المشاركات الشائعة

الأحد، 19 ديسمبر 2010

13 قصيدة للشاعرة الاميركية مارلين هاكر
ترجمة أحمد أحمد

مارلين هاركر


سلوى للراشدين

أُسَلّمُ: الألفةُ تفرّخُ
الالتباسَ؛ التّماسك المغلف بالتّحفّظ أكثر نجاعةً.
قد تصبحُ عرضةً للفوضى؛ سيَلحق بي (وبها) الأذى.
في الاحتفاظِ بمسافةٍ ثمة أمانٌ وراحة بال، هو قولُ العاقلِ.

تحت السّترة الأكاديمية
المقلّمة، فوق كنـزة الصّوف المستَعمَلة،
رداءٌ قطنيّ وقميصٌ داخليّ،
تُرحِّبُ يدُك العارية بنهديّ العاريين.




أغنية[1] امرأة فنلنديّة
"أنت بالغة الحكمة،" قالتِ الرّنّةُ، " باستطاعتكِ أن تُقيِّدي
رياحَ الدّنيا إلى شاطئٍ أوحدَ."
هـ . س. أندرسون، من: "مليكة الثلج"


كان بوسعها أن أن تقيِّدَ رياحَ الدّنيا إلى شاطئٍ أوحدَ.
كان بوسعها أن تجدَ كلماتِ الدّنيا في ريحٍ تُنْشِدُ.
كان بوسعها أن تُقدِّمَ إرادةً سحريّةً ليدٍ مُرَقَّشَةٍ.
كان بوسعها أن تتسللَ لِتُدِيْرَ كلمةَ الإرادةِ في ذهنٍ مضطرب.

كان بوسعها أن ترودَ الغابات العذراء على متنِ غزالة.
كان بوسعها أن تسبرَ النَّبع بصولجانٍ من شجر الغبيراء.
كان بوسعها أن تلفَّ جروحَ الذئبِ برباطِ القماط.
كان بوسعها أن تُحيطَ كتاباً مُحرّماً بِقرْبَةٍ من حرير.

كان بوسعها أن تعيشَ حرباً عالميةً على أرضٍ مُجتاحة.
كان بوسعها أن تجرشَ الجذورَ الجافّةَ لتصنعَ منها نوعاً من خبز.
كان بوسعها أن أن تُقيْتَ مُعَبِّديّ الطرق على طعامٍ من ابتكارِها.
كان بوسعها أن أن تجدَ قطع الغيار ممَّا لا حياةَ فيه.

كان بوسعها أن أن تجدَ أطرافاً من حجرٍ في سِقْطِ الرمال.
كان بوسعها أن تتحمّلَ الحفرة يعتريها البردُ، برئةٍ تالفة.
كان بوسعها أن تناوِرَ بالتورياتِ البذيئةِ بالعاميّةِ التي اكتسبَتْها.
كان بوسعها أن تناغيَ اللقطاءَ بلغةِ أمهاتهم.

كان بوسعها أن تضفرَ شعرَ طفلٍ بمشطٍ من حسك الأسماك.
كان بوسعها أن ترعى اشتعال الجمرِ وسطَ الرّيحِ القُطبيّة.
كان بوسعها أن أن تُصلحَ مُحرّكاً بدبّوسِ خياطة.
كان بوسعها أن تُدفِئَ قدماً علاها السّوادُ لِرَجُلٍ يحتضر.

كان بوسعها أن ترتشفَ حساء الحصى من بئرٍ مُريبة.
كان بوسعها أن تتنفّسَ ريحَ الخراء الأخضر من خندق المراحيض.
كان بوسعها أن تشربَ حصّةَ ملكةٍ من نبيذٍ فاخر.
كان بوسعها أن تتأمّلَ في بضعةِ أشياء لن تُعلنَها.

كان بوسعها أن تتعلّمَ رموزَ الأناملِ التي يستخدمها الأبكمُ والأعمى.
كان بوسعها أن تصلَ إلى المفاتيح الحديديةِ للملكةِ المتجمّدة.
كان بوسعها أن تجولَ المُرْتَفَعَ برفقة صديقٍ سكرانْ.
كان بوسعها أن أن تقيِّدَ رياحَ الدّنيا إلى شاطئٍ أوحدَ.




أواخر آب / أغسطس

تتغيّر أحوالُ الطقسُ. يتدرّجُ المناخُ الجبلي
     المعتدل
إلى الخريفيّ.
ثمة صوتٌ كثيف في خشخشة أوراقِ شجرة التين
وتجولُ في بالي صورةُ المدن،
مع ذلك فإنّ الإثمارَ الثاني، المَبْيَضِيَّ[2]، الأرجواني، يتفتّقُ حتى ليبدو القرمزيّ
جاهزاً للقطف.
يسيّج العلّيقُ الدّورَ القرنفليّة التي ابتدأتْ أنساقُها من الطريق المعبّدة
مبرعماً بالتوت
لينضج أسودَ، حافلاً بالبذار، حلواً، لا يتجشم الفرنسيون التقاطه،
لكنني أقطفه أحياناً،
مصطحبةً كيساُ بلاستيكياً في جيبي الخلفيّ، في طريقي من السّوق.
رغبتي أقلُّ من ذي قبل بأن أتعرّى من قميصي صباحاً أثناء العمل على المصطبة.
شراشف السرير وسخة ومجعلكة، لكن لماذا يجب أن نعتلَ
إلى المصبغة المكْلفة
ما قد نحتاجه ليومين فقط؟ فكلّ أحاديثنا
تشي بالفراق.




Languedocienne[3]

هذا الصباح أقبلتِ الرّيحُ، تهزّ شجرةَ السّفرجل،
مُسبِّبَةً الفوضى في فناء الدجاج.

انخلع بابُ السّقيفة على وسعه، انصفقتْ ضلفاتُ النوافذ،
انزلقت الدفاتر والمظاريف عن طاولة مكتبي.

انحنى الحور الذي يفصل بين الدوالي هامساً
على الزيتون والخزامى، وهما مسحتان من صيف قائظ.

تُثيرُ الريحُ توقاً في رأسي. أصبو إلى
سطوح الماء، خفيفةً على أربع ضفافِ أنهرٍ مختلفة،

ثمة ارتعاشٌ فضيٌّ عند حافّة الضّفّة، شلال
يطلعُ مني حين أهبطُ فوقَك.

باكراً إلى محطة القطار؛ حافلة بطيئة تعودُ عبر بلداتٍ أغلقتْ مصاريعَها يوم الإثنين؛
الدرّاق تحت الحور، الرّيحُ في شجرة السفرجل.




من:
الحُبّ، الموت، وتقلّب الفصول




مقهى الهاربين I

ناديت سيارةَ أجرة خارج حانةٍ مُترفةٍ
عصيّة عن الوصف على شارع لِكزينغتون لكي
تمضي إلى مركز المدينة. عناقٌ؛ عناقٌ: هذه المرّة مسحتُ بشفتيَّ
سطحَ شفتيك، وثمة نار
تأججتْ أسفلي في شهرِ شباط هذا. آهٍ تباركَ وتَبَّ
ما تيقّظَ فيَّ إذ لم يُبْدِ ما يكفي من الرزانة.
لن أمضي إلى الفراش معك لأنني
أريدُ الأقصى. إن يكن فيما أريدُ انحرافاً،
فلتكن، كما ستخمّنين، انحرافاتٍ ستستهويني:
املأ الفجوة: مرةً؛ اثنتين؛ ثلاثاً؛ أربع...
فعَلْتُ، مضتْ سيارة الأجرة. بينما لم تأتِ حافلتي المتأخّرة،
وتَكَّتِ الرّغبةُ مثل بندولِ الإيقاع.
بالنسبة إليك، كان هناك مَن ينتظرك في البيت.
بالنسبة إليّ، كنتُ سأتجرّأ على المزيد لو كان هناك مَن ينتظرني.




مقهى الهاربين II

لمرة واحدة، بالكادِ انتبهتُ إلى ما أكلتُه
(سلمون وبروكولي ونبيذ سانت ڤيرا).
رفَّ مرفقي مثل حبّات فاصولياء تتقافز؛ انسربَ العرَقُ
داخلَ كُمَّيّ قميصي. هل يسعني أن أُركِّزَ انتباهي
على أيّ شيء إلا ساقيك مقابل ساقيّ
تحت الطّاولة؟ كان ذلك عسيراً،
لكنني اتخذتُ وضعيّةَ الرّاشدِ
وأنا أتطلّع إليك، وأبادلك قرع كأس النبيذ.
الآن إذ يريدُ كلانا أن يعرفَ ما نُريد،
الآن إذ يريدُ كلانا أن يعرف ما نعرفُ،
يبقى حريّاً بنا أن نعلمَ ما خطوتُنا التالية:
أن نكون يقظَين، نكون سخيَّين، نكون جريئَين،
نكون صادقّين، نكون سويّةً، ونتصرّف.
على الأقلّ لم أصب مرقةً بيضاء أسفلَ مقدمتي.




رُهاب الطيران

لن أهبطَ في اللظى ما لم يكن هبوطي
عليكِ. لن أهبطَ على أيّة حال،
إلا في ألسنة لهبكِ. سأقولُ، ابقي
معي الليلةَ. لن أقولَ لا. قد انتهيتُ
من النظر إليكِ عبر ثقب الباب وأنتِ تتخطّرين مثل Shane.
إذا أفقتُ ساعةَ الذئبِ، دَغْفَلاً[4]، وبي رغبة
بأن أمصَّ أصابعي التي لها مذاق فرْجِكِ،
وبنعومة أُخَلِّلُ العُرْفَ المتشابكَ
حولَ وجهكِ النّؤوم، وأَشُدُّكِ وأُداعبُكِ
وألعقُكِ متيقّظةً ما يكفي لأن
أُعِيْدَ الكرّةَ. غير أنّ ثمّةَ تحذيراً عن تغيُّرِ الرياح يكفي
لأنْ نقرِّرَ أفضل اتّجاهٍ نفترقُ
عندَه، في سيّارتيّ أجرة منتصفَ الليلِ، مع الدعابةِ المعهودة:
"ليلة سعيدة، يا ملاكي- اتّصلي بي لاحقاً في الصّباح."




Le Départ[5]

أودُّ أن أفيقَ وألقي بنفسي فوق باريس،
أتمشى من مارياس نحو مونبارناس
قبل العاشرة من صباح اليوم
الذي سأغادر فيه، تفيضُ العينان في الريح، مُربكةً
نفسي وأصحاب المتاجر بهذا الفيضِ
من الأحاسيس. سنرحلُ الليلةَ. غير أنني أتّجه الآن
نحو طاولةٍ ما (لا تزال إيڤا في السرير)
وأكشفُ عنواني الدائمَ،
الكرتون الذي يغلّف المكان الذي أعيش
فيه معكِ. أنامُ ملء جفوني. لا أحلمُ
بكِ، إلا أنني أستيقظ
وأنا إلى جوارك، أستحمُّ معكِ، أَنطلقُ، أنزلُ الأدراجَ
لكي أحظى بقهوتي الخالية من الكْريم (أما أنتِ فتشربين الشّاي)،
مبصرةً هذا الضوءَ الأشقرَ في شعركِ الصّباحيّ.




صباح السبت

نائمة وقد أخذ بك البراندي، يا حلوتي،
استطاعتْ يدي أن تجد طريقها إلى الموضعِ
الذي تعرفه الآنَ حقَّ المعرفة. رغمَ أنّ وجهكِ
قد استدار إلى الجهة الأخرى مني، نائمةً حتى الظهيرة،
تتقلبين لُصقي. بعد أن فرغْنا
من الكلام (من ثمّ البراندي) حتى الرابعة
فجراً، عزفتِ لي، في العتمة، ثلاث أغنياتٍ
حتى أخذتني إغفاءةٌ- مُنهَكَةً لم أصلِ الرّعشةَ
التي حاولتِ أن توصليني إليها. لذلك اقتعدتِّ الأرضَ
ومعك الغيتار، إلى جواري، تعزفين أغنية تروبادور،
وبعدها، عاريةً، أيقظتِني، شددتِني
لأهبطَ على فمِكِ، شددتِ الفمَ إليكِ واحتويتِني
في الفجرِ الرّماديّ، الذي في إشراقته كان اسمُكِ
مثل البراندي في فمي والرّعشةُ تأتيني ثم تأتيني.




Bloomingdale’s

"لو لم أكن أعملُ، لنمتُ إلى جواركِ
ساعةً أو ساعتين إضافيتين. ثم لَقُدْنا السيّارة
لبعضِ الوقتِ، خارج مانهاتن، باتّجاه
أحد متاجر بلومينغديل في وستشِستر.
ولو رأينا ما نرغبُ به، لكنّا اشتريناه!
جرّبنا مقاسَه، أولاً، في حجرة قياسٍ واحدة.
ولبذلتِ وسعَكِ لكي تحتفظي بهدوئكِ
حين جثوتُ وملأتُ أصابعي
بكِ، أطبقتُ فمي عليكِ، مستندة إلى الجدار.
شددتِ شعريَ َعَضَضْتِ على لسانك.
أمسكتُ مؤخّرتَك وبذلك لن تقعي.
ثمّ، سنذهب في نزهةٍ مطمئنة على امتداد
الممراتِ، تاركَتَين لأيدينا أن تجسَّ، كلما سنحتْ
الفرصة، ما وراء حمالة الثديين وما تحت السّراويل.




رياضُ الأكاديمية

مرّتِ السّاعةُ ببطء، وكانتْ حاجتي مُلحّة
للقهوة؛ ما حرّضَ سوءَ الطبعِ بي.
سألتُ طلبةَ كتابة الشّعرِ،
"أخبروني عن طبيعة الشعر الذي تقرأونه."
كان ثمّة لَوكٌ للشَّعرِ وعضٌّ للأظافر.
الثّلجُ تراكمَ حول الجامعة.
"أنا مقتنعٌ بأدب الخيال العلميّ."
"لا أقرأُ الكثير- القراءة تُضعِفُ تركيزي.
ولا أريدُ أن أسمحَ بمؤثّرٍ على أسلوبي."
"سجّلنا قصائد صوتية لصالح إذاعة الجامعة."
"حين أقومُ بالإلقاء، هل يجب أن أعتني بأسلوب الخطابة؟"
"هل صحيح أنه ليس ثمة شعراء
معاصرون ذوو شأنٍ يستخدمون القافية؟"
"هل تظنين أنها إضاعةٌ للوقت
أن أرسلَ قصائدي إلى Vanity Fair؟"
ما أعنيه- هل ثمة ما يربطهم بما أنا من أجله هناك؟




خاتـمُها

خاتمها حُفِظَ في خزانةٍ حديدية
إلى جانب أوراقِ المئة دولار والوصايا وصكوك المُلكية.
اعتدتِّ أن تخبّئي رسائلي جنباً إلى جنب مع شهادات
الأسهم، أن تفتحي قفل الحُجرة لتقرأي
أفكار الليلِ تلك التي في صندوق حديدي تحت المصرف
حيث ننـزلُ في هذه الظهيرة: لأجلِ قَرضٍ يسير
من مالٍ تعطينيه نقداً، الذي أشكرك
من أجله، لكن وأنا أرتجف. كبعضِ مزحةٍ، نوقّعُ
سند أمانةٍ على صفحة ورقة
مفردة: رائع أن أرى اسمك مكتوباً مع اسمي.
تطوينها، تحفظينها في مصنّف بلاستيكي،
ثم تنقّبين في التُّحَفِ لكي تجدي
وتريَني ما ورثتِ: خاتم أمِّكِ الألماسيّ البرجميّ،
كموشور عتيق في حشيّةٍ من الأطلس.
تستعرضينه. ألمحُ يدَك ترتعش.
تسألينني إن كنتُ أودُّ أن أجرّبَه على إصبعي
لكنني لن ألبسَ ذلك الألماس في يدي.
ذات يوم، أعطيتُكِ خاتماً. أعرتِني خاتماً.
ما استعرتُه ذلك اليوم قد رُدَّ إليكِ.








أيّام من سنة 1999

في إحدى ظهيرات شهر آب
المشرقة، في عودتي من حديقة ورودٍ
متوارية خلف شارع ڤيلاردوان،
فكّرتُ، طليقةً، مأخوذةً، فيما لو تسنّى لي أن أعيشَ وحيدةً
لكان باستطاعتي البقاء هنا
                  ثم أشحتُ الفكرةَ عنّي
بنفس الحدّةِ والاستهجان لفكرةِ " ثمة احتمالٌ
لمطرٍ قادم" لأنني أردتُّ فقط أن يكون لي الخيار،
وقد اخترتُ، أكثر من مجرَّد حصىً
وعرائش، أكثر من مجرّد بَرَكَةِ
رائحة الأرغفة الطّريّة التي تنبعثُ من المخبز،
بَرَكَة الوردة البيضاء التي تفتحتْ للتوّ،
أكثر من مجرّد الصفحة الخاوية لسماء بلا غيوم،
لكي أفيَ الخيارَ حقَّه، مُتَمَلِّيَةً فيه كلّ يوم
مع أن الفكرة تقلّصتْ إلى
فوحِ خبزٍ ساخن ودعابة أولادٍ
في عطلة من دونِ وظائف بيتية
خيارلم أتخذه قطّ قد اتُّخِذَ نيابةً عني
في ذهنٍ آخرَ، بلادٍ أخرى-
حسبتُ أنّ ثمةَ حقّاً لي فيها، ما أدركتُ
 أنه لم يحدث أبداً، كأنّ تلك الموجة الدافئة أتاحتْ لي الانجرافَ
دونما مرفأٍ في الأفق.
يغسلُ رذاذُ الربيع حديقة الورود المتوارية؛
خبزُ المساء ينتفخُ في الفرن:
كلمةُ ما بعد الظهيرةِ تُردِّدُ صدى "وحيدة"
كسماءٍ، يتيمة
في محنتها اليوميّة الكئيبةِ
تفشي أسئلةَ المطرِ المكرورة.



تعتبر مارلين هاكر Marilyn Hacker، واحدة من أهم الشعراء في أميركا اليوم. وقد حصلت على العديد من الجوائز الادبية. تقيم بين باريس ونيويورك، وهي في هيئة التحرير الاستشارية لمجلة بانيبال.


شاعر ومترجم سوري مقيم في أميركا

ليست هناك تعليقات: