المشاركات الشائعة

السبت، 25 ديسمبر 2010

ا

السـّــــــــارية ...
السـّــــــــارية ...
علي النحوي


وعلى هدى خطواتِها تجري المكان ْ !

تمشي كساريةٍ على قلبي فأفرشُ أضلعي درباً
فتختصرُ المسافة َ موجتان ْ !

من أولِّ الكحل ِ الذي يغفو على أجفانِها
أشتاق ُ حتـّى يوقظ َالعطرَ المسافرَ
صوبَ روحيَ موعدان ْ !

من ومضةِ المرآةِ بين بياضِها أمضي
لأسرق َ من شعاع ِ الشـّمس ِ أغنية ً
تبوحُ بسرّها وبسحرها
وبفتنةٍ تسريْ فيبتسمُ الزّمان ْ !

من عقدها المغرور ِ يجرحُ نحرَها النـّشوانَ
بالقبل ِ الـّتي تلتفّ طوقاً يُنبتُ الصّبواتِ
حتـّى ينتشي من طيش ِ خنصرها الشـّقيّ
ومن رغائبها الجُمان ْ !

من ظلـّها السـّكران ِ تنتفضُ الأساورُ والخلاخلُ
والمرايا تحسدُ الجدرانَ حين تلزّها
لتشدّ حجلاً يشبه ُ النـّزواتِ في ساقين ِ فرعونين ِ
يسكنُ في ارتعاشهما الأمان ْ !

وإذا سرت ْ تغشى الطريق َ سحابة ٌ ريّانة ٌ
فيبوحُ بالفوضى فترتبكُ الزّوايا
في مهبّ مسيرها / الشـّلال ِ
لا ماء ٌ سواها هاهنا
لتحفـّها بالياسمين ِ وبالبنفسج ِ ضفـّتان ْ !

لا شيءَ غيريَ هاهنا
يرعى حضورَ حبيبةٍ في نشوة ِ الميعادِ
لا حشرٌ هنا غيرُ انعطافتِها
لتجمعَ في مهبّ الريح ِ
ذيلَ عباءة ٍ مشبوبة ٍ بالرّمل ِ
يا لـّبياضها
أ سوادُ أطراف ِ العباة ِ بكفـّها أم جمرتان ْ ؟!

تمشي الهوينى والتفاتة ُخصرها
تحكي تفاصيلَ الطريق ِ
وقصة َ الباب ِ الـّذيْ صرّت أناملـَها عليه
لتفتحَ الدّنيا وتغلقَ دارة َ الخوفِ القديم ِ
وأولّ المشـوار ِ في الحبّ المغامر ِ خطوتان ْ !

تمشي فتشعلـُها الأماكنُ والمنازلُ
واختباءُ الوقتِ في أكمام ِ كفـّيها
وما أدراك ما الوقت ُالـّذي يلتفّ فوقَ شقائق ِ النـّعمان ِ
والحنـّاءُ يفتلُ ما تبقـّى من جنون ٍ
أسعرتْ نيرانـَه ُالحمراءَ في قلب ِ القيامةِ عقربان ْ !

وتلفـّتتْ خوفَ الرّقيب ِ فأحرقتْ كلّ الشـّوارع ِ والنوافذِ
فانتشيتُ بقربـِها منـّي
وفي سيارتي نفضتْ غبارَ الدّربِ مثلَ سجارةٍ
وتأوّهتْ حتـّى إذا لزّتْ حنينيَ أجّجتها رغبتان ْ !

لا تلتفتْ إلا إلى عينيّ
يا حبـّاتِ قلبيَ .. يا ضياءَ محاجريْ
خذ ْ كلّ شوقيَ .. خذ ْ رنين َ أساوريْ
ورسومَ حنـّاءٍ على أطرافِ كفيّ
تستلذ ّ بدفءِ كفـّك
هل يسيرُ الحبّ في شريان جسْرَيْ لهفةٍ
أم في وريدِ أصابع ٍ ينمو على هذيان ِ رقتها الحنان ْ ؟!

سرْ من هنا في عتمةٍ
تمحو النـّجومُ قـتامَها وضياؤنا يرعى الطريق َ
لنشعلَ الدّنيا سناً ، واهدأ لأنزعَ برقعيْ
وأزيحَ شاليَ من هناك ومن هنا
واهدأ لأختصرَ القميصَ
ولا عليك إذا بدا ساقيْ
فبعضُ العري ِ تاريخ ٌ قصيرٌ ..
هل تخافُ الاختصاراتِ الـّتي تلهو بأجسادِ النـّساءِ
وتنتهي في حضرةِ العشق ِالـّذي
تذكي مجامرَه الشـّقية َ قبلتان ْ ؟!

واهدأ لأخطفَ من بريقِك جملة ًعربية ً
تروي حكاياتِ السـّماءِ
وتستوي مابين عينيَ يا جنون مفاتنيْ
خذني فما أشقى المساءَ
بلا احتراق ٍ يبعثُ الصّلواتِ من جسدٍ
يؤرقهُ البياضُ وينشرُ الفوضى على أطرافيَ العبـِـقاتِ ..
لملمني
فأوّلُ ما يدورُ بخاطريْ
الوقتُ .. يا عمريْ الذي لا ينتهي ..
وحفيفـُنا أغصانُ توتٍ مثقلاتٍ بالغرام ِ
وليلنا يا أنت طيفٌ غادرَ الدّنيا فآوتهُ النـّجومُ
وضمـّني أخرى
فآخرُ ما يدورُ بخاطريْ
حيُّ القرامطةِ الذين ورثـتـُهمْ
فمضيتُ أهوى المستحيلَ وحسبُ أهلي أن أكونَ سفينة ً
تجري على كفـّـيـكَ يا بحراً تؤجـّجُ موجـَه المجنونَ حين يلفـّـني
كالمورياتِ القادحاتِ وما ألـذكَ صبْوتانْ !!


علي النحوي 23/3/2009م المنامة
نصفها العاري ...
علي النحوي


" إلى تلك التي غادرت قبل أن تكتمل أنصافي الأخرى "


1/ نصفُها العاريْ

انهماراتُ مدىً
فوق شتْلاتٍ صغيراتٍ
صغيراتٍ يعدنَ الأفقَ بالألوان ِ
والألحان ِ.. يا ظلّ اليماماتِ ،
جناحٌ يبعثُ الدفءَ ، وريشٌ يرسمُ الكونَ
مداراتٍ مداراتٍ بلون ِالطّيفِ والحبِّ
وطيشٌ يشعلُ الصّالةَ عنبرْ !!
كنتُ ألقاهُ بكفين ِيتيمين ِوأسكرْ !!
كنتُ أسكرْ !!
كلُّ شيءٍ يشبهُ الإيمانَ فينا قد تغيرْ !!
ليس أكثرْ !!


2/ نصفُها العاريْ

انعطافاتُ سحاباتٍ يباغتنَ قناديلَ المجرّاتِ
بزخّاتٍ نديّاتٍ وبرق ٍ يغرقُ الأنحاءَ يُغريها
بصدر ٍ يشبهُ الطورَ وسيناءَ .. وصوتُ الـجمر ِ
في الرّمّان ِ والتّـفّاح ِ إنجيلٌ .. أناشيدٌ .. مزاميـرٌ
وأغصانٌ نحيفاتٌ نحيفاتٌ وخصرٌ
عاندَ السّترةَ ريّاناً فشبَّ الـليلُ
والفستانُ والباقيْ تخمّرْ !!
وأنا مذْ كسرَ العريُ قنانيْ الـفجر ِ
أدنيتُ الأباريـقَ وتمتمـتُ
فصاحَ الدّيكُ مذبوحاً وكبّرْ !!
وانثنتْ تجمعُ أشلائي البريئاتِ
وتطويـني سلافاتٍ سلافاتٍ وتسكرْ !!
ليس أكثرْ !!


3/ نصفُها العاريْ

التفاتاتُ طواويـس ٍتقيسُ الأرضَ من أعـلى مناطيـدِ مجرّاتٍ
تناديها فتختالُ وتهتزُّ غواياتٍ غواياتٍ
وتنداحُ اشتهاءاتٍ بلون ِالـعطر.. يثنيها وميضُ
التّيهِ في أطرافِها الخُضـر ِ ويجلوها مرايا
وإذا أرختْ شظاياها أعادتني إلى البردِ
إلى أنصافيَ الأخـرى، ونارُ الشّوقِ تسعرْ !!
وإذا ألهبتِ المسرى أعارتني جناحاً
من ضياءٍ واستوينا بين نهرين ِ لذيذين ِ ومحشرْ !!
ليس أكثرْ !!


4/ نصفُها العاريْ

اشتعالاتُ قياماتٍ قديماتٍ / جديداتٍ
وأسرابُ حماماتٍ تناغي الضّوءَ سلسالاً
يثيرُ الشّكَّ ما بين سؤالاتٍ حميماتٍ
وأطيافٍ ترجّ الخمرةَ السّمراءَ في كأسين ِ
إثنين ِ يتيمين ِ وإثمٌ بلغ الغفرانَ
فاجتاحهُ موجٌ من ضراعاتٍ وآهاتٍ وما أدراكَ
ما أطغى رضابَ الصّدرِ.. ما أشقى حبابَ الخمرِ
في أقداحِ ظبيٍ يتبخترْ !!
وعلى حُمرةِ خدّيـها ملاكٌ يحرسُ الأبـوابَ
أن أنـسلّ للجنّةِ مثلَ الضّوءِ
أو أسـرقَ من نار ِالهوى حبّاتِ سكّرْ !!
ليس أكثرْ !!


5/ نصفُها العاريْ

ابتكاراتُ ربيع ٍ يُنبتُ الجوريَّ واللوتسَ والنّعـناعَ
في أقصى فضاءِ اللهِ في ربْــواتِها السّمــراءِ ..
في وادٍ تناجيهِ غصونُ الــفتنة ِالبيـضاءِ ..
تحني فوق كتـْفيهِ سواقيها فتهمي
مثلَ مُزنٍ مثقلاتٍ يبرقُ الماءُ على جنحانِها حيناً،
وحيناً ترعدُ الغيماتُ في عينينِ ..
يا لليلِ يا للبردِ يا للعطرِ يا للوردِ ..
يا للطّرْفِ نعساناً ويا للخصرِ سكراناً
ويا للصّدرِ ريّاناً كصبحٍ من وراءِ الليلِ أسفرْ !!
فتمادتْ أنملاتي الخمسُ، والتفتْ على زندِ الهوى راياتُ قيصرْ !!
ففتلناها صباحاتٍ صباحاتٍ
وليثُ اللذّةِ الشّقراءِ والحمراءِ والبيضاءِ يزأرْ !!
ليس أكثرْ !!


6/ نصفُها العاريْ

ابتهالاتُ فراشاتٍ على الضّوءِ.. رفيفٌ يشبهُ الألوانَ
إذ تغشى جحيمَ النّارِ جنحانٌ لطيفاتٌ بريئاتٌ تقدُّ النّورَ
نصفين ِ حميمين ِ، تُرى هل تكتبُ الموتَ أناشيداً وتختالُ
على ومْضاتِ برق ٍ يخطفُ الرّعْشاتِ خطفَ الوقتِ للسّاعاتِ ..
خطفَ الموتِ للأرواح.. خطفَ الطّير ِ للأسماكِ !!
كمْ يحتاجُ هذا الخطفُ من نار ٍ ومن غيبٍ ومن ماءٍ
وكمْ أحـتاجُ من جسر ٍ ضبابيٍ لكيْ أعبرَ صوبَ الثّلج ِ والجمـر ِ
وحقل ِ الفتنةِ الملغوم ِ بالنّسرين ِ
كم طيفٍ رقيق ٍ سوفَ يلتفُّ على عنْق ِ الفوانيس ِ عقوداً
تشبهُ العوسجَ في عيدِ انتصار ِ الحبِّ
مصلوباً على جسرين ِ مرصوفين ِ بالياقوتِ والمرجان..
والدّنيا انتحاراتٌ شفيفاتٌ وأعذاقٌ من الشّهْواتِ تُهصرْ !!
وأنا شرفةُ شاهين ٍ يلوثُ الغيمَ ريشاً فوق كتْفين ِ سماويّين ِ ..
أطويها سلافاتٍ سلافاتٍ وباعُ اللذّةِ الفرعونُ أقصرْ !!
وأنا أُسرفُ في توزيع ِ رغْباتيْ على صحراءِ أعلاها وأدناها
سأرويْ شبَقَ الأجسادِ بالأجسادِ والخمرةِ بالحاناتِ واللذّةِ بالعريِ
وباقي أغنياتِ الوصل ِ في أعطافِ مزهرْ !!
ليس أكثرْ !!


7/ نصفُها العاريْ

جماناتٌ.. كرستالُ أميراتٍ ..
شعاعٌ يبعثُ الدّفءَ.. صليبٌ يشعلُ الرّوحَ ..
أغان ٍ تشبهُ الأملاكَ والرّهبانَ والأطفالَ ..
صوفيٌّ جليلٌ كلّما دُقّتْ طبولُ اللهِ يهتزُّ ويهتزُّ
وينداحُ امتداداتٍ تناجي الأفْقَ ترتيلاً معطّـرْ !!
وعلى إيوان ِ باقيها صباباتٌ تديرُ الكونَ من أطرافِ أيديها ، وما أدراك
ما الفتنةُ مذْ سارتْ فسارَ الحسنُ طوفاناً ،
وهاجَ الماءُ في جنبيّ تياراً أميريـّـاً ، وطشنا مثلَ طفلين ِ صغيرين ِ ،
فعاثتْ في رماليْ السّمرِ واستولتْ على أبعاديَ الأخرى ..
وماذا غيرُ نصفٍ تبعَ الآخرَ في الخفّةِ
هل أحملُ نصفينِ شبيهينِ بباقيْ الحبِّ فينا ..
كمْ أذابتني كشمعٍ حينما مالتْ بعِطفٍ يشبهُ الجنّةَ أخضرْ !!
وارتمى الغصنُ على الغصنِ فسالتْ أنهرُ اللهِ رياحيناً
فغنينا عناقاتٍ لطيفاتٍ
وأهرقنا بقايا الليلِ في أحضان ِ عبقرْ !!
ليس أكثر ْ!!


علي النحوي
المنامة


أكتبك باحتراقي
و
تقرأني بانطفاءك!
عشتروت


أنا امرأة الاحتراق.. وأمرأة التشظي
أكتبك باحتراقي وتقرأني بانطفاءك!
أكتبك باظافري وتكتبني فوق الريح.. على رمال البحر وعلى دخان سجائرك
حضورك يجعلني اقف على اطراف اصابع انوثتي متكأة بعصا رجولتك
وانت معي تقف على مفترق جنوني وعلى مشارف قبلة وحافة شهوة وغصة لهفة
لتلامس تخوم جسد رسمته ريشة عاشق محترف برومانسية رائعة
بت لا اعي هل الجنون قمة التعقل.. أم التعقل قمة الجنون ......؟!
عشت معك بوهيميتهما وسورياليتهما وتشردهما معا
تجوس فوق هضاب ووديان وشطان جسدي لاكتشاف قارة جديدة للانوثة فيه
لتعيد صياغة مصطلح انوثة الجواري والحريم باسلوب استشراقي
وأنا ابيح لك ذبح انوثتي لتعرف ان المراة ليست هامشا في مسودة كتاب الرجل الشرقي
انا اتدفق عشقا من اول غصة عشق عشتها معك
وانت تنظر الى جسدي ببلادة قديس وفنان تكعيبي وشاعر جاهلي
أتحسس شفتيك لتشي لي بسر كونك رجل
ولست شيطانا جُبلَ من صلصال ادم بتعقل فكر بشر وخرافة الهة
أقرأ في اصابعك قدر نساء سبقوني اليك وكم امرأة تركت في ذاكرة جرحها
ندبة ووشمة غصة عشق لم تعشها معك.. لابرر لك فعلتك
وأنت تتحسس بشكك شفتي لترى كم شفة لرجل مرت فوق تلك الشفاه
تلمس يدي لتعرف كم عاشق ترك اثار دفئه فوق يدي
وأنا امسك كفيك لاقرا فيهما قدري وأحصي كم من القُبل زرعت فوق خطوطهما
تستفز قلمي لاكتبك نصا لا يشبه نصوصي.. ومعلقة تشبع بها غرورك ونرجسيتك
وانا منهمكة اكتب لك معلقتي الاخيرة ياأروع سلاطين عصري
وأنت تبحث في مسودات نصوصي عن رجل ترك بصامته فوق حروف قصائد
تسرح لي شعري لتحصي بصمات وجوه رجال ضموه بعشق
وأنا اتيك مضمخة بالحناء والصندل وعطرانوثتي لاكون بين يديك من اجمل النساء
تسألني عن عطري المفضل وتستنطق قوارير ذاكرة عطوري ورماد بخوري
ليشوا لك باسرار بوحي وعشقي لرجال سبقوك الي
وانا ما استهواني غير عطر يديك
تستدرجني لابوح لك بتاريخ بوحي وعشاقي لتدينني وتكفرني
وأخشى صمت وسكوت جسدي عن الكلام الشهرزادي المباح
تنادي سيافك أول الصباح ليستبيح ذبحي وتتوضا بدمي
فلن تعي بانني عطش ماءك ومرايا ليلك المهشمة التى ترى فيها قدرك.. وجهك ووجهي
ولن تعي بانك.. أنت ” نطقي وصمتي“ و” انبعاثي واحتضاري“ و” وصحوي وجنوني“
ورمحي الافريقي وخنجري اليمني وسيف الساموراي الذي يجرحني ببرود كاهن
لتسكت بوحي وصوت عقلي وتخرس جرأتي وتمردي والاختباء وراء اصابعي وبراقعي
وعلى ان كون سبية في هودج الحريم وجارية من جواري السلطان
يامن ادمنت فيك جنوني واحتراقي
تعال ومرر اصابعي فوق شفاهك.. علم اصابعي لغة ”اسبرانتو“ القبل وعولمة العشق
مرر شفاهك فوق شعري وعلمها كيف تكتب بأصابعك نوتة لسوناتة عشق ” لبحيرة البجع“ ...
وسيمفونية تاسعة على ” ضوء القمر ” لعينيك
وأنا وانت.. أمراة الاحتراق........ ورجل الانطفاء
جسدان.... لا نعي وجودنا وجنونا.... خارج الزمان والمكان في منطقة منزوعة الوعي إلا من جسدان وحلم وفنجان قهوة وسجائر ...
جسدان يرتديان بردة الجنون وحلم لايشبهه اي واقع وخرافة اسطورة
أتمدد بقربك نلهث بشبق عارم.. تختلط حدود تما س كل منا مع حدود تماس الاخر
فلن تجدي مواثيق فك ارتباط ولا ترسيم حدود ولا اتفاقات عشق
ترى اي منطقة براكين وحقل الغام مسورباسلاك تهويمات رومانس ولوجنا.....؟
اتشربك همسا وشبقا وانا امتصك في مسامي
وانت تشهقني قبلة وتزفرني دفئا فانطفئ واتلاشى رمادا مع هشيم فُتاتي واحتضاري
وبعد كل احتراق تبعث من رمادك لتعاود احتراقك وانطفاءك بي
لاحصي اثار اعصارك وطوفانك على شعري.. صدري.. وجهي ويدي
لنكتب اجمل قصيدة عشق تحفرها بلهاثك على جسدي نسميها ... ”عري القوارير“
يامن صرت لي جلدي.. لا فرق معي ان كنت انا التي اكتبك او انت الذي تكتبني
فدعني أكتبك بأحتراقي وأقراني بأنطفاءك
أكتبني بدخانك
عشتروت


بصوفية " دانتي" وحسية " بوكاشيو" وواقعية " ماركيز" ونرجسية " جورج ميرديت" وتوافقية " بلزاك" وانفعالات " باسكال" وحرية " سيمون دي بوفوار" ووهمية " بروست" وفعلية " كيركيجارد" وصفاء " سينكا" وخيميائية " كويللو" واروسية " ساغان" وضبابية " اجاثا كريستي" وخرافية " كفافيس" ووجودية " سارتر".. أكتبني بدخانك ..

أكتبني بدخانك ..
يامن تتحدى أنثى تكتبك بجمر احتراقها ومداد انوثتها فتشعل غابات يابسة حول رجل لن يعرف طعم الانثى الانثى ولن يذق ليالي بنفسجها..
كلي عطش وغاباتي جمر أخمده الحزن على اوروك.. وأنتَ ياأيها المحارب العتيق تومئ لي بمهمازك وسيفك من بعيد وكعنقاء العصور تُبعث من محرقتك بعدما أمسيت فحمة في جدارالزمن ومحارق حروبك لتكتبني برماد فجيعتك ودمك المتخثر في عروقك لا برماد سجائرك..
أي عطر يملا الروح سيدي.. حين تمر بعينيك على قصائدي فتشتعل الحروف.. ووتحرش بي حروفك
لاشي ما لم تش به أنثى من قبل ..
فدع أصابعك تقترف العشق والكفر والجنون.. ولا تخشَ من أن أكفرك أو أن يكفرك الاخرون بعشقي ..
سوف لن أبرأك من ذنب انتظارك تحت سقف الروح وامطار خريف اخر العمر.. سأشي للسماء أن تظلل عينيك بالبوح المدثر بالدفئ فأملا قلمي بحبر الجنون واللهفة ودعني أكتبك نصا لا يشبه نصوصي فلا أشهى من امرأة عاشقة تكتبك بأظافر انثى ولا أروع من رجل يعشق بأصابعه ويكتبها برماد دخانه لا رماد حروبه ..
أكتبني بدخانك ..
"أيتها السومرية المرسومة قبل مجئ اللون والضوء والماء والطين والمسمار والحبر والحرف ..
تعالي واقدحي دفأك بقصب عمري وجفاف سنيني وأضرمي نارك بكل اوراق خريفي وعطش محابري" ..
أكتبني برمادك.. يامن تجمعني مثل بيانات عشق من طرقات الا مس وجدران عرابي قدرك وقدري.. سأحمل فجيعتك وحزنك وجوعك وتشردك بين حنايا الروح الثكلى وأقول :
" من يعشقني فلا يعرف الموت.. جلدي كفنك ورماد احتراقي بك تربتك وشاهدة قبرك حروف قصائدي" ..
ومتى ما نفضت عن جسدك تراب الحروب.. ومتى ما استحمت الريح بالمطر وبللتٌ بدموعي قبرك سأقص ضفائري وأمحو وشمي وألتحف سواد شعري.. وأعلن حبي على قلبك في ساحة الرب وأنسج من ضفائري شيغورا لجسدك جسد الرب المصلوب .. ومن شوك الصبار تاجا لروؤس ناحريك ..
أكتبني بدخانك ..
فقصائدي خيول مجنونة للبوة أنثى جريحة تقطر دما وبنفسجا.. أخشى عليك من صهيلها وتشظيها.. حصان طراودتك انتحر على مشارف حروب جنوب الرب.. تعال مجردا من كل أسلحتك التي تركها المحاربون اليتامى لك.. وأكتبني.. فخسارة نبلك معي أروع من خسارة نبلك في كل معاركك ..
فأحتفي بي ونصبني أميرة بابلية على عرش مائك وحزنك وشعبك وشعرك.. يامن يقف الموت على مشارف عمرك متربصا أمسك وحاضرك ..
أكتبني برمادك.. وقل لي كيف لي أن أعثر عليك إذا اشتهتك أصابعي وحروفي وعطوري.. وكيف لي أن أعبر بحور الشعر حتى أصل الى عينيك.. وكيف لي أن أجر ذيول حروبي حتى أنهزم بك ..
احملني راية على خصر وطني وقل :
" أيتها البلاد هذه أمرأة مني تسكن فيك فلا تنكريني "
" أيتها الحقول هذه غرس ابي وامي فلا تشرديني"
" أيتها السجون هذه صرخة وغصة فمي فلا تكتميني"
سأحمل حنطة عمري وشعير أيامي رغيفا دافئا فوق جسر الوطن المعمد بالدم والدخان والبارود والموت والجثث.. جسر لا يوصلنا الا بالتعاويذ خوفا من تلصص سياف يتلذذ بقطع رقاب مكفريه..
فلا صلاة على قبور بلا جثث.. ولا وطن الا بمقابر.. ولا خلود الا بموتي.. ولا صلاة بدون وضوء لدم الحلاج ..
أذن سأحمل ذاكرة الشرق لاهرب بكَ الى شرق الرب ..
يامن تكتبني برماد حروبك لا برماد سجائرك.. أكتبني بدخانك ..
نزار قباني
القبلة الأولى


عامان .. مرا عليها يا مقبلتي
وعطرها لم يزل يجري على شفتي
كأنها الآن .. لم تذهب حلاوتها
ولا يزال شذاها ملء صومعتي
إذ كان شعرك في كفي زوبعة
وكأن ثغرك أحطابي .. وموقدتي
قولي. أأفرغت في ثغري الجحيم وهل
من الهوى أن تكوني أنت محرقتي
لما تصالب ثغرانا بدافئة
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
تروي الحكايات أن الثغر معصية
حمراء .. إنك قد حببت معصيتي
ويزعم الناس أن الثغر ملعبها
فما لها التهمت عظمي وأوردتي؟
يا طيب قبلتك الأولى .. يرف بها
شذا جبالي .. وغاباتي .. وأوديتي
ويا نبيذية الثغر الصبي .. إذا
ذكرته غرقت بالماء حنجرتي..
ماذا على شفتي السفلى تركت .. وهل
طبعتها في فمي الملهوب .. أم رئتي؟
لم يبق لي منك .. إلا خيط رائحة
يدعوك أن ترجعي للوكر .. سيدتي
ذهبت أنت لغيري .. وهي باقية
نبعا من الوهج .. لم ينشف .. ولم يمت
تركتني جائع الأعصاب .. منفردا
أنا على نهم الميعاد .. فالتفتي.
شَرْشَفِي الْحَرِيْر... مَحْمُوْمٌ يُدَاعِبُنِي
سوسن السوداني






انْزَلَقُ عَلَى سَرِيْرِي وَحِيْدَةً وشَرْشْفِي الْحَرِيْر...
مَحْمُوْمٌ يُدَاعِبُنِي بِرِقَّةِ اصَابِعهِ
خَيْالي الْمَحْمُوْمُ بِكَ
يُدَاعِبُ ذَاكِرَتِي هُو الْآَخَر

2
الْحَيَاةُ سِكَكٌ
وَالْمَحَطَّاتُ غَامِضَةٌ
فَتَرَفَّقْ بِي يَا حَبِيْبِي
لِأنّ الْمَسَاحِيْقَ سَرِيْعَةُ الذَّوَبَانِ
تُذِيْبُهُا أَوْلَى الْعِنَاقَاتِ
وَلَأن الْأَغْطِيَةَ كَذَلِكَ
تَذُوْبُ سَرِيْعَاً فِي حَوْمَةِ الْلَّيْل

3
فِي الْسَّرِيْرِ
يُخْزُّنِي انْشِغَالُكَ عَنِّي
فَتَمْلَانِي بِنَهَمٍ نَظَرَاتِكَ
وَلَا تَكْتَرِثْ لِقَهْقَهَاتِ الفَرَاغَاتِ الْمَاحِقَةِ الَّتِي تَتَرَبَّصُ بِنَا

4
قَفَصُ رُوْحِيْ
مُقْفَلُ الْوَصِيَّدِ
وْرِتاجِيْ طَوْعُ يَدَيْكَ

5
اقْرَأْ قَصَائِدَكَ
وَتَغَزَّلْ بِمَا شِئْتَ مِنِّي
فِرِتاجِي طَوْعُ يَدَيْكَ
وَمِفْتَاحُ مَدَائِنِي
طَوْعُ أَصَابِعِك

6
دَعْنِي أَتَسَكَّعُ فِي رِوَاقِ كَلِمَاتِكَ
هَامِسَةً تَتَنَاثَرُ فِي أُذُنَيَّ
وَلَا تَسْتَح مِن الْكَلِمَات
دَعْهَا تَكْتَسِحُ سَمْعِي
لِأَذُوْبَ فِي طَلَاسِمِهَا
فِي أَكْدَاسِ كَلِمَاتِكَ الدَّاعِرَةِ
وَأَصْدَائِهَا
كَلِمَاتٌ تَتَسَرَّبُ نَحْوَ كُهُوْفِ الْرُّوْحِ
فَأَتَدَثَّرُ بِمِعَطِفِهَا
وَفَوْرَانِ هَمْهَمَاتِكَ
كَلِمَاتٌ تَتَحَوَّلُ إلى فَرَاشَاتٍ مِن الْلَّهَبِ

7
الْكَلِمَاتُ
تَخْلَعُ آَخِرَ مَلَابِسِها الْدَّاخِلِيَّةَ
وَتَنُثُّ مَوْجَاتِهَا
كَلِمَاتٌ تَتَسَرَّبُ نَحْوَ ثُقُوْبِ (الْرُّوْحِ)
فَأَتَدَثَّرُ بِغَلْيَانِهَا
وَفَوْرَانِ سَوْرَتِهَا
كَلِمَاتٌ تَتَحَوّلُ إلى سَعِيْرٍ مِنَ الْلَّهَبِ

8
قُلْ مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلِمَاتِ
وَتَغَزّلْ بِمَا شِئْتَ مِنِّي
فَأنّا طَوْعَ يَدَيْكَ
وَمِفْتَاحُ مَدَائِنِي
طَوْعَ أَصَابِعِك
أحلام مستغانمي
عابر سرير
الفصل الأول






كنا مساء اللهفة الأولى, عاشقين في ضيافة المطر, رتبت لهما المصادفة موعدا خارج المدن العربية للخوف.
نسينا لليلة أن نكون على حذر, ظنا منا أن باريس تمتهن حراسة العشاق.
إن حبا عاش تحت رحمة القتلة, لا بد أن يحتمي خلف أول متراس متاح للبهجة. أكنا إذن نتمرن رقصا على منصة السعادة, أثناء اعتقادنا أن الفرح فعل مقاومة؟ أم أن بعض الحزن من لوازم العشاق؟

في مساء الولع العائد مخضبا بالشجن. يصبح همك كيف تفكك لغم الحب بعد عامين من الغياب, وتعطل فتيله الموقوت, دون أن تتشظى بوحا.
بعنف معانقة بعد فراق, تود لو قلت " أحبك" كما لو تقول " ما زلت مريضا بك".
تريد أم تقول كلمات متعذرة اللفظ, كعواطف تترفع عن التعبير, كمرض عصي على التشخيص.
تود لو استطعت البكاء. لا لأنك في بيته, لا لأنكما معا, لا لأنها أخيرا جاءت, لا لأنك تعيس ولا لكونك سعيدا, بل لجمالية البكاء أمام شيء فاتن لن يتكرر كمصادفة.

التاسعة والربع , وأعقاب سجائر.
وقبل سيجارة من ضحكتها الماطرة التي رطبت كبريت حزنك.
كنت ستسألها, كيف ثغرها في غيابك بلغ سن الرشد؟
وبعيد قبلة لم تقع, كنت ستستفسر: ماذا فعلت بشفتيها في غيبتك؟ من رأت عيناها؟ لمن تعرى صوتها؟ لمن قالت كلاما كان لك؟
هذه المرأة التي على ايقاع الدفوف القسنطينية, تطارحك الرقص كما لو كانت تطارحك البكاء. ماالذي يدوزن وقع أقدامها, لتحدث هذا الاضطراب الكوني من حولك؟
كل ذاك المطر. وأنت عند قدميها ترتل صلوات الاستسقاء. تشعر بانتماءك الى كل أنواع الغيوم. الى كل أحزاب البكاء, الى كل الدموع المنهطلة بسبب النساء.

هي هنا. وماذا تفعل بكل هذا الشجن؟ أنت الرجل الذي لا يبكي بل يدمع, لا يرقص بل يطرب, لا يغني بل يشجى.
أمام كل هذا الزخم العاطفي, لا ينتابك غير هاجس التفاصيل, متربصا دوما برواية.
تبحث عن الأمان في الكتابة؟ يا للغباء!
ألأنك هنا, لا وطن لك ولا بيت, قررت أن تصبح من نزلاء الرواية, ذاهبا الى الكتابة, كما يذهب آخرون الى الرقص, كما يذهب الكثيرون الى النساء, كما يذهب الأغبياء الى حتفهم؟
أتنازل الموت في كتاب؟ أم تحتمي من الموت بقلم؟

كنا في غرفة الجلوس متقابلين, على مرمى خدعة من المخدع. عاجزين على انتزاع فتيل قنبلة الغيرة تحت سرير صار لغيرنا.
لموعدنا هذا , كانت تلزمنا مناطق منزوعة الذكريات, مجردة من مؤامرة الأشياء علينا, بعيدة عن كمين الذاكرة. فلماذا جئت بها إلى هذا البيت بالذات, إذا كنت تخاف أن يتسرب الحزن إلى قدميها؟
ذلك أن بي شغفا إلى قدميها. وهذه حالة جديدة في الحب. فقبلها لم يحدث أن تعلقت بأقدام النساء.
هي ما تعودت أن تخلع الكعب العالي لضحكتها, لحظة تمشي على حزن رجل.
لكنها انحنت ببطء أنثوي, كما تنحني زنبقة برأسها, وبدون أن تخلع صمتها, خلعت ما علق بنعليها من دمي, وراحت تواصل الرقص حافية مني.
أكانت تعي وقع انحنائها الجميل على خساراتي, وغواية قدميها عندما تخلعان أو تنتعلان قلب رجل؟
شيء ما فيها, كان يذكرني بمشهد " ريتا هاورث" في ذلك الزمن الجميل للسينما, وهي تخلع قفازيها السوداوين الطويلين من الساتان, إصبعا إصبعا, بذلك البطء المتعمد, فتدوخ كل رجال العالم بدون أن تكون قد خلعت شيئا.
هل من هنا جاء شغف المبدعين بتفاصيل النساء؟ ولذا مات بوشكين في نزال غبي دفاعا عن شرف قدمي زوجة لم تكن تقرأه.

في حضرتها كان الحزن يبدو جميلا. وكنت لجماليته, أريد أن أحتفظ بتفاصيله متقدة في ذاكرتي, أمعن النظر إلى تلك الأنثى التي ترقص على أنغام الرغبة, كما على خوان المنتصرين, حافية من الرحمة بينما أتوسد خسارات عمري عند قدميها.

هي ذي, كما الحياة جاءت, مباغتة كل التوقعات, لكأنها تذهب الى كل حب حافية مبللة القدمين دوما, لكأنها خارجة لتوها من بركة الخطايا أو ذاهبة صوبها.
اشتقتها! كم اشتقتها, هذه المرأة التي لم أعد أعرف قرابتي بها, فأصبحت أنتسب الى قدميها.
هي ذي . وأنا خائف, إن أطلت النظر إلى العرق اللامع على عري ظهرها , أن يصعقني تيار الأنوثة.
هي أشهى, هكذا. كامرأة تمضي مولية ظهرها, تمنحك فرصة تصورها, تتركك مشتعلا بمسافة مستحيلها.

أنا الرجل الذي يحب مطاردة شذى عابرة سبيل, تمر دون أن تلتفت. تميتني امرأة تحتضنها أوهامي من الخلف. ولهذا اقتنيت لها هذا الفستان الأسود من الموسلين, بسبب شهقة الفتحة التي تعري ظهره, وتسمرني أمام مساحة يطل منها ضوء عتمتها.
أو ربما اقتنيته بسبب تلك الاهانة المستترة التي اشتممتها من جواب بائعة, لم تكن تصدق تماما أن بامكان عربي ذي مظهر لا تفوح منه رائحة النفط, أن ينتمي الى فحش عالم الاقتناء.

كنت أتجول مشيا قادما من الأوبرا, عندما قادتني قدماي الى " فوبور سانت أونوريه". ما احتطت من شارع تقف على جانبيه سيارات فخمة في انتظار نساء محملات بأكياس فائقة التميز, ولا توجست من محلات لا تضع في واجهاتها سوى ثوب واحد أو ثوبين. لم أكن أعرف ذلك الحي, أصلا.

عرفت اسم الحي في مابعد, عندما أمدتني البائعة ببطاقة عليها العربون الذي دفعته لأحجز به ذلك الثوب.
بتلك الأنفة المشوبة بالجنون, بمنطق" النيف" الجزائري تشتري فستان سهرة يعادل ثمنه معاشك في الجزائر لعدة شهور, أنت الذي تضن على نفسك بالأقل. أفعلت ذلك رغبة منك في تبذير مال تلك الجائزة التي حصلت عليها, كما لتنجو من لعنة؟ أم لتثبت للحب أنك الأكثر سخاء منه؟
أن تشتري فستان سهرة لامرأة لم تعد تتوقع عودتها, ولا تعرف في غيابك ماذا فعل الزمن بقياساتها, أهي رشوة منك للقدر؟ أم معابثة منك للذاكرة؟ فأنت تدري أن هذا الفستان الذي بنيت عليه قصة من الموسلين لم يوجد يوما, ولكن الأسود يصلح ذريعة لكل شيء.
ولذا هو لون أساسي في كل خدعة.

أذكر يوم صادفتها في ذلك المقهى, منذ أكثر من سنتين, لم أجد سوى ذريعة من الموسلين لمبادرتها. سائلا ان كانت هي التي رأيتها مرة في حفل زفاف, مرتدية ثوبا طويلا من الموسلين الأسود.
ارتبكت. أظنها كانت ستقول"لا" ولكنها قالت "ربما" .
أحرجها أن تقول " نعم ".
في الواقع, لم نكن التقينا بعد. لكنني كنت أحب أن أختلق, مع امرأة , ذكريات ماض لم يكن. أحب كل ذاكرة لا منطق لها.
بدأنا منذ تلك اللحظة نفصل قصة على قياس ثوب لم يوجد يوما في خزانتها.
عندما استوقفني ذلك الفستان قبل شهرين في واجهة محل, شعرت أنني أعرفه. أحببت انسيابه العاطفي. لكأنه كان يطالب بجسدها أن يرتديه, أو كأنه حدث لها أن ارتدته في سهرة ما , ثم علقته على " الجسد المشجب" لامرأة أخرى, ريثما تعود.
عندما دخلت المحل , كنت مرتبكا كرجل ضائع بين ملابس النساء. فأجبت بأجوبة غبية عن الأسئلة البديهية لتلك البائعة المفرطة في الأناقة قدر فرطها في التشكك بنيتي.
Dans quelle taille voulez-vous cette robe Monsieur?
كيف لي أن أعرف قياس امرأة ما سبرت جسدها يوما الا بشفاه اللهفة؟ امرأة أقيس اهتزازاتها بمعيار ريختر الشبقي. أعرف الطبقات السفلية لشهوتها. أعرف في أي عصر تراكمت حفريات رغباتها, وفي أي زمن جيولوجي استدار حزام زلازلها, وعلى أي عمق تكمن مياه أنوثتها الجوفية. أعرف كل هذا... ولم أعد , منذ سنتين ,أعرف قياس ثوبها!

لم تفاجأ البائعة كثيرا بأميتي, أو ألا يكون ثمن ذلك الثوب في حوزتي. فلم يكن في هيئتي ما يوحي بمعرفتي بشؤون النساء, ولا بقدرتي على دفع ذلك المبلغ.
غير أنها فوجئت بثقافتي عندما تعمدت أن أقول لها بأنني غير معني باسم مصمم هذا الفستان, بقدر ما يعنيني تواضعه أمام اللون الأسود, حتى لكأنه ترك لهذا اللون أن يوقع الثوب نيابة عنه, في مكمن الضوء, وأنني أشتري ضوء ظهر عار بثمن فستان!
قالت كمن يستدرك:
- أنت رجل ذواقة.
ولأنني لك أصدق مديحها, لاقتناعي أن الذوق لمثلها يرقى وينحط بفراغ وامتلاء محفظة نقود, قلت:
- هي ليست قضية ذوق, بل قضية ضوء. المهم ليس الشيء بل إسقاطات الضوء عليه. سالفادور دالي أحب Gala وقرر خطفها من زوجها الشاعر بول ايلوار لحظة رؤيته ظهرها العاري في البحر صيف 1949.

سألتني مندهشة لحديث لم يعودها عليه زبائن , شراء مثل هذا الثوب ليس حدثا في ميزانيتهم.
- هل أنت رسام؟
كدت أجيب " بل أنا عاشق" . لكنني قلت:
- لا ... أنا مصور.
وكان يمكن أن أضيف أنني مصور " كبير" , مادمت موجودا في باريس لحصولي على جائزة أحسن صورة صحافية عامئذ. فلم يكن في تلك الصورة التي نلتها مناصفة مع الموت, ما يغري فضول امرأة مثلها. ولذا هي لن تفهم أن يكون هذا الثوب الأسود هو أحد الاستثمارات العاطفية التي أحببت أن أنفق عليها ما حصلت عليه من تلك المكافأة.
من قال إن الأقدار ستأتي بها حتى باريس, وإنني سأراه يرتديها؟

هاهي ترتديه . تتفتح داخله كوردة نارية. هي أشهى هكذا, وهي تراقص في حضوري رجلا غيري, هو الحاضر بيننا بكل تفاصيل الغياب.
لو رأى بورخيس تلك المرأة ترقص لنا معا, أنا وهو, لوجد " للزاندالي" قرابة بالرقص الأرجنتيني, كما التانغو, انه " فكر حزين يرقص" على إيقاع الغيرة لفض خلافات العشاق.
في لحظة ما , لم تعد امرأة . كانت الهة إغريقية ترقص حافية لحظة انخطاف.
بعد ذلك سأكتشف أنها كانت الهة تحب رائحة الشواء البشري, ترقص حول محرقة عشاق تعاف قرابينهم ولا تشتهي غيرهم قربانا.
لكأنها كانت قسنطينة, كلما تحرك شيء فيها , حدث اضطراب جيولوجي واهتزت الجسور من حولها, ولا يمكنها أن ترقص إلا على جثث رجالها.
هذه الفكرة لم تفارقني عندما حاولت فيما بعد فهم نزعاتها المجوسية.
ماالذي صنع من تلك المرأة روائية تواصل , في كتاب, مراقصة قتلاها؟ أتلك النار التي خسارة بعد أخرى, أشعلت قلمها بحرائق جسد عصي على الاطفاء؟
أم هي رغبتها في تحريض الريح, باضرام النار في مستودعات التاريخ التي سطا عليها رجال العصابات؟
في الواقع كنت أحب شجاعتها, عندما تنازل الطغاة وقطاع طرق التاريخ, ومجازفتها بتهريب ذلك الكم من البارود في كتاب. ولا أفهم جبنها في الحياة, عندما يتعلق الأمر بمواجهة زوج.
تماما, كما لا أجد تفسيرا لذكائها في رواية, وغبائها خارج الأدب, الى حد عدم قدرتها, وهي التي تبدو خبيرة في النفس البشرية, على التمييز بين من هو مستعد للموت من أجلها, ومن هو مستعد أن يبذل حياته من أجل قتلها. انه عماء المبدعين في سذاجة طفولتهم الأبدية.
ربما كان عذرها في كونها طفلة تلهو في كتاب. هي لا تأخذ نفسها مأخذ الأدب, ولا تأخذ الكتابة مأخذ الجد. وحدها النار تعنيها.
ولذا, قلت لها يوما: " لن أنتزع منك أعواد الثقاب, واصلي اللهو بالنار من أجل الحرائق القادمة".

ذلك أن الرواية لم تكن بالنسبة لها, سوى آخر طريق لتمرير الأفكار الخطرة تحت مسميات بريئة.
هي التي يحلو لها التحايل على الجمارك العربية, وعلى نقاط التفتيش, ماذا تراها تخبئ في حقائبها الثقيلة, وكتبها السميكة؟
أنيقة حقائبها. سوداء دائما. كثيرة الجيوب السرية, كرواية نسائية , مرتبة بنية تضليلية, كحقيبة امرأة تريد إقناعك أنها لا تخفي شيئا.
ولكنها سريعة الانفتاح كحقائب البؤساء من المغتربين.
أكل كاتب غريب يشي به قفل, غير محكم الإغلاق, لحقيبة أتعبها الترحال, لا يدري صاحبها متى, ولا في أي محطة من العمر, يتدفق محتواها أمام الغرباء, فيتدافعون لمساعدته على لملمة أشيائه المبعثرة أمامهم لمزيد من التلصص عليه؟ وغالبا ما يفاجأون بحاجاتهم مخبأة مع أشيائه.
الروائي سارق بامتياز. سارق محترم. لا يمكن لأحد أن يثبت أنه سطا على تفاصيل حياته أو على أحلامه السرية. من هنا فضولنا أمام كتاباته, كفضولنا أمام حقائب الغرباء المفتوحة على السجاد الكهربائي للأمتعة.

أذكر, يوم انفتحت حقيبة تلك المرأة أمامي لأول مرة , كنت يومها على سرير المرض في المستشفى, عندما خطر على بال عبد الحق, زميلي في الجريدة, أن يهديني ذلك الكتاب.. كتابها.
كنت أتماثل للشفاء من رصاصتين تلقيتهما في ذراعي اليسرى, وأنا أحاول التقاط صور للمتظاهرين أثناء أحداث أكتوبر 1988 .
كانت البلاد تشهد أول تظاهرة شعبية لها منذ الاستقلال, والغضب ينزل الى الشوارع لأول مرة, ومعه الرصاص والدمار والفوضى.
لم أعرف يومها , أتلقيت تينك الرصاصتين من أعلى أحد المباني الرسمية , عن قصد أم عن خطأ؟ أكان العسكر يظنون أنني أمسك سلاحا أصوبه نحوهم, أم كانوا يدرون أنني لا أمسك بغير آلة تصويري, عندما أطلقوا رصاصهم نحوي قصد اغتيال شاهد إثبات.
تماما, كما سوف لن أدري يوما: أعن قصد, أم عن مصادفة جاءني عبد الحق بذلك الكتاب.
أكان ذلك الكتاب هدية القدر؟ أم رصاصته الأخرى؟ أكان حدثا أم حادثا آخر في حياتي؟ ربما كان الاثنان معا.

ليس الحب, ولا الاعجاب, بل الذعر هو أول احساس فاجأني أمام ذلك الكتاب ." ليس الجمال سوى بداية ذعر يكاد لا يحتمل" . وكنت مذعورا أمام تلك الرؤى الفجائية الصاعقة, أمام ذلك الارتطام المدوي بالآخر.
أي شيء جميل هو في نهايته كارثة. وكيف لا أخشى حالة من الجمال.. كان يزمني عمر من البشاعة لبلوغها.
كنت أدخل مدار الحب والذعر معا, وأنا أفتح ذلك الكتاب. منذ الصفحة الأولى تبعثرت أشياء تلك المرأة على فراش مرضي.
كانت امرأة ترتب خزانتها في حضرتك. تفرغ حقيبتها وتعلق ثيابها أمامك, قطعة قطعة, وهي تستمع الى موسيقى تيودوراكيس, أو تدندن أغنية لديميس روسوس.
كيف تقاوم شهوة التلصص على امرأة, تبدو كأنها لا تشعر بوجودك في غرفتها , مشغولة عنك بترتيب ذاكرتها؟
وعندما تبدأ في السعال كي تنبهها الى وجودك, تدعوك الى الجلوس على ناصية سريرها, وتروح تقص عليك أسرارا ليست سوى أسرارك, واذ بك تكتشف أنها كانت تخرج من حقيبتها ثيابك, منامتك, وأدوات حلاقتك, وعطرك, وجواربك, وحتى الرصاصتين اللتين اخترقا ذراعك.
عندها تغلق الكتاب خوفا من قدر بطل أصبحت تشبهه حتى في عاهته. ويصبح همك, كيف التعرف على امرأة عشت معها أكبر مغامرة داخلية. كالبراكين البحرية, كل شيء حدث داخلك. وأنت تريد أن تراها فقط, لتسألها " كيف تسنى لها أن تملأ حقيبتها بك؟"

ثمة كتب عليك أن تقرأها قراءة حذرة.
أفي ذلك الكتاب اكتشفت مسدسها مخبأ بين ثنايا ثيابها النسائية, وجملها المواربة القصيرة؟
لكأنها كانت تكتب لتردي أحدا قتيلا, شخصا وحدها تعرفه. ولكن يحدث أن تطلق النار عليه فتصيبك. كانت تملك تلك القدرة النادرة على تدبير جريمة حبر بين جملتين, وعلى دفن قارئ أوجده فضوله في جنازة غيره. كل ذلك يحدث أثناء انشغالها بتنظيف سلاح الكلمات!
كنت أراها تكفن جثة حبيب في رواية, بذلك القدر من العناية, كما تلفلف الأم رضيعا بعد حمامه الأول.
عندما تقول امرأة عاقر: " في حياة الكاتب تتناسل الكتب", هي حتما تعني "تتناسل الجثث" وأنا كنت أريدها أن تحبل مني , أن أقيم في أحشائها, خشية أن أنتهي جثة في كتاب.
كنت مع كل نشوة أتصبب لغة صارخا بها: " احبلي .. إنها هنيهة الإخصاب"
وكانت شفتاي تلعقان لثما دمع العقم المنحدر على خديها مدرارا كأنه اعتذار.
أحاسيس لم أعرفها مع زوجتي التي كنت لسنوات أفرض عليها تناول حبوب منع الحمل, مهووسا بخوفي أن أغتال فتتكرر في طفلي مأساتي. فكرة أن أترك ابني يتيما كانت تعذبني, حتى انني في الفترة التي تلت اغتيال عبد الحق, كنت أستيقظ مذعورا كما على صوت بكاء رضيع.
مع حياة ,اكتشفت أن الأبوة فعل حب, وهي التي لم أحلم بالإنجاب من سواها. كان لي معها دوما "حمل كاذب".
لكن, إن كنا لا ننجب من "حمل كاذب", فإننا نجهضه. بل كل إجهاض ليس سوى نتيجة حمل تم خارج رحم المنطق, وما خلقت الروايات إلا لحاجتنا الى مقبرة تنام فيها أحلامنا الموءودة.

إن كنت أجلس اليوم لأكتب , فلأنها ماتت.
بعدما قتلتها, عدت لأمثل تفاصيل الجريمة في كتاب.
كمصور يتردد في اختيار الزاوية التي يلتقط منها صورته, لا أدري من أي مدخل أكتب هذه القصة التي التقطت صورها من قرب, من الزوايا العريضة للحقيقة.
وبمنطق الصورة نفسها التي تلتقطها آلة التصوير معكوسة, ولا تعود الى وجهها الحقيقي الا بعدما يتم تظهيرها في مختبر, يلزمني تقبل فكرة أن كل شيء يولد مقلوبا, وان الناس الذين نراهم معكوسين, هم كذلك, لأننا التقينا بهم, قبل أن تتكفل الحياة بقلب حقيقتهم في مختبرها لتظهير البشر.
إنهم أفلام محروقة أتلفتها فاجعة الضوء, ولا جدوى من الاحتفاظ بهم. لقد ولدوا موتى.

ليس ثمة موتى غير أولئك الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة. اذن يمكننا بالنسيان, أن نشيع موتا من شئنا من الأحياء, فنستيقظ ذات صباح ونقرر أنهم ما عادوا هنا.
بامكاننا أن نلفق لهم ميتة في كتاب, أن نخترع لهم وفاة داهمة بسكتة قلمية مباغتة كحادث
سير, مفجعة كحادثة غرق, ولا يعنينا ذكراهم لنبكيها, كما نبكي الموتى. نحتاج أن نتخلص من أشيائهم, من هداياهم, من رسائلهم, من تشابك ذاكرتنا بهم. نحتاج على وجه السرعة أن تلبس حدادهم بعض الوقت, ثم ننسى.

لتشفى من حالة عشقية, يلزمك رفاة حب, لاتمثالا لحبيب تواصل تلميعه بعد الفراق, مصرا على ذياك البريق الذي انخطفت به يوما. يلزمك قبر ورخام وشجاعة لدفن من كان أقرب الناس اليك.
أنت من يتأمل جثة حب في طور التعفن, لا تحتفظ بحب ميت في براد الذاكرة, أكتب , لمثل هذا خلقت الروايات.
أذكر تلك الأجوبة الطريفة لكتاب سئلوا لماذا يكتبون. أجاب أحدهم " ليجاور الأحياء الأموات", وأجاب آخر " كي أسخر من المقابر" , ورد ثالث " كي أضرب موعدا" .
أين يمكنك, الا في كتاب, أن تضرب موعدا لامرأة سبق أن ابتكرت خديعة موتها, مصرا على إقحام جثتها في موكب الأحياء, برغم بؤس المعاشرة.
أليس في هذه المفارقة سخرية من المقابر التي تضم تحت رخامها , وتترك الأموات يمشون ويجيئون في شوارع حياتنا.

وكنت قرأت أن (الغوليين) سكان فرنسا الأوائل, كانوا يرمون الى النار الرسائل التي يريدون إرسالها الى موتاهم. وبمكاتيب محملة بسلاماتهم وأشواقهم وفجيعتهم.
وحدها النار, تصلح ساعي بريد. وحدها بامكانها انقاذ الحريق. أكل ذلك الرماد, الذي كان نارا, من أجل صنع كتاب جميل؟
حرائقك التي تنطفئ كلما تقدمت في الكتابة, لا بد أن تجمع رمادها صفحة صفحة, وترسله الى موتاك بالبريد المسجل, فلا توجد وسيلة أكثر ضمانا من كتاب.
تعلم اذن أن تقضي سنوات في انجاز حفنة من رماد الكلمات, لمتعة رمي كتاب الى البحر, أن تبعثر في البحر رماد من أحببت, غير مهتم بكون البحر لا يؤتمن على رسالة, تماما كما القارئ لا يؤتمن على كتاب.
فكتابة رواية تشبه وضع رسالة في زجاجة والقائها في البحر. وقد تقع في أيدي أصدقاء أو أعداء غير متوقعين. يقول غراهام غرين, ناسيا أن يضيف أنه في أغلب الظن ستصطدم بجثث كانت لعشاق لنا يقبعون في قعر محيط النسيان. بعد أن غرقوا مربوطين الى صخرة جبروتهم وأنانيتهم. ما كان لنا الا أن نشغل أيدينا بكتابة رواية, حتى لا تمتد الة حتف انقاذهم. بامكانهم بعد ذلك, أن يباهوا بأنهم المعنيون برفاة حب محنط في كتاب.
ام حبا نكتب عنه, هو حب لم يعد موجودا, وكتابا نوزع آلاف النسخ منه, ليس سوى رماد عشق ننثره في المكتبات.
الذين نحبهم, نهديهم مخطوطا لا كتابا, حريقا لا رمادا. نهديهم ما لا يساويهم عندنا بأحد
بلزاك في أواخر عمره, وهو عائد من روسيا, بعد زواجه من السيدة هانكسا, المرأة الأرستقراطية التي تراسل معها ثماني عشرة سنة ومات بعد زواجه منها بستة أشهر, كان يقول لها والخيول تجر كهولته في عربة تمضي به من ثلوج روسيا الى باريس:
" في كل مدينة نتوقف فيها, سأشتري لك مصاغا أو ثوبا. وعندما سيتعذر علي ذلك, سأقص عليك أحدوثة لن أنشرها ".
ولأنه أنفق ماله للوصول اليها, ولأن طريق الرجعة كان طويلا, قد يكون قص عليها قصصا كثيرة.
حتما, أجمل روايات بلزاك هي تلك التي لم يقرأها أحد, وابتكرها من أجل امرأة ما عادت موجودة هنا لتحكيها.

ربما لهذا, أكتب هذا الكتاب من أجل الشخص الوحيد الذي لم يعد بامكانه اليوم أن يقرأه, ذلك الذي ما بقي منه الا ساعة أنا معصمها, وقصة أنا قلمها.
ساعته التي لم أكن قد تنبهت لها يوما كانت له, والتي مذ أصبحت لي, كأني لم أعد أرى سواها. فمنه تعلمت أن أشلاء الأشياء أكثر ايلاما من جثث أصحابها.
هو الذي أجاد الحب, وكان عليه أن يتعلم كيف يجيد موته. قال " لا أحب مضاجعة الموت في سرير, فقد قصدت السرير دوما لمنازلة الحب, تمجيدا مني للحياة". لكنه مات على السرير اياه. وترك لي كغيره شبهة حب, وأشياء لا أدري ماذا أفعل بها.

ساعته أمامي على الطاولة التي أكتب عليها. وأنا منذ أيام منهمك في مقايضة عمري بها. أهديه عمرا افتراضيا. وقتا اضافيا يكفي لكتاية كتاب. تائها في تقاطع أقدارنا, لا أملك الا بوصلة صوته, لأفهم بأية مصادفة أوصلنا الحب معا الى تلك المرأة.
أستمع دون تعب الى حواراتنا المحفوظة الى الأبد في تلك الأشرطة, الى تهكمه الصامت بين الجمل, الى ذلك البياض الذي كان بيننا, حتى عندما كنا نلوذ بالكلام. صوته! يا اله الكائنات, كيف أخذته وتركت صوته؟ حتى لكأن شيئا منه لم يمت. ضحكته تلك!
كيف ترد عنك أذى القدر عندما تتزامن فاجعتان ؟ وهل تستطيع أن تقول انك شفيت من عشق تماما من دون أن تضحك, أو من دون أن تبكي!

ليس البكاء شأنا نسائيا.
لا بد للرجال أن يستعيدوا حقهم في البكاء, أو على الحزن إذن أن يستعيد حقه في التهكم.
وعليك أن تحسم خيارك: أتبكي بحرقة الرجولة, أم ككاتب كبير تكتب نصا بقدر كبير من الاستخفاف والسخرية! فالموت كما الحب أكثر عبثية من أن تأخذه مأخذ الجد.
لقد أصبح , لألفته وحميميته, غريب الأطوار. وحدث لفرط تواتره, أن أفقدك في فترات ما التسلسل الزمني لفجائعك, فأصبحت تستند الى روزنامته لتستدل على منعطفات عمرك, أو على حادث ما, معتمدا على التراتب الزمني لموت أصدقائك. وعليك الآن أن تردع نزعتك للحزن, كما لجمت مع العمر نزعتك الى الغضب,أن تكتسب عادة التهكم والضحك في زمن كنت تبكي فيه بسبب امرأة, أو بسبب قضية, أو خيانة صديق.
مرة أخرى,الموت يحوم حولك إيغالا بالفتك بك, كلؤم لغم لا ينفجر فيك, وإنما دوما بجوارك. يخطئك, ليصيبك حيث لا ترى, حين لا تتوقع. يلعب معك لعبة نيرون, الذي كان يضحك, ويقول انه كان يمزح كلما انقض على أحد أصحابه ليطعنه بخنجره فأخطأه.
اضحك يا رجل, فالموت يمازحك ما دام يخطئك كل مرة ليصيب غيرك!
جنة وآدم
عبد الله المتقي


- الفصل الرابع من رواية قصيرة -


«ربما الجوع
ربما العطش
ربما الجنس
...
الذي جعل جسدي
كفوهة بركان»
صالح الحربي



جنة تتلمظ السمك، أنا أتلمظ السمك.. ويأخذنا النوم لبرهة بالغرفة ثم نصحو، وحين أشعر بشيء دافئ يلعق ظهري، ألتفت لأجد جنة تلعق عمودي الفقري بلسانها، أداعب عانتها فتهتاج، يتصلب عضوي كما قلم رصاص مبري جيدا، يدعوني فرجها للولوج، فقط، أحرثها، ونصل إلى النشوة في وقت واحد، ويتعرق جسدانا.
يأخذنا النوم ثانية، ثم نصحو، أضع أصابعي على حلمتها اليسرى، و.. يرن هاتفها النقال ست رنات، عفوا مازال هاتفها مغلقا، وهذا ما يشعل الغيرة في قلبي.
جالسا على حافة السرير بعد أوبتنا من تحت الدش، تقترح جنة زيارة السوق لاقتناء بعض الهدايا لملائكة أختها عواطف.
-» نعم، اتفقنا « أقول بترحاب
تجولنا في السوق، السوق كبيرة ولا تنتهي، مزدحمة بالسياح، فاليوم عطلة رسمية، ندخل الحوانيت معا، وتقتني جنة لعبا من العرعار .
تجولنا مايكفي في مدينة النوارس ( القصبة، باب البحر، باب مراكش، الكنيسة البرتغالية )
وفي الطريق يرن هاتف جنة في ذاكرتي:
- « أين كنت مختفية طوال هذا الوقت؟» يسألها باحتجاج
تغلق الهاتف، تصمت لحظة، وأشعر أنا بشيء مختلف يزعج تناغمنا، أحاول فهم معنى ذلك، ابتلع ريقي، وأكتفي بتقشير المكالمة بيدي اليسرى.
عندما عدنا إلى الغرفة، كان المطر ينقر خفيفا زجاج النافذة، وأنا أتأمل ماء السماء بنشوة، انتابتني رغبة محمومة في الكتابة، لكنها لم تنصع لي، ولم أجد غير البياض والصمت، تسمرت في الكرسي، ولم أفهم نفسي جيدا .
( كانت جنة، تكتب، تفتح حقيبتها، تغلقها، تقرأ في مذكرتها، تلعب الكلمات المتقاطعة، وأحيانا تحدق في الفراغ، ولا تنظر إلى شيء محدد، فقط، تحدق في الفراغ ) .
حاولت أن أقرأ، لكن لا يبدو أن شيئا يدخل إلى دماغي، أنهض من الكرسي، وأتجه إلى النافذة، مازال المطر ينهمر بغزارة، ألتفت حولي، كانت جنة نائمة، وتدفن وجهها في الوسادة .
لمع البرق بغتة، امتلأت الغرفة بومضات عجيبة، المذكرة أمامي على الطاولة، والقلم أيضا، و... وجدت نفسي مدفوعا إلى الكتابة والانغماس فيها، وكانت الساعة العاشرة ليلا عندنا.
فتحت جنة عينيها، تثاءبت، نظرت إلي بذهول، ثم أخبرتني أنها رأتني في المنام جامورا أخضر، فوق قبة بيضاء، وأنها صعدت كي تمسك بي، بيد أنها لم تجد شيئا بين أصابعها، لتعود إلى الأرض بيدين فارغتين .
- « خير وسلامة « أجبتها بذهول
- ماذا تكتب؟ قالت جنة وهي تبتسم ابتسامة خفيفة
- « تفاصيل جنوننا»
و.. تسدل ستائر النافذة، تقفز إلى السرير، ونمارس الجنس نفسه الذي مارسناه تقريبا.
تعود جنة من الدش، تمسح جسدها، تقترب مني، تضع يدها على كتفي، وتقول وهي تبتسم لي:
- ماذا لو تحدثنا قليلا؟
- « واخا»
- «آدم، هل تحبني» ؟
- «نعم.. وبجنون»
- «وتريد أن تنجب مني توأمين ؟»
- « بل مدينة بكاملها »
- «أرأيت كيف تسخر مني ؟»
وأجهشت بالبكاء، ووجدت صعوبة كبيرة في الحديث إليها وإسكاتها ( كل شيء تغير تلك الليلة، جنة لم تعد جنة، لم تعد شفاها نشطتين وحيويتين، لم يشتعل فرجها ،لم تشهق، لم تنشب أظافرها في ظهري، ولم نلعب تلك اللعبة التي نتقنها بامتياز ) .
في ذلك الصباح، لم يتعرق جسدانا، ولم يتعرف واحدهما إلى الآخر أكثر،اكتفينا بجمع حوائجنا، وانسحبنا من الغرفة بهدوء متجهم .
نافذة:
( بحركة سريعة قفزت إلى السرير، أغمضت عيني تاركة جسدي مستسلما لقبلات آدم، وحلمتي اليسرى للمساته الكهربائية، لكن، كلما دخلني، كان يدعوني أن أنبض من أنفي حتى يصل إلى قمة ذروته، عرق آدم طري وندي، ودوما أتذوق ملوحته ) .
لم أكن أدرك إذا كنت أشعر بالجنون مع آدم، بالاطمئنان، بالفرح، بالخوف، حكيت ذلك لأختي عواطف التي كنت اخبرها كل أسراري .
- « إنه حبك الذي لم يتحقق ياجنة « تقول عواطف وهي تبتسم ابتسامة محببة.

-----------
الفصل الرابع من رواية قصيرة