المشاركات الشائعة

الأحد، 19 ديسمبر 2010

بنات الرياض
(الفصل الرابع)
رجاء عبد الله الصائغ

ماذا فعل التنبل بقمرة في تلك الليلة؟
ثقافتنا
فقاقيع من الصابون والوحل
فما زالت بداخلنا
رواسب من أبي جهل
وما زلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل
نلف نساءنا بالقطن
ندفنهن في الرمل
ونملكهن كالسجاد
كالأبقار في الحقل
ونرجع آخر الليل
نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل
نمارسه خلال دقائق خمس
بلا شوق، ولا ذوقٍ ولا ميل
نمارسه كآلات
تؤدي الفعل للفعل
ونرقد بعدها موتى
ونتركهن وسط النار
وسط الطين والوحل
قتيلات بلا قتل
بنصف الدرب نتركهن
يا لفظاظة الخيل!
نزار قباني
أكاد أسمع سباب الرجال من القراء ولعنهم إياي بعد هذه القصيدة.
أرجو أن تفهمونا كما أريدكم أن تفهموها، وكما أظن نزاراً قد أراد أن تفهموها.
***
بعد انقضاء شهر العسل، توجهت قمرة مع عريسها إلى شيكاغو، التي اختارها ليبدأ فيها تحضيره للدكتوراه في التجارة الالكترونية، بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في لوس أنجلس، والماجستير في إنديانا بوليس.
تبدأ قمرة حياتها الجديدة بكثير من الخوف والتوجس. كانت تموت رعباً كلما ركبت المصعد لتصل إلى الشقة التي يسكنانها في الطابق الأربعين من البريزيدينشال تاورز. تشعر بالضغط يمزق رأسها ويسد أذنيها كلما ارتفع المصعد طابقاً من طوابق ناطحة السحاب الشاهقة، وكانت تصاب بدوار في كل مرة تحاول أن تطل فيها من إحدى نوافذ شقتها. كل شيء يبدو ضئيلاً في الأسفل البعيد جداً. كانت تنظر إلى شوارع المدينة فتبدوز لها كشوارع ألعاب الليغو التي كانت تلعب فيها أيام طفولتها، بسيارتها الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها حجم علبة الكبريت، بل إن صفوف السيارات من ذلك العلو تبدو كصفوف النمل في صغيرها وتراصها.
كانت تخاف من المتسولين السكارى الذين يملؤون الشوارع، ويهزون علبهم المعدنية في وجهها طلباً للنقود، وتخشى قصص السرقة والقتل التي تسمع عنها في تلك الولاية الخطرة، وتخاف من حارس العمارة الأسود الضخم الذي يتجاهلها كلما حاولت لفت انتباهه بإنكليزيتها الركيكة لحاجتها إلى سيارة أجرة.
كان راشد منشغلاً منذ وصوله بالجامعة والبحث. كان يخرج من الشقة في السابعة صباحاً ليعود في الثامنة أو التاسعة وأحياناً في العاشرة مساءً، وفي عطل نهاية الأسبوع كان يحاول إشغال نفسه عنها بأي شيء، كالجلوس لساعات على الانترنت أو مشاهدة التلفاز. كانت كثيراً ما ينام على الأريكة أثناء متابعته لمبارة بيسبول مملة أو لأخبار «السي أن أن». وأما إذا ذهب للنوم في سريرهما، فإن يذهب بسرواله الداخلي الأبيض الطويل وفنيلته القطنية اللذين لا يرتدي سواهما أثناء تواجده معها في الشقة، ليلقي بنفسه على السرير كعجوز خائر القوى لا كعريس جديد.
كانت قمرة تحلم بالكثير، كثير من الملاطفة وكثير من الحب وكثير من الحنان والعواطف كالتي تدغدغ قبلها عند قراءة الروايات العاطفية أو مشاهدة الأفلام الرومانسية، وها هي تجد نفسها أمام زوج لا يشعر بانجذاب نحوها، بل إنه لم يلمسها منذ تلك الليلة المشؤومة في روما.
بعد أن تناولا العشاء في مطعم الفندق الراقي، قررت قمرة بحزم أن تلك الليلة ستكون ليلة دخلتها التي طال انتظارها. ما دام زوجها خجولاً لا بأس من أن تساعده وتمهد له الطريق كما نصحتها أمها. صعدا إلى غرفتهما بدأت تلاطفه في استحياء، بعد دقائق من المداعبة البريئة صار هو المتحكم بزمام الأمور، استسلمت هي رغم ارتباكها وتوترها الشديدين وأغمضت عينيها بانتظار ما تتوقع حدوثه، وإذا به يفاجئها بفعل لم يخطر لها على بال! كانت ردة فعلها المفاجئة له ولها في حينها أن صفعته بقوة! التقت العيون في لحظة رهيبة! كانت عيناها مليئتين بالخوف والذهول، وكانت عيناه مليئتين بغضب لم تر مثله من قبل. ابتعد عنها بسرعة وارتدى ثيابه على عجل وغادر الغرفة وسط دموعها واعتذاراتها، ولم تره إلا في مساء اليوم التالي عندما قد على مضض لاصطحابها إلى المطار ليستقلا الطائرة المتوجهة إلى واشنطن، ثم أخرى باتجاه شيكاغو.

ليست هناك تعليقات: