المشاركات الشائعة

السبت، 25 ديسمبر 2010

الحماسة المغربية
الجرّاوي
أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجرّاوي التادلي
(المتوفى : 609هـ)



باب النسيب


قال كعب بن زهير من قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم مدحها في أول الكتاب:
بانت سعاد فقلبي بها متبول ... متيم عبرها لم يجز مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول
ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما تمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل
وقال حسان بن ثابت:
منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
يالقوم هل يقتل المرء مثلي ... واهن البطش والعظام سؤوم
لو يدب الحولي من ولد الذر ... ر عليها لأندبتها الكلوم
شأنها العطر والفراش ويعلو ... ها لجين ولؤلؤ منظوم
لم تقفها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
وقال امرؤ القيس بن حجر:
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل؟
وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل
وبيضة خدر لا يرام خباؤها ... تمتعت من لهو بها غير معجل
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر ... علي حراص لو يشرون مقتلي
إذا التفتت نحوي تضوع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل
كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلل
تصد وتبدي عن أسيل وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل
وفرع يغشي المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل
غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المداري في مثنى ومرسل
وكشح لطيف كالجديل مخصر ... وساق كأنبوب السقي المذلل
وتعطو برخص غير شثن كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهب متبتل
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... إذا ما اسبكرت بين درع ومجول
وقال أيضا:
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب
فإنكما إن تنظراني ساعة ... من الدهر تنفعني لدى أم جندب
ألم تر أني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
عقيلة أتراب لها لا دميمة ... ولا ذات خلق إن تأملت جأنب
وقال أعشى بكر من قصيدة:
عهدي بها في الحي قد سربلت ... بيضاء مثل المهرة الضامر
قد حجم الثدي على نحرها ... في مشرق ذي بهجة ناضر
كبيعة صور محرابها ... بمذهب ذي مرمر مائر
أو بيضة في الدعص مكنونة ... أو درة شيفت إلى تاجر
لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم يحمل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر
وقال عمر بن أبي ربيعة:
تهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ... ولا الحبل موصول ولا القلب مقصر
ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ... ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر
إذا زرت نعما لم يزل ذو قرابة ... لها كلما لاقيته يتنمر
ألكني إليها بالسلام فإنني ... يشهر إلمامي بها وينكر
على أنها قالت غداة لقيتها ... بمدفع أكنان أهذا المشهر؟
قفي فانظري يا أسم هل تعرفينه ... أهذا المغيري الذي كان يذكر؟
أهذا الذي أطريت نعتا فلم أكن ... وعيشك أنساه إلى يوم أقبر؟
لئن كان إياه لقد حال بيننا ... عن العهد، والإنسان قد يتغير
فقالت: نعم لا شك غير لونه ... سرى الليل يحيي نصه والتهجر
ومنها:
يمج ذكي المسك منها مفلج ... نقي الثنايا ذو غروب مؤشر
يرف إذا تفتر عنه كأنه ... حصى برد أو أقحوان منور
وترنو بعينيها إلي كما رنا ... إلى ربرب وسط الخميلة جؤذر
وقال أيضا:
جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتلي
فما أنس م الأشياء لا أنس موقفي ... وموقفها يوما بقارعة النخل
فلما تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فسلمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدو مكاني أو يرى كاشح فعلي
وقال أيضا:
هل تعرف الدار والأطلال والدمنا ... زدن الفؤاد عل علاته حزنا
دار لأسماء قد كانت تحل بها ... وأنت إذ ذاك قد كانت لكم وطنا
لم يحبب القلب شيئا مثل حبكم ... ولم تر العين شيئا بعدكم حسنا
ما إن أبالي إذا ما الله قربكم ... من كان شط من الأحياء أو ظعنا
فإن نأيتم أصاب القلب نأيكم ... وإن دنت داركم كانت لنا سكنا
إن تبخلي لا يسلي القلب بخلكم ... وإن تجودي فقد عنيتنا زمنا
وقال أيضا:

نظرت إليها بالمحصب من منى ... ولي نظر لولا التحرج عارم
وقلت: أشمس أم مصابيح راهب ... بدت لك خلف السجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل ... أبوها وإما عبد شمس وهاشم
طلبن الهوى حتى إذا ما وجدنه ... صددن وهن المسلمات الكرائم
وقال جميل بن معمر:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون: مهلا يا جميل، وإنني ... لأقسم مالي عن بثينة من مهل
أحلما؟ فقبل اليوم كان أوانه ... أم أخشى؟ فقبل اليوم أوعدت بالقتل
فيا ويح نفسي! حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح أهلي! ما أصيب به أهلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
وقال أيضا:
لما دنا البين بين الحي واقتسموا ... حبل النوى فهو في أيديهم قطع
جادت بأدمعها ليلى وأعجلني ... وشك الفراق فما أبقي وما أدع
يا قلب ويحك ما عيشي بذي سلم ... ولا الزمان الذي قد مر مرتجع
أكلما بان حي لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علقتني بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع
وقال أيضا:
رحل الخليط جمالهم بسواد ... وحدا على إثر البخيلة حاد
ما إن شعرت ولا سمعت ببينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادي
لما رأيت البين قلت لصاحبي: ... صدعت مصدعة القلوب فؤادي
بانوا وغودر في الديار متيم ... كلف بحبك يا بثينة صاد
وقال أيضا:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى؟ إني إذا لسعيد
إذا قلت: ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب، قالت: ثابت ويزيد
وإن قلت: ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس، قال: ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبها فيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني إذا ما ذكرتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
خليلي، ما ألقى من الوجد قاتلي ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد
يقولون: جاهد يا جميل بغزوة ... وأي جهاد دونهن أريد
لكل حديث نلتقيه بشاشة ... وكل قتيل بينهن شهيد
وقال أيضا:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد كنت دهرا لا أعد اللياليا
ذكرتك بالديرين يوما فأشرفت ... بنات الهوى حتى بلغن التراقيا
وأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدا ... يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا
وما زلت بي يا بثن حتى لو أنني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا
وددت على حب الحياة لو أنني ... يزاد لها في عمرها من حياتيا
وما أحدث النأي المفرق بيننا ... سلوا ولا طول اجتماع تقاليا
ولا زادني الواشون إلا صبابة ... ولا كثرة الناهين إلا تماديا
ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني ... أظل إذا لم أسق ماءك صاديا
لقد خفت أن ألقى المنية بغتة ... وفي النفس حاجات إليك كما هيا
وقال أيضا:
أبثين إنك قد ملكت فأسجحي ... وخذي بحظك من كريم واصل
ولرب عارضة علينا وصلها ... بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستر: ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
ويقلن: إنك قد رضيت بباطل ... منها فهل لك في اجتناب الباطل؟
ولباطل ممن أحب حديثه ... أشهى إلي من البغيض الباذل
وقال أيضا:
إني لأحفظ غيبكم ويسرني ... إذ تذكرين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلا ... أو نلتقي فيه علي كأشهر

ياليتني ألقى المنية بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر
إني إليك بما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى الغني المكثر
ما أنت والوعد الذي تعدينني ... إلا كبرق غمامة لم تمطر
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت ... يتبع صداي صداك بين الأقبر
وقال أيضا:
وإني لأرضى من بثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجو قد خاب أمله
وبالنظرة العجلى وبالحول: تنقضي ... أواخره لا تنقضي وأوائله
وقال أيضا:
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما ... على عذبة الأنياب طيبة النشر
وبوحا بذكري عند بثنة وانظرا ... أترتاح يوما أم تهش إلى ذكري
أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى ... ببثنة في باقي حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما مت بيني وبينها ... فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري
هي البدر حسنا والنساء كواكب ... وشتان مابين الكواكب والبدر
لقد فضلت ليلى على الناس مثلما ... على ألف شهر فضلت ليلة القدر
وقال أيضا:
وهاتيك أعلام لبثنة قد بدت ... كأن ذراها عممته سبيب
طوامس لي من دونهن عداوة ... ولي من وراء الطامسات حبيب
بعيد على من ليس يطلب حاجة ... وأما على ذي حاجة فقريب
بثينة قالت: يا جميل أربتني ... فقلت: كلانا يا بثين مريب
وأريبنا من لا يؤدي أمانة ... ولا يحفظ الأسرار حين يغيب
وقال أيضا:
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا إنني لك عاشق
نعم صدق الواشون أنت حبيبة ... إلينا وإن لم تصف منك الخلائق
يضم علي الليل أطراف حبها ... كما ضم أطراف القميص البنائق
وقال قيس بن ذريح:
وما حائمات حمن يوما وليلة ... على الماء يغشين العصي حوان
صوادي لا يصدرن عنه لوجهة ... ولا هن من برد الحياض دوان
يرين حباب الماء والموت دونه ... فهن لأصوات السقاة روان
بأكثر مني غلة وصبابة ... إليك ولكن العدو عداني
وقال أيضا:
تكاد بلاد الله يا أم معمر ... بما رحبت يوما علي تضيق
تكذبني في الود لبنى فليتها ... تكلف مني مثله فتذوق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صديق
أذود سوام الطرف عنك وما له ... إلى أحد إلا إليك طريق
وإني وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الردى لشفيق
وحدثتني يا قلب أنك صابر ... على الهجر من لبنى فسوف تذوق
فمت كمدا أو عش سقيما فإنما ... تكلفني ما لا أرى فتطيق
صبوحي إذا ما ذرت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق
وقال أيضا:
تباكر أم تروح غدا رواحا ... ولن يسطيع مرتهن براحا
سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحب مقلته فناحا
وعذبه الهوى حتى براه ... كبري القين بالسفن القداحا
وكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو سقاه ذلك لاستراحا
وقال أيضا:
وإني لأهوى النوم من غير نعسة ... لعل لقاء في المنام يكون
تحدثني الأحلام أني أراكم ... فياليت أحلام المنام يقين
شهدت بأني لم أحل عن مودة ... وأني بكم لو تعلمين ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوى ... سواك وإن قالوا: بلى سيلين
وقال أيضا:
يبيت ويضحي كل يوم وليلة ... على منهج تبكي عليه القبائل
قتيل للبنى صدع الحب قلبه ... وفي الحب شغل للمحبين شاغل
وقال أيضا:
وفي عروة العذري ان مت أسوة ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند

وبي مثل ما ماتا به غير أنني ... إلى أجل لم يأتني وقته بعد
هل الحب إلا عبرة بعد عبرة ... وحر على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع العين بالليل كلما ... بدا علم من أرضكم لم يكن يبدو
وقال أيضا:
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق وحش بلاقع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهم جامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
لقد ثبتت في القلب منك محبة ... كما ثبتت في الراحتين الأصابع
وقال أيضا:
مضى زمن والناس يستشفعون لي ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع
يقولون صب بالنساء موكل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع
إلى الله أشكو نية شقت العصا ... هي اليوم شتى وهي أمس جميع
لعمرك إني يوم جرعاء مالك ... لعاص لأمر المرشدين مضيع
ندمت على ما كان مني فقدتني! ... كما يندم المغبون حين يبيع
إذا ما لحاني العاذلات بحبها ... أبت كبد مما أجن صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقني والعاذلات هجوع
وقال أيضا :
لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... على فنن وهنا وإني لهائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم!
وقال قيس بن ذريح أيضا:
راحوا يصيدون الظباء وإنني ... لأرى تصيدها علي حراما
أشبهن منك سوالفا ومدامعا ... فأرى علي لها بذاك ذماما
أعزز علي بأن أروع شبهها ... أو أن يذقن على يدي حماما
وقال أيضا قيس بن الملوح:
أمزمعة ليلى ببين ولم تمت ... كأنك عما قد أظلك غافل
ستعلم إن شطت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن عقلك زائل
وقال أيضا:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
وقال أيضا:
ولم أر ليلى بعد موقف ساعة ... ببطن منى ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب ليل مغرب
ألا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب
وقال عروة بن حزام:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني
فما تركا من حيلة يعرفانها ... ولا رقية إلا بها رقياني
فقالوا: شفاك الله والله مالنا ... بما حملت منك الضلوع يدان
فويلي على عفراء ويلا كأنه ... على الصدر والأحشاء حد سنان
فعفراء أحظى الناس عندي مودة ... وعفراء عني المعرض المتداني
كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان
فيارب أنت المستعان على الذي ... تحملت من عفراء منذ زمان
وإني لأهوى الحشر إذ قيل إنني ... وعفراء يوم الحشر ملتقيان
تحملت من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان
وقال توبة بن الحمير:
وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبري النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرت به العين صالح
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي وفوقي تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
وقال الصمة القشيري:
حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا

فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى ... وقل لنجد عندنا أن يودعا
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وجالت بنات الشوق يحنن نزعا
تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا
فليست عشيات الحمى برواجع ... إليك ولكن خل عينيك تدمعا
وقال جرير بن الخطفي:
تغالى فوق أجرعك الخزامى ... بنور واستهل بك الغمام
متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام
ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام
أتنسى يوم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة؟ سقي البشام!
فلو وجد الحمام كما وجدنا ... بسلمانين لاكتأب الحمام
فما وجد كوجدك يوم قالوا ... على ربع بناظرة السلام
وقال عروة بن أذينة:
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها
فدنا وقال: لعلها معذورة ... في بعض رقبتها فقلت: لعلها
فإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير لها إلي فسلها
ولعمرها لو كان حبك فوقها ... يوما وقد ضحيت إذا لأظلها
وقال أيضا:
إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هوى بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحر على الأحشاء يتقد
وقال أيضا:
قالت وأبثثتها شجوي وبحت به: ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر
ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها: ... غطى هواك وما ألقى على بصري
وقال أيضا:
يقر بعيني أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود
وأن الماء الذي شربت به ... سليمى وقد مل السرى كل واخد
وألصق أحشائي ببرد ترابها ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود
وقال كثير بن عبد الرحمن:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات البين حتى تولت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذرا فأوفت وحلت
فقلت لها: يا عز، كل مصيبة ... إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
ولم يلق إنسان من الحب ميعة ... تغم ولا غماء إلا تجلت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلت تلاعا لم تكن قبل حلت
وكنت كذي رجلين: رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أغراضنا ما استحلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت غمرة فتجلت
فو الله ثم الله ما حل قبلها ... ولا بعدها من خلة حيث حلت
ولا مر من يوم علي كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلت
فيا عجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطنت كيف ذلت
وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة: كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت
وقال أيضا:
لا تغدرن بوصل عزة بعدما ... أخذت عليك مواثقا وعهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه ... صدق الصفاء وأنجز الموعودا
الله يعلم لو أردت زيادة ... في حب عزة ما وجدت مزيدا
رهبان مكة والذين رأيتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة خاشعين سجودا
وقال أيضا:
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح
تناءيت عني حين لا لي حيلة ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح
وقال آخر:
هل ركب مكة حاملون تحية ... تهدى إليها من مغنى مغرم
عطف الجفون على كرى متبدد ... وحنى الضلوع على جوى متضرم
إن لم يبلغك الحجيج فلا رموا ... بالجمرتين ولا سقوا من زمزم!
ورموا ببائقة الفراق فإنها ... سلم السهاد وحرب يوم السلم
ألوت بأربد عن لبيد واعتدت ... لابني نويرة مالك ومتمم
وقال آخر:
كفى حزنا ألا يزال يعودني ... على النأي طيف من خيالك يا نعم
وأنت مكان النجم منا وهل لنا ... من النجم إلا أن يقابلنا النجم
وقال آخر:
إذا الصب الغريب رأى خشوعي ... وأنفاسي تزين بالخشوع
ولي عين أضر بها التفاتي ... إلى الأجزاع مطلقة الدموع
إلى الخلوات يامن فيك نفسي ... كما أنس الوحيد إلى الجميع
وقال آخر:
طرقتك سعدى بين شطي بارق ... أهلا بطيف خيالها من طارق
يا دار حنظلة المهيج لي الأسى ... هل تستطيع دواء داء العاشق
فلقد تركت القلب مني هائما ... صبا بحبك كالجناح الخافق
وقال عبد الله بن الدمينة الخثعمي:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... لقد زادني مسراك وجدا على وجدي
أأن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنن غض النبات من الرند
بكيت كما يبكي الوليد ولم تكن ... جليدا وأبديت الذي لم تكن تبدي
وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد
على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود
وقال أيضا:
ألا لا أرى وادي المياه يثيب ... ولا النفس عن وادي المياه تطيب
أحب هبوط الواديين وإنني ... لمشتهر بالواديين غريب
أحقا عباد الله أن لست واردا ... ولا صادرا إلا علي رقيب
ولا زائرا وحدي ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب
وهل ريبة في أن تحن نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحن نجيب
وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إلي وإن لم آته لحبيب
وقال أيضا:
تمارضت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد رضيت بذلك
لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرني أني خطرت ببالك
وقال أيضا:
أفي كل يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنساناهما غرقان
إذا اغرورقت عيناي قال صحابتي: ... لقد أولعت عيناك بالهملان
ألا فاحملاني بارك الله فيكما ... إلى حاضر الروحاء ثم دعاني


----------------
- الحماسة المغربية ويعرف ايضا ب (حماسة الجرّاوي) او ( الحماسة البياسية ) و
- صفوة الادب و نخبة ديوان العرب. أبو العباس أحمد بن عبد السلام الجرّاوي التادلي (المتوفى : 609هـ)

ليست هناك تعليقات: