المشاركات الشائعة

الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

الطاوية والجنس
يولان شانج



أحيانا, يصيب معظم الرجال عجز جنسي مؤقت, بمعني أن لدي الرجال الرغبة في ممارسة الجنس لكنه جسده غير مستعد لذلك: ونعلم من خلال ( أسرار غرفة النوم ) أن الإمبراطور هو سانج قد مرت به لحظات مؤلمة كهذه وفي حوار مع مستشارته الأمور الجنسية " سونو" وصف لها حالته وسألها النصيحة :
الإمبراطور: ارغب في ممارسة الجنس ولكن عضوي لا يقوم وأصابني الحرج حتي أن عرقي نضح كحبات اللؤلؤ. أتوق من كل قلبي أن أمارس الجنس, تمنيت لو أن ذلك بيدي فماذا أفعل في ذلك ؟
سنو: مشكلة جلا لتك هي مشكلة كل الرجال في وقت من الأوقات. ولممارسة الجنس مع المرأة يجب عل الرجل أن يفعل كل الأشياء الصحيحة التي تساعد علي ذلك ولابد أولا أن يكون الجو متناغما بينهما أنذاك يأمل أن يقوم عضوه وهاهي الخطوات:

1- لابد أن يجعل حواسه الخمس تعمل في نظام وتوافق
2 - لابد أن يعرف كيف يتحسس المناطق الشهوانية التسع لشريكته
3- لابد أن يعرف كيف يقدر صفات آمراته الخمس الجميلة
4 لابد أن يعرف كيف يثيرها حتى يستفيد من إفرازها المهبلي
5 لابد أن يذوق رحيقها حتى يتوافق منيه مع نفسها
6عليه أن يتجنب المفاسد السبع
7- وعليه أن يقوم بالأعمال الثماني المفيدة
فاذا فعل ذلك فأن حواسه الخمس تتناغم في عملها وتحفظ عليه صحته ولن يصيبه المرض ويقوم جسده بأداء وظيفته وسينهض عضوه قويا

هذه نصيحة عملية جدا من الطاوية سنو إن الأطباء وعلماء النفس والتحليل النفسي اليوم مع الاستفادة بالعلم الحديث لا يمكن أن يقدموا نصيحة أفضل لمرضاهم فالطاوية تقول استرخ ومتع نفسك ولا يقلقك انتصابك. ركز فقط علي إثارة شهوة شريكتك, تشجيع صادق وسهل. الجملة الأخيرة في الحوار ذات مغزى. حتى في الصين القديمة, كانت القوة الجنسية صفة مطلوبة, مرادف للفحولة, وأن لم يستطع الرجل الحصول علي الانتصاب, كان يشعر بالحرج. العجز المؤقت يشبه إصابة الإنسان بالبرد, أمر مزعج ولكن لا يجب أن يقلق الرجل ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فالذي يخاف من العجز المؤقت لمرة واحدة من الممكن أن تسبب خوفا متر سخا يؤدي إلي عجز دائما وحسب ما يقوله الباحثون أن الخوف من العجز الجنسي يؤدي إلي العجز الجنسي

يقول ماسترز وجنسون في كتابهم القصور الجنسي عند الرجال:

في كل ممارسة جنسية يكون الاهتمام الأكبر للرجل هل سيحقق انتصابا جيدا أم لا؟ وهل سيؤدي عمله بشكل طبيعي؟ أنه مهتم دائما ليس بالأداء فقط بل بالحصول علي انتصاب كاف للإيلاج إن اهتمامه بدرجة الانتصاب هو الذي يثبط الحدوث الطبيعي للانتصاب, كثير من الرجال يكافح المخاوف عند أدائه الجنسي مما يشوه الاستجابة الأساسية لدرجة أن يتصبب عرقا إذا اقترب مغامرة جنسية, أي رجل جرب هذا الخوف المفاجيء, أنها لتعاسة حقيقية استجابة بعض الرجال للنشوة الجنسية بهذا الرعب المربك

ويحكي عن الشاعر جوته أنه أعجبته فتاة وأتفق فعلا معها للذهاب وممارسة الجنس ولكن في اللحظة الحاسمة رفض قضيبه أن ينتصب مما سبب له إحراجا كبيرا وسجل مشاعره في قصيدة تبدأ:
شفتاي علي شفتيها وأصابع الإقدام تتلاقي
لكن الأمور في مواقع أخري ليست سليمة
فالذي اعتاد أن يقوم بدور البطل المنتصر ينكمش الآن محققا صفرا كتلميذ مبتدأ وأكمل قصيدته
أفضل لو جرحت في مبارزة علي أن أكون في موقف كهذا .

جوته مخطئا, فقد كان مساعدة نفسه بأصابعه, لو كان قرأ كيفية التغلب علي العجز الجنسي بالطريقة الطاوية الصيني

إن فلسفة الطاوية لديها نصيحة محددة للتعامل مع هذه المشكلة , وكما قالت الطاوية سونو: علي المرء عند ممارسة الجنس أن ينس انتصابه ويركز علي جسد شريكته ومجالها وسحرها مع التأكيد بأنه سيعطيها قدر ما يستطيع من اللذة دون استخدم قضيبه , هناك طرق كثيرة لإعطاء واستقبال اللذة الجنسية فالرجل يستطيع الاستمتاع بجسد شريكته عن طريق اليدين والشفتين واللسان وليس فقط بنظراتها ولكن برائحتها ولمس بشرتها فلتلك لذتها الحسية الخاصة . إن التحسس علي ظهرها بطول عمودها الفقري ومص حلمة الثدي حتى تصبح صلبة بالإضافة إلي تقبيل عريها ودغدغة بظرها باللسان حتى يغمر سائلها فخذيها. كطل ذلك يعمل علي هياجها الجنسي مما سيثير الرجل ويحقق له انتصابا ولذلك يصبح الإيلاج سهل


أيلاج الرخو

ما نعنيه بالإيلاج الرخو هو استطاعة الرجل الدخول في فرج شريكته دونما انتصاب بمساعدة صغيرة من أصابعه, واذا كان رجلا مجربا ماهرا بأستخدام يديه فيستطيع أن يمارس بقضيب رخو ويمتع نفسه وشريكته في الوقت ذاته. الايلاج الرخو اذا استخدم بشكل جيد وأن تكون تجربة مثيرة ولو أتبع طرق الطاوية فهناك فرصة كبيرة أن يجمد العضو بمجرد دخوله فيها علي المرء أن يكون مرنا وخياليا والمرونة هي المبدأ الأساسي في الطاوية
وقواعد ممارسة الجنس الرخو

1- الوضع الأكثر مناسبة للإيلاج الرخو هو تنويعات علي الوضع الجانبي مواجهة كل منهما الأخر أو وضع الرجل فوق المراءاة آي اعتلاء الرجل المراءاة في وضع الفارس
2- المداعبة لأطول فترة ممكنة
3- لا تحاول الإيلاج إلا عندما تكون المراءاة نزل سائلها وزيتها تماما وإذ لم ينزل ضع لها ملين وأن رفضت ضعه أنت بنفسك
4 - 5 - مفتاح الإيلاج الرخو يكمن في استخدامك لأصابعك لإدخال قضيبك في فرج شريكتك وإذا حققت ذلك فأن أصابعك ستعمل كخاتم في أسفل قضيبك لتجعل الجزء العلوي منه صلب


حجم وشكل القضيب

تقول نصوص الطاوية أن حجم وشكل القضيب ليس لهم سوي أثر ضئيل ولنقرأ هذا الحوار بين الإمبراطور هوانج تي وسنو

الإمبراطور : لماذا تختلف أعضاء الرجال الجنسية ؟
سنو : هذا الاختلاف يشبه بدرجة كبيرة اختلاف وجوههم فهي هبه فقد يكون رجل قصير وعضوة كبير ورجل ضخم ويملك عضو صغير
الإمبراطور : هل يعني ذلك أن كل هذه الاختلافات في الحجم والشكل لا توثر في لذة الجماع
سنو : الاختلافات في الحجم والشكل هو مظهر خارجي فقط وأن. أن اللذة والجمال الحقيقي للجماع هما مشاعر داخلية
الإمبراطور : وماذا عن الاختلاف في الشدة والصلابة
سنو قصير : وصغير خير من طويل ورخو ومع ذلك يكون رخو وضعيفا لكن رقيق ومتعاطف من أن يكون صلبا وشديد ولكن يكون خشن وعنيف
الإمبراطور : هناك بعض الأطباء قادر بالأدوية علي إطالة القضيب هل لهذا أثار جانبية
سنو : الانسجام وحده هو القادرة علي إطالة القضيب القصير والرخو صلب وأن تعلم الرجل الطاوية فلن يضعف حني لو أمتلك مائه امرأة
الشبق
حميد طولست


الشبق كما يرى "العلماء" هو جوع يتعدى مرحلة الاتصال الجنسي بمعنى أن الشبق الجنسي ليس جوعا عضويا كالجوع إلى الطعام, بل يشبعه شيء آخر غير مجرد الإفراغ بعد انتهاء التواشج التوالج.
وهو نفس المعنى اللغوي لكلمة شبق في اللغة العربية حيث نجد في معنى كلمة شبق لدى ابن منظور بأن الشبق هو شدة شهوة الجماع، قال ابن منظورفي لسان العرب: الشبق شدة الغلمة وطلب النكاح، يقال رجل شبق وامرأة شبقة وشبق الرجلبالكسر شبقا فهو شبق: اشتدت غلمته، وكذلك المرأة، وقد يكون الشبق في غير الإنسان.
والشبق في التحليل النفسي الفرويدي هو إحدى تجليات الليبيدو حيث يؤكد فرويد على أن الإنسان يولد ولديه طاقه غريزة أساسيه هي الشبق الذي يشكل قوة حيويه دافعه وطاقه نفسيه مشوبة برغبة جنسيه تلتقي بتعبيراتها الأكمل من خلال العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
ولهذا فهو يحدث فقط عن طريق التواصل المباشر، عكس الإثارة التي قد تحدث من نظرة أو مهاتفة أو حتى تخيل لذوي الخيال الواسع القادر على النفاذ إلى ما تحت الثياب.
ولكن الاستعمال العربي العام للكلمة يختلف، فأهل عمان يستعملون كلمة شبق بنفس المعنى الذي استخدمه "يسوع" وهو اللصق على الشيء، ومنه الصلب، فالذي يلصق على الصليب يقال له شبقت يداه على اللوح.وفي منطقة ميلة بالجزائر تستعمل كلمة شبق للدلالة على النظرات ذات التعبير الجنسيفيقال لمن يحدق بشراهة في امرأة : شبقت عيناه "، فالنظرة لغة ولهذا يتحدث المبدعون عن شبق اللغة كدلالة على التوصيل الذي يحيل على التواصل في الحالة الإنسانية الحميمية.
وشبق اللغة يقودنا لمحي الدين بن عربي الذي يقول:
نَكَحْـتُ نَفْسِي بِنَفْـسِي
فَكُنْـتُ بَعْـلِي وعِـرْسِي
كتعبير عن حنين الأصل لفرعه الشارد، فالبيت الشعري يبدو محيلا على الشذوذ، ولكنه يحمل نظرة أعمق من هذه القراءة السطحية، حيث أن أصل المرأة هو الرجل لأنها خلقت من ضلعه، لهذا يلح الشيخ الأكبر عن الشبقية التي يكثر من إيراد مرادفاتها وتوابعها في نصوصه الشعرية سواء في فصوص الحكم أو في ترجمان الأشواق، بغية استدعاء التوحد بين الرجل والمرأة عن طريق التواصل الشبقي الذي يعيد الفرع الشارد إلى أصله كحالة من التماهي الصوفي، " فصورة اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة عودة الجزء إلى الكل، فيكمل الأصل، فتتماهى الصورة بالمثال المطلق، وهذا مظهر من مظاهر التجلي الكوني الأعظم للوحدة الكلية كما يراها الشيخ الأكبر في الفصوص." بنظرته الصوفية العميقة
وابن عربي يعتبر مبدعا في موضوع شبقية اللغة حيث انه قد بحث حتى في علاقة الحروف المشكلة للكلمة من منظور شبقي، وكيف أن طريقة التركيب والتوليف بين الحروف يمكن تشبيهها بوضعيات مطارحة الرجل للمرأة أثناء التواصل الجنسي.
وبالعودة للهجة أهل ميلة بالشرق الجزائري حين يستعملون كلمة شبق للدلالة على النظرة الجنسية أي الشبقة، وهو استعمال له أصله في لغة العرب، ولكن أهل ميلة يحرفون الكلمة فينطقونها "شبك " وهذا يوصلنا لكلمة قريبة من الشبق وهي الشبكة ولكن نأخذها هنا بمعناها المشرقي والمصري تحديدا والتي تعني ما يقدمه الرجل للمرأة قبل الزواج، أي قبل التواصل الشرعي، فبالشبكة يحل الشبق الذي سوف يسيل العرق في الليالي الملتهبة بعد أن يوصد الباب والشباك.
والشباك هنا دائم الحضور ومحايث للشبق حيث لازمت الشبابيك الحريم لحجبهن عن الرجال حتى لا يثرن فيهم رغبة، مع أن نساء الحريم دائما تستعملن الشباك للتجسس وللمواعدة الخفية التي تتم بإشارة يد أو نظرة عين تكون وعدا لعاشق يسير تحت النافذة ( الشباك ) ليقتحم خلوة الحريم في غياب السيد أو المحرم وغالبا ما يتم الاقتحام عن طريق الشباك( النافذة )، والطريق إلى اشتعال الشبق في ذلك الاقتحام الليلي الذي ينفذه عاشق مغامر يمر عبر تشابك الأيادي بمنتهي اللين ( كما يفعل العشاق الظرفاء في الأماكن العامة ) قبل اشتباك الشفاه عبر قبلات حارة (كما يفعل نفس العشاق الظرفاء في لحظات الخلوة الشرعية وغير الشرعية ).
سنعود للحريم ومخادعهن المحاطة بشبابيك لاحقا
ولكن لنعد للشبكة ولكن بمعناها العربي الأصيل أي شبكة الصيد التي تلتقي مع الشبكة المصرية ومع الشبق، حيث أن الشبكة المستعملة للصيد تتيح للصياد امتلاك ما يصطاده وهو نفس ما يحدث مع العريس بعد أن يقدم شبكة لعروسه، ولكن الفرق أن الصياد يوظف شبكته لامتلاك صيد ما بصفة مطلقة، في حين أن الشبكة بعد أن تقدم للعروس تجعل الامتلاك متبادلا بين الرجل والمرأة وهو امتلاك شبقي يشبع ما يصفه العلماء بالجوع العضوي والنفسي الذي يحسه كل طرف اتجاه الآخر، مع أن الصياد البدائي كان يستعل شبكته لإسكات جوعه هو الآخر، ولكن إنشاء المدن والمراكز الحضارية وما فرضته من مبادلات تجارية حّول وظيفة الشبكة من إشباع البطن إلى ملء الجيب، حيث أن الصيد صار يتم بهدف المبادلة التجارية، مع بقاء الشبكة وفية لدورها الأول وهو إشباع الشبق.ولكن وبما أن التطور لا ينتهي فقد أتى من يستفيد من الشبق ويوظفه في التجارة ولو بإدعاءات فنية، حيث ازدهرت منذ عصر النهضة الأوروبية لوحات العري وصارت تباع بالشي الفلاني، من طرف صيادي النور كما يسميهم أحمد راشدي أي الفنانين الغربيين الذين وظفوا العري بشكل مكثف في لوحاتهم مبرزين شبقية الأجساد العارية ومسبغين عليها كثيرا من النورانية حتى يرتفع ثمنها في بورصة اللوحات الفنية، وهذه النظرة التجارية التي استفادت من شبكة الصيد وتحول دورها من إشباع الجوع إلى ملء الجيب هي التي جعلت يوجين دولاكروا يرسم " نساء الجزائر " وتحقق تلك اللوحة شهرة خارقة حملت دولاكرا في حياته وبعد مماته إلى المجد، وقد وظف هذا الفنان الفرنسي كل قدراته الفنية( وبحسابات تجارية ) لإبراز شبقية أجساد ثلاث نساء حسناوات من حريم الجزائر، وبما أن الأمر له علاقة بتحول وظيفة الشبكة عن طريق توظيف الشبق فقد أتى الفنان العظيم بيكاسو ( وبحسابات تجارية أيضا ) ليركز على نساء دولاكروا الجزائريات ويستنسخ من تلك اللوحة التحفة أكثر من خمسة عشرة لوحة كلها تحمل اسم "نساء الجزائر " محاولا تحرير حسناوات دولاكروا من وضعية الحريم التي تفقد الشبق معناه الإنساني الحميمي والخاص جدا الذي يحيل على الرغبة المتبادلة وليس على التملك والرغبة المفردة من طرف السيد بالنسبة للجواري مثلا، رغم أن بيكاسو الهاجس بشبق أولئك النسوة لم يستطع سترهن، بل ركز على إبراز إثارة أجسادهن البضة التي يغمرها نور يأتي من الشباك المفتوح كناية ربما عن رغبته الجامحة في تحريرهن عن طريق الفن من وضعية الحريم.
وإذا كان بيكاسو قد سعى لتحرير المرأة ( موضع الشبق ) عن طريق الفن، فنحن نقرأ في ملحمة جلجاميش كيف أن أنكيدو ذلك الآدمي المتوحش الذي تربي بينالحيوانات واكتسب صفاتها، يسترد إنسانيته الضائعة من خلال إفراغ شحنة الشبق التي سكنت روحه وجسده من لحظة الميلاد الأولى، حيث نقرأ في الملحمة:
"ستة أيام وسبعةليال ضاجع المرأة، تنور ذهنه وقلبه".

وهذه النظرة إلى الشبق لدى البابليين ومثلهم بقية الشعوب والحضارات القديمة خصوصا الشرقية منها التي كان للشبكة والصيد دور كبير في نشوءها وارتقاءها لأنها قامت على ضفاف الأنهار والبحار والبحيرات، هي التي جعلت الشبق يرتبط بالتقديس والتأليه، فنجد " عشتار" آلهة الخصب لدى البابليين تحضى بتقديس كبير لكونها مانحة الخصب للأرض من خلال تواصلها الشبقي مع إله الخصب " دموزي "، وعشتار ما هي "الأخت غير الشقيقة" لفينوس آلهة الحب والرغبة عند اليونانيين التي تحضى بنفس درجة التقديس ويشهد لها بقدرتها الخارقة على الإغواء والإغراء الذي تمارسه ضد بقية الآلهة الذي حضوا بمكانة كبيرة في الحضارة الهيلينية.
وربطا بين قدسية الشبق في الاعتقادات القديمة لمعظم حضارات الشرق والغرب وبين شبقية اللغة، نصل إلى الملاحم الجنسية التي تركتها البشرية وأشهرها كتاب الكاماسوترا الذي " يعتبر على نحو واسع عملا قياسيا للحب في الأدب السنسكريتي. وضع النص الفيلسوفالهندي فاتسيايانا كخلاصة قصيرة للكثير من مؤلفات سابقة قديمة مختلفة تعود إلىتقليد يعرف باسم كاما شاسترا. كلمة كاما تعني الرغبة . بينما كلمة سوترا فتدلل علىسلسلة من الحِكَمِ "، ونتيجة للحكم الجليلة التي احتواها كتاب الكاماسوترا فقد حضي بالتقديس لدى الهنود، كما حضي بتقدير وانبهار بقية العالم، على غرار كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزواوي ذائع الصيت، وغيره من كتب التراث الجنسي العربي المجهول في معظمه نتيجة المنع والقمع الذي مورس عليه، حيث تحولت الثقافة العربية بعد قرون الانفتاح الأولى إلى ثقافة قمعية خائفة على هويتها نتيجة الضعف الذي لحق بالحضارة العربية الإسلامية، وهذا ما جعل إبراهيم محمود يستحضر المغيب وينطق المقموع في خطاب الشبق العربي من خلال كتاب " الشبق المحرم : انطولوجيا النصوص الممنوعة "، وهذا الشبق الإبداعي في استنطاق الممنوع هو نفسه ما دفع آسيا جبار إلى كتابة " نساء الجزائر في مخدعهن "، مستلهمة تجربة دولاكرا في اصطياد النور الذي يشع من الأجساد الشبقة، وهذه رؤية فنية وليست علمية توظف شبكية العين (وليس شبكة الصيد ) في اقتناص و تصوير جو مشحون بالشبق يمر كلحظات خاطفة بحياتنا يستطيع الفنانون الإمساك بها ببراعة، ولهذا نقرأ في العدد الثاني من مجلة جسد التي تصدرها الإعلامية والشاعرة اللبنانية جمانة حداد مقالا طريفا بعنوان: " فنانو البين أب صيادو الشبق".


* انظر مدونة عمار بن طوبال ايضا
حنا مينه
امرأة تجهل أنها امرأة
6



تقزَّز نمر صاحب، بينه وبين نفسه، من الكلمات التي صدرت عن رئيفة في موضوع القلمين، استشعر أن القلم الشريف قد تأذى، لمجرد الإشارة إلى القلم الآخر الذي قالت بغير حياء إنها بعد التجربة، ستعرف ما إذ كان يروي غليلها: عاهرة قال نمر، سواء مارست العهر دعارة أو هواية أم بسبب طلاقها من زوجها وهي صغيرة بعد ولجسمها عليها حق لا جدال فيه!
كان يفكر في ذلك جالساً على الكنبة، في بهو الجناح، بينما رئيفة استأذنت في الانصراف إلى شأن من شؤون المرأة، في الحمام الداخلي للجناح التابع لغرفة النوم ذات السرير العريض جداً، كما هو الحال في الفنادق الفخمة التي كثيراً ما تنقَّلَ بينها في رحلاته يوم كان في نضج رجولته الغاربة الآن! .
عادت رئيفة إليه، لا يستر جسدها سوى غلالة رقيقة، ودون تردد جلست في حضنه كأن ذلك من بدهيات الأمور، ومن مقدمات ممارسة الجنس في شبقه والاغتلام، وبغير كلام انقضَّتْ على شفتيه مرة ومرة، ثم قالت بنوع من تهتك:
ـ أنزِلْ عني هذه الشلحة، (الغلالة) التي تضايقني!
نزعها نمر بنوع من القسوة، تمزقت تقريباً من جرائها، فأضافت رئيفة وهي تمصُّ شفتيه بنهم بالغ:
ـ وهذه التي بين فخذي حبيبي.. أم أنك تستحي أن ترى هذا الصغير الذي فيه..
قالت ذلك ولم تكمل، فتابع هو:
ـ فيه ماذا؟
ـ تنُّور أحمر!
ـ أحمر كالجحيم؟
ـ هو الجحيم نفسه.. ماذا تنتظر؟ قلتُ لكَ خلصني منها..
ـ وبعد الخلاص منها؟
ـ تستمتع برؤية شيء صغير.. كالخاتم السحري..
ـ رأيت في حياتي خواتم كثيرة وسحرية أيضاً!
أضاف:
ـ مثل هذه القطع الصغيرة لا تخلع خلعاً.. تُمزَّق تمزيقاً!
ـ عاهر!
ـ مع عاهرة.. وهذا أفضل.. في هذه الحال أرتاح مرتين: من تعليم التي معي فنون العهر، ومن المفاوضات التي لا صبر لي عليها!
ـ وهل احتجتَ معي إلى مفاوضات!؟
ـ أبداً، لاحظتُ وأنتِ عارية، تفحِّينَ كأفعى في سرير، مع أننا لم نصل إلى أي سرير بعد.. لكن أرجوك: لا تضعي إصبعك بين أسنانك، ولا تضعيه أيضاً، على الخاتم الذي بين فخذيك!
جفلت رئيفة، ظهر ما يشبه الكدر على وجهها، انتزعت نفسها من حضنه، جلست على مقعد مقابله، صبَّتْ كأساً من الويسكي دون أن تتكلم، ولاذ نمر بصمتٍ تام، وراح مثلها يرتشف جرعات من الويسكي، دون أن ينظر إليها.. . ما كان شبهة صار يقيناً، رئيفة عاهرة، لكنها تجهل فن العهر أسلمته نفسها بسرعة، فعلت ما تفعله العاهرة في مبغى، زادت فوضعت إصبعها بين أسنانها، بعد ثوان وضعته على ما أسمته الخاتم السحري في أسفل بطنها، فضحت نفسها بأسرع مما كان يظن، انكشفت وهي عارية تماماً، لكنها كانت ستنكشف ولو بكامل ثيابها، غامت صورة رئيفة التي التقاها على الحدود، ملاحتها التي أثارت انتباهه للوهلة الأولى وهو يجلس على كرسي إلى جانبها على الرصيف، شابَهَا غبش ودَّ لو لم يكن يشتري أجساد النساء بمال وهذه الفعلة القبيحة تحاشاها ما استطاع على مدى عمره، لكنه وهو في الثالثة والثمانين شاء الحظ بل القدر أن يلتقي رئيفة مصادفة، دون أن يخطر في باله أنها عاهرة وأنها على هذا القدر من التسرّع وأنها موجودة عنده بصفتها مديرة أعماله، لا بصفتها عشيقته، لذلك لابد من تدبر الأمر، وصرفها بلباقة، دون إيذاء مشاعرها!
قال بهدوء كعادته في معالجة الأمور:
ـ رئيفة، عندي بعض الكلمات التي أرغب في قولها، إذا كان هذا لا يضايقك!؟
نظرت إليه من خلال دموعها وقالت:
ـ عرفت كل ما تريد قوله.. سأرتدي ثيابي وأذهب.. أنا لا أصلح كمديرة أعمال لرجل كريم ونبيل مثلك..
ارتشف جرعات من كأسه وقال:
ـ أنا لست نبيلاً كما تظنين، كريم هذه فيها وجهة نظر، أما ما عدا ذلك فأنا رجل وأنت امرأة، أنا ذكر وأنت أنثى، كل ما فعلته لأجلك كان مغشوشاً، غايته في خبث اللاشعور دون أن أنتبه في الوقت اللازم إلى فارق السن بيننا.. أنت في هذا العمر، قد تكونين مديرة أعمال مفيدة لي، وسنجرب هذا منذ هذه الساعة، لكنك كامرأة أمارس معها الجنس أنا العجوز، فإن الأمر مختلف جداً..
قالت رئيفة:
ـ وإذا كنت أحبك؟
ـ الحب لا بدَّله من تكافؤ.. الشهرة وحدها لا تفيد، وإذا كان لها بعض الفائدة، فإنها لا تدوم، والمال، اللعنة على المال يشتري طنجرة أو غربالاً أو حتى بيتاً..
قاطعته رئيفة:
ـ أو حتى قصراً!
ـ هذا صحيح.. لكن المعادلة، عندما لا تكون تامة، تكون ناقصة، مختلفة سرعان ما ينكشف أمرها، يظهر فشلها.. تموت قبل اكتمال عدتها..
ضحكت رئيفة وقالت:
ـ أنت تنسى بسرعة.. ألم تقل لي، ونحن في أول تعارفنا على الحدود، أفهم لقشاتك!؟
ـ بلى! قلت..
ـ كَلِّمني إذن بمثل لقشاتي.. صدّقني أصغيتُ، كلَ وقتِ كلامِكَ بانتباه لأفهم كلامَكَ فلم أفهم إلا القليل.. عفواً: فهمتُ كلمة أجبت: واحدة: أنا عجوز! سألتُكَ: وإذا كنت أحب هذا العجوز!؟
ـ أنتِ، في هذا الحب، حتى لو كان صحيحاً ستندمين عليه بسرعة.
ـ لنجرِّب! لماذا نحكم على شيء قبل أن نجربه!؟
ـ نجرب ماذا؟ الحب؟ شكراً! الجنس؟ آسف يا رئيفة، لا داعيَ للتجربة، صدقيني.. أفضل ما نفعله مع تقدم الليل هذا أن نشرب كأسينا ونأكل قليلاً.. ثم ننام!
ضحكت رئيفة:
ـ ننام أين؟
ـ أنا على هذه الأريكة، وأنت على السرير!
ـ ولماذا لا يكون العكس؟
ـ لأنك مديرة أعمالي، لا زوجتي أو عشيقتي!
ـ ما دمت مديرة أعمالك، دعني أدبر أعمالك بمعرفتي!
كانت رئيفة تبدو أحياناً كطفلة وتبدو في آنٍ آخر كقارحة إنما السؤال المهم يبقى: هل تحب نمر صاحب حقيقة، كما تقول!؟
قالت، بعد أن شربت كأسها:
ـ لندع كل الأمور الأخرى جانباً، تعالَ معي حبيبي!
ـ حبيبك؟
ـ معلمي!
ـ ولا هذه.. صديقي..
ـ أستاذي! أستاذ نمر.. اتفقنا؟
ـ ولماذا ليس بالاسم المجرد؟
ـ أن تناديني باسمي: رئيفة! هذا طبيعي، هذا يسرني.. أما بالنسبة إليك، فلا أستطيع الآن، أو في المستقبل، أن أناديك باسمك المجرد، هناك ما يقال له احترام.. سامحني!
قال نمر في نفسه:
ـ هذا يعني احترام الشيخوخة.. لماذا يا نمر يا عاثر الحظ لم يكن اللقاء بينك وبين رئيفة هذه قبل عشرين عاماً؟ وقتها كان يمكن أن يكون بينك وبينها حب متبادل حتى مع فارق غير قليل في السن أما الآن فإنها لا تريد قصداً أن تناديك بابا.. هذا لا يتوافق مع ما جرى بينكما منذ قليل.. لقد جاءت مدفوعة بالرغبة في إسعادك لكنك أنت أفسدت هذه السعادة المبتغاة بقولك لها تصريحاً أو تلميحاً: أنتِ عاهرة يا رئيفة: هب أنك عجوز، وأنها كردٍّ للجميل أباحت لك جسدها.. وكي تبعث النشوة في مشاعرك استعملت كلمات، أو أوصاف داعرة وأتت بحركات مثيرة حركات معروفة لكل أنثى وكل رجل من خلال أفلام الجنس التي تبث علانية في كل الفضائيات والإيطالية منها تحديداً.. أنت يا نمر أخرق أو (أخوت) شربت من بئر ورميت حجراً فيه وأنت كذلك داعر وهذا ما قلته عن نفسك كتابة في غير مرة ومن تجليات دعرك وخوفك من أن يمضي بك إلى آخر الشوط أي إلى السرير لجأت إلى إثارة موضوعة العهر عند رئيفة تجنباً للدخول في التجربة هذه التي أخافت البشر والآلهة على السواء.. أتذكر الذي قال للفرنسيين: «لماذا تريدون إدخالي في التجربة؟ » طبعاً تذكر، وتذكر أيضاً إنك عرقت حتى مفرق شعرك استمتاعاً بجسد رئيفة الفتي الجميل المنسق ودخلت دون إشعال النار حولك «في جحيم من القبل»!؟
عادت رئيفة وهي على كبير سرور، قالت:
ـ انتهى كل شيء.. وببساطة تامة.. فرَّغتُ الحقيبة علَّقتُ الثياب في الخزانة، أبقيتُ الثياب الداخلية في مكانها، اكتشفت أن هذا الجناح رائع جداً، هناك في غرفة النوم بانيو وحمام كامل هذا لي وهنا في بهو الجناح حمام آخر مماثل رائع وهو لك وحدك والشرط بسيط: أستقلُّ بحمامي وتستقلُّ بحمامكَ، إلا في حال الضرورة كأن تحتاج إلى مساعدتي وأنت تستحم أما أنا فلا أحتاج لذلك أستغني عن خدماتك كلياً وسأصرخ إذا حاولت البصبصة مثل بقية الرجال كل الرجال في الواقع يحدث هذا في كل مكان وليس في الأفلام السينمائية وحدها، أجسام النساء الجميلات مثلي تغري بهذا.. حذار أن تجرب يا معلمي وإلا رفعت عليك دعوى.. أو في حال التساهل شكوى إلى مدير الفندق!
ارتاح نمر راحة كبرى، وجد أن رئيفة صالحة لأن تكون مديرة أعماله فكَّرَ: بينما أنا في خضم من الأفكار السخيفة حول ما صار، وما رأيته وسمعته كانت رئيفة تستطلع كل مرافق هذا الجناح، تعرف كل ما يجب أن تعرفه، وما يجب أن يكون إذا ما صادف أي نقص في علاقَّات الخزائن، أو شامبو الحمَّامين، أو البرانس اللازمة بعد الدوش وغير ذلك.. لابد، إذن من مكافأة وأفضل ما هو متوفر كأس من كونياك كيتاكسا ****x المثلوج، مع بعض المقبِّلات الموجودة، وبينها شوكولا غلاكسي..
سار كل شيء في مجراه وفي حوالي الواحدة بعد منتصف الليل كان لابد من النوم، فقال نمر:
ـ هذا التخت العريض يتسع لاثنين.. أنت في طرف وأنا في آخر.. ما رأيك؟
ـ موافقة ومسرورة جداً.. لحظة وأعود..
ولما عادت كانت عارية إلا من الكيلوت وتمددت إلى جانب نمر، وأطفأت الضوء واحتضنته، فصاح: ما هذا؟ أرجوك، دعيني.. لكنها بدل أن تدعه صارت تحثُّه، وأحكمت وضعها، رهزت، راحت وجاءت معه وفجأة أطلقت صيحة وهي تسأل: أنا قذفت، وأنت؟ لم يجب، أعادت المحاولة، ومعها الصراخ: قذفت مرة أخرى، ثم أخرى، وبعد الخامسة أو السادسة قالت:
ـ هذا يكفي بالنسبة لهذه الليلة.. تصبح على خير، حبيبي!
نامت عارية تماماً، مستلقية على ظهرها، وبعد دقائق أغمضت عينيها ونامت نوماً عميقاً غير مبالية به، أو بالضوء الشاعل أو هواء المكيف الذي يرزّ برودة شبه ثلجية، قمينة بجعل جسدها العاري متيبِّساً في الصباح.
اِنسلَّ من تحت الغطاء الرقيق، أطفأ المكيف، وقبل أن يغطي جسمها الممدد في السرير إلى جانبه، على نحو من الاسترخاء الكامل، تأمل نهديها الصغيرين الكاعبين بطنها، فخذيها، حوضها الذي فيه الخاتم السحري كما أسمته، وكان صغيراً حقاً، منغلقاً تماماً، كأنما لم تجهل ولم تلد ولم يمسسها رجل ومع أنها أخبرته بأنها مطلقة وأن ابنها الذي يعمل في السعودية في السابعة والعشرين الآن وأن ابنتها متزوجة، وهي حامل الآن وأن والدها قد تزوج بعد وفاة والدتها، من امرأة خرقاء شرماء لا تراها إلا نادراً ولا ترتاح إليها أبداً!
من المفروغ منه، أن امرأة الأب هذه، لا ترتاح إلى رئيفة بدورها، وربما كانت امرأة الأب الشرماء كما وصفتها، غير شرماء أو خرقاء وإنما تصرف من سلوك ابنة زوجها ما يجعلها تنفر منها وتستشعر العيب من سلوكها الذي صار معروفاً مبتذلاً مكروهاً بعد طلاقها من زوجها هذا الزوج الذي يعمل في السعودية، كسباً لبعض المال، أو هرباً منها ومن عهرها الذي تمادت فيه كثيراً!
ربما، أَسرَّ نمر، كان كل هذا صحيحاً، بل هو صحيح بدليل ما بدر منها الليلة فالارتماء في حضنه عارية دعر فاحش والكلام المرافق دعر أكثر فحشاً والاستسلام له أو الارتماء بين ذراعيه منذ اللقاء الأول يجعل عهرها دافعاً، لكنها في هذا التسرّع تبدو والغة في فحشائها وفي دعرها الدال على إدمان في الممارسة، تحت ستار من تجارة ناحلة يوفر لها ممارسة هذه الدعارة في أكثر من بلد ومع شكولٍ من رجال يقضون حاجتهم الجنسية معها ثم يرغمونها على قضاء الحاجات الجنسية للآخرين مقابل مال قذر مثل قذارتها!
الزمن الرديء ينجب ناساً أردياء والزمن الرديء هو هذا، فقد فسد كل شيء واستباحت الرذيلة كل الفضائل وبذلك تغيَّرت حتى العناوين، صارت الحيلة فضيلة والفلهوية خفة يد والنصب شطارة والقوادة تجارة، تبدَّلَتْ الدلالات والعادات والصلات وأصبح البريق في الأسماء والصفات والسلوكيات بريقاً خلبياً وصار لزاماً علينا أن نرى في الصورة ما وراء الصورة وفي الخبر ما وراء الخبر وحتى في الفن ما وراء الفن.
لا يذكر نمر في أية ساعة واتاه النوم ولا كم ساعة نام المهم أنه نام، وعندما أفاق رأى رئيفة جالسة تدخن مرتدية الروب دي شامبر الخاص به وهي تفكر منكسة الرأس!
بعد تحية الصباح سألها بلا مبالاة:
ـ ما بك رئيفة؟
ـ لا شيء! وأنت؟
ـ أرغب في فنجان من القهوة السادة.. ولكن بعد أن أتدوّش!
ـ هيا إلى الحمام الخاص بك!
ـ وما شأنك أنت!؟
ـ شأني أني مديرة أعمالك! أم أنك تستحي مني!؟
ـ رئيفة صديقتي، لست بالعجز الذي تتصورين.. أنا قادر على فعل أشياء كثيرة.. لكن ليس في السرير..
ـ اللعنة على كل أسرَّةِ الدنيا.. لكن اسمع.. من اللباقة، ونحن في النهار ألا نذكر ما جرى معنا في الليل!
ـ في هذا أنت على حق! إنما الحمام.. .
قاطعته:
ـ رأيت البانيو في الحمام، ومن الواضح أنكَ استعملته، لكنك لم تضع القطعة البلاستيكية في أرضيته وهذا خطأ احذر أن تقع فيه مرة أخرى.. . أرضية البانيو ملساء، ومع الصابون قد تنزلق رجل المستحم تعال معي.. أنظر! هذه هي القطعة ذات النتوء تُوضَع وسط البانيو ضماناً للسلامة.. هيا اخلع ثيابك الداخلية، استحم بالشكل الذي يرضيك، وقبل الانتهاء اِنده لي كي أفرك لك ظهركَ.. هذا ما يقال له دوش الصباح ولا يحتاج إلا لعشر دقائق..
جرى كل شيء بالشكل المناسب، وعندما خرج من الحمام لابساً البرنس، كانت القهوة بانتظاره وبعدها قالت رئيفة:
ـ جاء دوري سأدخل حمامي الخاص وقد أتأخر فيه، المرأة غير الرجل، افتح التلفزيون الذي في البهو تسلّى ريثما أعود إليك لا تعدَّ الدقائق.. . لكنني سأسرع ما استطعت في هذه المرة فقط!

قالت ذلك وأغلقت باب غرفة النوم وراءها فأدرك نمر أنها تستغني عن خدماته ولن يفرك لها ظهرها بالليفة كما فعلت هي معه ولن يراها عارية في البانيو أو تحت الدوش وكان يرغب حقاً في ذلك، كي يرى في النهار ما فاته في الليل لأمر مضمرٌ في سريرته! .
حجب الوجه وكشف الساق
من اروع قصائد
الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)


لحـد الركـتين تـشمـرينا
بـربك اي نهر تعبــرينا
مضى الخلخال حين الساق أمست
تـطوقها عيون الـناظرينا
هوى عرش الجمال عن المحـيا
إلى الاقدام فاستهوى العيونا
كأن الثوب ظِـلّ فــي صـباح
يزيـد تقلصـا حينا فحينا
تظنين الرجــال بلا شعور
لأنـك ربـما لاتشـعرينا
وليس بــعاصم عقـل ودين
فكم سلب الهوى عقلا ودينا
وماذا ينفـع الـتهـذيب نـفسا
تحارب فـيك ابليس اللعينا
فياليت الحجاب هوى فأمسى
يرد الساق عـنا لا الجبينا
فإن الساق أجـدر أن تـغطى
وأن الوجه أولى أن يـبينا
تيه على سرير الماء
عبد القادر ضيف الله


كشفت عن ساقها وهي تعبر ماء اللجين، لم أكن اعرف أنني هناك في خضم الموج مرصود لمشنقة من تراب ومرمر
أدارت وجهها وهمست في أذني
أيا قمري
تعال
قلت إلى أي بحر تودين رميّ
قالت إلى بحر العشق حيث ستنام وجفنك على صفيح حرائقي، سأكوي كل النساء اللواتي تعطرت بروائحهم في غيابي ، وأزرع في جلدك صوت عشاقي الذين ماتوا في عراء غيبتي ،وبعدها
لن يكون على طريق عينييك سوى خطواتي، ثم كشفت عن جرح سوءتي ورمت الخطوة الأخرى في طمي اللج
وأنا لا أدري أي سماء غطت سمائي وأي ارض حملت خطاي
في وحل التيه تغرس ساقاي ، ويسكن السكين الصدئ داخلي كشبق العصور القاحلة، أحاول الارتكاز فلا أقوى فتسقط مني شريحة وجع تخلف هتكا في كتل الرجولة فأتحامل وحدي على ليل الرغبة كي أبصرك من خلف النافدة القديمة وأنت ترحلين متأبطة ذراعه، فأخط في ذاكرتي بخطوط حبر قاني
كم عاشق قتله التيه ولفظه البحر على سرير الماء
ودون أن أدري أجدك تقفين في أخر المساء لتعودي وفي يدك منديل من دموع
تبكين موتى البحر
وعلى ملامحك صدى القتيل
ترفعين يدك
كيما تشيري لي فاخبئوا سوءتي كي ألج الموج الذي
يترصدني لأموت في الركن وحيدا بلا عزاء وسرير الماء بين ناظري.
°°
°°°°
°°
ليلة مولاي السلطان 
 عبد القادر ضيف الله



اهداء
إلى مولاي السلطان طيب الله لسانه
وشّد ساعده
لنبقى نحن الأموات أحياء في جواره
ليلة مولاي السلطان


هَمَّ بِهَا, وَهَمّت بِه حتى انقطع خيط الرغبة المسكونة في دم المكان، أحاطها بذراعيه , وأحاطته بالنفس الحارق، دارت الدنيا على أصابع اللحظة المارقة من الوعي فانسل من غيم التلبد ماء مطري ..
هلل الواقفون على جمر الكبت, وهمَّت القابعات على حافة الفجيعة, يمددن عيونهن كيما يخترقن حجاب الجدار الذي يخفي حلم الرغبة الشبقة، وفي جهة الباب يرفع الوزير رأسه وهو يضمر خجله في اللحظة القصوى، كيف أمكن لمولاي السلطان أن يضعني عل حافة الشيب كي أبصر عري وسط هؤلاء النسوة المتحرقات للبضع ، وكيف أمكن لي أن أضع يدي في أيدي الرجال الرابضين في واد جوع رغبتهم.
قال الذي عبر مملكة النساء:
لا تبحث عن الرؤى خارج اللحظة التي تجمعك بأنثاك، صلي ركعتين, وارفع عاقرتك, وارمي الجبة على يمين البرد, وأقبل لتشق حرثك في بئر اللذة بالوضعية التي ترفع الأرض فيها من ساقيها حتى تبصر في عمق اللج ضوءا....
قاطعه الذي عاقر الحواري وتربى على خمرة الأراضي المشبعة من الحرث :
_ لا يمكن لك ولا لهذا الوزير الورع أن تعرفا كنه اللذة في خاتم أشجار اللوز ألا تعرفا أن القدور العظيمة لا تحم على صفيح ولا يغلى دمها إلا تحت جذور الغابات المثخن بفأس العابرين حيث تجتمع الركبة بالوريد حتى يوقظ الصوت النيام.. قاطعه الذي لم يركب البحر يوما :
- كيف لمولاي السلطان أن يركب البحر على ظهر الجموح ؟
أدار الوزير رأسه وهو شاخص في ثقوب الباب لعله يبصر إمارة نصر لمولاه ومن يمينه عذارى يضربن على صنوج الرغبة, ويحلمن بانقطاع التيار في حجورهن ليتحررن من لعنة الانتظار, وصوت النق الشديد يجرح أنوثتهن, وهو يتسرب من شقوق أرض الحرث التي تدك تحت سنابك مولاها وهي تبصر في عينيه رغبة الدم المسفوك عن النزول، حينما كلت قواه مولاي وخارت فيه اللذة أدار وجهه واستلقى يبصر أميرته وهي تضع السكين على الوريد وتغمس البياض على الدم المستباح
حينها أطل السلطان على وزيره, ورمى له الخرقة مرشوشة بدم الوجع، رسم الوزير على شفتيه ابتسامة نصر ورمى للعذراى الخرقة وقام يفتح لمولاه طريقاً ليعبر خارج اللحظة المسكونة بزغاريد النساء اللواتي تحفزن للدخول على الأميرة التي استلقت على سرير حلمها بلا وعي .
افعى السرير
فاروق سلوم


كانت تتسلل الى سريره مختقية بين ذراعيه طوال الصباح مثل افعى صفراء نحيله .
هو يجد فيها ندرة لوليتا التي تعيد اكتشاف رجولته .
هي ترى فيه ملاذا خاصا في شقته الصغيره وعزلته الرفيعه حيث تترك للجسد ان يتجلى و يكتشف عالمه ليعطيه حريته على ذلك السرير الذي صنعته يداه من جريد النخل .
المكان وعتمته يمنحان هسهسة اشتعال ..
كان كل شيء يثير شهوة الجسد الحاضر .. تسللها الصباحي وسط صفير الوقت المشمس ..
انحناءة السلّم الحديدي حين تضع اول الخطوات ، الباب الموارب قليلا لكي يكون دخولها يسيرا .. انتظاره المشبوب خلف زجاج نافذته وهو يمسك كوب قهوة الصباح …
خطوت دخولها الأول وصوت الباب وهو ينغلق .. حرارة اللحظة في اضطراب جسدين
كأن عالما من الشبق الشرقي الهارب من كل الوصايا …
رائحة جسدها حين تدخل بحذر مشوب بلهفة التعرق الندي ..
تعثرها المحسوب لتلقي بنفسها على صدره خلف الباب وقد لمت كتفيها وجمعت كفيها لتختفي بين كتفيه ملقية برأسها على صدره في سكون لاهث ومثير .
يحملها كعروس الى لحظة السرير كان استسلامها تلك اللحظة يفجرفيه كل شبق عميق ونادر حين تبدأ اصوات قطع ملابسها تصدر وشوشة خاصه وهو يرميها قطعة قطعة ..
ماتزال في اذنه وشوشة كل قطعة من ملابسها الداخلية وفق خامتها ..حرير.. قطن..
ساتان .. بولستر..
وهو يتأمل لوعة الجسد الصغير .. في اشتعاله لحظة الماء والأشتهاء.
°°°°°°°
شاعر عراقي مقيم في ستوكهولم
كتاب العشق
فاديا عيسى قراجه

الصفحة الأولى
خرج القائم مقام بعد منتصف الليلة القمراء متنكراً كعادته، دلف إلى دهليز الجواري وتحصّن بين بابين ضيقين، يحرسه عبده تيمور.. يكش ذباب المتطفلين ويعتبر المنطقة محرّمة على العامة .. ألصق القائم مقام أذنه وخده الحار بالجدار فتسربت كلمات تلك الشمطاء، عارية متأوهة أشعلت الحرائق في ثيابه ..مسح قطرات باردة ًنفرت على جبينه كالثآليل. فحّ صوت كبيرة الجواري: - يبدأ العشق يا بناتي من العين، ثم الأنف، ويتدحرج حول الفم ككتلة من السكر الأبيض فالعين ترشق، والأنف يمزج، والفم يرشف ..هذه يا صغيراتي مرحلة الرسم، فالمزج والرشق والدفق لا تساوي عند مولاكم شروى نقير ما لم تتبعها مرحلة النحت، وفي هذه المرحلة سيتملى سيدكم تفاصيل يجب أن تكون منحوتة بالمرمر، مرشوشة بالعنبر، مكسوة وعارية بالشفيف، الرهيف، الخفيف .. لم يكن القائم مقام يعلم ما جرى بين الصهباء و كبيرة جواريه، فجأة علا صوت الصهباء مرفقاً بالصفعات التي بدأت ترددها الجدران، وتدحرجها السراديب.. فالجارية تتغنى بجمال معشوقيها، وتؤلف القصص مختارة أكثر التعابير مجوناً وعربدة، تحشوها في آذان القيان الصغيرات اللواتي يتلمظن بشبق أمام المشاهد المرسومة بدقة وإتقان وخصوصاً زبرجدة تلك الرومية الشقراء التي احمرت أذناها، وانتفخت فتحتا أنفها، وارتجفت شفتاها الورديتان .. خرج حارس الدولة وقد نفد صبره من معتزله يحف ثوبه الحريري مصدراً صوتاً مبحوحاً كصوت أساور العروس ..نقل نظره بين ابنة عمه وكبيرة الجواري .. ضرب صولجانه بالأرض فركعت الجاريات وقد شفت ثيابهن كاشفات عن ظهور ملساء، وإليات مضمومات، نافرات.... نظرت الصهباء نحو ابن عمها بقرف ثم غادرت المكان والغضب يتراشق من عينيها كالسهام .... صفّق القائم مقام بأطراف أصابعه فتطايرت الجواري تاركات المكان كفراشات ملونات بألوان الحياة كلها,صاح بوجه كبيرة الجواري: توقفي ركعت العجوز بين يديه وقلبها يرتجف هلعاً, أشار إليها، فهرولت سنواتها التسعون وراء مولاها، وهي تتفرس العقوبة التي تستحقها ,فقد انتقلت عادات النعمان إلى رجاله الرابضين على الثغور وهي لا تدري أهو، أي القائم مقام في يوم سعده أم نحسه ؟ وقفت العجوز على باب القائد الشاب، لم تنتظر طويلاً حتى ساقها إليه العبد الأسود تيمور، كم كانت تأتي إلى أماكن مشابهة لهذا المكان في زمان كان شبابها يتمرغ على أرائك من حرير أحمر وأخضر وأزرق، كم رشت العطور الحارة على أسرّة لا تنقصها سوى الأجنحة كي تطير من رهافتها وخفتها، كم غسلوا أقدامها بالخمر النبيذ، كم دلكت ظهوراً خشنة وناعمة بمسك العنبر.. لقد نسيت الأسماء لكنها تحفظ عن ظهر قلب مواطن جمال ورجولة كل من مرّ عليها .. وتعددها بتفاخر وشوق أمام جواريها المتدربات لديها ولا تبخل بنصائح كانت لها عوناً في يوم غابر .. كتاب الأغاني وقال لها علميني من لدنك سر الأنوثة تلك الخلطة السماوية حيث يقابل الجحيم جحيمه بإذن من ربهما، وسيعبرهما الخلق مشدوهين ولن يتركوهما ففي احتراقهما لذة يُقتلون ويَقتلون في سبيل الحصول عليها وهم طائعون.. صفقت بيدين من خشب ومرمر ,فخرجت القيان، يضربن الزق والمزهر، تثنت أعطافهن، تلوت خصورهن فعنّ له البكاء وحضرته الدموع فصاح: أريد أمي اللحظة انتشرت في الأصقاع رائحة لا مثلها بين الروائح تجمع بين الخشب والعنبر والصنوبر ازداد صوت الغناء علواً وعتواً، هاجت أسارير نفسه وحاول أن يغادر كي يهدئ براكين ابنة عمه، لكنه قرر قبل قليل أن يبقى بين جواريه ليشنف آذانه على ضرب الكفوف على الدفوف، وتمايل الأرداف وتثني الخصور لذوات الخدور ربيبات قصره الأملودات، صانعات الدهشة والفرح .. وفي لحظات الشروق حيث سيصبح رجلاً كباقي رجال الأرض خفة ودعة قالت له: - علمني من أسرار الرجولة الباذخة، علمني كيف يتقابل بابي الجحيم والنعيم لتنبثق منهما الحياة .., علمني كيف تعبر الرجولة الحجاب دون أن يمسسها الضرر، وتلتقي بأنوثتها عن بعد آلاف المسافات، وهناك ستمسك الرجولة بناصية الفاعل والمفعول، تتبادلها بسحر منقطع النظير مع أنوثة أرق من النسيم ... اقترب منها وصفق بيدين من ماء ونار، فخرج جمهرة من العبيد داروا عدة دورات أطلقوا روائح تقطع نياط القلب، حملوا بين أيديهم خوابي الحياة، دلقوها على
أقدام القيان، فقفزن من على الأرض، يغسل السائل الناري أجسادهن الطرية، فاختلط الحابل بنابل الأشواق واختارت كل جارية عبداً وفار المكان بالرعشات، وفُتح البابان على مصراعيهما، وغرف الرجال لحظات الشروق العظمى، فتجلوا حتى أصبحوا بأبهى الصور.. هب القائم مقام من مكانه بعد أن فار منه البئر، ذهب يحمل وصايا العجوز ليطبقها على ابنة عمه التي تثور براكين حرمانها منذ أن اعتلى زوجها عرش المجد كتاب آلاف الليلات الليلة الأولى وقالت لي يا صهباء: أن الفراديس تسكننا ونسكنها. تعالي نبحث عنها، وإن خانتنا الذاكرة ها هو كتاب جمعه أكبر الشّعار وأذكى العلماء، سيكون بوصلتنا إن أخطأنا الاتجاه..هنا ستتربعين يا صهباء القلب وتقلبين كتاب العشق وفي كل يوم ستحكي، وتحكي حتى تزقزق طيور الوجد، من هنا ستُخرجين ماردي من مصباحه، وتدلينه على فراديسك، ومن هنا ستدخلين ملكوتي الكبير، من هنا سأدخل أرخبيلك، و لن تأخذي وقتاً طويلاً حتى تتقنين فنون الرشق والمزج والدفق، وستأخذين بيدي إلى مرحلة النحت، ثم الحفر، ثم الغرس . خواتيم الحكي قالت له: أنت فردوسي يا ابن عمي وقال لها : أنت فردوسي يا ابنة عمي وقالا: نحن الحكي، نحن الصمت، نحن شياطين وفراديس العشق والغرام، نحن الفاعل والمفعول، نحن الأفعال الناقصة والكاملة والمركبة، نحن هذا الكون، نحن الحياة . قال لها: أنا أنت . قالت له: وأنت أنا .

°°°°°°°
كاتبة من سوريا
فاكهة الليل
عيسى حديبي


كانت تتسلل إليه ليلا.. بعد نوم زوجها العليل.. الرابض في غرفته طول النهار والليل..
ما أن تفتح الباب.. تمضي معه نحو أول غرفة بسرعة البرق والشبق والنار التي تحرق كل شيء.. وفي حمى الجنون تطير الشياطين وترقص على سكر العطشى وجوع المحرومين..
- ليست البداية من هنا.. تريث وارجع معي قليلا أحكي لك من الأول فالثاني فــ..
نظراته السادية المارقة.. لفتت انتباهها.. واسترسلت عبر حرمانها الليلي.. الذي دام سنوات.. إيحاءات الفتى اليومية عند لقائهما.. بالقرب من باب المخبزة.. فشراء الخبز أصبح تقليدا وموعدا.. لاشتعال غرائزهما المكبوتة..
الفتى شاب بطـّال.. كل ثروته سجائر تائهة.. ينثرها هنا وهناك.. لباسه الشبابي.. يرسم بأمانة نتوءات رجولته المبكرة..
أما المرأة العطشى.. فلم تجد سوى التأرجح كالحمامة.. حتى تضرب بطبول أردافها على مساحات قلبه الصغير.. أحست المغرورة بذهاب شبابها.. فراحت تبحث عن فاكهة الفتى أين يشتهيها.. وفي كل مرة تبرز له مساحة من جسمها الذي أنضجه الشوق.. ثم تلغيها لمحاولة أخرى في يوم آخر ..
عزفت كثيرا.. بأوتارها السادية.. فتحول الفتى إلى سادي ماسي .. يهوى تعذيبها حين يبدي تجاهلها.. وهو الماسي المنتظر سيدته المتسلطة.. صاحبة فاكهة الشتاء والصيف ..
اهتدت أخيرا إلى الوتر الذي يفقده أعصابه.. وعزفت عليه.. لمّا عرفت من أحد سكان الحي وهو يحاور الخباز بشأنه.. “.. ذلك الفتى - وأشار خفية بعينيه محددا فريسة المحرومة - يحب لعب دور البطولة والرجولة في الحي.. حامي الحمى كما قالت العرب يوما .. ”
وقتئذ كانت هي تداعب قفتها منتظرة خبزا طازجا.. من تنور روحه..
اختارت المحرومة يوما آخر وكان يوم عطلة.. والشباب على اختلاف أعمارهم موزعين على أرصفة الحي.. يتبادلون أخبار المُودة والسيارات.. ورياح الجنس التي تستحدثها الشبكة العنكبوتية اللعينة.. ثم تمر البنات: الرشيقة المغرورة.. الوافرة الهادئة.. والظريفة التي تلقي التحية على الذكور كوسيلة لدفع شرورهم بالحسنات ..
تخرج المحرومة.. العاشقة زليخة.. زوجة عالي المقام.. على البنين والبنات.. تستعرض مفاتنها.. وبمكر فائق.. ادعت السقوط أمام أحد الشبان.. وكان السيناريو المعروف.. من سب وشتم.. حتى تدخـّل البطل الأسطوري.. وصعق الواقف البريء فألقاه أرضا.. وصب عليه سلسلة من اللكمات.. كادت أن ترديه قتيلا ..
بعدما هدأ الوطيس.. كان للفتى والمحرومة ما أرادا ..انتحت به جانبا.. وشكرت له مروءته المزعومة.. وشدت بيده على خصرها.. تهنئه بهدية لاحقة..
تأكد الفتى أن الذئب سيعوي تلك الليلة.. حتى الصباح.. فمن عادة الذئاب أن تعوي.. عند اكتمال القمر.. وارتفاع الضغط ونمو الشعر وتفتح الزهر ..
تحوّل الليل إلى أمين سر للمحرومة.. وهي تضاجع بكرها المفتول.. تسرق منه الشباب والفتوة.. وهو يعصر خمر أعضائها المنتظرة .
لن نبيع العمر
رواية
زهرة مبارك



عنوان الفصل الأول:
مذكرات رجل تافه

ها هو ينثني ليلفها من جديد ويغرس خياشيمه في ثدييها... يمتد عبر محيط خصرها يتماوج بين ساحة صدرها وأسفل أذنيها كالنعناع حينما يغازل الماء في كوب شاي من صنع يدوي... ينحني ويقبل يدايها ويعبد بداخلها الإله.. يناديها سيدتي.. يا لها من حلاوة يا له من مذاق! ويتدحرج ككرة الثلج لينغرس في فتحة الحياة.. فتشده بفخذيها المكتنزتين يمينا وشمالا.. تسحبه تبلعه نحو مهد حضارتها.. أنينها يملأ الفضاء.. آهاتها الممزوجة بشراهة اللذة والحرقة والتعشق فيما كان يفعل تزيد من طولها... فأهدابه ومجفاته تتحرك دؤوبة دون توقف.. وهو يقول لها.. لا تتحركي.. خصرها في تلك اللحظات.. كان يحصر الأرض صعودا ونزولا... شعرها المغزول بالتراب وسوائله الدافئة تغسل أماكن العمق في حسها وشفتاها المرتعشتان تقولان.. زد.. زد أكثر.. أكثر.. زد حبيبي.. ابردني.. أنحتني أسمني.. إغزلني.. أشنقني.. تشتد نارها يفور دمها تزيد حركتها يرتفع خصرها إلى أعلى يضمها.. يدوس أضلاعها.. يهديها سلام العود الذي ينحني على السنابل.. سلام الريح التي تتماوج في بحور الدنا وتمنح للبحر شهقة من العمق.. يغرس أضلعه أكثر فتحلق أكثر.. وفجأة بدأت تفتر.. تفتر.. وهدأت حركة خصرها... شكرا حبيبي توقف أرجوك توقف! لكنه ما زال مثلما كان, حركته كثيرة ولم يسمح لها بالتكلم بعدما وضع فكه فوق شفتيها.. حاولت يائسة أن توقف ميكانيكية حركته لتدفعه عنها.. إنه مثبت بها, تنادي لا يسمعها... عندها ازدادت حركته.. وطالت أطرافه.. فامتدت وامتدت..جحظت عيناها وتوقفت.. استطالت وامتدت بكل تعب على الأرض.. وسرت برودة الموت في جسمها.. لملم حينها أطرافه, وطبع عليها قبلة أخيرة تاركا خلفه ركاماّ من حجر.... منذ ذلك الحين لم تستطع السنيون محو هذه الصورة من ذاكرتي المثقلة.. لقد أدركت في سن السادسة, بسبب هذا المشهد, أن ما لا تستطيع نساء كثيرات أن تمنحه لرجل، يستطيع رجل مثله أن يهبه إياه في لحظة واحدة.. لقد كانت تلك المرأة أمي وذلك الرجل أبي... كنت شاهدا على جرائم أمي الجنسية في حق أبي, وأصبحت منذ ذلك الحين, من المتلصصين على الحالات الجنسية.. لقد كان أبي يعوي طول الليل, بسبب عدم بلوغه لمراده, بينما كانت أمي سريعة التهيج’ وحالما تشبع لذتها تلّم نفسها وتنام, وتتركه.. حتى صرت أشفق على والدي, وأبحث له عن مكان في جسمي يشفي غليله, وكرهت أمي وبنات جنسها.. ومع مرور الوقت.. كانت الفتيات بالنسبة لي, شيئا لا أستطيع النظر إليه واستمر هذا الوضع معي حتى بعدما كبرت وأصبحت طبيبا, وكم صرت أتعب حينما أدرك ماذا يعني أن يكون هذا الجسم الذي يتوق ويحتاج الرجل إليه, كحاجته إلى الخبز والماء أنا لا أرى فيه أي شيء مثير.. إن المرأة بفخذيها الطريتين, وشراب دمها الأحمر, لم تشكل عندي يوما ما أي شيء, على عكس الرجال المحيطين الذين ما إن تمر أمامهم فتاة وتهتز تنورتها حول أسفل ساقيها يتسلق نظرهم إلى ما فوق ركبتيها ويتغير لون عيونهم ما عدا أنا الذي كانت تجتاحني هذه الأحاسيس مع هؤلاء الرجال هذه هي بداية حياتي يا نائلة...
- أتدركين ؟ لا أدري لمَ اخترتك من بين الكل وجئت لأحاكيك هذه الليلة ..
- ربما لأنك تعلم مسبقا بأنني لن أعيش أكثر من هذه الليلة ...
- لا تقولي هذا.. أنت على ما يرام الآن. ..
- صحيح.. تكلم قبل أن يعيدوني إلى المطار أو أنك ستكمل لي قصتك هناك؟
- لا أعتقد أنني سأذهب معك...
- ولم يا ياسين؟
- خوفا من العار..
- أي عار هذا الذي يأتي على بالك وأنت على أبواب جهنم..إنك مصاب بداء إن لم يقتلك اليوم فسيقتلك غدا.. عليك أن تضع هذه الحقيقة نصب عينيك...
- أتعلمين أني أشعر برغبة عارمة في احتضان أمي لأول مرة ..لكن ما نفع هذا إن كان يحتضنها التراب الآن؟
- هل ماتت وأنت صغير ؟
- ماتت وعمري 16 سنة بسبب ضربة مميتة من والدي ..
- لا بد أنها خدعته ؟
- لا .. بل لأنها لم تمكنه من لذته فأنهار وضربها حتى أرداها ميتة .. ثم دخل السجن وهناك أخبروني انه حول مساره الجنسي وأصبح رجلا لوطيا.. لقد عجنتني أخباره.. التحول جميل لكنه خطير.. حين تذهب بنفسك إلى الموت أكثر من مرة دون تفكير ولا حيرة ولا خوف.. تصبح إنسانا مجردا من الخوف ومثيرا حد الدهشة.. الخطا نحو السجن لزيارته كانت شبيهة بمحيط ناري يكوي الجلد ألف مرة، لكنه أبي كنت أزوره بالرغم من كل ما كنت أسمعه عنه من حارس السجن عمي العربي الذي باع ما تحت ظهره لأمثال أبي... المهم مكث أبي بالسجن 12 سنة ومات إثر مرض عضال لم أعرفه لحد الآن ولا أريد أن أعرفه! ربما لأنني كنت أعرفه.. لكن صورة الأب المقهور والراسخة في الأعماق لم تكن تقوى على زحزحة سحابة جسده وذاكرته من مخيلتي المتعبة..
- وأين كنت تعيش طوال مدة حبس والدك؟
- كنت أتسكع في بيوت الأعمام الواقعة بأرياف عين تيموشنت، أقطف العنب وأتوسد ذل زوجات الأعمام.. وهناك تعلمت الوقوف على عتبات سوق اللوطيين... تتم العملية بشكل مريب ويحدث الحب الخاوي مع الشعلة الأولى.. إنه منظر حار حينما كنت أتلذذ بالتلصص على أبطاله يسري الدم الفائر في جسمي وتصعد حرارة غير عادية إلى جبيني.. وهكذا شعلة ثانية وثالثة حتى فت العتبة ودخلت البيت المدوخ.. واشتعلت سهراتي وأذيع صيتها بين قوم لوط ..
- تلك المزارع آخر الليل تتحرك بالقادمين وأمراء المال والفقراء ممن خنقت لذاتهم شروط نون النسوة.. ما كان أحد من القادمين نحوي يفلت من قضيبي... أرويتهم بسخاء لم أكن أدري أن أصحاب النفوذ يستلطفون ماء غديري إلا حين أدخلتهم بركتي وأشعرتهم برطوبتي، لكنني لم أكن أرحم بعضهم ممن ثبت لي أنهم يتعسفون في استغلال كراسيهم .. تترادف الأحداث في ذاكرتي وأخاف أن أموت قبل أن أنهي ما بداخلي ....
- لا بأس لقد كونت فكرة عن بداياتك... يكفي فقط أن يتمحص الواحد منا في تاريخك ليفهم كل همومك ما دام الجرح سيد الكلام وما دام ما تقول لا ينعت بالسذاجة ولا بالتفاهة ....
- كيف لي أن لا أحس بأني مجرد رجل تافه بالرغم من شهاداتي ومركزي ؟
- لا تهتم بإحساس يراود أي إنسان ارتكب جرما في حق نفسه كلما فتح قلبه ..
- قد أمسح الكثير من تفاهاتي، لكنني لا استطيع أن أنسى منظر بعض مرضاي ممن كسرتهم حاجاتهم المادية وباعوا أدبارهم لي مقابل أن أعالجهم ..
- لو كان في العمر رجوع إلى الوراء لسرنا وسارت المواويل..خبرني ألم تحبك امرأة من قبل؟ أجل طبيبة معي أحبتني بكل شراهة, ولا يمكن لي أن أنسى ما قدمته لي في أحدى الليالي.. أتذكر أني خرجت نحو البار كعادتي أتسوق بعيني والنظرة عند أمثالي شيء هام.. فتلتقي عيناي بها فجأة بذلك المكان المدوخ تحتسي مشروبها المفضل مع رجلين وسيمين.. وبدأت أتفحص كل جسدها الذي لم يعجبني ! وانصرفت بنظري باتجاه أحد أصحابها الذي خرجت معه بعد عدة دقائق وبصورة سريعة دونما انتباهها بالرغم من أننا لم نتبادل الحديث من قبل.. وتم لقائي الحميمي به بمكتبي بالمستشفى وافترقنا إلى بارات أخرى وفي الصباح التقيت بها...
- سأقاطعك :هل كانت جميلة ؟
- كانت فاتنة بالنسبة للكل إلا أنا.. دخلت في الصباح الموالي مكتبي, وعرضت علي أعضاءها التناسلية, غير أنني فاجأتها بعدم اكتراثي لسمفنوية مناظرها..
- كنت تمارس شعائرك في الخفاء, وبكل نكهة في مكتبك ! ؟
- لقد استطعت في مدة وجيزة بعد تسلمي لمنصب رئيس قسم جراحة العظام بذلك المستشفى, أن أحول مكتبي من مركز للدواء إلى مكان يلهو فيه الجوع التطوري للجنس اللاطبيعي, واحترفت خرق جسد مرضاي..لم أكن أداوي النساء, وكنت أحول ملفاتهم إلى ذلك الطبيب الصيني المغرم بحياء وتواضع نسائنا, الذي كان يعطيه رمزا للأنثى الملائكية التي يحبها.. وفي سن السابعة والعشرين اقترحت علي العائلة أن أتزوج.. كانت فكرة الارتباط برجل من صنفي بشكل مستديم أخر شيء أفكر فيه، لكنها كانت ضرورة ملحة في وقت اكتشف فيه بعض زملائي الأطباء والمقربين مني إنني رجل لوطي, وطبعا لأغير منحى نظراتهم نحوي قررت أن تكون معي امرأة في مشاوري الاجتماعية وعدلت سلوكي الجنسي أمامها تحاشيا لخسران امرأة مثلها، كنت متأكدا من حبها لي وواثقا من استعدادها التام للقبول والتأقلم مع جنوني وهواجسي وعقدي وحواجزي، وبالفعل نجحت في وضع حد لتلك الأقاويل التي أبعدت عني الكثيرين ممن كنت أخطط للإيقاع بهم.. وكان ما كان.. ليلة الزفاف أتذكر أنني ضربتها وكدت أخنقها حتى الموت, كانت امرأة مسالمة وبريئة ولم تكن تعرف عن العلاقات الجنسية سوى ما أوصتها به قريباتها ساعات قبل دخولي عليها , عاشت معي أقبح تفاصيل حياتها ولم تستطع أن تفعل لي شيئا.. اخترتها أمية ومن ريف إحدى المدن الداخلية بغرب البلاد حتى لا تفشي سري ولا تعاندني.. المهم مرت أيام والتقيت صدفة في أحدى النوادي الليلية طبيبة من معارفي على طاولة يقابلها رف في صدره رجل شاب يافع... لا أدري لقد سحقتني مشاعري وحركت بداخلي شعور ماسي شدني ناحيته وعرفت طعم الحب على يده منذ تلك اللحظة, وعرفت كيف تدور الأرض ومتى تذوب الذكريات بماضيها وحاضرها ... أحببته حتى صار قلبي أخاه من الرضاعة, لكنه كان يرجح موازينه لتلك الطبيبة التي كانت بدورها مغرمة بي.. حتى فتات الخبز كنت أقسمه معه, تدينت, سرقت, لا أدري من أين كنت أشتري رموز الرجولة فقط لأجعل سعادته همي.. كنت أخاف أن أدوس على ضلاله وصارت قصتي معه كالقصة المبهمة للرمش مع العين, عيناه ونظراته كانت تهتف فرحا, كنت أعلم أنه يحب النساء كان زير نساء لكن عيونه أخذتني أخذا رعديا وذبحتني ذبحا ساديا.. أذكر ذات مرة دخلت عليه برفقة تلك الطبيبة داخل صيدلية المستشفى وهو يتوسلها لتقبل به زوجا ثم عانقها بكل قوة.. كانا كخطين متوازيين ليس مفترقين.. كرهت نفسي عشرات المرات وتمنيت أن أبول عليها من العلياء .. و فجأة سمعت صوت المحكمة تسألني: ما أسمك؟ فأرد أسمي رجل محتل أعتق كل نساء الأرض.. فتسألني مرة أخرى: ما عمرك؟فأرد: عمري هذا الكون المستغل,عمري قبلة على حجر، قبلة من رفض، عمري رجل بإحساس امرأة, يريد أن يلمس خصرها لكنه لا يريد أن ينام بجانبها ولا يريد أن تضل معه… فتسألني: مهنتك؟ فأرد: مهنتي شحات على أبواب الرجال يريد أن يكون محبوبة كالشاة المذبوحة غير أني لا أتحمل سلخها و أكلها ، مهنتي نقابي حر ينادي بسفح الرجال الذين منحوا للنساء الباردات براءة ولمجوعاتهم براءة..
- كان هذا الطبيب يخيفني بعدما اسود وجهه وبدأ يتعرق, حاولت أن أقنعه بأن يستسلم للنوم على أن يستمر في تفريغ ذاكرته لي في اليوم الموالي، لكنه كان يقول لي أخاف أن أموت قبل أن أكمل لك حصيلة تفاهتي ، غير أنني انصرفت عنه للحظات لجلب مهدئ..
- هل تعتقدين أن الوقت لا زال في صالحي, وأنت تأتينني بهذا الدواء !؟
- عشنا أغبياء طيلة الأيام التي قضيناها وراء أسوار هذا المستشفى, والأفضل لنا أن لا نمشي بنفس الخطى خذ الدواء ...
- المهم شرب ذلك المسكن وهو مثقل النفس, وخرجت من غرفته, ولم أمكث كثيرا حتى وجدته خلفي, يمسكني من شعري في حديقة المستشفى قال لي: أنه يحس بدنو أجله وطلب مني أن أحكي قصته لأمثاله, حتى لا يعيش الرجل تافها ولا يموت تافها كما قال, لقد أحسست أنه بحاجة إلى ضمة صدر وإلى كف يجفف عرقه, تأهبت لطلب الطبيب لكنه ذكرني بأنه طبيب وراح يتسكع في مداشر ذاكرته ليكمل لي فصول قصته..
- كنت حينما أتلصص عليه وهو يحاول نهشها وافتراسها, وهي تقول له أنها مغرمة بي أكرهه, وأدعوه للرحيل من قلبي: اذهب واجمع من حلمات عاهراتك مائة حلمة, اصنع لك سبحة لتعبد هواهن وتقيم لهن الشرائع وتزلزل السماوات السبع من فوقهن .. أتذكر يوم رحيله من المستشفى أني دخلت مكتبه قي قسم أمراض النساء وبدأت أتأمل زخارف بابه وورق جدرانه وخزائنه وخواطره وتحفه, أقلامه, عطره, فصوص الساعة التي كانت تدير الزمن في معصمه وبروق ألوان ملابسه من أسودها إلى أزرقها إلى رماديها حتى المناديل التي ارتشفت دموعه منها يوم رحيله بسبب تلك الطبيبة ..
- قاطعته.. ما كان اسمها؟ أجابني وهو يبتسم: إنها تحمل نفس اسمك يا نائلة, فضحكت من كل قلبي ساعتها.. واستمر.. كانت أشياؤه تحاصرني في كل مساحة من ذلك المستشفى ولم أتعود على فراقه.. كنت كالحجر الذي لا يعترف بانهزامه رغم أن الطبيعة تنحته ورغم أنه يهرم ’لأنني بقيت أحب رجلا كل الحب وهو يحب امرأة كل الحب..
- ورغم هذا لم تقلع عن أفعالك..
- حاولت يا نائلة...
- وماذا عن زوجتك ؟
- لم تكن زوجتي متعلمة بما فيه الكفاية, لكنها كانت على قدر كبير من الذكاء, كما أنها ثقفت نفسها بنفسها.. لقد علمني صمتها وضعفها أن أحتك بالواقع بعدما كنت أموت من الضجر والخيبة .. والذي حدث بعد ذلك هو نشوء إدراك في حقل العلاقة التي تجمعني مع زوجتي التي لم أعرف أنها تخاف مني أو تنفر من اقترابي منها.
- ألانك لم تعد تباشرها من الدبر صح ؟
- أجل يا نائلة لم أعد أباشرها كما كنت أفعل من ذي قبل, لأنني وأنا أضاجعها ذات يوم فقدت احترامي الأساسي لنفسي وكدت أدخل إلى عالم من الهستيريا..المسكينة.. لقد صمت فجأة وانبطح على الأرض وبدأ يبكي و يعوي ويضرب أسفل بطنه.
- أنا السبب في موتها يا صاحبتي ...
- ماذا؟ أنت حقا تافه !
- لقد فجرت بركان شرجها, لم تمت بيدي, بل ماتت بقضيبي بعدما تفنن في نحت بئرها.. ولو كان الشرج يتكلم لصرخ في وأيقظني من ضحالتي, ولو كنت أتمتع بحاسة شم قوية لاستنفرتني رائحة عفن جراح أماكن عمقها .. لقد ماتت.. المسكينة كانت تقول لي شيئا طريفا حين أقترب منها: إن هناك في حياة الجرذان الجنسية فترة من الغزل والتودد قبل عملية الجماع, فكن فأرا للحظة واحدة, كانت طيلة حياتها قبلي, تعتقد أن الطبيب ينبغي أن يكون معصوما من الخطأ مثلما يفترض في الإمام, أن يكون على وجه العموم خاليا من أية خطيئة .
- والواقع أنك حطمت أجمل الصور في مخيلتها البريئة..
- هي السبب.. كان لا بد عليها أن تقتلني, أو تهرب بعيدا عن زبالتي,وعن رحيقي السام وشوكي المؤلم.
- وكيف قضيت ليلة واريت جثتها التراب ؟
- تلك ليلة محفورة باليأس, بت أعوي كالكلب المسعور.. ظنوا أني كنت مجنونا بحبها.. وخرجت إلى شوارع وهران التي تبرأت مني.. رحت أبحث عن مكان للمبيت بعيدا عن غرف بيتنا.. وطال الليل.. لا شيء كان يبشر بصعود الشمس من مشرقها لكنها أشرقت وعرتني..
- وما لذي حدث بعد ذلك؟
- واصلت عملي بعد انقطاع دام شهورا ..
- هل أعياك الندم أم ماذا ؟
- لقد بدأت أعراض المرض تظهر علي..
- وكيف تصرفت ؟ - لم أقل لأحد طبعا إلى أن أتيت أنت اليوم.. أذكر يوما قبل اكتشافي بأني مصاب بالسيدا, وأنا أسير بين أسرة المرضى, وأنا أشعر بفكرة أني رجل لوطي.. كيف كنت أتصبب عرقا وحياء وأنا أحاول في ألم أن أتقبل هذه الحقيقة وسرعان ما فهمت كيف يحس الإنسان حين يقبل شيئا ما.
- وما ذا قلت؟
- قلت لنفسي كم أنا رخيص وسط هؤلاء المرضى, من ذوي الامتياز الجنسي الطبيعي, وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أفقت وخطر لي أن لا أتقبل أني لوطي ؟إذن فأنا إنسان سوي ؟ ما ذا بقي إذن ؟ الذي بقى هو أنني موجود, وعلي أن أجد حلا لمشكلتي, لأنني إنسان أشترك مع غيري في كل شيء, عدا مشكلتي, فأنا لي إذن الحق في العيش والبقاء بطريقة طبيعية.. وتبخر حلم الذهاب إلى واشنطن ولوس أنجلس, لذلك أتيت إلى هنا بعد ما جرى لي .... استغربت !
- واشنطن ولوس أنجلس ! لماذا ؟
- لطالما حلمت بالذهاب إلى هذه المدن ليس للدراسة، بل لأن الإحساس بالانتماء إلى نوادي اللوطيين هناك يساعدني على التخفيف من وطأة الضغط الاجتماعي, وخشية من ظلال الشتيمة. سألته:
- وبعد.. ماذا حدث؟ قال لي مازحا:
- طلع الصباح ونام شهريار... وشدني من أنفي وهو يبتسم.. لا أدري لماذا أحسست أنها أخر ابتسامة لذلك الرجل .. سألته بإلحاح وبسرعة وكأنني كنت خائفة أن يموت قبل أن يحكي لي ما تبقى من تفاهاته التي احترمتها فيما بعد..
- لا تنسي أني طبيب ..
- حتى وأن كنت طبيبا..ألم يراودك الشك في احتمال عدم حملك للفيروس ؟
- راودني..لكنه استقر في الأخير لأني تمنيت الموت فجأة.

- ومن المسئول؟
- أنا المسئول عن قتل هواي, أنا الذي أرتشف فناجين القهوة الخاوية, وأنا الذي طالع الجرائد الخالية, وأنا الذي رقص في الملاهي على عزف الموت, وأنا من سقيت الزرع بالسم, وأنا من أذاب الحنظل بدل السكر في حلق زوجتي..
- وكيف أتيت إلى هنا ؟
- معارفي من بني جنسي يتصدرون موائد السيادة ، خرجت مع أحدهم وها أنا اليوم بالرغم من مصارعتي لمرضي، إلا أنني لا زلت أحب الحياة، لذلك أدعوك أن تحبيها وتنسي ما جرى لك .... بوحي ولا تتركي شيئا يسيطر على حواسك ويبث فيها الفشل واليأس ...تكلمي يا نائلة لست وحدك ... هناك أنا و ديدين وآخرون .... الفصل الثاني حكاية قلب.... في مساء كل يوم أذكر تلك الذكريات... أنعم بالحب لحظة ...وبتمزق الآهات... أصون للحب ذكرى ..... وألعنه آلاف المرات... ليتك كنت حبيبي تعلم عسر البسمات ... ...كنت طيفا فوق سرير بمستشفى بسويسرا.. بعيون تحلق في فضاء الذكريات.. سرت في الأرض وحيدا ...ألعن هذا الوجود .. ..ألعن نفسي ودمعي ..جاريا عبر الخدود نظرت إلى الطبيب الذي سألني عن أحوالي بلهجة جزائرية : " واش راكي ما عليك والوا رانا هنا يا أختي .." قلت : أه يا طبيبي كيف قطف الورود..؟ إني للحب وفيا ..فكيف لي هذا الجزاء .. ؟ فكيف بالغدر أجازى...وهل النور والظلمة سواء ؟ أنهضني ذلك الطبيب الوسيم من على سريري,وأخذني باتجاه النافذة وفتحها على مصراعيها...وقال:
- لا تحزني بعد رحيل أي شيء عنك..لأنك بحزنك ستصرين حبيسة الليل طوال حياتك ...ويخيم الظلام على ذاتك وكلك؟ ..بل اقرعي الأجراس ودقي الطبول .. واهتفي الله كريم...وخذي العبرة من الطبيب ياسين، فبالرغم من هول ما حدث معه إلا أنه حين أدرك أنه قادر أن يعيش بشكل طبيعي , فك جميع العقد التي كانت تلفه كما ترين... بقيت في ذلك المستشفى مدة طويلة, بسبب عملية نزع الرحم وفقداني لطفليّ , وشيئا فشيئا أصبح الطبيب ديدين يتقرب مني ,لم أكن أملك أي طاقة ساعتها لذلك لم أوله أي اهتمام ...لقد كان يطالبني كل لحظة بضرورة إخراجي لكل ما في خواطري ,لم أجبه ساعتها لا بالعربية ولا بأي لغة أخرى .. ..جاء البوليس بعد أيام للتحقيق معي قصد إرجاعي إلى أرض الوطن بعد انتهاء مدة صلاحية إقامتي ...وباسم حقوق الإنسان تدخل وصديقه ياسين لإبقائي تحت الرعاية الطبية, وبعثوا ببرقية توصية إلى سفارة الجزائر بتلك الدولة ..فتدخل سعادة السفير باسم المواقف القذرة من أجل تمديد مدة بقائي على تراب تلك الأرض حتى أشفى ... ....مرت الأحداث بسرعة ...أصبح ديدين لا يفارق غرفتي وتماثلت صحتي الجسدية للشفاء وأصبحت أتكلم وأضحك عندما أرى ديدين يوبخ الممرضات باللهجة الجزائرية ... …وذات أمسية شتوية قال لي أني أعني له أكثر من مريضة... o لست أومن بالحب العفيف فإنه... خلق مثلي وحيدا وحيد .. ليس لي في الحب سوى وهم... هو أحاسيس وشعر ووعيد ... يا ليت سكوتي بنظرات عيني يتحدث.... عن أمل هو دواء لجروحي .. ..يا ليت وطني جاد علي بصور يحميني... من أحاسيس منه على خيالي تجود..يا ليت قصري كان مقفل الأبواب ... ويا ليت أبوابها كان عليها حارس شديد... أريد أن أعود إلى حجري أمي.. لا تودعيني فإني أخشى الوداع .. ويا ليت لحظة المرض هذه دامت فهي عيدي.. لولا اللقاء ما كان الفراق...ولولاهما ما كان الإحساس عميدي .. ..كذب من قال: لم يعش من لم يذق قلبه من طعم الحب أزهارا وورودا.. ..بل مات من عاش الحب وفارقه ...فالحياة له وعيد ومرصاد ... ..أنا متعبة وطويل جدا مشواري..لا تلح علي أكثر من هذا.. ...أنا لم أنل من هذا الحب إلا العذاب فذلني.. وحين تفطنت تيقنت أن لا شيء من جروحي يتداوى بالزمن.. o حاولت في العديد من المرات أن أتهرب من كلامه.. لكنه أصر.. كل مخلوق وأصله من معدن...ففيه الذهب والنحاس وغيرهما .. وفيه الطين والماء ومنه الفتن .. وأنا إنشاء الله من معدن الذهب الخالص ... ..قلت وقد أهديت ذاكرتي المثقلة إلى ذلك الطبيب... إنهما رجلان اثنان لا غيرهما...أحدهما والدي والأخر حبيب الذات والجسد وغيرهما .. سأرحل معك إلى ماض قريب ،بخمائل الطفولة الغراء... ...بعدما أجاسر الفراق .. في الدروب والصخب ..رحلة تعب... رياح على شرفي تهب .. وعيوب القدر لأنني اخترت حبا هدا جبالي .. ولأنني الحقيبة المرزمة للرحيل .. أعماها العمى الأسود فلم تعد ترى... ...تأخذها الرياح .. تنثرها فوق الأرض ..حيث الندم..حيث شوقي..حيث المتاهة.. ..لكن يبقى الرحيل يكشف ..عبقرية الحب العظيم بالصمت الرهيب ... ..كنت يا صاحبي أعيش بسلام..في بلدة فقيرة متعبة هي الأخرى ..لم أتوقع يوما أن أحيا قصة ملتهبة كالتي عشتها... .....أمي طيبة لم يسعفها الحظ ..ومنحها زوجا كوالدي ..كانت طموحاتها وجل أمنياتها مركزة في دعوى واحدة:أن تنجب ولو ذكرا واحدا... كان والدي يكره البنات ..لكنها أنجبت سبع بنات أوسطهن أنا وسط شماتة أهل زوجها.. أدهشته أفكار والدي ..لم أقو على الكلام ذلك اليوم فأعطاني مهدئا ونمت .. في صباح اليوم الموالي وجدت غرفتي مليئة بأنواع الزهور, والدببة والعطور, والبالونات..كانت حلما جميلا رائعا وفي وقته المناسب ... ديدين تعالى بجنبي .. سأكمل لك قصتي ...تقدم نحوي وجلس بجانب رجليّ عند مؤخرة السرير, وقدم لي كوبا من الحليب الممزوج بالشكولاطة ... ..ولدتني أمي وأنا ابنة السبعة أشهر ..وخرجت إلى الوجود برجلي لا برأسي ..لم أرضع نهديها بسبب مرضها ... والدي رفض تسجيلي في سجلات الحالة المدنية, مخالفا بذلك قانون الحالة المدنية الجزائري ...وطرد أمي من ليلتها إلى بيت أهلها , بقيت خالتي ترضعني حوالي شهرين , إلى أن جاءت جدتي عن أبي وأخذتني مع أمي إلى البيت , وأصرت أن تتبناني إلى أن بلغت سن السادسة ...طلبت من والدي أن يدخلني للمدرسة..رفض ..فطلبت من عمي عمر ..تحجج بعدم تسجيلي ضمن سجلات الحالة المدنية..هددتهم بدعوة الشر ...فتدخل عمي أحمد المستشار لدى وزارة التجارة بجاهه وعزه وسجلت بمدرسة تبعد عن مقر بيتي بمسافة لم تكن تتحملها قدماي الصغيرتان ..لم أكن تلميذة نجيبة جدا ..ولم يكن لي أصدقاء ..احترفت السرقة في سن مبكر بسبب تهديدات عصابة من أطفال مدرستي لي... ....أنت جميلة, ويبدو من باب منزلك أنكم عائلة غنية تأكل الجبن، والحلوى ولذلك عليك من اليوم أن تأتينا ببعض الأطعمة اللذيذة, والأشياء الجميلة وإلا فسنضربك...أخبرت مربيتي – أما- هي بدورها أخبرت "الرجالة" كما كانت تناديهم لكن لا أحد حرك ساكنا... أيمكنني أن أدخل غرفة زوجة عمي وأسرق عطرها لأهديه إلى رئيسة العصابة؟..بلى أقدر ...دخلت وتسللت وبالفعل كان أول شيء أسرقه... زجاجة عطر..خبأتها ..وأهديتها لتك المجرمة الصغيرة ...أصبحت بعد ذلك ذراعها الأيمن ...بعد أيام طلبوا مني أن أسرق اللحم من ثلاجتنا..لم أجد في الباب السفلي للثلاجة اللحم ,لأن أمي كانت تخبئه في البراد, وطولي لم يكن يسمح بذلك ..فسرقت بدله البيض و مسحوق الحليب ,وأعطيتهما لهم ...كان سني ست سنوات وبعض الأشهر ...بدأت العائلة الكبيرة تكتشف ضياع بعض الأشياء من المنزل...ومرة اكتشفت أختي الكبرى أمري لما كانت بقرب المطبخ ودخلت علي وأنا أخبئ الجبن في جيب مئزري .. تأملتها بشيء من الشيطنة والخوف وقلت : - لست أنا ... - لن أخبر عنك أحد.. - أ ...هم السبب.. - من ؟ (..لقد قلت " لُمّا " أنهم هددوني ولم يفعل الرجالة أي شيء ...) يومها علمت عائلتي بسر سارقة العطر وغيره... أخذني عمي في اليوم الموالي إلى المدرسة وأخبر مديرها ومعلمتي بالأمر. لقد كانت تعشقه...وصارت تأخذني إلى البيت وعاقبت أولئك التلاميذ ... ..المهم غير لي عمي المدرسة وأنا في الفصل الخامس ’أقمت علاقة مع صديقة في الصف ,كانت تدعى نعيمة ..تقربت منها لكن لسوء حظي غضبت منها صديقاتها القدامى وخاصمنها لأنها عوضت صداقتهن بصداقتي ..فتنكرت لي وخاصمتني ..بعد اجتيازي لامتحان شهادة التعليم الأساسي قررت ألا أبحث عن صديقة جديدة ..وأنشأت علاقة بين القلم والورق ..كنت في ذلك السن لم أعرف بعد من هو والدي كانت جدتي بمثابة كل شيء في حياتي..أما جدي فلم أكن أحس تجاهه بأي عاطفة بالرغم من أنه كان يأخذني معه عند خروجه حتى أنه كان يصطحبني معه إلى سوق الماشية.. كان يناديني – بالنملة الحمراء وبالعلوش ..لأنني كثيرة الحركة وأحب الماشية وأسواقها حتى أنني كنت أنظف له إسطبل مواشيه مقابل قليل من الحلوى أو دينار واحد ... المهم كبرت وفجأة ذات يوم عرفت حقيقة عمي الذي ذهب معي إلى مدير المدرسة في سن السادسة وكشف أمر تلك العصابة الصبيانية لم يكن سوى والدي.. ربما كان ذلك اليوم أكثر الأيام وجعا يوم عرفت تاريخي بعد حوالي خمسة عشر سنة لأول مرة على لسان ابنة عمي...كان لا بد أن أكره والدي... ... كنت مولعة بالأدب وبالموسيقى لذلك لا أحد خطر بباله أن أنال شهادة البكالوريا .....غير أنني نلت الشهادة الحلم وكنت بذلك أول فتاة في العائلة تنال تلك الشهادة..كنا نسكن في بيت كبير ..مع أعمامي وأبنائهم أنا كنت أنام في دار( أما الكبيرة ) برفقة أختي نسيمه التي تبنتها هي الأخرى جدتي, أما وهيبة فقد تبنتها عمتي..كان والدي لا يعمل في تلك المرحلة وكانت أمي الحقيقية لا تملك حتى ملابس داخلية محترمة..كان والدي لا يحترمها ولا يحبنا ..كنا نعيش على صدقة جدي .. .. كان واضحا من دخوله متأخرا, وخروجه المبكر أنه لا يحبها ولكنه لم يكن باستطاعته إعادة الزواج, لأنه أفلس منذ زمن بسبب تجارة التبغ غير الشرعية, التي كان يصرف بفضلها على صديقاته..لقد عاش فترة طويلة في ترف , لكن مصالح الجمارك أوقفته وهو عائد من المغرب باتجاه منطقة فرندة التي كان يخزن في معلمها التاريخي* لجدار(السجائر المهربة, لقد دخل السجن لمدة عام ونصف..خرج بعدها بفضل الرشاوى التي أعطيت للمسئولين آنذاك مكسور الجناح ..كان كل شيء معدا للألم, حيث الفقر لا يرحم..والكبرياء لا يرحم...والقدر لا يخطئ.. بعدها انفصلت العائلة, واستقر أعمامي في بيوت لائقة خبؤوها للزمن من عرق السنين, أما والدي فخرج صفر اليدين لا يملك فلسا عدى بيت العائلة الذي طالب الورثة بحقهم فيه فيما بعد ...عمي الكبير الذي أكرهه أخذ *أما* معه, وتقطعت أمالي ,ودهست مشاعري ...لقد أخذها معه, بعد زواجه من فتاة تصغره بأكثر من عقد.. جاء بها من ريف منطقة السوقر.. حتى لا تسأله عن يومياته, وعن سبب تأخره عن الدخول للمنزل, وحتى لا تتنبه لتلك المساحات الزرقاء التي كانت تظهر دائما أسفل أذنيه, وتتوسط رقبته... ذهبت إلى الجامعة ..وسجلت بقسم الصحافة ..كان الشيء الوحيد الذي برر جهدي في دراستي هو العمل..ومن ثم توفير ملابس داخلية محترمة لأم لم أقبلها في حياتي.. ..وأنا في العام الأخير من دراستي, مرض والدي, وأصيب بمرض الضغط الدموي..لقد تفطن أن لا أحد يتكئ عليه لا والده ولا والدته ..وسقط.. ..هل سقط حقا يومها؟ ..أم أنه مع سقوطه الصحي سجل ارتفاع مزاجه الهجومي؟ ..نعم هذا ما حدث فعلا, بعد تخرجي بشهور, واستلامي لأول منصب عمل عند خاص’ بأجرة شهرية يخسر ضعفها في دقيقة واحدة مع صديقاته. أتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى مدير الأخبار بالتلفزيون ،دخلت على أمينة مكتبه، طلبت منها بكل وقار: أود الدخول عليه قالت: من؟ قلت :الذي حين يتكلم وهو جالس يقف الكل! ردت عليا: وطبعا حين يقف يجلس الكل ! تبسمت, أما أنا فتنهدت قالت: انتظري قلت:أكيد رفعت السماعة وبالإفرنجية قالت: صيادة تريدك! * حدقت في عيونها قالت :انتظري قلت :أكيد مرت الواحدة, الثالثة ;الرابعة والنصف * انه موعد الرسمي للخروج قالت :إلى يوم أخر! قلت: وغد آخر * تأهبت للخروج تبسمت بسخرية وسألتني : إلى أين? قلت إلى غد أخر! قالت :هذا يوم آخر! قلت: هذا آخر اليوم قالت: اللهم اجعل أول يومي نجاح وأخره فلاح! * فجأة خرج ودعته بقبلتين ! * تنبه لوجودي قال لي: مرحبا, أسف أخرتك قالت :وهي عند عتبة الباب في التأني السلامة ! قال: ادخلي قلت :من بعدك قال: شاي أم قهوة? قلت : لا شيء قال: بلى وأحضر شاي بالنعناع قلت: شكرا قال: تكلمي , قلت : أقرأ عيون الناس ،أصحح نحوهم، أقلب خبرهم مبتدأ ،أعرب جملهم الاسمية والفعلية ، قاطعني يا سلام أنثى مثقفة قلت :وعلى قدر كبير من الذكاء قال: والجمال ايضا قلت :الروح لا تصدأ و الوجه يذبل عند باب الثلاثينات قال :ما لنا والثلاثين ؟ قال: تطمعين الى ماذا؟ قلت: خرجت أطلب رزقي وأمل أن لا يتوفى على يديك! قال: أنه أمر بسيط أتركي ملفك ،وعودي يوم الخميس في مثل هذا التوقيت ! * مر الاثنين ،الثلاثاء ،الأربعاء وأخيرا مساء الأربعاء; طلبت منها بكل وقار أود الدخول قالت:كنت في انتظارك قلت: حقا ! حملت السماعة وبالعربية القحة قالت: ما دامت البندقية بمكتبك جاهزة نحن أيضا! حدقت فيها ! * وفجأة خرج ... قال: ادخلي ، أترتشفين شاي أو قهوة؟ قلت: قهوة. قال: أتغيرين من عاداتك؟ قلت :أحيانا, قال : مثلي تماما أغير قلبي، دمي وهج غرائزي ، كل شيء يمسني.. قلت : المهم أنه يخصك. قال لي: لا، أنا جريء بما فيه الكفاية،أغير و أعدل كل ما يسقط عليه نظري. قلت: في قرارة نفسي ( بان محتوى المكتوب !) قال: أتفكرين بشيء ؟ قلت :بلى قال: في التاسعة مساء ! قلت: لم افهم لما التاسعة!؟ قال: وقت بدأ السهرة قلت :أي سهرة؟! قال :قلت انك ذكية ! قلت :إيه نعم في العلم والمعرفة . قال: وفي أسرار الرجال ! قلت :هل أعتبر نفسي سيدة السهرة ،أم الجارية التي تصب الخمر في الكؤوس ؟ قال : ويح ذكائك واختيارك المنسق لأفكارك ! قلت :لأنني ذكية * غير المكان ,ذهب باتجاه معطفه ,أخرج ورقة نقدية, لفها وبدأ ينظف بها أسنانه ! هناك أفرغت فنجان القهوة ... قلت له : الله الغني وانصرفت ... هذه عادات أشباه أرباب العمل عندنا يا ديدين, تبدأ أغلب حكايات النساء الباحثات عن لقمة العيش هكذا, فمنا من تطع الله والرسول ومنا من تطع مفرقو المرء عن زوجه .والدي أصبح يحب المال ..وتقابلت مع عالم المسؤولية.. كان لا بد علي أن أعيل عائلتي..وولجت منحدرا من الخيبات في وقت واحد ..والد لا يهمه أمري ,و مسؤول في العمل يلاحقني,وكأن جسدي معرض ,أو منتزه ليلي..رفضت شذوذه, وبحثت عن عمل آخر عند خاص آخر...فمناصب العمل في مؤسسات الدولة لم تكن متاحة لأمثالي... كان والدي رجل يحب المال حبا مدمرا, تمنيت لو تعانقني* أما*, أو أي عمود مجلجل ..لأتملص من شعور الكره تجاهه..في تلك الفترة أهداني رئيسي في العمل الجديد الذي كان يبعد مقر سكنى بمسافة ساعتين ذهابا وإيابا هاتفا جوالا وإذا بي ذات يوم أذهب في مهمة عمل, لتغطية زيارة وزير لمنطقتي فتعرفت بمسئول محترم بوزارة الثقافة ركبت سيارته وسرنا ضمن الموكب الوزاري.. ونحن في الطريق تجاذبنا أطراف الحديث عن واقع الثقافة بوطننا فأحب مجالستي .. * قال :إنك تستحقين كل الخير وتبادلنا أرقام الهاتف * ذات أمسية رن هاتفي وإذا به هو..أمين ..ذلك الرجل الهادئ.. سألني:مرحبا ..واش راكي ؟ رديت:الحمد لله وأنت راك لاباس ..؟ واصل:سأعرفك على صديقي .. جاوبت:ألو مساء الخير.. راكي مليحة ؟ بدا لي من لهجته أنه من العاصمة.. نعم أنا بخير وأنت؟ وصمت قليلا ..حمل ديدين دبا صغيرا ورماني به .. (.ألو) نعم ..هي السبب .. ...إنها تيارات عشق مهاجر, من العاصمة إلى تيارت, تؤشر بمناديل وردية عبر هاتف ارتشفت منه حبا موجعا ,و تخيلت أنه سينبت في قلبي, مثلما يكبر اسم الشاعر العظيم .. ..تعرفت عليه ,وربطني في رمشة عين في عنقه.. تماما كما يربط ربطة عنقه.. وقال لي مثل مصري : إلي أوله شرط آخره نور ... * قال لي : اسمعي يا حلوتي: أعدك بحب كبير, شرط ألا تطمحي إلى الزواج مني, ليس لأنك لا تستحقين اسمي, لكن لظروف خارجة عن نطاقي ..أريد أن أعيش حاضري.. فلا تحاولي أن تقفزي إلى المستقبل ,أو أن ترجعي ولو بخطوة إلى الماضي ..ولا تسأليني عن طبيعة عملي ولا عن شيء آخر .. لا أدري كيف وافقت على تلك الشروط ؟.... قلت:أنا لا يهمني منك شيء سوى الحب والحنان....ربما قبلت لأني أكره العادي ، وأثور عليه, وربما لأن ثقتي بالحب كانت جد كبيرة !.. دققت الباب انفتح تبسم فاتح الباب قلبي انشرح أقرأته السلام رد بفرح سبقني وقال :مرحبا يا جناحي ونومي وراحتي وغديري ولجت مطأطأة الراس حمرة الخدين يكسوني خجل كبير ودوخة ودوار ..... وعلى اوتار رخام بيته، مشيت نحو غرفة الضيوف همس في اذني :لا تخجلي ارفعي راسك طأطأت رأسي اكثر مد يده الى ذقني ورفعه وحدق بي قال لي انت ملاكي هناك فقط ايقنت انني فعلا جناحه أجلسني على اركيته ذهب وحين عودته رمى على وجهي وشاحا من صوف ونجوم من وورود وشموع و سقاني كوبا من الكاكاو جلس امامي مسك يدي انحنى وقبلها صدقت اني اميرة عصرها قال تقوس شفتيك يذكرني بوقار هلال رمضان وعينيك بعيون الغزلان وبطنك المثني كطي السجل لمكاتيب اهل الغرام صدقت وببلاهة اني اميرة عصرها قال اطلبي اشتهي اامري تدللي ضيعي انت مولاتي ضيعني طمأنني أمنت له اقترب أكثر وضمني ضمة الحبيب الغائب المشتاق صعدت حرارتي ارتجفت اصطكت أسناني هدا من روعي ابتعد قليلا اتشتهين سفرجلا عثمانيا او خوخا عمانيا او ياسمينا حلبيا وادخل يده في جيبه قال اغمضي عينك افتحيها الان وأهداني بنفسجا و شقائق النعمان و طبع على شفاهي قبلة بلعت شفتي وتسلل بداخلي إحساس ما للجه قرار اخذ من يدي كوب الكاكاو ونهض باتجاه خزانة في الرف المقابل اخرج زجاجة حمل كاس آخر صب منها و أرخى فيه قطعة من الثلج ومزجه بالسكر وناولني إياه دوختني رائحته، شربة له وأخرى لي.. ولما تمكن منا الشراب .. قال لي ما ا أقل مودتك ما أنت غريبة بل أنت من أهل الدار. هيا نصعد الى الغرفة هناك دفئ من نوع اخر.. حملني كمراهقة .. وحينما استقيضت وجدت نفسي بواد عارية حتى من زغبي ... هذه هي رحلتي * .وها هو ذا اليوم الذي رأيته فيه..طلب مني أن أصور له أحداث أول لقاء بنا ... سأتصل بك أولا ... إحمل حقيبتك ..ضع فيها أجمل طقم رجالي واركب سيارتك ...سنسافر ..ستجدني عند الحديقة العالية ...نذهب إلى مكان رائع أحس فيه أنك مرتاح..وليكن فندق من 5 نجوم ..لن نمكث في الغرفة ..سنذهب إلى الكورنيش لنتنسم بداية الربيع.سنثلج صدورنا بمشروب غازي, وأجبرك على ركل سيارتك ..وأدعوك للتسوق ,سأعطيك النقود لتشتري لي أجمل الفساتين والعطور, لأني أريد أن أرى حبيبي يدللني بأشياء تعشقها النساء من نقود الرجال, حتى لا أخدعك وأقول لمن بعدك أنه رجل بدوي لم يعط اعتبارا لمثل هذه الأمور.. سنعود إلى الغرفة ..أغتنم لحظة غيابك.. لأحظر لك مفاجئتي.. وأقدمها على مائدة العشاء.. ولتكن سجادة صلاة, وعطر, وزهور...سنجلس على المائدة.. لأكلمك, لأرى وجهك عن قرب..وأنت تتغزل بي, لا أريد أن أخاف منك ’ من ارتعاش يديك , أو شفتيك, تصرف وكأني لست موجودة, سأترك لك الحرية في الغرفة, وهناك فقط أستطيع أن أدفع لك أول لقمة في فمك..لاباس أيضا إن أوينا إلى الفراش, ولا بأس إن وضعت رأسك على صدري ,لكن شرط ألا يدفعك هذا , لأن تنتقل من مروج شفتاي, إلى حدود نهدي ...ودون أن ألا يدفعك هذا , لأن تخجل من غريزتك, وتكون جبانا أمام قدي ... سأدعوك لتقدم لي أروع هدية ,أن تحكي لي قصائدك , أو مشوار حياتك ,على صدري ,سأكون لحظتها أسعد امرأة, لأنني أعتقد أنه لا توجد امرأة أسعد مني, وأنت تداعب خصلات شعري.. هي أجمل هدية ..صدقك لحظة ضعفك ..ستذكرني بأنني إنسان ..وسأعيش لحظات من السعادة... المهم تعرفت عليه إنه وسيم جدا , وهادئ جدا, ومفعم بالأرستقراطية..لقد وجدته يبحث عن امرأة من طراز خاص, ليست لا للملهاة, ولا للجدية.. إنه يبحث عن امرأة تريح تفكيره.. وعديمة الأسئلة.. امرأة لا تدخل في خصوصياته.. امرأة لا ينتهي فكرها.. ليست دمية يأتي اليوم الذي تتآكل فيه , وتصدأ الشيء الذي يجعله يبحث عن أخرى, والدمى في وقتنا هذا مثلما كان يقول لي تغيرت وتطورت , منها من تغني ومنها من ترقص ... كان ناصر ساعدي ,وكتفي, وجدار ذاكرتي, وجليس أمنياتي ,لم أفكر في غدي وأنا معه ,كنت بصحبته أنعم بالحظ الوفير.. فهو من كان يداوي أبي حين يمرض.. ويجفف دمع أختي الصغيرة عندما تبكي ...لقد زوج أختي, ومنحني منصب عمل محترم ,وكان يدفع فواتير الغاز والكهرباء بدلا مني , والأكثر كان يؤثث واجهتي بأجمل الملابس والحلي ..لقد دربني على الدلع والتبضع بكل حرية في كهوف تلك الأيام ... ..ناصر فك عزلتي ,وعلمني حلو الكلام ,وعرفني بشخصيات ثقيلة’ وكان يوصيهم بي خيرا.. كأن به كان يحظرني لما كان آت نحوي, وأنا لم أعي كل ذلك إلا بعدما انصهر لحمي ... نهضت من سريري وذهبت إلى النافذة التي كانت تطل على مبنى السفارة... ديدين: أرى أنك تحبين النافذة أكثر من أي شيء في هذه الغرفة .. لا أدري ربما لأنها تساعدني على استرجاع ما أهوى أن أمحوه, وتريد أنت أن تعيد كتابته.... ديدين في اعتقادك هل الحب جميل .... ؟ تنهدت ورجعت إلى سريري, وحملت مجموعة من الدببة , وقلت لديدين أن يتركني لوحدي ... الحب يا صاحبي.. كارثة تتهدد الجميع.. اعتبار في اعتقادي قادر على فك جميع القيم قادر أن ينزل مستوانا ,يجعلنا نلتزم بحدود جديدة ,يجعلنا نحب آخرين غير آبائنا وأمهاتنا حبا مختلفا ... عاد ديدين إلي بعد حوالي ساعة .. هل تسمح جميلة الروح أن أدخل؟.. بالطبع تعالى بجانبي, وطلبت منه أن يشتري لي مفكرة من الحجم الكبير, ذهب فورا وأتى لي بأجمل مفكرة لديه ..
هل تعتقدين أن الرجل والمرأة حين يحبان بعضهما يكونان بالفعل قد أحسنا صنعا في حياتهما ؟ أعتقد أن الرجل والمرأة يرتبكان أكبر خطأ حين يحبان بعضهما.. فالحب يعطي المسؤولية لحكمهم , لنوعية تعبيرنا.. لتغيير رزنامة أفكارنا. ومواعيدنا.. وحتى أحلامنا... ألا ترين أن الحب هو علاقة تتوفر عندما يوفر لنا الشخص الذي نحبه نفس القدر الذي يوفره لنا من مشاعر , واخلاص , ومواقف ؟ حاولت أن أتهرب من الحديث عن الحب ... ديدين أريد شوكولاطة ..فتح لي علبة وأدخل في فمي أول همسة فرح... كانت علاقتي معه سمعية أكثر منها بصرية.. ديدين : لم أفهم .. أتصور ذلك كان يعمل في العاصمة وأنا كنت بتيارت وكان الوصال بيننا سماعة الهاتف أعتقد أن العلاقات العاطفية عبر الهاتف تكون مفتوحة .