المشاركات الشائعة

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

نساء صنعن أيامي
حازم سليمان





صغيرات، كبيرات، خبيثات، طيبات، بائسات، بارعات، حنونات، قاسيات، جميلات، بشعات، صادقات، مدَّعيات، عاهرات أو شريفات باعتراف الجميع، نساء التقيتهن في بيوت، فنادق، مقاهي، أماكن عمل، خمارات، كراخانات، أو على قارعات الطريق .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

أيام قصيرة مكثفة على شكل قصيدة خاطفة مؤلمة. هكذا بكل بساطة وسذاجة وحنين التقطهن من ذاكرتي المثقلة، لأدون أيامي التي تشبه عصباً عارياً، كلما مرَّت امرأة وخزته بأظافرها، ألم اللقاء والفراق، وذلك الليل الذي يخفي البشاعة، ويتيح ليّ الاختباء، كلص اعتاد سرقة فرحه المؤجل البعيد.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

خلف كل رفة عين ذكرى امرأة، تفاصيل صنعت أيامي وجعلت مني كائناً متعباً، يحتاج إلى الكثير من الوقت والرأفة والعطف، إنسان هش بما فيه الكفاية لبكاء مرير مكبوت.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بصراحة... ليس هناك ما يدفعني للموت، قبل أن أروي لأصدقائي أيامي التي عشتها بعيداً عنهم، وتفاصيل لن يسعفني الوقت لأرويها لهم.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


خائف أنا بما فيه الكفاية لأكتب بسرعة ما فعلته ببطء شديد.‏‏‏‏‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏
****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي قضت ليلتها معي على مضض، أحست بالخطأ الذي ارتكبته صباحاً، " بعدما طارت السكرة وجاءت الفكرة " ، بكت وهي تنظر إلى ثيابها المبعثرة هنا وهناك، وضربتني بالوسائد، وبكيت معها لأسباب أجهلها و لم أضربها بشيء، ارتدينا ملابسنا على عجل وغادرنا المنزل، ولم نلتق ِ من يومها، حتى أني لم أشعر بأي شوق إليها.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في موقف السيارات المظلم الرطب الجميل، لم تحتمل شهوتها ولا أنا، سوَّينا مقاعد السيارة، ومارسنا الحب بشغف وقلق " كأن الريح تحتنا " حتى أننا لم نسمع المذيع يعلن الحرب على العراق .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في منزلها تلفاز بمحطة واحدة، ومذياع يبث أغنية " عبرت الشط على مودك"، ومقعد مثقوب ، وخمسة كراسي خيزران، ودببة صغيرة، ووسائد على شكل قلوب من عشاق سابقين...‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

خَرجَت من الحمام عارية بسيجارة مبللة، علقتُ ثيابي على مسمار صدئ في الجدار، لم أجرؤ أن أقول لها أن معي قصيدة لزياد عبد الله مطلعها " أنا وكلبي والزمن طويل " فقط جلست قربها عارياً ورحنا ندخن بصمت بينما كان مذياعها الصغير " يخش خش خش خش حتى الصباح .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
تنويه للفضوليين‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

فعلناها عند العاشرة والنصف، وعند الثالثة فجراً، بدون واقيات ذكرية ولا هم يحزنون، ولم أقرأ لها القصيدة.... ثمة كلب أعرج كان يقطع الشارع، وامرأة تشرب القهوة على شرفتها، ودورية شرطة، وإمام جامع، في ذلك الفجر الذي مشيت فيه وكان رأسي يخش خش خش خش .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي أحبتني على حين غرة منها في ذلك الليل الصاخب، لمـَّحت لي أكثر من مرة أنه يكاد يغمى عليها من شدة رغبتها بي ولم أفهم، وفي آخر الليل ، آخره تماماً، كانت عاشقتي مع رجل آخر على شاطئ البحر، يرشقها بالماء، ويركضان معاً على حواف الموج، وقتها كنت أنا أشرب المته، و"أفصفص" البزر، وأنصت لموج من الأغنيات الهابطة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي لا أعرفها و لا تعرفني، مرت منذ قليل برائحة عَطِرة، وبنطالٍ مقلم وخلخال، وطفلين يركضان أمامها.... حرام ألا تكون قد أحست بأنها قصمت ظهري، أنا المتعب الذي يراقب ابتعادها الصعب، ويكتب على طرف ورقة أفكارا ليس لها أن تكتمل، فقط لأن مشاعري أكبر من قدرتي على الكتابة...‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي مرت بعدها، لم يكن بنطالها مقلماً ولا يركض أمامها أحد، ولعلها لم تشعر هي الأخرى أنها قصمت ظهري، المرأة التي بعدها، وبعدها، وبعدها......يا إلهي ما أكثر النساء اللاتي يقصمن ظهري، وما أكثر الأفكار التي لا تكتمل.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في حمامها الذي لم أدخله منذ سنوات، تركت عدة حلاقتي وفرشاة أسناني، وأسفل وسادتها " مئة عام من العزلة "....آه كم يخطر لي أن أطرق بابها، لا لشيء فقط لأقول لها... صباح الخير سيدتي.. هل مرَّ العقيد أورليانو من هنا.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

على طرف السرير المعدني ، جَلست تُدخن بعد أن مَسحت بمحارم زرقاء معطرة بطنها من نطافي التي تبعثرت هنا وهناك وتجمَّع أغلبها في صرتها... قالت بصوتها الناعم .. أتشرب القهوة أم تفضل العصير... لم أجب لأني كنت في إغفاءة تشبه الموت....في الصباح كان هناك فنجان قهوة وحيد بسيجارة مطفأة، رائحة على الوسادة، محارم يابسة مرمية على الأرض. كل ما كنت أفكر فيه وقتها هل لدي قميص مكوي في الخزانة، ومقص أظافر لأقلم إبهام قدمي الذي خَزق كل جواربي .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في بيتها الكبير أناس يدخلون ويخرجون دون استئذان، نساء صغيرات يسحبن خلفهن رجالا خجلين إلى الغرف العديدة، أو إلى أدنى زاوية مظلمة تحقق عزلة لخمس دقائق، ثمة قطة تتمسح بي، وكلب يرمقني بحذر، سحلية بقفص زجاجي، وببغاء بغيض يرمي قشور ما يأكله على وجهي، ولوحة عملاقة " هذا من فضل ربي ".‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة المكسوة بالريش تسكب المزيد من الويسكي، تضع في فمي قطعة موز وحبة فستق، وتجعلني ألتقط التفاحة من فمها، وفي آخر الليل عندما ينام رجال المدينة، وتستحم النساء الصغيرات، غالباً ما كنت أجد نفسي أجر كلبها إلى الفسحات الترابية لنبول معاً على حواف الأرصفة وأعمدة الإنارة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

الرجل الذي أخذ مكاني، راح يلتقط قطع الموز والفستق والتفاح، وكأني سمعته يقول: في بيتها الكبير أناس يدخلون ويخرجون دون استئذان، قطة، كلب، سحلية، ببغاء بغيض، ورجل ثمل أليف.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

على مهلها تدخن وتشرب وتتذمر من رنين هاتفها المتواصل، مرددة ً للمرة الألف " مشغولة " ، أكثر ما كان يستفزني تلك الأصوات المتداخلة لآهات وضحكات مجلجلة، وتكتكات آلة كاتبة قديمة، تقول إنه زبون غريب الأطوار لكنه يدفع جيداً.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

على مهلي أستسلم لها، وعلى مهلها تنزع جلدي المستعار، تحاول جاهدة وتعجز عن تحريك ساكني، فتقبلني تلك القبلة التي أكرهها وتهمس، لاتحزن هذه أشياء تحدث كثيراً.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

الرجل الذي خرج من الغرفة المجاورة كان غاضباً، وبقبعة تخفي ملامحه، بصق علينا، رمى عقب سيجارته على الأرض وغادر متمتماً بأشياء غير مفهومة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

الأحمق نسي أوراقه.. قالت المرأة الغضة التي خرجت من الغرفة.... هي بضعة أسطر كانت كفيلة بجعلي أخرج إلى الشارع عارياً، لأصرخ في الناس الغافلين... أيها الحمقى هنري ميلر كان هنا .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي رمتني على ظهري ، سرعان ما صار فستانها الضيق عند خصرها، بطرف إصبعها أزاحت لباسها الداخلي قليلاً نحو اليمين واعتلت وتدي، كل ما كنت أفعله غير الإحساس بلزوجتها، وأظافرها المغروسة في جسدي،استراق النظر إلى الغيم العابر ، وتلك العصافير التي كانت تغط، تنقر وتطير .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كأني أحبكِ كما لا يمكن الوصف..‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
همستُ لها ليقشعر بدنها على شكل حبيبات صغيرة من أسفلها إلى أعلاها.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
كأني سأمنحكَ ما لاتستطيع تخيله...‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
همست لي ليقشعر بدني على شكل انتصاب عاجل مربك.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
وفي الطريق إلى البيت اشتريت لها علبة مزيل رائحة، والكثير من ألواح الشوكولا، ودمية على شكل دب ابيض، واشتريت لنفسي واقيات ذكرية بنكهة النعناع ليكون حرَّاقاً، وعلبة سجائر وكيس موالح، ومضيت أدوس بعنف على دواسة البنزين في سيارتي التي شهدت نومها على فخذي الأيمن، ويدي التي راحت تداعب رقبتها وتنحدر إلى أسفل ظهرها لتتحسس لباسها الداخلي الحريري الناعم .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كأنها استحَمت على عَجل، وكأني غسلت قدمي خوفاً من رائحتهما، وكأننا شربنا المزيد من الفودكا والبيرة الباردة قبل أن نمارس الجنس على الأريكة الضيقة لمرتين متتاليتين...كأنها نامت ، كأني نمت.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

صباحاً وقبل رحيلها لم تقل صباح الخير ولم أرسم قبلة على جبينها، وكأني نسيت أني أحبها كما يصعب الوصف، وكأنها نسيت أن تمنحني مالا أستطيع تخيله، وكأننا التقينا في اليوم الثاني ليدير كل واحد منهما وجهه إلى الجهة الثانية .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كراقصة باليه، أو كلاعبة شطرنج..‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
لا فرق لدي من أين استمدت هذا الجسد الذي كان يبعثر هدوئي.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
كلما مرت قربي على رؤوس أصابعها مات لي بيدق أو بيدقين...‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
أقول لها : أنت جميلة بما يكفي لحرب..... تبتسم ولا تفهم‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
أنا حزين بما يكفي لأستحقكِ.... تبتسم ولا تفهم‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
سأعطيكِ قلعتي وحصاني.... تبتسم ولا تفهم‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
وعند حافة الليل عندما يتقاسم الرجال النساء، لا أعرف من أين يأتيني ذلك الصوت الغامض..." كش ملك "‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

عزف العازف عزفه ومضى‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
غني المغني الضرير كل الأغنيات ومضى‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
والشاربون شربوا ما استطاعوا ومضوا‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
ولاعب البلياردو وضع كل الكرات في الثقب بضربة واحدة ومضى‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
النساء.. آه من النساء، وزَّعن ابتساماتهن وأجسادههن وأرقام هواتفهن ومضين‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
والشاعر الذي كان قربي أنهى مطلع قصيدته ومضى‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
والنادل قال سنغلق بعد دقيقة أودقيقتين‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بِعَضَّة لئيمة على كتفي، أعادت بنت الكلبة كل شيء كما كان، عازف ومغن ٍ، سكرجية، نساء آه من النساء،لاعب بيلياردو، شاعر بللته أمطار آسيا، ونادل قصير القامة. تأبطتني المرأة شراً، غَببت من رائحتها، طبعت حمرتها على خدي، تحسستُ لحمها‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
" وضحكنا ضحك طفلين معاً وعدونا فسبقنا ظلنا "‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

مالت عليّ ومِلتُ عليها‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
وتحدثنا عن أشياء سخيفة جداً، الوطن والحياة والدين والحداثة والكيل بمكيالين.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وفي بيتها المأزوم " سقتني أربعاً في أربع " " وطرقتُها حتى كلّ متنها " ولم أنتبه أبداً أن صوري تملأ جدران المنزل،وأن ثيابي في خزانتها وأن لي فرشاة أسنان ، وكتب ، وأحذية ، ودفتر شيكات، وفاتورة كهرباء ، وأن ثمة ولد يشبهني نائم في الغرفة المجاورة .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي صحوت في حضنها مذهولاً، كانت قد تجاوزت الخمسين بكثير، لملمتُ ثيابي ورحت ارتدي ما استطعت منها في طريقي إلى بابها الذي كان يحرسه كلب يزمجر بأنياب تقول : عد من حيث أتيت.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

المرأة التي صحت على مهلها، تثاءبت، ابتلعت بضعة حبوب مع كأس ماء، نهضت نحوي بجسدها النحيل المصفر... كنت رائعاً ياحبيبي، وبقوة غير متوقعة منها سحبتني إلى السرير الرخو، عالجتني بقبلة من فمها البارد وارتمت عليّ، في الوقت الذي كنت فيه " أغمض عينيّ باتساع " أناجي ربي بصفاء منقطع النظير أن يساعدني..... ولم يفعل .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بسرعة مفرطة كان علينا أن ننتهي.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
هكذا كأننا بدأنا قصتنا قبل النهاية بجملة واحدة .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بخمس دقائق وآه ... بتزامن نادر لذروتين لذيذتين مكتومتين، في تلك الزاوية الرخامية الباردة التي رفعتها إليها، ونظري مسمر على صورة لها ولرجل يمشيان " على جسر اللوزية ".‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بخفة أعادت فوطتها البيضاء المعطرة،رتبت جسدها المدعوك على عَجل كما كان منظماً مشدوداً نحو الأعلى كسارية، وهناك حيث كانت تمنح خدها لرجل يقبلها بين الثانية والثانية، أكلت كما ينبغي بالشوكة والسكين ومسحت فمي بخرقة بيضاء، وأجبت على كل الأسئلة حول الشعر والقصة وما قبل الحداثة، وآخر الليل انحنيت كرجل محترم للجميع وقبلت أيادي النساء، وتركت البيت مسرعاً، مسرعاً إلى حيث حمتني العتمة، استعدت أنفاسي، دخنت، وألقيت بضحكة مجلجلة في سكون ذلك الليل المريب.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كل النساء اللاتي أحببتهن يبكين آخر الليل، حتى أني اعتدت على ذلك، وغالباً ما كنت أغفو على صوت نحيبهن المتقطع .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وحدها هذه التي لا تجيد غير "الصخب والعنف" تمد لي ساقها آخر الليل لأقبلها، تجلس على صدري وتدنو من أنفاسي لأنهش من تلك الليونة الشيقة العطرة، تسحبني كجرو إلى الماء حيث تغسلني وتنشف فروي ، وتجبرني على الرقص قبل أن تسكب المزيد من الفودكا في تلك الكؤوس الكريستالية الصغيرة، تجعلني أقفز على السرير حتى ألامس السقف ، تختبئ في خزانة الملابس أو في درج المكتب .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

أربكني فرحها، وأحبت حزني، حتى أنها اعتادت على بكائي، وغالباًَ ما كانت تغفوا على صوت نحيبي المتقطع ، وتسألني دون جواب لماذا كل الرجال الذين أحببتهم يبكون آخر الليل.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

شيء ما سيحدث بعد قليل.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
هكذا كأن تسقط عليّ امرأة من سقف الغرفة على سبيل المثال، أو أن أفرك عضوي المغبر ليخرج منه مارد علاء الدين.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
حتماً سأطلب منه مدينة شبقة أحكمها بحد الأير.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
يا إلهي كم هو طويل ليلك، وكم يأخذني انتظار الأشياء التي ستحدث بعد قليل إلى أفكار مجنونة مؤرقة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

برفق شديد أوقظ هذه التي تشخر قربي منذ ساعتين، أداعبها، أهيئها، أخرج مصباحي السحري لأضيء به ظلمة أحشائها قبل أن أنام بعين واحدة ، لأرى بالأخرى ما سيحدث بعد قليل .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وكانت امرأة بساقين طويلتين وعش غراب.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

تقول أنها ورثت بشرتها الناعمة عن جدتها، واستدارة مؤخرتها عن أمها، وحمرة شفتيها عن عمتها، وعنفوان نهديها عن خالتها، وسحبة ساقيها عن عمة والدها، وسواد عانتها عن زوجة عمها، وروعة أصابعها عن ابنة خالتها، وزرقة عينيها عن البحر المجاور .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ولذلك كنت مجبراً كلما انتهيت من متعتي المؤلمة معها، أن أنهض عنها وأنحني لكل هؤلاء، ليعم تصفيق حاد، ومن ثم إظلام تدريجي .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

غرفتها المحاصرة التي لا تطل على شيء .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
سريرها الذي يحتل نصف المكان، والنصف الآخر فراغ، ثيابها القليلة المرمية هنا وهناك غالباً مايكون حذاؤها الوحيد مقلوباً على قفاه.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
وفي حمامها النظيف بادعاء، عشرات أنواع الصابون، وسوائل المضمضة، وقلم حمرة، وألبسة داخلية بألوان أكثر من فاقعة معلقة على الجدار، ومرآة مكسورة بضربة قوية في منتصفها.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لا أدري....كلما أغلقت خلفي بابها المملوء بعبارات بكل لغات الأرض، وأرقام هواتف وعناوين،أسمع صوت البحر، وأرى غابة، يشطرها نهر لقسمين، وطيور آمنة تبني أعشاشها في كل مكان، وأراها تجلس بيدها كتاب وعلى رأسها قبعة، وعلى ذلك العشب أفرشها، أو أتكيها على جذع شجرة، أو بشبق على شاطئ البحر، وأسمعها تقول الآه....ويكرر الصدى ما تقول.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لا أدري..... كلما غادرتها، بثيابي المبللة، المدموغة بخَضَار العشب، المحفوفة بجذوع الأشجار، أسمع همسات تسخر مني، وأصطدم برجال يحملون فؤوس، وشباك صيد، وجنود ببنادق وأسلاك شائكة، وزحام لا نهاية له، أُشعل سيجارة بدروة عامود كهرباء، وأمضي إلى حيث لا أحد إلا أنا والتلفاز .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

عارياً وعلى رؤوس أصابعي، أجتاز المسافة بين غرفتها ودورة المياه، هناك حيث سأنتظر لخمس دقائق قبل أن تخرج فتاة الغرفة المجاورة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏
أفاجئها بعضوي المهتز بين فخذي، تفاجئني بنهدين صغيرين نهايتهما حمراء فاقعة، تبتسم وأبتسم ، وقبل أن تبتعد أسحبها إلى الداخل ، أتكيها على المغسلة، وأراقب غبش المرآة من آهاتها المتصاعدة.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

عاريين وعلى رؤوس أصابعنا نعبر المسافة بين دورة المياه وغرفتينا، تندس قرب رجلها، أندس قرب امرأتي، نغفو وعلى وجهينا ابتسامة جميلة ماكرة .‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

جاثية حيث يفترض أن تكون.... تشمه كوردة ، تتحسسه كنعمة، تمرر أنفاسها عليه، وحين لا يستجيب معها..... تبكي.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بأصابعها العشرة تمسك رأسها منتشية، متشبعة بلذتها، بأصابعي العشرة أشد على كتفيها برغبة في تفتيت عظمها الهش الجميل.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

بأصابعها العشرة تشد بنطالها الضيق نحو الأعلى لتحشر فيه جسدها، بأصابعي الخمسة أحمل سيجارة وكأس صغيرة أفرغها في جوفي، وبالخمسة المتبقية أتحسس مكانها على نصف السرير الفارغ، ذلك الدفء الذي يضيع رويداً رويداً.‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

****‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في المدينة التي أعيش، كل شيء جاهز وسريع، نساء جميلات جاهزات لعلاقة حب عاصفة تبدأ وتنتهي عند إشارة المرور الحمراء، وحين تخضر أسرع على وقع أغنية هابطة إلى قصة حب عند الإشارة التالية

ليست هناك تعليقات: