المشاركات الشائعة

الخميس، 16 ديسمبر 2010

المجد لإيروس
أحمد عبد السادة

لم يشمّر شرقنا القاحل عن ذراعيه لابادة قيمة ما مثلما شمّر عن ذراعيه لابادة قيمة اللذة الجنسية للجسد، وتلك الابادة الماحقة يتأتى سببها الرئيس من أسس ذكورية صحراوية لا تمت للمنطق بأية قرابة.. أسس تُختزل في وصاية غريبة ومجرمة لجسد ما على جسد آخر.

من الطبيعي القول بأنّ من أشنع وأغرب الافكار التي أنتجها ذلك الشرق - بكل منظوماته القبلية والدينية والسياسية - هو أن يملكَ جسد معين حق الوصاية المستجلب لحق (الفيتو) على الفعاليات الجنسية - بما تملكه من حرية بديهية - لجسد معين آخر تحت مسميات وذرائع شتى تأخذ قوتها العملاقة والكثة من طوافها حول مفاهيم ساذجة وقاتلة ، مفاهيم فحولية بدائية أرتكبت باسمها الكثير من الجرائم الوحشية - على الصعيدين المادي والنفسي - ضد الجسد الانسانيّ وخاصة جسد المرأة .

يريد الحراس الموتورون لهذه المفاهيم - بسذاجة ظلامية وظالمة - أن يسطحوا ويقزموا التكوين العظيم للذة الجنسية بربطه قسرياً- بصورة او بأخرى - بكلمات مثل (الخطيئة ) و(النجاسة ) و(العيب) و(التعفف) وغيرها من الكلمات المقيتة الحاملة لدلالات ذليلة ، وهم بذلك يجاهدون - أيّ هؤلاء الحراس - في سبيل أن يقننوا ويجمدوا الطبيعة البشرية حسب مقاساتهم القبلية والدينية الخانقة التي لا ترى أبعد من كرش أنانيتها المستبدة.

إنّ الجسد الذي يحمل صخرة آلامه وبذور فنائه لوحده من دون شريك له في حمله هذا يصبح له الحق المطلق في أن يقطفَ لذاته وفي مقدمتها اللذة الجنسية.

إنّ حرية الجسد تكمن في كونه مسؤولاً عن نفسه.. عن كل النتائج السلبية والايجابية المترتبة جراء وجوده فالوجه الثاني لعملة الحرية هو المسؤولية كما يقول برناردشو.

الحرية تحتمها المسؤولية.. أي بمعنى أنّ كوني مسؤولاً عن ألم جسدي يجعلني سلطاناً وحيداً على لذته... مقرراً وحيداً لمسارات حرية تلك اللذة بشرط عدم التجاوز على حرية الآخر.

تلك هي الحقيقة البديهية التي لم يفلح شرقنا (سليل الحضارات!!) في حسمها إلى الآن، والتي سنموت من دون أن نشهد اثباتها وثباتها.

إنّ الأزمة الأولى والكبرى لرقعة الشرق الجغرافية التي نعيش عليها هي أزمة تصلب مفاهيم موروثة، فلو وضع أسلافنا مفاهيم نقيضة عن الجنس وعلاقته القسرية بمفهوم الشرف، لتقبلنا هذه المفاهيم ببساطة وهذا يؤكد بأننا مستقبلو ومستهلكو مفاهيم مكرسة سلفاً ولسنا خالقي مفاهيم كما يجب أن نكون.

لقد أدى تصلب المفاهيم الموروثة عندنا إلى فقر فادح في الثقافة الجنسية لدرجة أن العديد من الرجال - حسب قول الدكتورة نوال السعداوي - يعيشون ويموتون من دون أن يوصلوا زوجاتهم معهم إلى الذروة الجنسية (الاورجازم) لانهم لا يعرفون خصوصية جسد المرأة وطاقاته الخفية.

بسبب المحرمات والتابوات الكثة تقف الآن في مجتمعنا قارة من الغربة بين جسد الرجل وجسد المرأة، وهذه القارة كفيلة ببقاء وديمومة الكثير من العلاقات الجنسية الناقصة والمنذورة للتلكؤ والتصدع والانهيار.

في الحقيقة إن الإحجام عن تكريس ثقافة جنسية - لأسباب نعرفها جميعاً- من شأنه أن يؤبد تلك المفاهيم الخلفية ما يؤدي إلى استمرارية انتاج كائنات بشرية مهزوزة وخائفة من الحياة لأنها لا تعرف الحياة، فالمعرفة - كما يراها ماركس- هي السيطرة.

لا شك أنّ الحديث عن الجنس يغري بفتح الكثير من الآفاق الشهية للاسترسال الساخن..الجنس ذلك التصوّف المتحقق بشبقية الجسد الشاهقة.. ذلك الحنين لأعمق خفقة في قلب الكون.. الجنس ذلك الإكمال المؤقت لنقص صريح ومباشر في الجسد.. الجنس ألذ رحلة في الزمان وأجمل زيٍّ يمكن أن يرتديه المكان.

على المثقفين العراقيين ان يسعوا لتكريس خطاب ثقافيّ ايجابيّ متقدم يسعى لإنتاج مفاهيم إيجابية جديدة تطمح الى تقويض المفاهيم القديمة الرثة غير الصالحة سوى للموت، كما يسعى لتشخيص ظاهرة أزمة الحرية الجنسية في مجتمعنا واقتراح الحلول لها وإضاءة ألوهية الجنس بمقالاتٍ منقبة مراجعة أو بنصوص أدبية وذلك من أجل اعادة أمجاد الإله ( إيروس) المكبلة بقرون الظلام والتحجّر ومن اجل رد الإعتبار لتاريخ أجسادنا الذي زحفت عليه وسمّمته مغارات الصحراء بكلّ راياتها العنيفة وبكلّ عقم وبلادة تعاليمها.

لقد امتلأنا بالعدم بما يكفي ليجعلنا ننتصر للحياة ونرد إليها الإعتبار المسروق منها، وذلك عندما تقوم عاداتنا السرية - الجنسية منها والفكرية - بتنكب الجرأة واستعارة تلك العادة العلنية التي تمثلها الكتابة.. فبالكتابة.. بالكتابة فقط يمكننا أن نحوّل كل خزائن العدم... إلى حياة.

ليست هناك تعليقات: