المشاركات الشائعة

الخميس، 16 ديسمبر 2010

مقام البوح
قصص قصيرة جدا
غريب عسقلاني


1 - مذاق

مص ثديها الأيمن فخَبر طعم الوردة, ورضع الأيسر فغطس في خدر الشبع.. استحلب لسانها, فوضعت طفلا تجاوز مرحلة الرضاعة إلى الفطام في غمضة عين.

2- إشارة

رشقها بإشارة تعجب.. ضحكت وحثت الخطى, امتطى راحلة الوقت ولحق بها, ولحظة أصبح العقرب الطويل فوق العقرب القصير, صحا على رجفة مَن بلل منامته..
3 – والدهشة أيضا..

سألته عن الفرق بين المتعة واللذة.. وقبل أن يغطس في حيرة الإجابة أخذت شفتيه إلى فمها وقضمت طرف لسانه, فتعرف على المتعة واللذة والدهشة أيضا..
4- عتبة

أخذها عنوة, فانهدل ثدياها مثل قربتين فارغتين من حليب الشهوة.. رقد بين فخذيها صاغرا, فانفتحت له بوابات حدائقها.. أدرك سرها فصارت جارية تنتظره عند عتبة الدار.. وفي ليلة سألها:
- هل الحب شهوة؟
- بل هو الدرب إلى الشهوة.
وأشارت إلي أسفل سرتها, رأى برعما يتورد.. وأخذ المكان يعبق بشذى حديقة الرغبة.


5- توأمان مشاغبان

تفتح على صدرها برعمان.. قال الأول:
- ما أصعب الحصار وراء الستار..
- ندفع قشرة الثوب لنرى من هم في النور
أرهفت لوشوشتهما.. ضحكت, وقررت معاقبتهما, فشدت عليهما حمالة صدر ضيقة, قال الأول:
- يا لها من قاسية عاقبتنا بالعتمة حتى لا نحلم..
- هل تحرك فيك دبيب يشبه الخدر؟
- اصمت كي لا تنزل بنا عقوبة أشد..
ضحكت ودخلت الحمام.. تعرت أمام المرآة.. حملت البرعمين على كفيها وتساءلت, كيف تكورا وتفتحا في غفلة منها, وتساءلت عن سر دبيب غامض بات يراودها, ولم تكن جربته تعرفه من قبل..


6- وردة العاشق


عاشق, تمنى لو يهدي خطيبته وردة بيضاء في يوم عيد ميلادها, فلم يعثر في جيبه على شيكل واحد, فكتب لها قصيدة زرع فيها باقات الورود التي تحبها, لكنه لم يجد ورقة بيضاء يسطر عليها القصيدة, فكتبها على ورقة كلنكس أخذها من بائع الفلافل الطيب..
وفي الطريق تذكر حماته التي لا تمل من تذكيره بميعاد الفرح, فضربته قشعريرة الجوع.. سعل وبصق في الورقة.. بكى.. واصل الطريق وظل يبكي..
أخذته خطيبته إلى حضنها وربتت على ظهره, وهمست:
- ضربوكَ؟
- وكيف عرفتِ؟
فتحت طاقة صدرها, رأى قلبهاِ.. وشوشها بقصيدة طازجة تبرعمت بينهما للتو..


7– يرفع القبعة و..
قالت:
- لماذا ترتبك كلما يجمعنا المكان؟!
لم يخبرها، أنه مشغول باكتشاف مساحاتها, وقراءة تضاريسها, وإعداد الخطة لاقتحامها.. قالت:
- لنلتقي في مكان آخر أكثر ألفة.
وفي الموعد المحدد وجد نفسه في ذات المكان, ووجدها مع رجل آخر وكانا غارقين في الضحك..
وصار كلما التقى بها في مكان ما, يرفع القبعة ويمضي..
رطبة أنا .. وجسدك موسم قطافي ! رائده شلالفه


تأتيني
بما خفي من اشتهاءاتك
محملاً
بالبللِ والرعشة
فلمَ ينأى قطافك
عن .. أجاص احتراقي ؟!
* * * * *
تطاردك غزالاتي الطيّعات
ترتقب ذئبك المصلوب
على قارعة الخوف
فـ افتح كفيك
لـ تلملم ما تيّسر من نداي
رطبة أنا .. وجسدك موسم قطافي !

* * * * *
قلت لك
عابقة أنا برسمك الموعود
فـ خذني إليك
وصرّني ..
إذا جاء مساؤك
طوّقني بكرمتك
وأذيال كأسك
واعقد لي كما "باخوس" غواية صخبك
كي تتعتّق في .. فوضاي !
****
تمتلئ بقطرات عرقي الراشحة
فـ تثمل
وتمشي ملبيّا وقع خطاي
تتبع ملحي تارة
وحيناً آخر
تلعق مبتلاَ
ما تكّشف من نداي !
* * * * *
ها أنا أخرج منك
تاركة وراءي فاصلة ،
ما أعقلنا نحن .. حينما يقودنا طعم المذاق !!

* * * * *
لتمطر
بل .. امطر
سأفتح خاصرة شتائي لك .. ذات كستناء !! .
* * * * *

أكاد أشتَمك اللحظة..
ويصهل حتى الوجع خيلك
على مرمى غياباتي !!
*****
كم حلمت بأن اليً تجن ..
لتصوغ الخطايا خطاها على مفرداتي
أترانا حلمنا بالإثم كما ينبغي؟؟ .
و .. أخشى
أن تستفيق فراشاتك في عتمتي
فإذا بالضوءِ ليس ضوءك
ولا القنديل ..
قنديلي !
وأعود الى جنتك
لأعرّي لحظتي إليك
لتستكين فاجعة أشيائي
فتنز قطراتك المؤجلة..
في عدمي !!
يا لهذا الوعد المتكرر
الماجن
مثل البرد والمطر
وحدود النار !!
*****
نرجستك المشتهاة
تمطَت
بنفسجة على سريري ..
فلتشترني ببضع رعشات حزن .. وبقايا صدق
كي.. أقطف منك
دهشة حضوري !! .

* * * * *
إنه عطر السماء..
ينتظر كائنك السماوي ذات ارتحال !!
أي صهيل أختبئ فيك لتباغتني جامحا
كما جوعي إليك..
يقرأني بحرك سريرا عنفواناً لعوباً
يمتد إلى عرق أصابعك
لأحلم
بنثر فراشاتي بين يديك اليافعتين
كما خاصرتي
على مقربة من صهيلك
ذات جنون !!
يزمجر داخلي الان !!
صاخب نهمي إليك حد الوجع المشتهى
كائنك جائع
لا يعرف الارتواء
وأنا ..
مائدتك الأخيرة ..
لقمتك الأخيرة .. لعشاء .. شبه أخير !
أوكـتـافـيـو باز
قصائد
ت : جمـانـة سلّوم حـداد


خربشة

بقطعة من الفحم
بطبشورتي المكسورة وقلمي الاحمر
ارسم اسمكِ
اسم ثغركِ
علامة ساقيكِ
على جدار لا احد
على الباب الممنوع
انقش اسم جسدكِ
حتى ينزف نصل سكّيني
ويصرخ الحجر
ويتنفس الجدار كنهد.
* * *

حركة

اذا كنتِ فرس العنبر
انا درب الدماء
اذا كنت الثلج الاول
انا من يُشعل اتون الفجر
اذا كنتِ برج الليل
انا المسمار الحارق على جبينكِ
اذا كنتِ المدّ الصباحي
انا صرخة العصفور الاول
اذا كنتِ سلّة البرتقال
انا سكّين الشمس
اذا كنتِ المذبح الحجري
انا اليد المنتهِكة
اذا كنتِ الارض الممدّدة
انا القصب الاخضر
اذا كنتِ قفزة الريح
انا النار المدفونة
اذا كنتِ ثغر المياه
انا ثغر الطحالب
اذا كنتِ غابة الغيم
انا الفأس التي تشقّها
اذا كنتِ المدينة المدنّسة
انا المطر المكرّس
اذا كنتِ الجبل الاصفر
انا ذراعا العشب الحمراوان
اذا كنتِ الشمس الشارقة
انا درب الدماء.
* * *

لمس

يداي
تفتحان ستائر وجودكِ
تلبسانكِ عرياً آخر
تكتشفان اجساد جسدكِ
يداي
تخترعان جسداً آخر لجسدكِ.


ذهاب وإياب

اقع فيكِ بسقطة الموجة العمياء
جسدكِ يسندني مثل الموجة التي تولد من جديد
الريح تعصف خارجا وتجمع المياه:
كل الغابات شجرة واحدة.

المدينة تبحر وسط الليل
ارض وسماء ومد لا يكفّ
العناصر المتشابكة تنسج
ثوب نهار مجهول.
* * *
متكاملان

تبحثين في جسدي عن الجبل،
عن شمسه المدفونة في الغابة
ابحث في جسدكِ عن الزورق
التائه في وسط الليل.


عبر

اقلب صفحة النهار
اكتب ما تمليه عليّ
حركة اهدابكِ
* * *
ادخل فيكِ،
يا حقيقة الظلمات.
اريد وضوح الغامض،
واحتساء النبيذ الاسود:
خذي عينيّ وافقأيهما.
* * *
قطرةž من ليل
على رأس نهديكِ:
ألغاز القرنفلة.
* * *
اغمض عينيّ
وافتحهما في عينيكِ.
* * *
على سريره الرماني
متيقّظ دوما ورطب:
لسانكِ.
* * *
ثمة ينابيع
في حديقة شرايينكِ.
* * *
بقناع من دم
اجتاز افكارك البيضاء:
النسيان يرشدني
الى مقلب الحياة الآخر.
* * *
بعينين مغمضتين

تشعّين من الداخل
انت الحجر الاعمى
ليلة اثر ليلة انحتكِ
بعينين مغمضتين
انتِ الحجر الصادق
ونغدو هائلين
فقط لأننا تعارفنا
بعينين مغمضتين.
لأجلك خضبت شفتىَّ
جلاء الطيرى


هذا الجميل الذى يجلس على طاولته .... يرتشف قهوته الصباحية ويطالع الجريدة ..

حاولته على نظرة فلم يعرنى انتباها ... فيا أيها الحمقى أفسحوا مكانا له فى القلب ...

هذا الحلو دخل جدران القلب .. نظفه من حماقات الماضى علق صورته وأعلن حق الامتلاك ، بالأمس استباح منافذ حلمى ... ألبسنى غيمة وتدثر هو بالريح فأمطرت حبا على عبير وردة احتوتها طيات كتاب نزار استيقظت ،

طفلة أنا انضجنى الهوى ...

لأجله فككت ضفائرى والقيت بشريط الساتان الأحمر ، خضبت شفتى .. حذاء عال جدا لأجله فقط ارتدته قدماى ... لم افلح معه وأنا القارئة لكل شعر نزار .. بارادتى انزلق الكوب من يدى فتلون المفرش الأبيض ... وبإرادة منى أيضا اصطنعت الفزع ... المكان مكتظ جدا ..

استأذنت ذلك الجميل الذى يجلس على طاولة فى الجلوس بجانبه ..

ربما أفلحت هذه المرة ...

خلع نظارته الزجاجية وطوى صحيفته .. يا لجمال عينيه ! .. لابتسامته بريق الشمس .. نظر إلى شعرى المنسدل على كتفى ، وعلى سيقانى المختبئ نصفها أسفل الطاولة ... ربما أعجبه حذائى ذو الكعب العالى ... من الكاسيت يأتينى صوت " سيلين ديون " جميل جدا فيلم تيتانيك ...

هل شاهدته ؟

فاجأنى حينما قال : إنه لم يشاهده !!

هذا الرجل يفتقر إلى الرومانسية !!

سأعطيه دروسا فى الحب !!

ادهشنى حينما سألنى عن عمرى

هذا الساذج لا يعرف كيف يعامل النساء !!

لم أدر ماذا أقول ؟

زدت على عمرى خمس سنين وقلت :

عشرون !!

أعطيته وردة !!

نظر فى ساعته ،

أبقى الوردة على الطاولة ... واستأذن فى القيام ومضى ...

من البعيد رأيته يتأبط ذراع فتاة ربما كانت فى العشرين ، من الحقيبة أخرجت شريط الساتان الأحمر ، لملمت شعرى المنسدل على كتفى

ومضيت !!
رى تانهيل
العالم المتسع
ترجمة:
إيهاب عبد الحميد

رغم أن الكنيسة المسيحية كانت لا تزال على عهدها فى رفض كل من الجنس والمرأة بالقدر نفسه، بدأ القرن الثانى عشر يشهد بعض التغير. فالمرأة التى ظلت لعهد طويل صفرا على الشمال تحولت إلى "سيدة" نقية، بعيدة المنال، رمز للفضيلة، ومحل للإعجاب. كان ذلك أحد آثار لعبة "الحب النبيل" الذى تطور عن "الحب العذرى" لدى العرب، وكذا إحدى نتائج استيراد عقيدة "مريم العذراء" من بيزنطة. كان تغيرا شكليا فحسب، مع ذلك كانت له نتائج ثورية، خاصة وقد دعمه خطاب الكنائس الإصلاحية فى القرن السادس عشر بتأكيده على قيمة الأسرة، وأيضا الكشف العلمى فى القرن السادس عشر، الذى أكد أن منىّ الذكر – على عكس الاعتقاد الشائع منذ أيام أرسطو- ليس هو العنصر المحورى فى عملية التناسل. لم تعد المرأة إذن مجرد "حضّانة" لإنتاج الأطفال، وإنما أُمّا. أما القرن التاسع عشر فجاء ليدمج الأخلاقية والأمومية فى صورة جديدة للمرأة ظهرت فيها باعتبارها "ملاك المنزل"، وكانت النتائج السياسية لذلك مدهشة.

فى ذلك الوقت كانت أسبانيا قد قضت على اللواط فى أمريكا اللاتينية (وقيل إنه كانت منتشرا فيها كالوباء)، وعلى أرضها وطّنت عرقا أكثر صلابة تجرى فى عروقه دماء مختلطة. فيما كانت بريطانيا قد ضخت فى عروق الهند مجتمعا خلاسيا جديدا، مزعزعة فى الوقت نفسه دعائم الهندوسية حين وضعت تشريعات لحماية المرأة. أما الأمريكان البيض فكانوا قد بدءوا فى التحول عن انحيازاتهم الثقافية القديمة، إلى انحيازات أخرى قائمة على التفرقة على أساس لون البشرة، وشرعوا فى سن قوانين ضد الحب.

10- أوروبا من 1100 إلى 1550

"سيدى النبيل، أيهما تفضّل، أن يتحدث الناس بالسوء عن حرمكم ثم يتبين لكم نقاء معدنها؟ أم أن يتحدثوا عنها بالحسنى ويتضح لكم خبثها؟" فى فرنسا القرن الرابع عشر كانت الإجابة الصحيحة على هذا السؤال الإشكالى هو "أفضّل أن أسمع عنها حديثا طيبا وأعرف أنها ليست كذلك."

قبل مائتى عام من ذلك التاريخ، كانت هذه الإجابة لتدهش السائل- بل وتصيبه بالذهول- فما من فارس صليبى يحترم نفسه كان ليضع سمعة امرأته وصورتها أمام الناس فوق راحته النفسية. مع ذلك فإن الحملات الصليبية نفسها، التى تداخلت فيها غوايات الحرب والدين والسلب والنهب بطريقة لا يمكن مقاومتها، ساعدت ضمنا فى تحويل امرأة عصر الجلافة إلى "سيدة" عصر الفروسية.

كانت الفترة المحصورة بين بداية القرن الثانى عشر وأواخر القرن السادس عشر فترة مهمة فى تاريخ النساء، بل ربما كانت الأهم منذ العصر الحجرى الحديث، رغم أنهن فى نهايتها لم يتمتعن بالمزيد من الحقوق القانونية أو المالية أو الجسدية مقارنة ببدايتها. الاختلاف الوحيد الملموس طرأ على صورتهن. ففى بداية تلك الفترة كن محلا للازدراء، ليس فقط من قِبل الرجال، وإنما غالبا من جانبهن أنفسهن. أما فى نهاية تلك الفترة فقد اكتسبن الاحترام، بل والإعجاب. ربما لا يرقى الأمر لمستوى الثورة، لكن ذلك الانقلاب فى صورتهن فتح الباب أمام كل التغيرات التالية، مع الوضع فى الاعتبار أن التكيف النفسى والجينى لأولئك النسوة قد احتاج– بعد أكثر من خمسة آلاف عام من الدونية- إلى عدة مئات أخرى من السنوات قبل أن يظهر فى أكثر صوره راديكالية، بل إن ذلك التكيف– بالطبع- لم يكتمل حتى الآن.

اليوم، أصبحت الصورة مجرد بضاعة يمكن شراؤها من على الرف فى محلات "ماديسون أفينيو"•، وأصبح الجمال منتَجا من صنع الكمبيوتر، لا تبدعه الصدفة بقدر ما تنظمه المعادلات الرياضية. لكن ما هكذا تحقق التغير فى صورة المرأة، وإنما جاء هذا التغير كنتيجة عَرَضية لسلسلة متتالية من الأحداث التى ربما كانت– كل على حدة- بلا أى تأثير على الإطلاق. ربما كان ذلك التغير ملحوظا وقتها، لكن الأكيد أن مضاعفاته المستقبلية لم تكن فى الحسبان. واقع الأمر أن الرجل وقع فى نفس الخطأ الذى ارتكبته امرأة العصر الحجرى الحديث عندما لم تنتبه إلى تزايد اعتزازه بنفسه. فى تلك المرة، كان عقل الرجل هو المشغول بسموه الروحى، وقد غض الطرف عن تصاعد إحساسها بأهميتها لأنه ظن (إذا كان قد فكر فى الموضوع أصلا) أن هذا موضوع لا قيمة له. ولأسباب محددة جدا قام بتحويل "السيدة" إلى رمز للفضيلة، ولم يدرك أن الزمن سيدور، وسيكون عليه أن يعترف بوضعها الجديد، بل وأن يتخذ إجراءات عملية لتأسيس ذلك الوضع.

إن النظريات التى وُضعت حول العلاقة بين الرجل والمرأة فى العصور الوسطى كثيرة، ربما بعدد المؤرخين أنفسهم، ومن الصعب أن نقتفى أثر الخطوات التى سلكتها المرأة تحديدا كى يُسمح لها بالانضمام إلى الجنس البشرى. إن القصة هنا تتحرك فى نطاق التفاعلات الكيميائية الشخصية. كما تتحرك فى فترة تضافرت فيها عناصر معينة من الأدب والحياة بدرجة يبدو إدراكها مستحيلا بعد مرور قرون عدة. لكن توما الإكوينى ، وبيير فيدال ، وشيرتيين دى ترويز لم يكونوا ممثلين للحياة اليومية فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر أكثر من مارشال مكلوهان ، وفريق "ذا هو" وروزمارى روجرز فى القرن العشرين•. كان "الحب النبيل" هو التيمة الأهم فى أدبيات أواخر العصور الوسطى، كما كان التيمة الأهم أيضا فى حياة الطبقة العليا. لكن أحدا لا يعرف درجة التواؤم بين الاثنين.

إن كثيرا من العوامل التى ساعدت على تحويل "المرأة" إلى "سيدة" مايزال مجهولا، لكن بعضها يطل برأسه. وأحد تلك العوامل- دون جدال- هو خبرة الحملات الصليبية التى ساعدت على نضج المجتمع، فوفقا للتقديرات الحديثة انطلق نصف فرسان فرنسا إلى "الأرض المقدسة" أو إلى شمال أسبانيا فى حملات صليبية عامة أو خاصة على مدار الأعوام الثلاثين التى أعقبت عام 1097، وبعد بداية بطيئة نسبيا سارعت كل من انجلترا وألمانيا• إلى تصدير المتحمسين من مواطنيها إلى الحرب بأعداد كبيرة. وأولئك الذين وصلوا إلى الشام– بل حتى من لم تتجاوز أرجلهم أسبانيا أو صقلية- دارت رؤوسهم بما شهدوه من غرابة الإسلام، الذى كان– حتى فى فترات اضطرابه- لا يزال أكثر تقدما بكثير، وأكثر تحضرا بكثير من أى شىء رآه بارونات الغرب الأجلاف فى حياتهم. وحدها الحملة الصليبية الأولى حققت نجاحا باهرا. لكن محاربى الميليشيات الكنسية واجهوا صدمة حضارية، وعادوا إلى الوطن جالبين معهم غنائم عقلية لم يدركوها. لم يكن هناك أعظم من نظرة جديدة للحياة؛ لم يتجاوز الأمر حفنة من الأفكار والانطباعات وزيادة فى الوعى والقدرة على تقبل الجديد، لكنه كان كافيا ليجعلهم أكثر قابلية للتغيرات التى كانت قد بدأت تظهر بالفعل فى أوروبا.

فيما كان المحاربون الصليبيون يرون الحضارة الإسلامية رأى العين، كان الرجال الذين ظلوا فى أوطانهم – سواء لكبر أعمارهم أو لحداثة سنهم، لرقتهم وحساسيتهم، أو لأنهم لم يصدقوا الأهداف المعلنة للحملات- يجدون متعة جديدة فى إعادة اكتشاف علوم العالم الكلاسيكى وحكمته– بمساعدة أعمال العلماء المسلمين- بطرائقه القديمة الجديدة، بفلسفته القديمة الجديدة، بالعقيدة الإنسانية المشروطة التى أدركها الإغريق وغابت عن أذهان الرومان. وقد وصلهم كل ذلك بعد المرور من فلتر أسبانيا الإسلامية بمزيجها الثقافى، التى كانت صاحبة الفضل أيضا فى توصيل أشكال أدبية أصبح لها فيما بعد أثر مباشر على وضع المرأة فى أوروبا.

إن غياب الكثير من أفراد المجتمع الأقل تسامحا، وحضور أولئك الذين كانوا يمرون بعملية اكتشاف أفكار جديدة قائمة على التسامح والعقلانية، شكّلا فرصة ذهبية لنساء الطبقة العليا. حتى نهاية القرن الحادى عشر كان هؤلاء النسوة يعتمدن اعتمادا كاملا على آبائهن وأزواجهن وأبنائهن. بل إن إصرار الله على محاسبة آبائهن وأزواجهن عن أفعالهن كان يعنى أن الله نفسه ينظر إليهن باعتبارهن كائنات غير مسئولة. لكن فى فترة الحملات الصليبية وجدت كثير من الزوجات أنفسهن– بحكم الضرورة- مسئولات عن أراضى وبيوت أزواجهن، وسرعان ما تبين لهن أن إدارة الضياع والضرائب والأعشار، وبَعد ذلك السياسة، لم تكن أمورا كهنوتية مثلما كن يُلقّنّ دائما. كما تكشفت لهن أيضا مباهج الصحبة عندما كن يذهبن لعرض مشاكلهن فى ساحات العدالة- بلاط الدوق أو الملك- التى كانت أيضا مراكز المجتمع المعاصر، ومحافل الموضات والمواهب والنميمة والمؤامرات. ورغم أننا لا يمكن أن نقول إن الكنيسة قد شجعتهن على تلك الأنشطة، فقد ساعدت بالتأكيد فى إقرار أوضاعهن القانونية. فرجل القرن الحادى عشر الذى كان يملّ من زوجته كان يسهل عليه هجرانها، ولكن عندما وصلت قوانين الزواج إلى أيدى المحاكم الإكليريكية– التى كانت تحتقر الطلاق أكثر من احتقارها للزواج- توقفت تلك الممارسات على الفور•. كذلك كان ثمة توجه آخر أثّر فى ذلك الوقت على موقف كل من الكنيسة والرجال. ففى بيزنطة، كانت "مريم العذراء" لزمن طويل موضعا للتقديس، وكانت العقيدة التى تحمل اسمها قد عادت إلى أوروبا مع الحجاج والمحاربين الصليبيين والتجار فى أوائل القرن الثانى عشر. لقرون طويلة ساوت الكنيسة الغربية بين المرأة وحواء، التى كانت مهندسة سقوط الرجل من الجنة، وعندما حلت "مريم العذراء" فى النهاية محل حواء فى القرن الرابع عشر، كان فى ذلك أيما نفع للمرأة.

لقد تضافرت معظم تلك التأثيرات- فى أوقات مختلفة- فى تلك اللعبة غير التقليدية التى تطورت خلال النصف الأول من القرن الثانى عشر، لعبة الحب النبيل ، التى بدأت كتقليد أدبى، لكنها سرعان ما انتقلت إلى عالم الحقيقة: الحالة الكلاسيكية التى تصبح فيها الحياة تقليدا للفن. لقد كان الحب النبيل قائما على التوافق الطبقى، كان نوعا من اللهو، من المشاعر التى نراها فى مسلسلات الحب التلفزيونية الحديثة، ضربا من العلاقات المثالية بين سيدة ذات حسب ونسب، وفارس رومانسى، حلم يقظة جميل يكسر رتابة الساعات البطيئة. مع ذلك فقد قدم نمطا جديدا من السلوك أصبح له أثر مباشر وقوى على أوضاع النساء.
[/align]

________________________
الهوامش
• ماديسون أفينيو: ارتبط اسم تلك المنطقة بمنهاتن- نيويورك بصناعة الإعلان فى الولايات المتحدة. (المترجم)

• القديس توما الإكوينى (عالم لاهوت وفيلسوف)، بيير فيدال (شاعر/طروبادور)، شريتيين دى ترويز (شاعر)، مارشال مكلوهان (ناقد وفيلسوف)، ذا هو (فريق روك إنجليزى)، روزمارى روجرز (كاتبة روايات الرومانس)، والمقصود من هذه المقارنة أن النماذج التى تقتطفها الكاتبة من كل عصر، لا تمثل بالضرورة وجهة النظر السائدة فى ذلك العصر، بقدر ما تمثل بدايات لأنماط معينة من التفكير. (المترجم)
• بحلول الحملة الصليبية الثالثة كان يجرى تصوير "المتمارضين" وهم يحملون المغزل والصوف– المقابل للريشة البيضاء فى العصور الوسطى- كنوع من التلميح على أن كل من يرفض المشاركة فى الحملة سوف ينحط إلى مستوى النساء، وستصبح وظيفته مثل وظيفتهن. لكن ذلك لم يكن عدلا بالنسبة للنساء، فقد شارك عدد كبير منهن– قيل إن من بينهن آلاف المومسات- فى تلك الحملات.
• باستثناء قضايا الأزواج الأثرياء بالطبع، حيث يصبح الزواج والطلاق مثل فيشات رهان دينية وسياسية.

ابراهيم فرغلي
ما يراه النهد


على جسر خشبي عتيق مطل على ضفة مياه ضحلة، تسبح قريبا منه سبع بطات، جاءت تلك الفتاة عارية كما حلم جميل، عشرينية خمرية، رشيقة، متصالحة مع الجسد النضر، أولت ظهرها للبحيرة المعشوشبة، واستلقت على ألواح الخشب التي تشكل جسد الجسر

وبهذا منحت جسدها للشمس، وتوجه نهداها يتاملان السماء بعيني الحلمتين، الحوراوين، إذ تنظر كل حلمة إلى جهة، فاكتست السماء بازرق ساطع وتخلصت من أي حجب

لم يكن يعنيني سوى الإنصات إلى الحوار الهامس بين لسان النار والشمس وغزل السماء للنهدين

كنت أريد أن أسال النهد عما يراه بعينيه في السماء

من بين أعشاب البحيرة اعتبرت مهمة الصيد التي جئت لأجلها انتهت، وخلعت ما أرتديته والقيت نفسي، بحذر، في المياه الباردة، وسبحت ببطء باتجاه الجسر، كأنني مجذوب بفعل نداء باطني غامض
نهى محمود
عشيق

هل يمكن أن أكون عشيقة رجل لا أريد منه إلا أن يحضني في مكان مغلق؟
-من رواية برهان العسل سلوى النعيمي


العالم الذي جاء لحظة اختفاءك بدا للوهلة الأولى مريحا مسطحا بلا أبعاد ثلاثية ، بلا جبال ولا مرتفعات ترهق قلبي في تسلقها وتذكرني بأن التدخين أثر على قدرتي في حبس الهواء داخل رئتي.

الفقد الأول جاء من بداية ممارستي للعالم .
الكتاب الأول الجديد الذي أقرأه بعد أن دفعتك خارج بوابة عالمي كان سيمتعنا الحديث عنه " رواية إيروتيكية " رواية سلوى النعيمي –برهان العسل-
في الرواية العسل هو سائل المرأة
في الرواية - برهان العسل هو العسل نفسه- كما يقول ابن عربي

النصوص الموحية تسرسب لي طاقة الكتابة ... تثير قدرتي على استدعاء الأفكار
الكتب الإيروتيكية أو التي استقبلتها أنا بدلالات ايروتيكية
حسية العالم الذي عرفته بسبب مشاعري نحوك
كميائي المتهيجة في دائرة طاقتك
تعاتبني صديقتي منذ أيام أني صرت ألوح بكلمة " جنس " في حديثي المعلن
أقولها هكذا عندما أتحدث عنه
أفكر بعد ان انهي محادثتي الهاتفية معها / هل له اسما آخر
الحب يقولها البعض هكذا – ممارسة الحب

ابتسم وأنا أطلب من أحمد الذي يعمل بدار ميريت كتابيّ قصة الجنس
لأني اتذكر صديقتي التي توبخني لأني صرت أقول الكلمة هكذا
قلت له وأنا أقف أمامه وكأني اشتري برطمان نيسكافيه من السوبر ماركت
كتاب الجنس الذي ترجمه ايهاب عبد الحميد.. أظنني اضفت اسم المترجم لأجعل الكلمة الواقفة بلباسها الداخلي ترتدي بنطلون بيجاميه ، ومع ذلك الكلمة تبقى باللباس واقفه هكذا بلا حياء
أسمع أصدائها في روحي " كتاب الجنس"

انتبه لأني قلت كتاب الجنس فأعدل من وضعية الكلمة داخل الجملة " كتاب قصة الجنس " يا أحمد
لكني انتبه ان أحمد لم يعد أمامي اصلا وانه ذهب ليحضر لي الكتابين ومعهما كتب أخرى طلبتها

أكرر الآن كلمة – جنس- أضيف لها من باب الوقار وربما التلاعب
جنس بشري ، جنس أدبي
ابتسم وانا أتذكر صديقتي وفمك وتفاصيل جسدي الطري وهي متحررة في برنس الحمام القصير المغوي .
أتذكر كل ذلك وأنهى قراءة "برهان العسل" التي تملئني بحالة غريبة تشبه تلك التي سكنتني بعد قراءة رواية " الوله التركي " لأنطونيو جالا

هل يضعني مثل هذا النوع من الأدب وجها لوجه مع انحرافات مزاجي ، مع رؤيتي العميقة للجسد والجنس وكأنهما المحرك الوحيد الذي يقودنا في عالم السعادة.

هوسي بالسعادة ... رغبتي المخلصة القاسية في الفرح هي ما يورطني في التملص من البشر والقيود ، وتضعني أمام عري جسدي الملفوف في بورنس الحمام الذي اقضي فيه وقتا أطول مما أخترع لأجله .
أرتديه بعد الحمام وقبله ، أجلس به على طرف فراشي أتحسس فنجان قهوتي وارشف منه باستمتاع يشبه عناقنا .يشبه رغبتي فيك ، ورغبة جسدي في ملامسة روحك المتدثرة بعيدا في أعماق كهفك الذكوري .

في رواية " الوله التركي" لم يكن هناك غير جسدها ويمام بطلها الأسطوري الذي صنعته رغبتها واحتياجها ،والكمياء القاسية التي تشبه سريان اشد أنواع المخدر فتكا للجهاز العصبي
هي ترغب فيه طوال الوقت تمارس الكون لتلتئم به في الفراش
هذا هو الفعل الأساسي ... كل ما عدا ذلك جنون
ممارسات عبثية للبين بين
للزيف والنفاق والإلتزامات
في الفراش مع يمام / معك
يتجلى العالم كما تحبه ... تنحسر ألعاب الظلال ، وتبقى تفاصيل الجسد والروح وصوت النشوة ونحيب الوجع الممتع .
تكره النساء رواية " انطونيو جالا" تلك لأن نموذج المرآه التي تقدمه يبدو شاذا مريبا ... معلنا عن تواطأ مع قهر الرجل واستعباده لأنثى بما يمنحها في الفراش
أجل يعلن جالا ذلك صريحا في روايته لأنه لم يتكلف مشقه تعلم أحدهما لغة الآخر
ليس بينهما لغة / حوار
يتحدثان بكلمات مجمعة ضعيفة من خلالها يأمرها بفعل كل ما يريد
تهرب لأجله المخدرات في السجاجيد / تنام مع رجال أخرين كرشوة جنسية يدفعها هو لتسيير أعماله / تخضع لقابله حقيرة .. تفتح لها قدميها لتسلبها اطفالها منه واحدا تلو الآخر / تقابل حتى عشيقته الجديدة وتقبل أن تمارس جنسا ثلاثيا معها لترضيه هو / انت
يمام الذي يستنفذ ألعابه كلها في جسدها وروحها دون ان ينطق بكلمة ... دون أن يكون هناك حوارا مشتركا
هي التي تقطع صلاتها بالعالم وأصدقائها وبلدها وزوجها وبيتها لأجله وتجئ لعالمه
هي التي تنتحر وتغادر العالم عندما يطلب منها ان تغادر البيت لان عشيقته الجديدة قادمة .

كيف تحب النساء رواية كهذه !
الرجال ايضا يكرهونها
هل لأنهم لم يعرفوا ابدا ان يكونوا ذلك اليمام ، أم لأنهم لم يقابلوا إمرأة تقدم هذه الفروض من العبادة ، ام لأنهم يتظاهرون بالتحضر ، ويهذون بكلمات تجذب دفة الحياة بعيدا عن الجسد والكمياء والفراش
لا اعرف غير اني أحببت هذه الرواية جدا ...
رغم انها كابوس خاص بي، هل ينتظرني نفس المصير في حبك
هل ستلعب بي كل الالعاب التي تعرفها ونخترعها سويا ثم تغادر!
أنت لست هنا اصلا ، يمام لم يكن هناك ابدا .
أحمد الفيتوري
هي امرأة.


هي في أفقي تسرح كفرس حرون، عند البحر تتحول إلي زبد وعند الشاطيء قهوة محمصة علي نار لهفتي.
تأخذ جسدي وتحوله الي قارب سكران وتطير روحي في سماء ابطها، تحط روحي أسيرة نهدها الشارد عن أخيه في كفها الحنائي، هي تجتاحني كرائحة القهوة في يوم صائم ومن فمي تولد شهوتها الصبية
لنزقة تؤم نهدها.
حمامة مغموسة في سماء ملبدة بغيوم اشتهائي تطير عني، أردافها تشق عنان التوق الذي تدلق عليه من شفتيها بسمة شمس شبقة.
هي امرأة منزوعة من لطافة القرنفل ومضافة إلي قهوة الصباح ، عسلها يندس في فمي ويذوب كشهوة من حليب قهوة المساء.
هذه المرأة تعيد التقاط تبعثري في حقل حنطتها لتشكل شغفي بها ثوبا يعري بدنها من خجل يكبله، هذه المرأة تخلب ظل الغابة الكثيف وفي ليونة لبوة تحوط شغفي بها، تنزعني من تردد المتوثب وترمي بي في ساحتها أعزل، مدججة ببدن الحنطة تعجن توقي في خلائط رغائبها ثم تنام عني.
دعها نائمة ليس لك مستطاع، الفتنة فيها، أنت مفتون بفتنها، دع فتنتها، انها نائمة عنك ، النهد وأخيه يسبحان عنك في وسن أما بدنها فيسبح في نوم رغائبه، عسلها عسل نومها حارق فلا توقظ فتنتها .
قهوتها توقظ حواس المغلوب فيك أما عسلها عسل الملكة؛ تشتهيك من شفتها قبلة الموت ، قبلها لم تكن حيا كي تموت.
ألود من لطافة بدنها بشفافية شفتيها وفي ظل غابتها أتبدد كالرحيق.
هي امرأة تكتفي من النساء بطغيان انوثتها .
هي امرأة معجونة من عسل النار وزبد الماء
معجونة من شغف القرنفل المحروق اللون ومن اللوز الأخضر المخلوط بنبيذ أبيض
هي من تكتفي بنفسها تغط كقطة في حضن رهافة بدنها ، يقظة حريرها تشدك اليها ،
خذها اليك بقوة هي كتابك، كتب عليك:
في وسنها توقظ حواسك وفي يقظتها تخلب شغافك،
كتب عليك أنك لست بقارئ وأن رموزها ما بمستطاعك فكها، وأنها فاكهة الغموض، وعقدة لسانك سر بدنها المصبوب في مخيالك ،والمتخلل جسدك جسدها عسل النار زبدة الماء فلن تنفك تخلب لبك وتتخبل في قيرها من نهدها إلي أخمس بدن شهوتها.
هي امرأة لوذعتها كلمسة النار التي تستعير الدفء منها، وأنت.. أنت من لوذعتها تجنح من عسل النار؛ لائذا منها إلي زبد الماء بدنها.
البحر يضحك ساعة يطل جسدها الضحوك ومن شغف يداهم شاطئه، الشاطيء المغلوب علي أمره يرتد عن البحر كي تطلع طلتها ،
هي امرأة تطل علي البحر لتؤجج اللهفة وكملهوف أشدها عن البحر ، ليضحك البحر
أشدها الي الشاطيء كي تنتصب رهافتها قامة من برونز الشمس في مكنة يدي ،
كأن ليس من عاصم غير يدي ،
كأن ليس من عاصم من تلاطم موج رغائبها بين الشاطيء والبح، كأن ليس من عاصم من هياج رغائبي، شغفي ينسكب غضبا مجتاحا ضحك البحر،
أشد قامة برونز الشمس وأهزها يتساقط رطبها وبقوة أخذ رطبها عن الشاطيء، ينحسر البحر في حسرة وأجني من بدن معجون من تمر ما أشتهي وما لا يخطر ببال.
هي امرأة كما لا يخطر ببال
امرأة من جنة ومن ناس معجونة من رقة النمرة وخشونة النعناع ومن زعتر الوعورة ومن جفلة الغزالة ومن لهفة الفراشة ومن حشوة لهفتي واتقاد شغفي بها هي امرأة.
عسل النار.. زبد الماء
البحر يرتدي قماشته الزرقاء ثم يغمر ساقيها ببياض، ذات الساقين تنسكب فيه كالكاكاو المحمر خجلا ،و من فيض ساقيها يتلبسه اللازورد ، البحر يضحك جذلانا من خجل ذات الساقين الكاكاوية، ذات الساقين المحمرة خجلا تنزع قشرة ارتيابها وتحضن البحر ، البحر الذي تباغثه ذات الساقين التي نزعت قشرة ارتيابها يهتاج ومن بين ساقيها ينزلق موجه مدلكا زبده الابيض بدن ذات الساقين الكاكاو .
عند الشاطيء ارتشف الحليب بالكاكاو .
عند الشاطيء الغار المخضوضر يتوج المشهد
عند الشاطيء الطين يمنح لونه المشهد
عند الشاطيء المرأة التي ترقب المشهد تنزع ثيابها وتحضن البحر
المرأة التي حضنت البحر هي ذاتها ذات الساقين الكاكاو
المرأة عجنت جسدها من طين الشاطيء الأحمر ومن زبد البحر الأبيض الذي توجه الغار المخضوضر .
كان بحر توكرة يتدلع في حضرة انوثة صاخبة ومبتهجة بانوثتها.
بدأ أن البحر يستعيد مشهدا : هذه المرأة من بلاد افروديت
بدأ الشاطيء يستعيد المشهد: هذه المرأة من بلاد تانيت .
كنت عند الشاطيء احتسي كوب الكاكاو بالحليب
كنت أرتشف بتؤدة البدن الطوارقي الذي فغر فاه البحر وخلط موجه وزرع في الشاطيء هياج الريبة، الريبة ربيبة الرغبة المحبوسة والبحر يشد عنان الشاطيء الشبق.
المرأة التي في البحر عند الشاطيء مذهولة ترى عراكا بين البحر وشاطئه بين الشاطيء وبحره ،
لم تخمن سببا للعراك ،
اشغلتها عن ذهولها برشفة من فنجانها المخلوط بسكر رغائبها الطليقة
البحر ارتدي قماشة الفجيعة فالمرأة ذات الساقين الكاكاو تنزاح إلي الشاطيء
الشاطيء غمر سريرته بخيوط من ذهب استعارها من الشمس مانحة الدفء من برودة البحر،
المرأة الكاكاو فرجت ساقيها ؛ ساق عند البحر ساق عند الشاطيء ، الشمس غمرتها بغطاء الدفء لكن ريحا شمالية بعث بها البحر غمر بدن ذات الساقين الكاكاو بالبرودة
حضنت البدن المعجون من زبد ماء بلاد افروديت وعسل نار بلاد تانيت، دفئته بتؤدة وحين غمرته بمهلي فاض عسل النار وذابت زبدة الماء.
الجبل يتنازل عن عرشه عند طلميثة والبحر خاشعا يندس تحت قدمي الجبل، الغابة تطلع من حضن الجبل؛ فرش مخضر يميل للاسود تكون عند الشاطيء، الغابة مسكونة بحفيف الصمت ثمة امرأة من بدن معجون من عسل النار وزبدة الماء- تطل .
في متحف طلميثة أجساد اندست في مرمر من اسلاف هذه المرأة، الأجساد المرمر تحتفي بالحفيدة ذات الساقين الكاكاو، وبين شجر الغابة تتشاجر أخيلة بنات تانيت كي تنفرد احداهن بحناء الحفيدة ذات البدن الحنائي .
المجد لإيروس
أحمد عبد السادة

لم يشمّر شرقنا القاحل عن ذراعيه لابادة قيمة ما مثلما شمّر عن ذراعيه لابادة قيمة اللذة الجنسية للجسد، وتلك الابادة الماحقة يتأتى سببها الرئيس من أسس ذكورية صحراوية لا تمت للمنطق بأية قرابة.. أسس تُختزل في وصاية غريبة ومجرمة لجسد ما على جسد آخر.

من الطبيعي القول بأنّ من أشنع وأغرب الافكار التي أنتجها ذلك الشرق - بكل منظوماته القبلية والدينية والسياسية - هو أن يملكَ جسد معين حق الوصاية المستجلب لحق (الفيتو) على الفعاليات الجنسية - بما تملكه من حرية بديهية - لجسد معين آخر تحت مسميات وذرائع شتى تأخذ قوتها العملاقة والكثة من طوافها حول مفاهيم ساذجة وقاتلة ، مفاهيم فحولية بدائية أرتكبت باسمها الكثير من الجرائم الوحشية - على الصعيدين المادي والنفسي - ضد الجسد الانسانيّ وخاصة جسد المرأة .

يريد الحراس الموتورون لهذه المفاهيم - بسذاجة ظلامية وظالمة - أن يسطحوا ويقزموا التكوين العظيم للذة الجنسية بربطه قسرياً- بصورة او بأخرى - بكلمات مثل (الخطيئة ) و(النجاسة ) و(العيب) و(التعفف) وغيرها من الكلمات المقيتة الحاملة لدلالات ذليلة ، وهم بذلك يجاهدون - أيّ هؤلاء الحراس - في سبيل أن يقننوا ويجمدوا الطبيعة البشرية حسب مقاساتهم القبلية والدينية الخانقة التي لا ترى أبعد من كرش أنانيتها المستبدة.

إنّ الجسد الذي يحمل صخرة آلامه وبذور فنائه لوحده من دون شريك له في حمله هذا يصبح له الحق المطلق في أن يقطفَ لذاته وفي مقدمتها اللذة الجنسية.

إنّ حرية الجسد تكمن في كونه مسؤولاً عن نفسه.. عن كل النتائج السلبية والايجابية المترتبة جراء وجوده فالوجه الثاني لعملة الحرية هو المسؤولية كما يقول برناردشو.

الحرية تحتمها المسؤولية.. أي بمعنى أنّ كوني مسؤولاً عن ألم جسدي يجعلني سلطاناً وحيداً على لذته... مقرراً وحيداً لمسارات حرية تلك اللذة بشرط عدم التجاوز على حرية الآخر.

تلك هي الحقيقة البديهية التي لم يفلح شرقنا (سليل الحضارات!!) في حسمها إلى الآن، والتي سنموت من دون أن نشهد اثباتها وثباتها.

إنّ الأزمة الأولى والكبرى لرقعة الشرق الجغرافية التي نعيش عليها هي أزمة تصلب مفاهيم موروثة، فلو وضع أسلافنا مفاهيم نقيضة عن الجنس وعلاقته القسرية بمفهوم الشرف، لتقبلنا هذه المفاهيم ببساطة وهذا يؤكد بأننا مستقبلو ومستهلكو مفاهيم مكرسة سلفاً ولسنا خالقي مفاهيم كما يجب أن نكون.

لقد أدى تصلب المفاهيم الموروثة عندنا إلى فقر فادح في الثقافة الجنسية لدرجة أن العديد من الرجال - حسب قول الدكتورة نوال السعداوي - يعيشون ويموتون من دون أن يوصلوا زوجاتهم معهم إلى الذروة الجنسية (الاورجازم) لانهم لا يعرفون خصوصية جسد المرأة وطاقاته الخفية.

بسبب المحرمات والتابوات الكثة تقف الآن في مجتمعنا قارة من الغربة بين جسد الرجل وجسد المرأة، وهذه القارة كفيلة ببقاء وديمومة الكثير من العلاقات الجنسية الناقصة والمنذورة للتلكؤ والتصدع والانهيار.

في الحقيقة إن الإحجام عن تكريس ثقافة جنسية - لأسباب نعرفها جميعاً- من شأنه أن يؤبد تلك المفاهيم الخلفية ما يؤدي إلى استمرارية انتاج كائنات بشرية مهزوزة وخائفة من الحياة لأنها لا تعرف الحياة، فالمعرفة - كما يراها ماركس- هي السيطرة.

لا شك أنّ الحديث عن الجنس يغري بفتح الكثير من الآفاق الشهية للاسترسال الساخن..الجنس ذلك التصوّف المتحقق بشبقية الجسد الشاهقة.. ذلك الحنين لأعمق خفقة في قلب الكون.. الجنس ذلك الإكمال المؤقت لنقص صريح ومباشر في الجسد.. الجنس ألذ رحلة في الزمان وأجمل زيٍّ يمكن أن يرتديه المكان.

على المثقفين العراقيين ان يسعوا لتكريس خطاب ثقافيّ ايجابيّ متقدم يسعى لإنتاج مفاهيم إيجابية جديدة تطمح الى تقويض المفاهيم القديمة الرثة غير الصالحة سوى للموت، كما يسعى لتشخيص ظاهرة أزمة الحرية الجنسية في مجتمعنا واقتراح الحلول لها وإضاءة ألوهية الجنس بمقالاتٍ منقبة مراجعة أو بنصوص أدبية وذلك من أجل اعادة أمجاد الإله ( إيروس) المكبلة بقرون الظلام والتحجّر ومن اجل رد الإعتبار لتاريخ أجسادنا الذي زحفت عليه وسمّمته مغارات الصحراء بكلّ راياتها العنيفة وبكلّ عقم وبلادة تعاليمها.

لقد امتلأنا بالعدم بما يكفي ليجعلنا ننتصر للحياة ونرد إليها الإعتبار المسروق منها، وذلك عندما تقوم عاداتنا السرية - الجنسية منها والفكرية - بتنكب الجرأة واستعارة تلك العادة العلنية التي تمثلها الكتابة.. فبالكتابة.. بالكتابة فقط يمكننا أن نحوّل كل خزائن العدم... إلى حياة.
تشكيلٌ يفتح نوافذ العري في المجتمع المحافظ
إباحية الفن

عدنان البابلي

وجه أمراة وادعة تعلوه ابتسامة غامضة.. كان اللوحة الاشهر في تاريخ الفن بلا منازع، انها لوحة موناليزا أو الجيوكاندا للفنان ليوناردو دافنشي. ولكن لم اكتسبت اللوحة هذه الشهرة العارمة..؟ الأنها حفظت بصمات دافنشي الخالد، أم ان الاغراء الانثوي المتمثل في وجه امراة كان مهما جدا لتاكيد العلاقة الجدلية بين الجمال والفن.

وفي احايين كثيرة اصبحت هذه اللوحة ثيمة لمعاني ايروتيكية فاجريت تعديلات، للوصول الى قيمة جماعية اكثر اغراءا واعمق متعة عبر انسنة ملامح موناليزا وتغيير مسحتها الميثيولوجية واخضاعها للرغبة التلقائية لدى الفنان القابع في داخل كل رجل في ان يرى اللذة التي هي قيمة مهمة يسعى اليها الكائن الحي تتجسد في الجسد الانثوي الذي هو مركز جمال الكون كما يقول بيلوتس.
كانت الاثاره الجنسيه في الفن اثرا مهما اكتشف في المدن القديمة مثل بابل وبومبي حول خليج نابولى. فعلى ضفاف هذه المدن وجدت اثارا اروتيكيه للفن في هيئة نماذج جصيه ورموز، ونقوش اباحية.

الثورة الجنسية

ودلت الاثار ان الأعراف الجنسيه القديمة للثقافة كانت اكثر ليبراليه من معظم الثقافات في الوقت الحاضر.فالجدار الجصي الذي رمز الى إله الجنس والخصوبة صاحب القضيب الطويل للغاية، يوضح بلاشك قدم ايروتيكية الفن المختلطة بالسحر والعبادة وغريزة البقاء.
وفي عام 1819، زار الملك فرانسيس الأول معرض المتحف الوطني الذي ضم اثار بومبي نابولي، مع زوجته وابنته، لكنه سرعان مااصيب بالذهول والخجل امام الايروتيكية والعري التي تضمنتها اللوحات، وبسبب الاباحية المهولة اغلق المعرض مدة 100 عام، حتى حدثت الثورة الجنسية.

ولعله يصح دائما ان جمالية الكون حين تتهادى امام العين تختصر في تضاريس امراة، غير ان الرجل يستطيع ان يمسك بالجمال الانثوي، وان يمتلكه في حين يبقى الجمال الكوني مجرد بصرية غير قابلة الامساك، بمعنى ان متعتين هما البصرية والغرائزية تكتملان او تختلطان في جسد المراة حين يتحد في الرجل، وهو ايضا شعور بالقوة حين يستطيع الانسان الامساك بالجمال ماديا لابصريا في الافق فحسب، لهذا السبب يرى مؤرخ الفن الهولندي يان دو هوند ان الجنس كان مهما في اللوحة الاستشراقية لانه جعل الاوربي يتلذذ باكل فاكهة الصحراء وهو الجسد العربي، فاللوحة الاستشراقية في اغلبها تحتوي خلفية فضائية من رمل اصفر وسماء زرقاء، اضافة الى ان الاوربي كان يهرب من محيطه المكبل بقيود الدين والاجتماع والذي كان موئلا للقمع الجنسي الى الشرق الذي كان اكثر انفتاحا على عكس مايحصل اليوم، حيث الشرق يكتض بالحريم، بينما الغرب ينطلق الى غير ذلك.

ويقول هوند ان اغلب اللوحات الان في اوربا يطلق عليها بصورة متداولة غير رسمية على انها لوحات مومسات الشرق، فكان سحر الشرق يتمثل في الحرية الجنسية والراقصات وحريم الف ليلة وليلة.

المستمني الكبير

واذا ابتعدنا الى الامام تاريخيا نرى ان إيروس - رودان وبيكاسو تناولا العري كثيمة تشكيلية وتذوق بصري، بينما انطلق أوجست رودان في انشغالاته الجنسية محاولا تجسيد اللذة عبر الخط واللون.
احدثت لوحة "المستمني الكبير" لدالي انعطافا جديدا في كيفية تفسير الفعل الايروتيكي الذي تجسد في اللوحة عبر كتلة جسد هلامي وخلفية هشمتها رغبة وجودية، ليشكل المنظر ارادة شبقية جمعية، تتمثل في تحدب ذكري يمنح وقعر انثوي يستقبل اويستوعب وحشية الجوع الى الجمال.

وفي عام 1875 كانت ثمة صور لنساء عاريات، عرضها ماكارت ولينباخ وكانت عبارة عن فتيات موديل عربيات يسرن عاريات، وفي اوضاع جنسية تجسد العري والشبق الجنسي.

كانت الانوثة العربية بالنسبة للرسم الاستشراقي موضوعا جديرا بالتدوين، فرسم إدوين لونغ في سوق زواج بابلي،نساء معروضات للبيع لمن يشتري، ورسم جون ليون جيروم وفيرينتش أيزنهوت أثداء مكورة وناضجة لنساء شرقيات عاريات احاطت بهن اصابع تجسد جوعا جنسيا وارادة خشنة لمسك حلمات ناعمة.

الفن والحشمة

ومهما حاولنا التمسك في اننا امة غارقة في الاحتشام فان تاريخ الفن لايعكس ذلك لانه يفتح نوافذ العري في التاريخ العربي على مصراعيها. فالتمعن في لوحات المستشرقين وقصائد الشعراء (لسنا بصددها) يوضح ان الحياة الجنسية وما يتخللها من متعة وشوق وايروتيك، مانفكت تشكل موضوعا حياتيا دائب الحضور على رغم الانكار.
ويرى هوند ان الاحتلال الاجنبي للدول العربية جعل الافعال الإيروتيكية امرا شائنا بسبب الانهيار الاجتماعي والشعور بالنقص امام الالة الغربية.

ولهذا يرى هوند ان الفكرة الاباحية العربية التي اباحت الجنس وتعاملت معه كحاجة طبيعية في الماضي انحسرت تماما امام الشعور بالنقص وتصاعد المد الديني. ويقول ان ذلك حدث ايضا في مواقف الكوريين الجنوبيين نحو الجنس بشكل ضخم حين غزاهم اليابانيون وصعود المد الكونفوشي في آسيا.

المفاحشة والفن

كانت المفاحشة جزءا من الفعالية الاجتماعية والفنية العربية، ولو انتج العرب اللوحة الفنية ومارسوا الرسم والتصوير لانتجوا اعظم اللوحات الايروسية عبر التاريخ لكنهم امة شعر وكلام، لهذا انحصرت المفاحشة في اللسانيات وفي الادب والشعر، فكان لعضو الرجل أكثر من 150 اسما ولعضو المرأة كذلك. ولو رسم العرب اللوحة لرسموا اوضاعا جنسية كثيرة ودليل ذلك اسماء الاوضاع الجنسية بالغة الكثرة، بل ان العرب دونوا وصنفوا حتى الأصوات التي تصدر بسبب احتكاك الأعضاء الجنسية.

وعلى رغم المفاحشة التي دونت في كلام وليس صورة فان العرب نظروا الى المراة في اللوحة على انها عورة فسعوا الى تغطية بدنها، وأن تتبرا من الشهوات، ولهذا كان من غير اللائق اظهار الجمال والجسد على مستوى البصر في حين ان ذلك كان متاحا لفظيا او لسانيا في الشعر وغيره من فنون الكلام. وبسبب عدم اتقان العرب التخطيط او الرسم، انتقل ايروتيك اللفظ الى التخيل الذي كان سيبتكر لوحات خالدة لو مسك العرب الريشة، لذا جنح العرب من ممارسة الرسم على المادة الى الرسم الوهمي في الخيال، ولعل ذلك يفسر نتائج دراسة برهنت على ان ثمانين في المائة من نساء المجتمعات المتزمتة يتخيلن أنفسهن في أوضاع جنسية مع آخرين، وكذا يفعل الرجال ايضا.

نساء عاريات

وليس ثمة شك ان اللوحة الايروتيكية من المحرمات في المجتمعات العربية والاسلامية، ومثلما لجأ الشاعر الى الترميز بسبب الاضطهاد السياسي، فان رسامين لجأوا الى ذلك ايضا هربا من الرقيب الاجتماعي والدينى، ففي اندونيسيا اقتحم 250 شخصًا من أتباع الجبهة الدفاعية الإسلامية fpi معرضا فنيا لاحتوائه لوحات لنساء عاريات. وكان على ضوء ذلك ان ناقش البرلمان مسودة قانون خلافية تتناول التصوير الإباحي.

ان اخضاع اللوحة العربية لتلك المحددات جعلها تركز موضعها في اعمال بدت عادية وتلقائية غير ثائرة، وقلما تجد فنانا عربيا ثار على التقاليد الفنية على عكس الشعر، حيث نجد كثر من الشعراء الثائرين الذي تمادوا حتى في ايروتيك القصيدة، ولاغرو في ذلك لان اللسان العربي اقوى من ريشته على مر العصور. واذا اخذنا فنانا ثائرا صاحب خيال خصب وواسع مثل الفرنس بالتوس الذي رسم جسد الانثى بطريقة مغايرة لما تصوره العين، مجسدا الجمال في حركة المرايا الخارجية وايقاعها الداخلي، فقد فتن هذا الفنان بالجمال واخترع تفاصيلا جمالية باهرة في الامتاع. وميزة بالتوس انه حين يفكر يرسم، بمعنى ان لوحته فكرة تتجسد ماديا، وحين يرسم جسد المراة، يفصله الى ادوات ونوافذ لكل منها وظيفته الجمالية.

التحريض على الجمال

تعد روزماري تروكل من أهم الشخصيات في الحركة الفنية المعاصرة في المانيا. وترى ان شهرتها الواسعة اقترنت بكونها امراة ترسم جسدا انثويا شبقيا، وفي فلسفتها ان الانثى مركزا للذة الارض، نعم الارض لانها انثى.

وفي نظرها ان ماكنة الفن يجب ان تنتج التحريض على الجمال وتزيح الحجاب الذي يحيط بمراكز اللذائذ. لا سيما بالنسبة للمرأة، فهو موضوع محوري في عملها.

رسم ايغون شيلة النمساوي (1918 - 1890) باسلوبه التعبيري لوحات ايروتيكية مهمة، وكانت الاوضاع الجنسية مقدسة في لوحاته حيث عدها تشكيلات لاتاتي بالصدفة لان الجمال الانثوي عبارة عن قطع لذة متلاصقة، فهي كقطع السيراميك، تنتج الهارموني مهما اختلط ترتيبها.
اما الفريد كوبن (1877-1959 (الرسام والمصور والكاتب، فقد كان تعبيريا مذهلا حين يرسم الانوثة، ولوحاته عبارة عن حرب او صراع جنسي، فهو يرسم النساء خاضعات لجبروت اللذة، مرتجفات امام رجال يكشفون اعضائهم التاسلية في لوحاته، وهم رجال تبدو اعضائهم التناسلية متوترة وضخمة دائما.

وهذا الرسام التشيكي الاصل، درس في اكاديمية ميونيخ. وانتج عددا صغيرا من اللوحات في السنوات ما بين 1902 و 1910، ولكنه تالق عبر منح اللذة الجنسية مساحة اكبر في لوحاته عبر تقنيات الحبر والالوان المائية والطباعة الحجرية.

سهول الجنس الواسعة

يستوعب مارلين دوما (ولد في عام 1953 في كيب تاون، جنوب افريقيا) المراة في لوحاته كمادة مانحة للذة، فيبرز المفاتن الانثوية بصبغات مائية، مستعملا قطعة قماش تمسح الغبار عن الجسد، ويقصد في ذلك انه يجعل قطعة قماش تمتص الالوان التي تزرع في سهول المراة الواسعة. ودوما التعبيري الذي يهاجر لاحقا الى هولندا انجز مايسميه علاقات غامضة بين الفن واناث الاشياء هكذا يسميها، فهو يرى ان كل مثير جمالي هو انثى، يحتاج الى افكار ومواد وممارسات اباحيه للتعبير عن ذاته.

وولع الفرنسي الانطباعي ادغار دغاز (1917- 1834) برسم الراقصات وكانت حركاتهن في لوحاته مدعاة للسؤال عن الافكار الجدية في الرسم الي يطرحها ادغار، وحين رسم (أمراة الاقحوان 1865)، و(بائع قبعات النساء 1882) اكد اسلوبه الانطباعي الذي رفض ان يصنف فيه لانه يصف نفسه واقعيا. لم يصور ادغار متاهات الجسد فوتوغرافيا، بل تخيلها كخطوط سوداء رقيقة تحاصرها بقع لونية، فرسم في اكثر اعماله الرقصات، ورسم نساء عاريات، وكان يرى انه مثلما نعشق الازهار فان الجسد الانثوي عبارة عن زهور شهوانية، تروي في العقل الباطن التوق الى التعبير الجنسي وافراغ الشهوة في لوحات، فليس بالضرورة ان تكون طريقة التفريغ عن طريقة ممارسة الجنس بل عبر مشاهدته واقتنائه ايضا.


العري الباريسي

الرسام والنحات الإيطالي اميدو موديلياني مبدع تشكيلات الاقنعة الافريقية والبداءية، ومسلط الاضواء المتكسرة بالظلال على اجساد النساء، كانت محروما من الجنس الجذاب والاستثنائي كما يقول لانه كان يعاني من الالتهاب الرئوي والسل، وحين غادر منزل الاهل كان عمره 17 سنة حيث التحق بدراسة الفن في فلورنسا والبندقية، كان اكتشف حين انطلق وحيدا في هذا العالم ان اجمل بقعة في الكون هو جسد المراة ولاسيما المراة التي تحب، انه نقطة عليا لبلوغ ذروة الاحساس بمتعة الجمال واهمية العالم.

وحين وصل عام 1906 باريس حيث التقى بيكاسو، اوتريللو، بدا تكعيبيا معتدلا (امراة يهوديه، 1908). لكن شرع بتلقي شخوصه في الرسم من نساء الليل الباريسي، المختلط بالكحول والمخدرات، والقفز من حب الى آخر. كان يقول انه ريشته مفتونة بالعري الواعي، العري الباريسي، فرسم اجمل لوحاته لنساءعاريات بريشة تتدفق من الشهوة كما يعبر هو عن ذلك. لوحته " لاعب الكمنجه الكبيرة "، كان معجونة بالشهوة واللون والفرشاه، وحين اتعبه ليل باريس قال انه عائد الى حضن امه، فلم تعد رئتاه قادرتان على مقاومة الكحول والمخدرات، لكنه ظل مبهورا بالانثى عبر لوحات العري التي لازمت ريشته طيلة حياته الفنية.

الرسام الالماني فرانس ستوك(1863- 1928)

المنجذب مبكرا الى الرسم و الكاريكاتيروالمولع بالاساطير، هيمنت رموز ايروتيكية على الكثير من لوحاته، فرسم الجانب المثير والشهواني في الجسد، كما في لوحة (الاناث العراة)، وكان دائم البحث في الجسد عن معنى جديد يصلح موضعا للوحاته، وهذا الفنانا الذي عشق ميونيخ كان يتخاذل اما العري وتصاحبه نوبية الابداع الواعي كلما تمعن في امراة جميلة.

اللوحة العربية

ان اغلب فناني الغرب، اكتشفوا ابعاد الجسد الانثوي وقاسوا ابعداه، والامر ذاته بالنسبة لفناني الشرق والعرب منهم، وكل منهم استلهم ثقافة مجتمعه في رسم اللوحة،فما يحدث في المجتمع يعبر عنه في اللوحة، غير ان الفنانين العرب الذين استطاعوا فك الحجاب ورسموا الانثى كجسد، قلائل، ذلك ان المراة في لوحات الكثير منهم هي جزء من الموضوع السياسي والاجتماعي الذي تحمله اللوحة، ومثلما ضرب الحجاب والحاجز على الانوثة، غرقت اللوحة العربية في ضبابية واضحة غير متميزة في معالجاتها الايروتيكية.
أحمد الشهاوي
كتاب
" الوصايا في عشق النساء"




وصية


تذكري ان الجرأة تنوّر جسدك، وتمنحه شوقا لا ينتهي
فالجرأة مع العاشق فريضة، لما لها من سلطان ومواهب علي القلب والروح، ولا ينفع خجل في الحب. وقديما ماتت امرأة في قريتنا بذهاب عقلها، لأنها سلمت ما تملك من كنوز ـ لم تدركها ـ الى سلطان الخجل. فاعصري له أعنابك خمرة، تتثبت مكانتك في الحب.



وصية
أبدعي له في كل ليلة حياة أخرى لم يعشها معك. اخلقي له في كل ثانية اسما يشتق من اسميكما، واعلمي ان نفس العاشق تتفتح كلما ذكرت اسمه. فالاسم علامة الرسم. تأملي اسمك تجدي اللغة فيه مطابقة للفعل.



وصية
إذا قال لك عاشقك، لا مكان لي، لا ارض لي، فأين أروح، أنا غريب، دوختني البحار، وأبحث عن ساحل، فلتكن إجابتك: أنا دليلك، شاطئك الذي يعصمك من ضياع، ومصباحك المضيء أبدا.



وصية
ليكن توقك الى فعل الحب معه دائما لا موسميا، وإذا اقتضت الضرورات، فاضربي وعنفي وكثفي واكشفي وارشفي، ومعجزة الحب انه ابن نفس مطلَقة، فالزمن في يدك، وبالامكان ان نختصر حياتنا في ثانية واحدة مع المحب.



وصية
اجمعي جزرك الصغيرة المتناثرة في بحر ذاتك، فأنت رئيسة قلبك، ادخلي الى عاشقك رافعة علم دولة عشقك، فالعشق لا يصح وبين جنبي المرأة سبع سموات، وسماء السموات والسماء العليا. فعليك ان توحدي السموات ـ جميعا ـ في سماء واحدة هي أنت، العاشق يحب ان تأتيه واحدة في تسع نساء.



وصية
حدثيه دوما بأنه أهل لحبك، ينكشف لك، وتري فيه ما حجب، وقديما قالت رابعة العدوية: احبك حبين: حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاكا .



وصية
وأنت تدخلين متجردة الى حضرة عاشقك تمتمي بالحديث اللهم أني أسألك حبك، وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد .



وصية
اجمعيه، ولا تشتتيه في بلادك، مكنيه منك بالكلية، فقديما قالت جدتك رابعة العدوية:
ليس لي عنك ما حييت براح
أنتَ مني ممكّن في الفؤاد .



وصية
اذكريه كلما نطقت، املئي روحك منه، لا تدعي مكانا شاغرا في قلبك إلا وله فيه موقع الرياسة، يقل لكِ: أنا والله احبك، أملكك ما أملك، ثم انفق عليك روحي حتي تهلك ، عولي علي روحك المنيرة كمشكاة فيها مصباح.. فهي فاتحة المحبة، والطريق الأتم للوصول الى المحبوب.



وصية
ليتملكك العشق، حيث الطريق الى قلب المحبوب خلود، وإذا أردت خلودا فاذهبي الى عاشقك، فعنده اصل الاشياء، وعندك الوردة التي هي كأس خمرتك.



وصية
كوني أسيرة عاشقك تتحرري، فما عجبت لشيء قدر علمي ان علي الأرض بشرا خلت قلوبهم من العشق، فقديما قال الجامي: وما دوران الفلك إلا من اجل العشق .



وصية
اعتبي كثيرا فالمحبة ـ كما قال ابن عطاء الله السكندري ـ: إقامة العتاب علي الدوام ، لكن حذار من الإشارة الى الفراق والهجران، ففيهما هلاك المحبوب، لأن الرسول يقول: يحشر المرء مع من أحب .



وصية
كملت أعضاؤك، ووصلت الى الرتبة العليا، فليتصل جسدك بجسده، ففـــي اتحــادكما ذوب نوراني، وعـــــشق عرفاني. اتخذي المحبوب غايـة لك في الدنيا، يتم لك العشق، وُتهْدَ روحك.



وصية
اعلمي ان القرب جُواني، والمحبة تغتني في البعد، فلا نقض لميثاق، ولا غدر بعهد، فالوفاء وقود العشق، فكوني قريبة بعيدة بلا مسافة.



وصية
اعلمي ان قلب عاشقك لا يموت، قد يفني جسدهُ، لكن يظل قلبه موحدا باسمك، فلا تخرجي عن اسمه، لأنك ـ كما قال النفري ـ: إذا خرجت عن الأسماء، خرجت عن المسميات وإذا خرجت عن المسميات، خرجت عن كل ما بدا منه لك.



وصية
لا تجعلي بينك وبين المحبوب حجابا، فمقامك معروف عنده، وبيتك بيته، وقبرك قبره، ودنياه فارغة إلا منك، وآخرته ليس فيها سواك.



وصية
كوني من الذين جعلهم الله من أهل الليل، فأنت ضالته في كل أين، وفي كل زمان، ولكن لليل حدوسا وقداسة، لا غائب بينكما، كلاكما حاضر.



وصية
لا تعاقبي قلبه، بل حاولي ألف مرة، فان القلب يلتئم إذا كان المحبوب مازال في عشقه إلهيا، وإذا فارقت مكانه، فلا تفارقي اسمه ورسمه، فالقلوب تبصر ما لا تدركه العيون، وإذا لم تريه في المكان، فالروح تشيله وتراه في كل حال.



وصية
اعرفي ان لا شيء يأكل المحبة غير الظن بأن العاشق قد تحولت روحه عن محراب محبوبه، فحكمي الباطن، فانه قاضي العشق العادل.



وصية
خلي حرفك يدخل في حرفه، تتحدا، وتكن لغتكما واحدة، لا تدعي للاختلاف محلا بينكما، فاسماكما مكتوبان في كل لغة، بحروف واحدة، صيرها العشق اسما كاملا للوجود.



وصية
لا تقيمي في النفي، فكل ما لدي المحبوب آت إليك، فالإقصاء ليس صفة فيك، وما خفي من سر محجوب عنك ستكشفه نفسك، فلم العجلة في مجاوزة المحبوب، واتهامه بما ليس فيه، أقيمي في قلبه، دعي قلبك يهجم علي قلبه، تتضح الغايات.



وصية
أقيمي في مقام عين محبوبك، تصليه في الدنيا والآخرة. لا تجاوريه في شيء، لأن في المجاورة مسافة، وفي المحبة لا يعرف الخيط من الإبرة، من العاشق ومن المعشوق.



وصية
اعلمي انه لا يسعك في الدنيا والآخرة غير محبوبك.
فالمحب الحق يعشق بلا سبب أو غاية، وإذا عرف سبب العشق فسد وانقطع. فاستمسكي بمن رأيت انه مرآتك الأبدية.
لا تجعلي قلبَ محبوبك يطمئن أبدا،
فإذا اطمأن القلب سكن، فعليك بالإيقاد والإحراق،
دونما مغالاة لا طاقة للعاشق بها.



وصية
اسكني اليه في كل حال، فحال العاشق باب لا يدق أو
يستأذن في الدخول اليه، إنما هو قدر محتوم مكتوب قبلا،
ومفتوح، وقد يقع التأخر في الوصول.



وصية
ليكن كل شيء عندك بمقدار، فلا تطفئي نور لهبك مرة
واحدة، لان المحبوب يجوز الى دار محبه حتي قيام الساعة،
وعلي نارك ان تظل هكذا مشتعلة، وإلا وقع الهلاك وتم.



وصية
اطرقي البصر، لا تمدن عينيك.. وإذا تهيأت روحك،
وصرت الى درجة المرقي، ونام العالم عنكما، ولم يعد إلا
نفساكما ونفسكما، فأميتي نفسك حتي حيا، وأطلقي
خليجك في صحرائك، يضئ قمرك.



وصية
لا تهجري عاشقك، إلا إذا ارتكب كبيرة، حتي لا تهلكي،
فقد هلكت قبلك نساء كثيرات. قال الشعراني: ومعني
رأيته مرتكبا كبيرة: العلم بذلك ولو ببينة، فلا يشترط في جواز الهجر، رؤية الهاجر لذلك العاصي ببصره، ولذلك قال سيدي علي الخواص رضي الله عنه: شرط جواز الهجر علم الهاجر بوقوع المهجور فيما هجر لأجله يقينا لا ظنا أو تخمينا، فلا يجوز لك الهجر من غير تحقق وتثبت..



وصية
فليوافق سرك نطقك، وليغلبك الصدق، فهو من صفات
الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين، هو ثاني درجة النبوة فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين ، ففي صدقك ترتقين وتصلين، وتعيشين في اللذة الكبرى الى النهاية، لان الجسد لا يحب ـ أبدا ـ إلا بمحبة القلب، ودفق الروح، وموافقة النفس.



وصية
كوني معه صادقة ومخلصة أربعين ليلة وأربعين فجرا، قودي دفة اللغة، وليكن الزمام في يديك، تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك علي لسانك ، وبلسانك خلصي نفس عاشقك من أدرانها، ليعلو بك روحا وجسدا، فرب ثانية واحدة منك معه تساوي حياته وزيادة. فطيب مذاقك يؤهل لديمومة ومواصلة، والنفس لا تتوق إلا لمن تهوي وتنعم وترتاح.



وصية
حذار ان تجلسي علي سجادة النهاية، وتقنعي بذلك، فلا
نهاية في العشق، وكل نهاية لها دورة بداية أخرى، وكل
بداية نهايتها ليست الأخيرة، لان البدء يمتد، وماء المرأة
يجري في بحر لا تنفد مياهه.



وصية
احرصي علي ان يمر الماء بين حشائشك، لان في ذلك متعة ولذة للعاشق ولك، والحشائش الخبيئة تهيج، إذا وقع البصر عليها، وتأذن بالدخول دون طرق، وتلتف علي الباه فتحييه، فتذكر رأسه، وتهتز في العتمة المضيئة، فلا تعودين
تعرفين من أنت، ولا في أي مكان أو زمان، تضيع لغتك،
وتخلقين لغة لم تعرفي أبجديتها من قبل، ولدتها الحالة،
وأحياها الحال، ثم تبدئين معراجك.



وصية
إذا استوي ليلك، وطاب قمرك، وصرت من الاعلين،
امنحي قمرك لعاشقك دون حساب، فما ضاع عشق،
وتلفت روح، إلا كان وراء ذلك الخسران أمور وحسابات
ظاهرية لا تتصل بالباطن، ولا ترتبط بالقلب.
فاجعلي جوادك يركض في ميدان العشق، استعيني علي فعل الحب بالمحبة، فإنها دواء ناجع، ووصفة قديمة مقدسة، فلا حب يقوم إلا والقلب أساسه.



وصية
املئي زجاجة قلبك بنور مصباحه، دعيه يجرب، ويملأ،
ويتكوكب، وتلمع بوارق كشوفه في شجرة جسدك
المباركة، دعيه يسرج قنديلك حتي يشتعل، لا تقلقي إذا
احترق، ففي ذلك فرح عظيم، حيث تتزين سماؤك بالسر،
ويضيء زيتك، لان غمامه جاء من شرق ومن غرب، ومن
شمال ومن جنوب، وأنت بذلك ستسبحين في فلكه، طالعة الى مقام نور علي نور. مرفوعة الى معراجه، مرتقية اعلي المدارج، واصلة الى مرتبة سيدة النساء، فلا قرب ولا معرفة دون عشق.



وصية
نصيحتي ألا يكون سكوتك أكثر من كلامك، ولا كلامك
أكثر من سكوتك. فالليل خيمة صمت، لكنها تتوق الى
كلام الصمت، وصمت الكلام. والكلام في الحب لا يحفظ
ولا يعاد، ولا يستعار، لكنه ابن الحالة والحال واللحظة
والآن والفعل، استخدمي ما أوتيت من فتنة زاخمة في الكلام، فالعين تقول واللسان واليدان والأصابع وسائر
كنوزك تصل بك الى الجنة التي تسعي إليها أية امرأة وتتوق واعلمي أنها بين يديك لو أردت.



وصية
طينتك حية بالحب، وتجليك منقوش فيها، وذاتك نورانية، بحرها لا ساحل له، فخذي عاشقك الى بحرك، اجعليه يغرق، ليكن الذي لم يكنه، ويحلف بأن حياته ولدت من غرق دائم، وان ثانيته الأخيرة حلت، لما تحولت عنه، وحجبت بحرك عن فمه، ففارق الغرق، وفارق الحياة.



وصية
اعلمي انه من الموت لك، ان يموت عاشقك بسبب منك، أو
يصير كالمجنون هائما، فكوني فردوسا في الأرض تحسدك السماء على ما أنت فيه، اكسري فتنتك لمن أتاك حاملا حياته علي كفيه طالبا وصالك.



وصية
دعي قلبك يشهد إليك، ولا تدعي الشوق ينقصه، اسأليه
ولا تسألي مفتيا، غامري، ولتكن عيناك صافيتين ـ وهما
تتوجهان الى عاشقك ـ، وذراعاك مديدتين، وهما تجولان
في حقل جسده، لا تقصري عن شيء أردته قبيل لقياه، لأننا لا نشرب الماء مرتين، ولا ندرك اللحظة أبدا إذا خطفها الفوت.



وصية
اعلمي ان الحياة ـ كما قال محمد إقبال ـ ليست إلا النار
الباطنية ، فأنت في مقام رفيع، فامضي اليه حافية القدمين، محلولة الشعر، شفيفة الملبس، تملكي الدنيا والآخرة، فلا تحتجبي عنه أبدا.



وصية
اعلمي ان معجزتك في اسمك، وبساطتك، وعفويتك،
وتاريخك الحزين، وألوهيتك التي في الأرض ترعي البشر
الوحيدين اليتامى كعاشقك.



وصية
اعلمي أنك بنت الأسلاف، فلا تفرطي في تاريخهن
لعشقي، أنت الآن، جماعهن، فاجمعي تجاربهن في دفقة،
وامنحيها لفاتحك الذي تلا قرآنك قلبيا، وذهب اسمه في اسمك.



وصية
وأنت تحبين، أعلمي أنه ليس في الأرض سواك من نساء،
وعندما تتجردين تجردي من الدنيا، فمثلك نال مرتبته، لما
ذاق وانتشي، وغابت روحه عنه.



وصية
كوني رافده في العقل والروح والنفس والجسد، وأسطورته
في الدنيا والآخرة، ومعراجه ليترقاك، وقطبه ليتلقي عنك الأسرار.



وصية
اجعليه يرابط في مغارتك، ويتلو أحزابك، ويحفظ أورادك، امنحيه عهدك، ليرتحل في أقاليمك، فخرق العادة عندك عادة.




*****



وردٌ أكثر لَكَ اليوم وكل يوم



اسْتَدْرَجْتَ المعنى لِتَرْحَلَ
أَنْتَ الدَّليلُ.. ولن يَدُلَّكَ أَحَدٌ علينا
مِتَّ غريبًا في سريرٍ لَيْسَ لَكَ
فَمَنْ إذن سَينامُ في "سرير الغريبة" غيركَ
أَنْتَ الغريبُ في بلادٍ غريبةٍ، ذَهَبْتَ إليها بَوَسَاطةٍ، كيْ تستقبلَكَ "مريضًا" لا شاعرًا.
كان يمكنُ أَنْ تَظَلَّ في "باريس" صحبة صديقنا المشترك صبحي حديدي، كاتمُ أسراركَ، وناقدُكَ، والأقربُ إليكَ روحًا وفكرًا.
ربَّما كُنْتَ ستبقى ولو لأيام أو أسابيع تُرتِّبُ فيها أعمالَكَ التي حدَّثْتني عنها ذَاتَ يومٍ في الإسكندرية، هذه الأعمالُ الشعريةُ المنجزةُ التي لم تنشرها في حياتِكَ، أذكر أنَّكَ قلتَ لي إنها ثلاثةُ أعمالٍ، أردتَ أن تشذِّبَها وتهذِّبها وتحذفَ منها وتصفِّيها من "الأثقالِ" والشَّوائبِ.
أينها الآنَ، أهي في عمَّان أم رام الله. أيمتلكُ صبحي حديدي نسخةً منها.
أم أنَّك كُنْتَ حريصًا كعادتكَ ألاَّ تُطْلعَ أحدًا عليها.
الآن زادت خُسَاراتي في الحياة. كُنْتُ كلَّما تَأَزَّمَتْ رُوحي عُدْتُ إليكَ.
لن تستطيعَ "البروة" أن تأوي جَسَدَكَ لأنَّها – كما تعلم – زالت من على خريطةِ فلسطينكَ، لكنَّكَ ستكونُ في مكانٍ ما قريبٍ منها.
أُمُّك (92 سنة) تنتظركَ، وأخوك أحمد، والأقرباءُ والأصدقاءُ، وحتَّى الأعداء من الأهلِ الذين حَسَدُوكَ غيرةً من شِعْرِكَ، وكدَّروا حياتَكَ في السنواتِ الأخيرةِ. كُنْتَ تضمرُ غيظكَ وحُزنَكَ وانفعالكَ وتصمتُ. لكنْ عندما فاض كيلُ الحَسَدِ أو قُلْ السِّبَابَ، بدأتَ تعلنُ دونَ أَنْ تُسمِّى أَحَدَهم، كُنتَ أحيانًا تشيرُ أو ترمُزُ حتَّى لا تكشفَهُم وهم يواصلون دونَ خجلٍ. ماذا سيقولون اليومَ، سأقولُ لَكَ يومًا ماذا سيقولونَ ويكتبونَ.
لستَ حِصَانًا وحيدًا متروكًا في الصحراءِ العربيةِ، لكنَّكَ حاملُ السُّؤالِ "لماذا؟"، وغيره من الأسئلةِ، التي ستكبرُ كنجمةٍ تحملُ اسْمَكَ ليبقى في سَمَاءِ الشِّعْر إلى جوارِ جَدِّكَ الذي أحببتَ "المتنبي".
إذْ سيبقى شِعْرُكَ عابرًا للأمكنةِ والأزمنةِ، باقيًا، وشاهدًا على روحِكَ، ومهارتِكَ كصائغٍ عظيمٍ لكونِكَ الشِّعريِّ.
سنملأُ "فراغَكَ" بشعرِكَ، فقد تركتَ ما يشغلُنَا، نستعيدُهُ، ونعيدُ تأويلَهُ، لأنَّه منذ "تِلْكَ صورتُها وهذا انتحارُ العَاشِقِ" حَمَّال أَوْجُهٍ.
تركتَ في كُلِّ مَنْفَى ذكرى، تركتَ قصيدةً. أعرفُ أنَّكَ أنجزتَ ديوانًا عن مدنِكَ – منافيكَ، أَيْنَهُ، أريدُهُ لنا جميعًا، لنعثرَ عليه قبل أَنْ يضيعَ في الزحام.
أعرفُ أن الموتَ لم يكن ليخيفكَ، لكنكَ كنتَ تريد "قليلاً" من الوقتِ لترتِّبَ بيتَكَ الشعريَّ. لكنَّهُ لا يستأذنُ يا صديقي، يباغتُ ويصرعُ.
الآَنَ ستذهبُ إلى من جالستهم يومًا بمستشفاك في باريس: المتنبي، رينيه شار، المعرِّي.
محمود، أَنْتَ غيَّرتَ إيقاعَكَ، فَاسْتَحْقَقْتَ أن نقرأَ قَلْبَكَ الباقيَ ونحملَهُ كطوقِ حمامةٍ.
إنَّكَ لَسْتَ صَفْحَةً تُطوى – بموتِكَ – في كتابِ الشِّعْر..
ولستَ طابعَ بريدٍ تُصْدِرُهُ وزارةٌ فلسطينيةٌ قَبْلَ مَوْتِكَ بأيامٍ.
أَنْتَ قِطَارُنَا، اسْتَقْبِلْنَا ولا تودِّعْ أَحَدًا.
لَكَ أرصفتُكَ ومقاهيكَ وموسيقاكَ ولغتُكَ وكلامُكَ، وأرضُكَ التى ترثُ لغتَكَ الصافيةَ التى جَرّدْتَهَا حتَّى استطاعتْ ذَبْحَكَ وَنَالَتْ مِنْ قَلْبِكَ
تَركْتَ قَافِيةً لَنَا، فانتظرْنَا.
أَنْتَ الدَّليلُ، ولن يدلَّكَ أَحَدٌ علينا.
هَزَمْتَ المَوْتَ، لكنَّ الهزيمةَ لِمْ تَكُنْ بالضربةِ القاضيةِ، كُنْتَ مُصَارعًا فَذًّا لكنَّه غَافَلَكَ، وَصَرْعَتُه بالنقاطِ.
و"النقاط" كان ينبغي أن تشكِّل جُمْلَةَ النهاية "المفيدة".
النقاطُ لم تمنحك فرصةَ أَنْ تتدبَّرَ أَمْرَكَ. بِأَنْ تختارَ نوعَ الزهور وألوانَها، مودِّعيكَ، المكانَ الذي سَتُدفَن فيهِ، أن تكتبَ وصيتَكَ، أن تأتي إلى الإسكندرية، أن تذهبَ إلى الرباط لتتسلَّم جائزةَ الأركانةِ الدوليةِ. أَنْ وَأَنْ وأن...
استدرجْتَ المعْنَى، لترحلَ
تاركًا أَثَرَ فَراشتِكَ التي طارت أمام عينيك.
اقتبستَ الظِّلالَ مِنْ ظِلاَلِكَ، أَنْتَ المُتَيَّمُ بالِّلعبِ مَعَ الشِّعْرِ، بالانجذابِ إلى البَحْرِ، والنَّوم مع الموسيقى.
"وَرْدٌ أَكْثَر" لَكَ اليوم وكُلّ يومٍ.