المشاركات الشائعة

الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

لن نبيع العمر
رواية
زهرة مبارك



عنوان الفصل الأول:
مذكرات رجل تافه

ها هو ينثني ليلفها من جديد ويغرس خياشيمه في ثدييها... يمتد عبر محيط خصرها يتماوج بين ساحة صدرها وأسفل أذنيها كالنعناع حينما يغازل الماء في كوب شاي من صنع يدوي... ينحني ويقبل يدايها ويعبد بداخلها الإله.. يناديها سيدتي.. يا لها من حلاوة يا له من مذاق! ويتدحرج ككرة الثلج لينغرس في فتحة الحياة.. فتشده بفخذيها المكتنزتين يمينا وشمالا.. تسحبه تبلعه نحو مهد حضارتها.. أنينها يملأ الفضاء.. آهاتها الممزوجة بشراهة اللذة والحرقة والتعشق فيما كان يفعل تزيد من طولها... فأهدابه ومجفاته تتحرك دؤوبة دون توقف.. وهو يقول لها.. لا تتحركي.. خصرها في تلك اللحظات.. كان يحصر الأرض صعودا ونزولا... شعرها المغزول بالتراب وسوائله الدافئة تغسل أماكن العمق في حسها وشفتاها المرتعشتان تقولان.. زد.. زد أكثر.. أكثر.. زد حبيبي.. ابردني.. أنحتني أسمني.. إغزلني.. أشنقني.. تشتد نارها يفور دمها تزيد حركتها يرتفع خصرها إلى أعلى يضمها.. يدوس أضلاعها.. يهديها سلام العود الذي ينحني على السنابل.. سلام الريح التي تتماوج في بحور الدنا وتمنح للبحر شهقة من العمق.. يغرس أضلعه أكثر فتحلق أكثر.. وفجأة بدأت تفتر.. تفتر.. وهدأت حركة خصرها... شكرا حبيبي توقف أرجوك توقف! لكنه ما زال مثلما كان, حركته كثيرة ولم يسمح لها بالتكلم بعدما وضع فكه فوق شفتيها.. حاولت يائسة أن توقف ميكانيكية حركته لتدفعه عنها.. إنه مثبت بها, تنادي لا يسمعها... عندها ازدادت حركته.. وطالت أطرافه.. فامتدت وامتدت..جحظت عيناها وتوقفت.. استطالت وامتدت بكل تعب على الأرض.. وسرت برودة الموت في جسمها.. لملم حينها أطرافه, وطبع عليها قبلة أخيرة تاركا خلفه ركاماّ من حجر.... منذ ذلك الحين لم تستطع السنيون محو هذه الصورة من ذاكرتي المثقلة.. لقد أدركت في سن السادسة, بسبب هذا المشهد, أن ما لا تستطيع نساء كثيرات أن تمنحه لرجل، يستطيع رجل مثله أن يهبه إياه في لحظة واحدة.. لقد كانت تلك المرأة أمي وذلك الرجل أبي... كنت شاهدا على جرائم أمي الجنسية في حق أبي, وأصبحت منذ ذلك الحين, من المتلصصين على الحالات الجنسية.. لقد كان أبي يعوي طول الليل, بسبب عدم بلوغه لمراده, بينما كانت أمي سريعة التهيج’ وحالما تشبع لذتها تلّم نفسها وتنام, وتتركه.. حتى صرت أشفق على والدي, وأبحث له عن مكان في جسمي يشفي غليله, وكرهت أمي وبنات جنسها.. ومع مرور الوقت.. كانت الفتيات بالنسبة لي, شيئا لا أستطيع النظر إليه واستمر هذا الوضع معي حتى بعدما كبرت وأصبحت طبيبا, وكم صرت أتعب حينما أدرك ماذا يعني أن يكون هذا الجسم الذي يتوق ويحتاج الرجل إليه, كحاجته إلى الخبز والماء أنا لا أرى فيه أي شيء مثير.. إن المرأة بفخذيها الطريتين, وشراب دمها الأحمر, لم تشكل عندي يوما ما أي شيء, على عكس الرجال المحيطين الذين ما إن تمر أمامهم فتاة وتهتز تنورتها حول أسفل ساقيها يتسلق نظرهم إلى ما فوق ركبتيها ويتغير لون عيونهم ما عدا أنا الذي كانت تجتاحني هذه الأحاسيس مع هؤلاء الرجال هذه هي بداية حياتي يا نائلة...
- أتدركين ؟ لا أدري لمَ اخترتك من بين الكل وجئت لأحاكيك هذه الليلة ..
- ربما لأنك تعلم مسبقا بأنني لن أعيش أكثر من هذه الليلة ...
- لا تقولي هذا.. أنت على ما يرام الآن. ..
- صحيح.. تكلم قبل أن يعيدوني إلى المطار أو أنك ستكمل لي قصتك هناك؟
- لا أعتقد أنني سأذهب معك...
- ولم يا ياسين؟
- خوفا من العار..
- أي عار هذا الذي يأتي على بالك وأنت على أبواب جهنم..إنك مصاب بداء إن لم يقتلك اليوم فسيقتلك غدا.. عليك أن تضع هذه الحقيقة نصب عينيك...
- أتعلمين أني أشعر برغبة عارمة في احتضان أمي لأول مرة ..لكن ما نفع هذا إن كان يحتضنها التراب الآن؟
- هل ماتت وأنت صغير ؟
- ماتت وعمري 16 سنة بسبب ضربة مميتة من والدي ..
- لا بد أنها خدعته ؟
- لا .. بل لأنها لم تمكنه من لذته فأنهار وضربها حتى أرداها ميتة .. ثم دخل السجن وهناك أخبروني انه حول مساره الجنسي وأصبح رجلا لوطيا.. لقد عجنتني أخباره.. التحول جميل لكنه خطير.. حين تذهب بنفسك إلى الموت أكثر من مرة دون تفكير ولا حيرة ولا خوف.. تصبح إنسانا مجردا من الخوف ومثيرا حد الدهشة.. الخطا نحو السجن لزيارته كانت شبيهة بمحيط ناري يكوي الجلد ألف مرة، لكنه أبي كنت أزوره بالرغم من كل ما كنت أسمعه عنه من حارس السجن عمي العربي الذي باع ما تحت ظهره لأمثال أبي... المهم مكث أبي بالسجن 12 سنة ومات إثر مرض عضال لم أعرفه لحد الآن ولا أريد أن أعرفه! ربما لأنني كنت أعرفه.. لكن صورة الأب المقهور والراسخة في الأعماق لم تكن تقوى على زحزحة سحابة جسده وذاكرته من مخيلتي المتعبة..
- وأين كنت تعيش طوال مدة حبس والدك؟
- كنت أتسكع في بيوت الأعمام الواقعة بأرياف عين تيموشنت، أقطف العنب وأتوسد ذل زوجات الأعمام.. وهناك تعلمت الوقوف على عتبات سوق اللوطيين... تتم العملية بشكل مريب ويحدث الحب الخاوي مع الشعلة الأولى.. إنه منظر حار حينما كنت أتلذذ بالتلصص على أبطاله يسري الدم الفائر في جسمي وتصعد حرارة غير عادية إلى جبيني.. وهكذا شعلة ثانية وثالثة حتى فت العتبة ودخلت البيت المدوخ.. واشتعلت سهراتي وأذيع صيتها بين قوم لوط ..
- تلك المزارع آخر الليل تتحرك بالقادمين وأمراء المال والفقراء ممن خنقت لذاتهم شروط نون النسوة.. ما كان أحد من القادمين نحوي يفلت من قضيبي... أرويتهم بسخاء لم أكن أدري أن أصحاب النفوذ يستلطفون ماء غديري إلا حين أدخلتهم بركتي وأشعرتهم برطوبتي، لكنني لم أكن أرحم بعضهم ممن ثبت لي أنهم يتعسفون في استغلال كراسيهم .. تترادف الأحداث في ذاكرتي وأخاف أن أموت قبل أن أنهي ما بداخلي ....
- لا بأس لقد كونت فكرة عن بداياتك... يكفي فقط أن يتمحص الواحد منا في تاريخك ليفهم كل همومك ما دام الجرح سيد الكلام وما دام ما تقول لا ينعت بالسذاجة ولا بالتفاهة ....
- كيف لي أن لا أحس بأني مجرد رجل تافه بالرغم من شهاداتي ومركزي ؟
- لا تهتم بإحساس يراود أي إنسان ارتكب جرما في حق نفسه كلما فتح قلبه ..
- قد أمسح الكثير من تفاهاتي، لكنني لا استطيع أن أنسى منظر بعض مرضاي ممن كسرتهم حاجاتهم المادية وباعوا أدبارهم لي مقابل أن أعالجهم ..
- لو كان في العمر رجوع إلى الوراء لسرنا وسارت المواويل..خبرني ألم تحبك امرأة من قبل؟ أجل طبيبة معي أحبتني بكل شراهة, ولا يمكن لي أن أنسى ما قدمته لي في أحدى الليالي.. أتذكر أني خرجت نحو البار كعادتي أتسوق بعيني والنظرة عند أمثالي شيء هام.. فتلتقي عيناي بها فجأة بذلك المكان المدوخ تحتسي مشروبها المفضل مع رجلين وسيمين.. وبدأت أتفحص كل جسدها الذي لم يعجبني ! وانصرفت بنظري باتجاه أحد أصحابها الذي خرجت معه بعد عدة دقائق وبصورة سريعة دونما انتباهها بالرغم من أننا لم نتبادل الحديث من قبل.. وتم لقائي الحميمي به بمكتبي بالمستشفى وافترقنا إلى بارات أخرى وفي الصباح التقيت بها...
- سأقاطعك :هل كانت جميلة ؟
- كانت فاتنة بالنسبة للكل إلا أنا.. دخلت في الصباح الموالي مكتبي, وعرضت علي أعضاءها التناسلية, غير أنني فاجأتها بعدم اكتراثي لسمفنوية مناظرها..
- كنت تمارس شعائرك في الخفاء, وبكل نكهة في مكتبك ! ؟
- لقد استطعت في مدة وجيزة بعد تسلمي لمنصب رئيس قسم جراحة العظام بذلك المستشفى, أن أحول مكتبي من مركز للدواء إلى مكان يلهو فيه الجوع التطوري للجنس اللاطبيعي, واحترفت خرق جسد مرضاي..لم أكن أداوي النساء, وكنت أحول ملفاتهم إلى ذلك الطبيب الصيني المغرم بحياء وتواضع نسائنا, الذي كان يعطيه رمزا للأنثى الملائكية التي يحبها.. وفي سن السابعة والعشرين اقترحت علي العائلة أن أتزوج.. كانت فكرة الارتباط برجل من صنفي بشكل مستديم أخر شيء أفكر فيه، لكنها كانت ضرورة ملحة في وقت اكتشف فيه بعض زملائي الأطباء والمقربين مني إنني رجل لوطي, وطبعا لأغير منحى نظراتهم نحوي قررت أن تكون معي امرأة في مشاوري الاجتماعية وعدلت سلوكي الجنسي أمامها تحاشيا لخسران امرأة مثلها، كنت متأكدا من حبها لي وواثقا من استعدادها التام للقبول والتأقلم مع جنوني وهواجسي وعقدي وحواجزي، وبالفعل نجحت في وضع حد لتلك الأقاويل التي أبعدت عني الكثيرين ممن كنت أخطط للإيقاع بهم.. وكان ما كان.. ليلة الزفاف أتذكر أنني ضربتها وكدت أخنقها حتى الموت, كانت امرأة مسالمة وبريئة ولم تكن تعرف عن العلاقات الجنسية سوى ما أوصتها به قريباتها ساعات قبل دخولي عليها , عاشت معي أقبح تفاصيل حياتها ولم تستطع أن تفعل لي شيئا.. اخترتها أمية ومن ريف إحدى المدن الداخلية بغرب البلاد حتى لا تفشي سري ولا تعاندني.. المهم مرت أيام والتقيت صدفة في أحدى النوادي الليلية طبيبة من معارفي على طاولة يقابلها رف في صدره رجل شاب يافع... لا أدري لقد سحقتني مشاعري وحركت بداخلي شعور ماسي شدني ناحيته وعرفت طعم الحب على يده منذ تلك اللحظة, وعرفت كيف تدور الأرض ومتى تذوب الذكريات بماضيها وحاضرها ... أحببته حتى صار قلبي أخاه من الرضاعة, لكنه كان يرجح موازينه لتلك الطبيبة التي كانت بدورها مغرمة بي.. حتى فتات الخبز كنت أقسمه معه, تدينت, سرقت, لا أدري من أين كنت أشتري رموز الرجولة فقط لأجعل سعادته همي.. كنت أخاف أن أدوس على ضلاله وصارت قصتي معه كالقصة المبهمة للرمش مع العين, عيناه ونظراته كانت تهتف فرحا, كنت أعلم أنه يحب النساء كان زير نساء لكن عيونه أخذتني أخذا رعديا وذبحتني ذبحا ساديا.. أذكر ذات مرة دخلت عليه برفقة تلك الطبيبة داخل صيدلية المستشفى وهو يتوسلها لتقبل به زوجا ثم عانقها بكل قوة.. كانا كخطين متوازيين ليس مفترقين.. كرهت نفسي عشرات المرات وتمنيت أن أبول عليها من العلياء .. و فجأة سمعت صوت المحكمة تسألني: ما أسمك؟ فأرد أسمي رجل محتل أعتق كل نساء الأرض.. فتسألني مرة أخرى: ما عمرك؟فأرد: عمري هذا الكون المستغل,عمري قبلة على حجر، قبلة من رفض، عمري رجل بإحساس امرأة, يريد أن يلمس خصرها لكنه لا يريد أن ينام بجانبها ولا يريد أن تضل معه… فتسألني: مهنتك؟ فأرد: مهنتي شحات على أبواب الرجال يريد أن يكون محبوبة كالشاة المذبوحة غير أني لا أتحمل سلخها و أكلها ، مهنتي نقابي حر ينادي بسفح الرجال الذين منحوا للنساء الباردات براءة ولمجوعاتهم براءة..
- كان هذا الطبيب يخيفني بعدما اسود وجهه وبدأ يتعرق, حاولت أن أقنعه بأن يستسلم للنوم على أن يستمر في تفريغ ذاكرته لي في اليوم الموالي، لكنه كان يقول لي أخاف أن أموت قبل أن أكمل لك حصيلة تفاهتي ، غير أنني انصرفت عنه للحظات لجلب مهدئ..
- هل تعتقدين أن الوقت لا زال في صالحي, وأنت تأتينني بهذا الدواء !؟
- عشنا أغبياء طيلة الأيام التي قضيناها وراء أسوار هذا المستشفى, والأفضل لنا أن لا نمشي بنفس الخطى خذ الدواء ...
- المهم شرب ذلك المسكن وهو مثقل النفس, وخرجت من غرفته, ولم أمكث كثيرا حتى وجدته خلفي, يمسكني من شعري في حديقة المستشفى قال لي: أنه يحس بدنو أجله وطلب مني أن أحكي قصته لأمثاله, حتى لا يعيش الرجل تافها ولا يموت تافها كما قال, لقد أحسست أنه بحاجة إلى ضمة صدر وإلى كف يجفف عرقه, تأهبت لطلب الطبيب لكنه ذكرني بأنه طبيب وراح يتسكع في مداشر ذاكرته ليكمل لي فصول قصته..
- كنت حينما أتلصص عليه وهو يحاول نهشها وافتراسها, وهي تقول له أنها مغرمة بي أكرهه, وأدعوه للرحيل من قلبي: اذهب واجمع من حلمات عاهراتك مائة حلمة, اصنع لك سبحة لتعبد هواهن وتقيم لهن الشرائع وتزلزل السماوات السبع من فوقهن .. أتذكر يوم رحيله من المستشفى أني دخلت مكتبه قي قسم أمراض النساء وبدأت أتأمل زخارف بابه وورق جدرانه وخزائنه وخواطره وتحفه, أقلامه, عطره, فصوص الساعة التي كانت تدير الزمن في معصمه وبروق ألوان ملابسه من أسودها إلى أزرقها إلى رماديها حتى المناديل التي ارتشفت دموعه منها يوم رحيله بسبب تلك الطبيبة ..
- قاطعته.. ما كان اسمها؟ أجابني وهو يبتسم: إنها تحمل نفس اسمك يا نائلة, فضحكت من كل قلبي ساعتها.. واستمر.. كانت أشياؤه تحاصرني في كل مساحة من ذلك المستشفى ولم أتعود على فراقه.. كنت كالحجر الذي لا يعترف بانهزامه رغم أن الطبيعة تنحته ورغم أنه يهرم ’لأنني بقيت أحب رجلا كل الحب وهو يحب امرأة كل الحب..
- ورغم هذا لم تقلع عن أفعالك..
- حاولت يا نائلة...
- وماذا عن زوجتك ؟
- لم تكن زوجتي متعلمة بما فيه الكفاية, لكنها كانت على قدر كبير من الذكاء, كما أنها ثقفت نفسها بنفسها.. لقد علمني صمتها وضعفها أن أحتك بالواقع بعدما كنت أموت من الضجر والخيبة .. والذي حدث بعد ذلك هو نشوء إدراك في حقل العلاقة التي تجمعني مع زوجتي التي لم أعرف أنها تخاف مني أو تنفر من اقترابي منها.
- ألانك لم تعد تباشرها من الدبر صح ؟
- أجل يا نائلة لم أعد أباشرها كما كنت أفعل من ذي قبل, لأنني وأنا أضاجعها ذات يوم فقدت احترامي الأساسي لنفسي وكدت أدخل إلى عالم من الهستيريا..المسكينة.. لقد صمت فجأة وانبطح على الأرض وبدأ يبكي و يعوي ويضرب أسفل بطنه.
- أنا السبب في موتها يا صاحبتي ...
- ماذا؟ أنت حقا تافه !
- لقد فجرت بركان شرجها, لم تمت بيدي, بل ماتت بقضيبي بعدما تفنن في نحت بئرها.. ولو كان الشرج يتكلم لصرخ في وأيقظني من ضحالتي, ولو كنت أتمتع بحاسة شم قوية لاستنفرتني رائحة عفن جراح أماكن عمقها .. لقد ماتت.. المسكينة كانت تقول لي شيئا طريفا حين أقترب منها: إن هناك في حياة الجرذان الجنسية فترة من الغزل والتودد قبل عملية الجماع, فكن فأرا للحظة واحدة, كانت طيلة حياتها قبلي, تعتقد أن الطبيب ينبغي أن يكون معصوما من الخطأ مثلما يفترض في الإمام, أن يكون على وجه العموم خاليا من أية خطيئة .
- والواقع أنك حطمت أجمل الصور في مخيلتها البريئة..
- هي السبب.. كان لا بد عليها أن تقتلني, أو تهرب بعيدا عن زبالتي,وعن رحيقي السام وشوكي المؤلم.
- وكيف قضيت ليلة واريت جثتها التراب ؟
- تلك ليلة محفورة باليأس, بت أعوي كالكلب المسعور.. ظنوا أني كنت مجنونا بحبها.. وخرجت إلى شوارع وهران التي تبرأت مني.. رحت أبحث عن مكان للمبيت بعيدا عن غرف بيتنا.. وطال الليل.. لا شيء كان يبشر بصعود الشمس من مشرقها لكنها أشرقت وعرتني..
- وما لذي حدث بعد ذلك؟
- واصلت عملي بعد انقطاع دام شهورا ..
- هل أعياك الندم أم ماذا ؟
- لقد بدأت أعراض المرض تظهر علي..
- وكيف تصرفت ؟ - لم أقل لأحد طبعا إلى أن أتيت أنت اليوم.. أذكر يوما قبل اكتشافي بأني مصاب بالسيدا, وأنا أسير بين أسرة المرضى, وأنا أشعر بفكرة أني رجل لوطي.. كيف كنت أتصبب عرقا وحياء وأنا أحاول في ألم أن أتقبل هذه الحقيقة وسرعان ما فهمت كيف يحس الإنسان حين يقبل شيئا ما.
- وما ذا قلت؟
- قلت لنفسي كم أنا رخيص وسط هؤلاء المرضى, من ذوي الامتياز الجنسي الطبيعي, وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أفقت وخطر لي أن لا أتقبل أني لوطي ؟إذن فأنا إنسان سوي ؟ ما ذا بقي إذن ؟ الذي بقى هو أنني موجود, وعلي أن أجد حلا لمشكلتي, لأنني إنسان أشترك مع غيري في كل شيء, عدا مشكلتي, فأنا لي إذن الحق في العيش والبقاء بطريقة طبيعية.. وتبخر حلم الذهاب إلى واشنطن ولوس أنجلس, لذلك أتيت إلى هنا بعد ما جرى لي .... استغربت !
- واشنطن ولوس أنجلس ! لماذا ؟
- لطالما حلمت بالذهاب إلى هذه المدن ليس للدراسة، بل لأن الإحساس بالانتماء إلى نوادي اللوطيين هناك يساعدني على التخفيف من وطأة الضغط الاجتماعي, وخشية من ظلال الشتيمة. سألته:
- وبعد.. ماذا حدث؟ قال لي مازحا:
- طلع الصباح ونام شهريار... وشدني من أنفي وهو يبتسم.. لا أدري لماذا أحسست أنها أخر ابتسامة لذلك الرجل .. سألته بإلحاح وبسرعة وكأنني كنت خائفة أن يموت قبل أن يحكي لي ما تبقى من تفاهاته التي احترمتها فيما بعد..
- لا تنسي أني طبيب ..
- حتى وأن كنت طبيبا..ألم يراودك الشك في احتمال عدم حملك للفيروس ؟
- راودني..لكنه استقر في الأخير لأني تمنيت الموت فجأة.

- ومن المسئول؟
- أنا المسئول عن قتل هواي, أنا الذي أرتشف فناجين القهوة الخاوية, وأنا الذي طالع الجرائد الخالية, وأنا الذي رقص في الملاهي على عزف الموت, وأنا من سقيت الزرع بالسم, وأنا من أذاب الحنظل بدل السكر في حلق زوجتي..
- وكيف أتيت إلى هنا ؟
- معارفي من بني جنسي يتصدرون موائد السيادة ، خرجت مع أحدهم وها أنا اليوم بالرغم من مصارعتي لمرضي، إلا أنني لا زلت أحب الحياة، لذلك أدعوك أن تحبيها وتنسي ما جرى لك .... بوحي ولا تتركي شيئا يسيطر على حواسك ويبث فيها الفشل واليأس ...تكلمي يا نائلة لست وحدك ... هناك أنا و ديدين وآخرون .... الفصل الثاني حكاية قلب.... في مساء كل يوم أذكر تلك الذكريات... أنعم بالحب لحظة ...وبتمزق الآهات... أصون للحب ذكرى ..... وألعنه آلاف المرات... ليتك كنت حبيبي تعلم عسر البسمات ... ...كنت طيفا فوق سرير بمستشفى بسويسرا.. بعيون تحلق في فضاء الذكريات.. سرت في الأرض وحيدا ...ألعن هذا الوجود .. ..ألعن نفسي ودمعي ..جاريا عبر الخدود نظرت إلى الطبيب الذي سألني عن أحوالي بلهجة جزائرية : " واش راكي ما عليك والوا رانا هنا يا أختي .." قلت : أه يا طبيبي كيف قطف الورود..؟ إني للحب وفيا ..فكيف لي هذا الجزاء .. ؟ فكيف بالغدر أجازى...وهل النور والظلمة سواء ؟ أنهضني ذلك الطبيب الوسيم من على سريري,وأخذني باتجاه النافذة وفتحها على مصراعيها...وقال:
- لا تحزني بعد رحيل أي شيء عنك..لأنك بحزنك ستصرين حبيسة الليل طوال حياتك ...ويخيم الظلام على ذاتك وكلك؟ ..بل اقرعي الأجراس ودقي الطبول .. واهتفي الله كريم...وخذي العبرة من الطبيب ياسين، فبالرغم من هول ما حدث معه إلا أنه حين أدرك أنه قادر أن يعيش بشكل طبيعي , فك جميع العقد التي كانت تلفه كما ترين... بقيت في ذلك المستشفى مدة طويلة, بسبب عملية نزع الرحم وفقداني لطفليّ , وشيئا فشيئا أصبح الطبيب ديدين يتقرب مني ,لم أكن أملك أي طاقة ساعتها لذلك لم أوله أي اهتمام ...لقد كان يطالبني كل لحظة بضرورة إخراجي لكل ما في خواطري ,لم أجبه ساعتها لا بالعربية ولا بأي لغة أخرى .. ..جاء البوليس بعد أيام للتحقيق معي قصد إرجاعي إلى أرض الوطن بعد انتهاء مدة صلاحية إقامتي ...وباسم حقوق الإنسان تدخل وصديقه ياسين لإبقائي تحت الرعاية الطبية, وبعثوا ببرقية توصية إلى سفارة الجزائر بتلك الدولة ..فتدخل سعادة السفير باسم المواقف القذرة من أجل تمديد مدة بقائي على تراب تلك الأرض حتى أشفى ... ....مرت الأحداث بسرعة ...أصبح ديدين لا يفارق غرفتي وتماثلت صحتي الجسدية للشفاء وأصبحت أتكلم وأضحك عندما أرى ديدين يوبخ الممرضات باللهجة الجزائرية ... …وذات أمسية شتوية قال لي أني أعني له أكثر من مريضة... o لست أومن بالحب العفيف فإنه... خلق مثلي وحيدا وحيد .. ليس لي في الحب سوى وهم... هو أحاسيس وشعر ووعيد ... يا ليت سكوتي بنظرات عيني يتحدث.... عن أمل هو دواء لجروحي .. ..يا ليت وطني جاد علي بصور يحميني... من أحاسيس منه على خيالي تجود..يا ليت قصري كان مقفل الأبواب ... ويا ليت أبوابها كان عليها حارس شديد... أريد أن أعود إلى حجري أمي.. لا تودعيني فإني أخشى الوداع .. ويا ليت لحظة المرض هذه دامت فهي عيدي.. لولا اللقاء ما كان الفراق...ولولاهما ما كان الإحساس عميدي .. ..كذب من قال: لم يعش من لم يذق قلبه من طعم الحب أزهارا وورودا.. ..بل مات من عاش الحب وفارقه ...فالحياة له وعيد ومرصاد ... ..أنا متعبة وطويل جدا مشواري..لا تلح علي أكثر من هذا.. ...أنا لم أنل من هذا الحب إلا العذاب فذلني.. وحين تفطنت تيقنت أن لا شيء من جروحي يتداوى بالزمن.. o حاولت في العديد من المرات أن أتهرب من كلامه.. لكنه أصر.. كل مخلوق وأصله من معدن...ففيه الذهب والنحاس وغيرهما .. وفيه الطين والماء ومنه الفتن .. وأنا إنشاء الله من معدن الذهب الخالص ... ..قلت وقد أهديت ذاكرتي المثقلة إلى ذلك الطبيب... إنهما رجلان اثنان لا غيرهما...أحدهما والدي والأخر حبيب الذات والجسد وغيرهما .. سأرحل معك إلى ماض قريب ،بخمائل الطفولة الغراء... ...بعدما أجاسر الفراق .. في الدروب والصخب ..رحلة تعب... رياح على شرفي تهب .. وعيوب القدر لأنني اخترت حبا هدا جبالي .. ولأنني الحقيبة المرزمة للرحيل .. أعماها العمى الأسود فلم تعد ترى... ...تأخذها الرياح .. تنثرها فوق الأرض ..حيث الندم..حيث شوقي..حيث المتاهة.. ..لكن يبقى الرحيل يكشف ..عبقرية الحب العظيم بالصمت الرهيب ... ..كنت يا صاحبي أعيش بسلام..في بلدة فقيرة متعبة هي الأخرى ..لم أتوقع يوما أن أحيا قصة ملتهبة كالتي عشتها... .....أمي طيبة لم يسعفها الحظ ..ومنحها زوجا كوالدي ..كانت طموحاتها وجل أمنياتها مركزة في دعوى واحدة:أن تنجب ولو ذكرا واحدا... كان والدي يكره البنات ..لكنها أنجبت سبع بنات أوسطهن أنا وسط شماتة أهل زوجها.. أدهشته أفكار والدي ..لم أقو على الكلام ذلك اليوم فأعطاني مهدئا ونمت .. في صباح اليوم الموالي وجدت غرفتي مليئة بأنواع الزهور, والدببة والعطور, والبالونات..كانت حلما جميلا رائعا وفي وقته المناسب ... ديدين تعالى بجنبي .. سأكمل لك قصتي ...تقدم نحوي وجلس بجانب رجليّ عند مؤخرة السرير, وقدم لي كوبا من الحليب الممزوج بالشكولاطة ... ..ولدتني أمي وأنا ابنة السبعة أشهر ..وخرجت إلى الوجود برجلي لا برأسي ..لم أرضع نهديها بسبب مرضها ... والدي رفض تسجيلي في سجلات الحالة المدنية, مخالفا بذلك قانون الحالة المدنية الجزائري ...وطرد أمي من ليلتها إلى بيت أهلها , بقيت خالتي ترضعني حوالي شهرين , إلى أن جاءت جدتي عن أبي وأخذتني مع أمي إلى البيت , وأصرت أن تتبناني إلى أن بلغت سن السادسة ...طلبت من والدي أن يدخلني للمدرسة..رفض ..فطلبت من عمي عمر ..تحجج بعدم تسجيلي ضمن سجلات الحالة المدنية..هددتهم بدعوة الشر ...فتدخل عمي أحمد المستشار لدى وزارة التجارة بجاهه وعزه وسجلت بمدرسة تبعد عن مقر بيتي بمسافة لم تكن تتحملها قدماي الصغيرتان ..لم أكن تلميذة نجيبة جدا ..ولم يكن لي أصدقاء ..احترفت السرقة في سن مبكر بسبب تهديدات عصابة من أطفال مدرستي لي... ....أنت جميلة, ويبدو من باب منزلك أنكم عائلة غنية تأكل الجبن، والحلوى ولذلك عليك من اليوم أن تأتينا ببعض الأطعمة اللذيذة, والأشياء الجميلة وإلا فسنضربك...أخبرت مربيتي – أما- هي بدورها أخبرت "الرجالة" كما كانت تناديهم لكن لا أحد حرك ساكنا... أيمكنني أن أدخل غرفة زوجة عمي وأسرق عطرها لأهديه إلى رئيسة العصابة؟..بلى أقدر ...دخلت وتسللت وبالفعل كان أول شيء أسرقه... زجاجة عطر..خبأتها ..وأهديتها لتك المجرمة الصغيرة ...أصبحت بعد ذلك ذراعها الأيمن ...بعد أيام طلبوا مني أن أسرق اللحم من ثلاجتنا..لم أجد في الباب السفلي للثلاجة اللحم ,لأن أمي كانت تخبئه في البراد, وطولي لم يكن يسمح بذلك ..فسرقت بدله البيض و مسحوق الحليب ,وأعطيتهما لهم ...كان سني ست سنوات وبعض الأشهر ...بدأت العائلة الكبيرة تكتشف ضياع بعض الأشياء من المنزل...ومرة اكتشفت أختي الكبرى أمري لما كانت بقرب المطبخ ودخلت علي وأنا أخبئ الجبن في جيب مئزري .. تأملتها بشيء من الشيطنة والخوف وقلت : - لست أنا ... - لن أخبر عنك أحد.. - أ ...هم السبب.. - من ؟ (..لقد قلت " لُمّا " أنهم هددوني ولم يفعل الرجالة أي شيء ...) يومها علمت عائلتي بسر سارقة العطر وغيره... أخذني عمي في اليوم الموالي إلى المدرسة وأخبر مديرها ومعلمتي بالأمر. لقد كانت تعشقه...وصارت تأخذني إلى البيت وعاقبت أولئك التلاميذ ... ..المهم غير لي عمي المدرسة وأنا في الفصل الخامس ’أقمت علاقة مع صديقة في الصف ,كانت تدعى نعيمة ..تقربت منها لكن لسوء حظي غضبت منها صديقاتها القدامى وخاصمنها لأنها عوضت صداقتهن بصداقتي ..فتنكرت لي وخاصمتني ..بعد اجتيازي لامتحان شهادة التعليم الأساسي قررت ألا أبحث عن صديقة جديدة ..وأنشأت علاقة بين القلم والورق ..كنت في ذلك السن لم أعرف بعد من هو والدي كانت جدتي بمثابة كل شيء في حياتي..أما جدي فلم أكن أحس تجاهه بأي عاطفة بالرغم من أنه كان يأخذني معه عند خروجه حتى أنه كان يصطحبني معه إلى سوق الماشية.. كان يناديني – بالنملة الحمراء وبالعلوش ..لأنني كثيرة الحركة وأحب الماشية وأسواقها حتى أنني كنت أنظف له إسطبل مواشيه مقابل قليل من الحلوى أو دينار واحد ... المهم كبرت وفجأة ذات يوم عرفت حقيقة عمي الذي ذهب معي إلى مدير المدرسة في سن السادسة وكشف أمر تلك العصابة الصبيانية لم يكن سوى والدي.. ربما كان ذلك اليوم أكثر الأيام وجعا يوم عرفت تاريخي بعد حوالي خمسة عشر سنة لأول مرة على لسان ابنة عمي...كان لا بد أن أكره والدي... ... كنت مولعة بالأدب وبالموسيقى لذلك لا أحد خطر بباله أن أنال شهادة البكالوريا .....غير أنني نلت الشهادة الحلم وكنت بذلك أول فتاة في العائلة تنال تلك الشهادة..كنا نسكن في بيت كبير ..مع أعمامي وأبنائهم أنا كنت أنام في دار( أما الكبيرة ) برفقة أختي نسيمه التي تبنتها هي الأخرى جدتي, أما وهيبة فقد تبنتها عمتي..كان والدي لا يعمل في تلك المرحلة وكانت أمي الحقيقية لا تملك حتى ملابس داخلية محترمة..كان والدي لا يحترمها ولا يحبنا ..كنا نعيش على صدقة جدي .. .. كان واضحا من دخوله متأخرا, وخروجه المبكر أنه لا يحبها ولكنه لم يكن باستطاعته إعادة الزواج, لأنه أفلس منذ زمن بسبب تجارة التبغ غير الشرعية, التي كان يصرف بفضلها على صديقاته..لقد عاش فترة طويلة في ترف , لكن مصالح الجمارك أوقفته وهو عائد من المغرب باتجاه منطقة فرندة التي كان يخزن في معلمها التاريخي* لجدار(السجائر المهربة, لقد دخل السجن لمدة عام ونصف..خرج بعدها بفضل الرشاوى التي أعطيت للمسئولين آنذاك مكسور الجناح ..كان كل شيء معدا للألم, حيث الفقر لا يرحم..والكبرياء لا يرحم...والقدر لا يخطئ.. بعدها انفصلت العائلة, واستقر أعمامي في بيوت لائقة خبؤوها للزمن من عرق السنين, أما والدي فخرج صفر اليدين لا يملك فلسا عدى بيت العائلة الذي طالب الورثة بحقهم فيه فيما بعد ...عمي الكبير الذي أكرهه أخذ *أما* معه, وتقطعت أمالي ,ودهست مشاعري ...لقد أخذها معه, بعد زواجه من فتاة تصغره بأكثر من عقد.. جاء بها من ريف منطقة السوقر.. حتى لا تسأله عن يومياته, وعن سبب تأخره عن الدخول للمنزل, وحتى لا تتنبه لتلك المساحات الزرقاء التي كانت تظهر دائما أسفل أذنيه, وتتوسط رقبته... ذهبت إلى الجامعة ..وسجلت بقسم الصحافة ..كان الشيء الوحيد الذي برر جهدي في دراستي هو العمل..ومن ثم توفير ملابس داخلية محترمة لأم لم أقبلها في حياتي.. ..وأنا في العام الأخير من دراستي, مرض والدي, وأصيب بمرض الضغط الدموي..لقد تفطن أن لا أحد يتكئ عليه لا والده ولا والدته ..وسقط.. ..هل سقط حقا يومها؟ ..أم أنه مع سقوطه الصحي سجل ارتفاع مزاجه الهجومي؟ ..نعم هذا ما حدث فعلا, بعد تخرجي بشهور, واستلامي لأول منصب عمل عند خاص’ بأجرة شهرية يخسر ضعفها في دقيقة واحدة مع صديقاته. أتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى مدير الأخبار بالتلفزيون ،دخلت على أمينة مكتبه، طلبت منها بكل وقار: أود الدخول عليه قالت: من؟ قلت :الذي حين يتكلم وهو جالس يقف الكل! ردت عليا: وطبعا حين يقف يجلس الكل ! تبسمت, أما أنا فتنهدت قالت: انتظري قلت:أكيد رفعت السماعة وبالإفرنجية قالت: صيادة تريدك! * حدقت في عيونها قالت :انتظري قلت :أكيد مرت الواحدة, الثالثة ;الرابعة والنصف * انه موعد الرسمي للخروج قالت :إلى يوم أخر! قلت: وغد آخر * تأهبت للخروج تبسمت بسخرية وسألتني : إلى أين? قلت إلى غد أخر! قالت :هذا يوم آخر! قلت: هذا آخر اليوم قالت: اللهم اجعل أول يومي نجاح وأخره فلاح! * فجأة خرج ودعته بقبلتين ! * تنبه لوجودي قال لي: مرحبا, أسف أخرتك قالت :وهي عند عتبة الباب في التأني السلامة ! قال: ادخلي قلت :من بعدك قال: شاي أم قهوة? قلت : لا شيء قال: بلى وأحضر شاي بالنعناع قلت: شكرا قال: تكلمي , قلت : أقرأ عيون الناس ،أصحح نحوهم، أقلب خبرهم مبتدأ ،أعرب جملهم الاسمية والفعلية ، قاطعني يا سلام أنثى مثقفة قلت :وعلى قدر كبير من الذكاء قال: والجمال ايضا قلت :الروح لا تصدأ و الوجه يذبل عند باب الثلاثينات قال :ما لنا والثلاثين ؟ قال: تطمعين الى ماذا؟ قلت: خرجت أطلب رزقي وأمل أن لا يتوفى على يديك! قال: أنه أمر بسيط أتركي ملفك ،وعودي يوم الخميس في مثل هذا التوقيت ! * مر الاثنين ،الثلاثاء ،الأربعاء وأخيرا مساء الأربعاء; طلبت منها بكل وقار أود الدخول قالت:كنت في انتظارك قلت: حقا ! حملت السماعة وبالعربية القحة قالت: ما دامت البندقية بمكتبك جاهزة نحن أيضا! حدقت فيها ! * وفجأة خرج ... قال: ادخلي ، أترتشفين شاي أو قهوة؟ قلت: قهوة. قال: أتغيرين من عاداتك؟ قلت :أحيانا, قال : مثلي تماما أغير قلبي، دمي وهج غرائزي ، كل شيء يمسني.. قلت : المهم أنه يخصك. قال لي: لا، أنا جريء بما فيه الكفاية،أغير و أعدل كل ما يسقط عليه نظري. قلت: في قرارة نفسي ( بان محتوى المكتوب !) قال: أتفكرين بشيء ؟ قلت :بلى قال: في التاسعة مساء ! قلت: لم افهم لما التاسعة!؟ قال: وقت بدأ السهرة قلت :أي سهرة؟! قال :قلت انك ذكية ! قلت :إيه نعم في العلم والمعرفة . قال: وفي أسرار الرجال ! قلت :هل أعتبر نفسي سيدة السهرة ،أم الجارية التي تصب الخمر في الكؤوس ؟ قال : ويح ذكائك واختيارك المنسق لأفكارك ! قلت :لأنني ذكية * غير المكان ,ذهب باتجاه معطفه ,أخرج ورقة نقدية, لفها وبدأ ينظف بها أسنانه ! هناك أفرغت فنجان القهوة ... قلت له : الله الغني وانصرفت ... هذه عادات أشباه أرباب العمل عندنا يا ديدين, تبدأ أغلب حكايات النساء الباحثات عن لقمة العيش هكذا, فمنا من تطع الله والرسول ومنا من تطع مفرقو المرء عن زوجه .والدي أصبح يحب المال ..وتقابلت مع عالم المسؤولية.. كان لا بد علي أن أعيل عائلتي..وولجت منحدرا من الخيبات في وقت واحد ..والد لا يهمه أمري ,و مسؤول في العمل يلاحقني,وكأن جسدي معرض ,أو منتزه ليلي..رفضت شذوذه, وبحثت عن عمل آخر عند خاص آخر...فمناصب العمل في مؤسسات الدولة لم تكن متاحة لأمثالي... كان والدي رجل يحب المال حبا مدمرا, تمنيت لو تعانقني* أما*, أو أي عمود مجلجل ..لأتملص من شعور الكره تجاهه..في تلك الفترة أهداني رئيسي في العمل الجديد الذي كان يبعد مقر سكنى بمسافة ساعتين ذهابا وإيابا هاتفا جوالا وإذا بي ذات يوم أذهب في مهمة عمل, لتغطية زيارة وزير لمنطقتي فتعرفت بمسئول محترم بوزارة الثقافة ركبت سيارته وسرنا ضمن الموكب الوزاري.. ونحن في الطريق تجاذبنا أطراف الحديث عن واقع الثقافة بوطننا فأحب مجالستي .. * قال :إنك تستحقين كل الخير وتبادلنا أرقام الهاتف * ذات أمسية رن هاتفي وإذا به هو..أمين ..ذلك الرجل الهادئ.. سألني:مرحبا ..واش راكي ؟ رديت:الحمد لله وأنت راك لاباس ..؟ واصل:سأعرفك على صديقي .. جاوبت:ألو مساء الخير.. راكي مليحة ؟ بدا لي من لهجته أنه من العاصمة.. نعم أنا بخير وأنت؟ وصمت قليلا ..حمل ديدين دبا صغيرا ورماني به .. (.ألو) نعم ..هي السبب .. ...إنها تيارات عشق مهاجر, من العاصمة إلى تيارت, تؤشر بمناديل وردية عبر هاتف ارتشفت منه حبا موجعا ,و تخيلت أنه سينبت في قلبي, مثلما يكبر اسم الشاعر العظيم .. ..تعرفت عليه ,وربطني في رمشة عين في عنقه.. تماما كما يربط ربطة عنقه.. وقال لي مثل مصري : إلي أوله شرط آخره نور ... * قال لي : اسمعي يا حلوتي: أعدك بحب كبير, شرط ألا تطمحي إلى الزواج مني, ليس لأنك لا تستحقين اسمي, لكن لظروف خارجة عن نطاقي ..أريد أن أعيش حاضري.. فلا تحاولي أن تقفزي إلى المستقبل ,أو أن ترجعي ولو بخطوة إلى الماضي ..ولا تسأليني عن طبيعة عملي ولا عن شيء آخر .. لا أدري كيف وافقت على تلك الشروط ؟.... قلت:أنا لا يهمني منك شيء سوى الحب والحنان....ربما قبلت لأني أكره العادي ، وأثور عليه, وربما لأن ثقتي بالحب كانت جد كبيرة !.. دققت الباب انفتح تبسم فاتح الباب قلبي انشرح أقرأته السلام رد بفرح سبقني وقال :مرحبا يا جناحي ونومي وراحتي وغديري ولجت مطأطأة الراس حمرة الخدين يكسوني خجل كبير ودوخة ودوار ..... وعلى اوتار رخام بيته، مشيت نحو غرفة الضيوف همس في اذني :لا تخجلي ارفعي راسك طأطأت رأسي اكثر مد يده الى ذقني ورفعه وحدق بي قال لي انت ملاكي هناك فقط ايقنت انني فعلا جناحه أجلسني على اركيته ذهب وحين عودته رمى على وجهي وشاحا من صوف ونجوم من وورود وشموع و سقاني كوبا من الكاكاو جلس امامي مسك يدي انحنى وقبلها صدقت اني اميرة عصرها قال تقوس شفتيك يذكرني بوقار هلال رمضان وعينيك بعيون الغزلان وبطنك المثني كطي السجل لمكاتيب اهل الغرام صدقت وببلاهة اني اميرة عصرها قال اطلبي اشتهي اامري تدللي ضيعي انت مولاتي ضيعني طمأنني أمنت له اقترب أكثر وضمني ضمة الحبيب الغائب المشتاق صعدت حرارتي ارتجفت اصطكت أسناني هدا من روعي ابتعد قليلا اتشتهين سفرجلا عثمانيا او خوخا عمانيا او ياسمينا حلبيا وادخل يده في جيبه قال اغمضي عينك افتحيها الان وأهداني بنفسجا و شقائق النعمان و طبع على شفاهي قبلة بلعت شفتي وتسلل بداخلي إحساس ما للجه قرار اخذ من يدي كوب الكاكاو ونهض باتجاه خزانة في الرف المقابل اخرج زجاجة حمل كاس آخر صب منها و أرخى فيه قطعة من الثلج ومزجه بالسكر وناولني إياه دوختني رائحته، شربة له وأخرى لي.. ولما تمكن منا الشراب .. قال لي ما ا أقل مودتك ما أنت غريبة بل أنت من أهل الدار. هيا نصعد الى الغرفة هناك دفئ من نوع اخر.. حملني كمراهقة .. وحينما استقيضت وجدت نفسي بواد عارية حتى من زغبي ... هذه هي رحلتي * .وها هو ذا اليوم الذي رأيته فيه..طلب مني أن أصور له أحداث أول لقاء بنا ... سأتصل بك أولا ... إحمل حقيبتك ..ضع فيها أجمل طقم رجالي واركب سيارتك ...سنسافر ..ستجدني عند الحديقة العالية ...نذهب إلى مكان رائع أحس فيه أنك مرتاح..وليكن فندق من 5 نجوم ..لن نمكث في الغرفة ..سنذهب إلى الكورنيش لنتنسم بداية الربيع.سنثلج صدورنا بمشروب غازي, وأجبرك على ركل سيارتك ..وأدعوك للتسوق ,سأعطيك النقود لتشتري لي أجمل الفساتين والعطور, لأني أريد أن أرى حبيبي يدللني بأشياء تعشقها النساء من نقود الرجال, حتى لا أخدعك وأقول لمن بعدك أنه رجل بدوي لم يعط اعتبارا لمثل هذه الأمور.. سنعود إلى الغرفة ..أغتنم لحظة غيابك.. لأحظر لك مفاجئتي.. وأقدمها على مائدة العشاء.. ولتكن سجادة صلاة, وعطر, وزهور...سنجلس على المائدة.. لأكلمك, لأرى وجهك عن قرب..وأنت تتغزل بي, لا أريد أن أخاف منك ’ من ارتعاش يديك , أو شفتيك, تصرف وكأني لست موجودة, سأترك لك الحرية في الغرفة, وهناك فقط أستطيع أن أدفع لك أول لقمة في فمك..لاباس أيضا إن أوينا إلى الفراش, ولا بأس إن وضعت رأسك على صدري ,لكن شرط ألا يدفعك هذا , لأن تنتقل من مروج شفتاي, إلى حدود نهدي ...ودون أن ألا يدفعك هذا , لأن تخجل من غريزتك, وتكون جبانا أمام قدي ... سأدعوك لتقدم لي أروع هدية ,أن تحكي لي قصائدك , أو مشوار حياتك ,على صدري ,سأكون لحظتها أسعد امرأة, لأنني أعتقد أنه لا توجد امرأة أسعد مني, وأنت تداعب خصلات شعري.. هي أجمل هدية ..صدقك لحظة ضعفك ..ستذكرني بأنني إنسان ..وسأعيش لحظات من السعادة... المهم تعرفت عليه إنه وسيم جدا , وهادئ جدا, ومفعم بالأرستقراطية..لقد وجدته يبحث عن امرأة من طراز خاص, ليست لا للملهاة, ولا للجدية.. إنه يبحث عن امرأة تريح تفكيره.. وعديمة الأسئلة.. امرأة لا تدخل في خصوصياته.. امرأة لا ينتهي فكرها.. ليست دمية يأتي اليوم الذي تتآكل فيه , وتصدأ الشيء الذي يجعله يبحث عن أخرى, والدمى في وقتنا هذا مثلما كان يقول لي تغيرت وتطورت , منها من تغني ومنها من ترقص ... كان ناصر ساعدي ,وكتفي, وجدار ذاكرتي, وجليس أمنياتي ,لم أفكر في غدي وأنا معه ,كنت بصحبته أنعم بالحظ الوفير.. فهو من كان يداوي أبي حين يمرض.. ويجفف دمع أختي الصغيرة عندما تبكي ...لقد زوج أختي, ومنحني منصب عمل محترم ,وكان يدفع فواتير الغاز والكهرباء بدلا مني , والأكثر كان يؤثث واجهتي بأجمل الملابس والحلي ..لقد دربني على الدلع والتبضع بكل حرية في كهوف تلك الأيام ... ..ناصر فك عزلتي ,وعلمني حلو الكلام ,وعرفني بشخصيات ثقيلة’ وكان يوصيهم بي خيرا.. كأن به كان يحظرني لما كان آت نحوي, وأنا لم أعي كل ذلك إلا بعدما انصهر لحمي ... نهضت من سريري وذهبت إلى النافذة التي كانت تطل على مبنى السفارة... ديدين: أرى أنك تحبين النافذة أكثر من أي شيء في هذه الغرفة .. لا أدري ربما لأنها تساعدني على استرجاع ما أهوى أن أمحوه, وتريد أنت أن تعيد كتابته.... ديدين في اعتقادك هل الحب جميل .... ؟ تنهدت ورجعت إلى سريري, وحملت مجموعة من الدببة , وقلت لديدين أن يتركني لوحدي ... الحب يا صاحبي.. كارثة تتهدد الجميع.. اعتبار في اعتقادي قادر على فك جميع القيم قادر أن ينزل مستوانا ,يجعلنا نلتزم بحدود جديدة ,يجعلنا نحب آخرين غير آبائنا وأمهاتنا حبا مختلفا ... عاد ديدين إلي بعد حوالي ساعة .. هل تسمح جميلة الروح أن أدخل؟.. بالطبع تعالى بجانبي, وطلبت منه أن يشتري لي مفكرة من الحجم الكبير, ذهب فورا وأتى لي بأجمل مفكرة لديه ..
هل تعتقدين أن الرجل والمرأة حين يحبان بعضهما يكونان بالفعل قد أحسنا صنعا في حياتهما ؟ أعتقد أن الرجل والمرأة يرتبكان أكبر خطأ حين يحبان بعضهما.. فالحب يعطي المسؤولية لحكمهم , لنوعية تعبيرنا.. لتغيير رزنامة أفكارنا. ومواعيدنا.. وحتى أحلامنا... ألا ترين أن الحب هو علاقة تتوفر عندما يوفر لنا الشخص الذي نحبه نفس القدر الذي يوفره لنا من مشاعر , واخلاص , ومواقف ؟ حاولت أن أتهرب من الحديث عن الحب ... ديدين أريد شوكولاطة ..فتح لي علبة وأدخل في فمي أول همسة فرح... كانت علاقتي معه سمعية أكثر منها بصرية.. ديدين : لم أفهم .. أتصور ذلك كان يعمل في العاصمة وأنا كنت بتيارت وكان الوصال بيننا سماعة الهاتف أعتقد أن العلاقات العاطفية عبر الهاتف تكون مفتوحة .


ليست هناك تعليقات: