاضي والإمام والرجل الصالح، و العالم، و الفاضل، والعلامة، والأديب البارع،ولنذكر بعضا منها:
- ذكر الإمام المؤرخ ابن العديم ( ت 660 هـ) في كتابه " بغية الطلب في تاريخ حلب 1/447" بأنه التقى بالتيفاشي وأثنى عليه و مما قاله: " كان أبو العباس قاضي قفصة، وكان شيخاً حسناً فاضلاً، عارفا بالأدب وعلوم الأوائل، وله شعر حسن، ونثر جيد، ومصنفات حسنة في عدة فنون كثيرة الفائدة، أجتمعت به بالقاهرة، وقد توجهت إليها رسولاً، فوجدته شيخاً كيساً، ظريفاً، حريصاً على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه وأوقفني على شيء من تصانيفه الحسان، وأهدى إلي بخطة منها كتاباً وسمه بالدرة الفائقة في محاسن الأفارقه، وأنشدني مقاطيع من شعره".
- ذكره العماد الاصبهاني وقال عنه: " الفقيه أبا عبد الله محمد بن أبي العباس التيفاشي " و نفس الوصف نقله عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان 3 / 239 "
- ترجم له تلميذ الإمام الذهبي المؤرخ صلاح الدين الصفدي ( ت سنة 764 هـ) في (كتابه الوافي بالوفيات:3/125) وأثنى عليه ووصفه أيضا بالفقيه و بالرجل الصالح.
- نقل (الصلاح الصفدي في الوافي:7/215 ) أثناء ترجمة الوزير الأديب أبو القاسم بن محمد بن سعيد بن ندي أنه كتب إلى التيفاشي فخاطبه هكذا بخط يده: "... محل الأجل العالم شرف الدين سيد الفضلاء، أبقاه الله لجمال يحصله وجمال في الفضائل يفضله في الدهر، محل القلادة من النحر، ومثال الفضلاء معه مثل القطرة عند البحر، وأخلاقه عرائس تجلى على عاشق".
- المؤرخ الكبير المقريزي وصفه بالإمام لما استشهد بشعره في وصف أهرامات مصر، والحديث عن الزلازل.
[ وهي الأبيات التي استشهد بها الأديب الكاتب محمد الخضر بن الحسين في مجلة المنار لصاحبها أحمد رضا في مقال بعنوان " الخيال في الشعر العربي " واعتبرها من أبدع الوصف المنسوج على هذا المثال
أنظر مجلة المنار لمحمد رشيد رضا: الجزء 22 ص 288 ]، والأبيات هي:
أما ترى الأرض من زلزالها عجبًا
تدعو إلى طاعة الرحمن كل تقي
أضحت كوالدة خرقاء مرضعة
أولادها در ثدي حافل غدق
قد مهدتهم مهادًا غير مضطرب
وأفرشتهم فراشًا غير ما قلق
حتى إذا أبصرت بعض الذي كرهت
مما يشق من الأولاد من خلق
هزت بهم مهدهم شيئًا تنبههم
ثم استشاطت وآل الطبع للخرق
فصحت المهد غضبى وهي لافظة
بعضًا على بعض من شدة النزق
وانظرها أيضا في: " المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي 1/152".
- أجازه أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد الغرناطي (ت سنة 685م): بكتابه " المغرب في حلى المغرب" كما سبق ذكره ووصفه بالشيخ القاضي الأجل، وهذا نص الإجازة كما وجدها أبو العباس أحمد المقري مكتوبة بخط المؤلف في آخر كتابه المغرب و قد نقلها حرفيا في كتابه " نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: 2/332"
قال: " إجازته للتيفاشي رواية المغرب: وجد بخطه رحمه الله تعالى آخر الجزء من كتاب المغرب ما نصه: أجزت الشيخ القاضي الأجل أبا الفضل أحمد ابن الشيخ القاضي أبي يعقوب التيفاشي أن يروي عنى مصنفي هذا وهو المغرب في محاسن المغرب ويرويه من شاء ثقة بفهمه واستنامة إلى علمه وكذلك أجزت لفتاه النبيه جمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خطلخ الفارسي الأرموي أن يرويه عني ويرويه من شاء وكتبه مصنفه علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد في تاريخ الفراغ من نسخ هذا السفر". انتهى.
- ترجم له الإمام القاضي ابن فرحون في كتابه " الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب 1:90 " و وصفه ب: " الإمام العلامة شرف الدين القفصي التيفاشي..."
- وصفه العلامة المحدث اللغوي مرتضى الزبيدي ( ت سنة 1205هـ ) بالإمام وذلك حين أستشهد بقوله أثناء عرضه لمختلف التفاسير و الشروح لكلمة غاسِقٍ من قولِه تَعالى في الآية الكريمة :{ ومن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَب } [ الفلق : 3 ]. أنظر " تاج العروس: 26/251 ".
- ترجم له محمد مخلوف صاحب الشجرة وحلاه " بالإمام العلامة الفاضل البارع في الأدب و علوم الاوائل ..." [أنظر غير مأمور " شجرة النور الزكية: 1/170 ، الترجمة رقم 540].

و خلاصة القول انه أخطأ رحمه الله في الكتابة عن بعض المواضيع التي كان يعتبرها من الظرافة والملح نظرا لما تثيره من شبهات بما تضمنته من ذكر للقيان و الجواري و مجالس السماع، رغم أنها لا تخلو من بعض الفائدة والإمتاع في جوانب الأدب و الإحماض - ان صحت نسبة كل ما فيها إليه - كل ذلك يعتبره العلماء من سقطات وعثرات هذا الرجل، ولا ننسى أن لكل جواد كبوة فسامحه الله و غفر له و الله اعلم بالنيات، وفي الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال '' إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .... '' .
إن الأمة ليست بحاجة لمثل هذه التصانيف، وإنما هي بحاجة لعلماء يؤلفون لهم لتصحيح عقائدهم ، وتعليمهم دينهم ...أما تعليمهم هذه الأمور فلا، وهذا لم يعهد عند سلفنا الصالح تناقله، ولا تأليفه، بهذه الطريقة وفي دونها من الكتب غنية وكفاية لإخواننا المسلمين، وطبقات الصالحين. – و الله أعلى وأعلم -.



الهوامش:
(01) - مخطوطة " نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" الورقة رقم 07 نسخة باريس.
(02) – أبو العباس المقري " نفح الطيب 2/ 332." و ابن العديم " بغية الطلب في تاريخ حلب 1/447".
(03) - أطلع يوسف إليان سركيس على بعض هذه المخطوطات و منها نسخة أصلية نفيسة بمكاتب القسطنطينية كتبت سنة 695 هـ قارنها بالكتاب المطبوع و وجد نقصا كبيرا و تصحيفات عديدة أنظر معجم المطبوعات العربية - يوسف إليان سركيس: 1/ 652).
(04) – إدوارد فنديك " اكتفاء القنوع بما هو مطبوع : 1/80".
(05) - ترجمه الى التركية بطلب من السلطان العثماني سليم الأول و شيخ الإسلام كان منصبا علميا في الدولة العثمانية ، يحوزه عندهم أكابر علمائهم، وهو منصب يشمل إفتاء الدولة وما إلى ذلك.
(06) – مقدمة " سرور النفس بمدارك الحواس الخمس" إحسان عباس ص 22.
(07) - صحيح من حديث أبى هريرة رضي الله عنه رواه مسلم في صحيحه (4/2183 ، رقم 2839) ، وأخرجه الإمام أحمد (2/289 ، رقم 7873).
(08) - " البديع هو علم يعرف به وجوه تفيد الحسن في الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى المقام ووضوح الدلالة على المرام ، وأما منفعته: إظهار رونق الكلام حتى يلج الأذن بغير إذن ويتعلق بالقلب من غير كد". انظر كشف الظنون لحاجي خليفة 2 / 126.
(09) – " سرور النفس بمدارك الحواس الخمس " للتيفاشي ، تلخيص و تهذيب ابن منظور ، تحقيق الذكتور إحسان عباس الصفحة الأولى.
(10) – مقالة بعنوان " التيفاشي حياته وآثاره " للدكتور اسماعيل سامعي منشورة في مجلة جامعة الأمير عبد القادر الاسلايمة ، العدد 10 رجب 1422هـ/ سبتمبر 2001 م ، ص 208 و 209.



المصادر و المراجع:

- "سرور النفس بمدارك الحواس الخمس" لأبي العباس التيفاشي ، اختصار و تهذيب ابن منظور ، تحقيق الدكتور إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت-لبنان،الطبعة 1 ، 1980 م.
- "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" المنسوب لأبي العباس التيفاشي ، تحقيق جمال جمعة، رياض الريس للكتب والنشر لندن الطبعة 1 1992 م
- "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتاب العربي، ط الأولى 1387هـ.
- "جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" لابن الاثير تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط ، مضافا اليه تعليقات أيمن صالح شعبان - مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، الطبعة : الأولى.
- "الروض المعطار في خبر الأقطار" لمحمد بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق إحسان عباس ، مؤسسة ناصر للثقافة ، مطابع دار السراج بيروت لبنان - الطبعة 2 - 1980 م.
- "تاج العروس من جواهر القاموس" لمرتضى الزَّبيدي ، تحقيق مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية.
- "اكتفاء القنوع بما هو مطبوع" لإدوارد فنديك ، دار النشر : دار صادر - بيروت - مصور عن طبعة القاهرة بتصحيح السيد محمد الببلاوي 1896م.
- "الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب" لابن فرحون - الشركة الوطنية للنشر و التوزيع - الجزائر 1982م.
- "نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب"لأبي العباس أحمد المقري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة القاهرة، الطبعة 1 سنة 1949م.
- " الاعلام" تأليف خير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين بيروت - الطبعة الخامسة أيار (مايو) 1980م,
- " شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" لمحمد بن محمد مخلوف - المطبعة السلفية القاهرة: 1349 هـ.
- "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سركيس - طبعة الهيئة المصرية - القاهرة 1977م.
- "معجم المطبوعات العربية والمعربة"ليوسف إليان سركيس . مطبعة سركيس بمصر ، 1346 ه‍ ـ 1928 م.
- "معجم البلدان"لشهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- "هدية العارفين" لإسماعيل البغدادي، دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان طبعة بالأوفست عن طبعة استانبول 1951 م.
- "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لابن خلكان. تحقيق إحسان عباس. دار الثقافة، بيروت، ط1، 1968م.
- "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي ، تحقيق خليل المنصور ، دار الكتب العلمية 1998 م.
- "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة، دار الفكر، دمشق، 1982م.
- "مجلة المنار" لصاحبها محمد رشيد رضا/ د.ت.
- مجلة جامعة الأمير عبد القادر العدد 10 رجب 1422هـ/ سبتمبر 2001 م.