المشاركات الشائعة

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

مربّى الورد
موريس فارحي
ترجمة
خالد الجبيلي
محبوبتنا..
لقد منحتينا نكهة السماء السابعة. ولأن هذه النكهة نادرة كندرة طير الأنكا، فإن العقل يقول إنها يجب أن تدوم العمر كله. لكن ليس للعقل سطوة تحت السرّة. والنكهة لا تكفي على الإطلاق عندما يشتد الجوع، ويتعذر إشباعه.
إلهة الحبّ لثلاثة عشر صبياً...
لم تبح لأحد باسمها. وعندما اختفت، رحنا نستفسر عنها. سراً في البدء، كلّ فتى لوحده. وبعد أن اكتشفنا أننا كنا جميعنا عشاقاً لها، أخذنا نبحث عنها جميعنا. اكتشفنا أن اسمها سونا أزاد.
سونا...
لم يكن قد مضى على استئجار شقتها في بيبيك وقت طويل. ولم تكن تأتي للإقامة فيها إلا في عطل نهاية الأسبوع. وكانت أرقام لوحة سيارتها تشير إلى أنها كانت تقيم في أدرنه، في أدريانوبل القديمة مما أثار قلقنا. ماذا كانت هذه الإلهة تفعل في هذه المدينة المتخلفة؟ (بما أننا كنا من مواطني اسطنبول النخبويين، كنا ننظر إلى أدرنه باستصغار، مع أنها كانت عاصمة الدولة العثمانية قبل فتح اسطنبول وهي مدينة غنية بتراثها). وقرّر تاكيس، اليوناني، الذي يدّعي بأنه يعرف دول البلقان جيداً، أن سونا جاسوسة مهمتها أن تبقي تركيا في مأمن من الشيوعية، وتتمثل مهمتها في أن تتسلل إلى البلدان المجاورة - تخاطر بحياتها في غالب الأحيان وهي تجتاز الحدود الخطيرة - وتغوي السياسيين والجنرالات الكبار.
سيدتنا الجميلة...
كنت قد أطلقت عليها أنا اسم: "مربّى الورد". فما أن عرفت أن مربّى الورد هو المربّى المفضّل لديّ، حتى أطعمتني إياه بعد أن دهنته على فرجها الحليق. فقد كان مذاقه الرحيقي الممتزج بعصير حبّها الرائع، ولا يزال، وسيبقى واحداً من أعظم نعم الحياة التي منحني الله إياها. هل استمتع أيّ من الصبية الآخرين بالمتعة ذاتها؟ لا أعرف. لكني أظن أنه لا يوجد أحد في المهجع يحب مربّى الورد كما كنت أحبّه أنا.
حبيبة مهجعنا...
في السنوات الأخيرة، عندما أصبحت مداعبتها وتوددها لنا جزءاً من ميثولوجيا المعهد الذي كنا ندرس فيه، أطلقنا عليها اسم إلهة الحبّ والجمال.
فهذا الاسم حري بها وينطبق عليها تماماً: خلاص في ثدي، وجحيم في الثدي الآخر.
لكننا يجب أن نعرف، كما يقول الحكواتي محمود سيمورغ، أنه عندما تقوم الآلهة بزيارة عالمنا، فإن هالتها تحرق الأرض. ومع أن محبوبتنا سونا، سيدتنا الجميلة، ست الحسن، منحتنا الخلاص، نستطيع أن نقول أيضاً إنها حطّمت أعظم إنجاز حققناه، مجتمعنا المثالي، مهجعنا.
مهجعنا...
مثال التركيّة كما قال معلّمنا،. أجيك أحمد...

أضحى مهجعنا يعرف باسم غيليبولو. ويشير هذا الاسم ضمناً إلى أننا، نحن الذين نقيم فيه، ننتمي إلى نفس معدن قوات أتاتورك في غاليبولي. ولم نكن نحن من أطلق هذا الاسم، بل أطلقه علينا نزلاء المهاجع المنافسة.
كنا نستحق هذا اللقب عن جدارة. فمع أننا كنا نشكل فرقة صغيرة، سواء من حيث العدد أو من حيث العمر، فإننا لم نهزم ولا مرة واحدة في المعارك التي كانت تدور بين نزلاء المهاجع خلال السنتين التي اجتمعنا فيهما معاً. ولا يزال هذا الأمر إنجازاً هاماً في معهدنا. فقد كانت المهاجع في تلك الأيام، تضم عادة صبية من مختلف الأعمار - حتى أن بعضهم كان يتجاوز العشرين من العمر القادمين من المناطق الداخلية في الأناضول، فيما كان مهجعنا، كما جرت العادة، يضم صبية لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة والخامسة عشرة.
عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، يمكنني أن أقول دون تردد إن تركيبتنا المتعدّدة الأعراق والأجناس هي التي جعلتنا نشعر بأهميتنا. فقد كنا نحن الصبية الأربع والعشرين، نكاد نشكل طيف التنوع السكاني الكامل في تركيا: أبخاز، ألبان، أرمن، آذريون، بوسنيون، قوقاز، دونمة، جورجيون، روم كاثوليك، روم أرثوذوكس، يهود، أكراد، لازاريون، مشرقيون، عرب نصيريون، بوماك، بونتوس، وروس (روس بيض، كما كان يحلو لهم أن يسموا أنفسهم)، سريان (الذين يعرفون كذلك بالآشوريين)، تتر، وأتراك ويزيديون. إذن لا توجد ملة واحدة - الكلمة العثمانية التي كانوا يطلقونها على مختلف الأديان والأعراق التي استخرجها معلّمنا من التاريخ - تشكّل أغلبية في المهجع يمكنها أن تسيطر أو أن تدّعي التفوق، كما كان الحال، ولا يزال في بعض المهاجع الأخرى.

محبوبتنا...
كانت تقف خارج باب المعهد، في بداية الفصل الدراسي الثاني.
أظن أننا لاحظنا وجودها على الفور. كانت تقف بجانب سيارتها الستديبيكر المكشوفة، تدخّن. كانت تبدو وكأنها خرجت من المجلة الأمريكية، "إسكواير". في البداية، بما أنها كانت تأتي أيام السبت، اليوم الذي تبدأ فيه إجازة عطلة نهاية الأسبوع، ظننت أنها إحدى الأمهات التي جاءت لترافق ابنها. وفيما كنت أراقبها وهي تسحب نفساً من سيكارتها مثل ريتا هايورث، اعتراني شعور بالأسى على الصبي: تخيلات حول أمهات شهوانيات كنّ زادنا ووقودنا في ممارسة العادة السرية. (لماذا كانت جميع النساء الشهوانيات يدخّنّ دائماً؟ هل ليحذرننا، نحن الرجال، بأننا لا نصلح إلا لبضع نفخات منهن ثم يلقين بنا؟)
كان لون شعرها كستنائياً لامعاً، يجاري - كما تبين لي في نهاية الأمر – لون مكمن أنوثتها الأحمر الضارب إلى الأرجواني. فقد كانت قد ورثت عضوها الجنسي الداكن المتدرج الألوان، كما قالت لي بجدية تامة، من أحد أجدادها السودانيين، الذي كان أحد الخصيان في واحد من حرملك السلطان، إلا أنه من الواضح أنه لم يكن مخصياً حقيقياً. بل على العكس، كان لون بشرتها أبيض ناصعاً، إلى درجة أنها إذا استلقت عارية فوق الثلج، فلا يمكن تبينها إلا من لون شعرها وعينيها وفمها وحلمتيها.
وسرعان ما أصبح وجودها مثار تساؤل. فلم يكن لديها ابن. بل كانت تقف بالقرب من البوابة، وتراقبنا ونحن نندفع خارج المدرسة كالسجناء الذين أطلق سراحهم من الباستيل. كانت كما لو أنها قد خصصت صباح أيام السبت لتخرج في نزهة إلى بيبيك، حيث تهبّ نسائم البحر العليلة، وحيث تمتد أمام أبصارنا مناظر طبيعية رائعة، وحيث يمكنها أن تمضي وقتها في ألاعيب متوحشة مع الفتيان الأقوياء البنية. وكنت أتذكر قصصاً عن نساء منحرفات يتسكعن خارج مدارس البنات، وكنت أتساءل إن كان يوجد لها نظير نسائي. إلا أن أؤلئك المنحرفات، كنّ عادة مسنات، كما كان يقال، أما هذه المرأة، فلا شك أنها كانت في ريعان الصبا.
(أشكّ في أنها كانت تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها، أما بالنسبة لصبي في الرابعة عشرة من عمره، ويرغب في أن يصبح في الخامسة عشرة بسرعة، فقد كانت جميع النساء اللاتي في عمر أمّه مسنات).
لم أكن أعرف أن الأمر سينتهي بي بعشق نساء في عمر معين لأنهن فقط، بسبب نضجهن، يستطعن أن يقدمن معجزات جنسية. فلكي تصبح المرأة معجزة جنسية، تحتاج إلى سنوات عديدة من المطارحات الغرامية الحماسية – وإلى قدر ضئيل من الفشل. علماً بأن حالات الفشل هامة أيضاً، لأنه دون معرفة الفشل، لا يمكن للمرء أن يتذوق طعم النشوة. وكان معلمنا أجيك أحمد، الذي كان شديد التأثر بالصوفية، كثيراً ما يقول لنا: "انظروا كيف أن خيطاً رفيعاً يجمع بين النجاح والفشل، والبهجة والحزن، والولادة والموت".

ثم جاء دوري.
كان أحد أيام عطل نهاية الأسبوع في شهر نيسان، عندما تطارد الأمطار المتقلّبة، التي تهطل مدة ثمانية وأربعين ساعة متواصلة، أيام الربيع العليلة. وكان الهواء يثير إحباط الناس وهم يجوبون التلال بحثاً عن براعم نبات الفراولة.
وشأن معظم أهالي البوماك، كنت شخصاً برمائياً. ففي نهاية ذلك الشتاء، لم أعد أطيق صبراً في أن لا أشارك الدلافين ألعابها. لذلك، عندما خرجت من المدرسة، قرّرت أن أمشي تحت المطر غير عابئ به. أما أصدقائي الذين لم يبدوا حماساً للقيام بذلك، فقد هرعوا إلى بيبيك لركوب الحافلات، أو الترام أو سيارات الأجرة الجماعية.
توقّفت ورحت أحدّق في القارب المربوط بطوافة تبعد مسافة عشرين متراً. وطالما اشتهيت هذا القارب، الذي وعدت نفسي بأن أملكه ذات يوم. (لا تسألني كيف سأحقق هذا الحلم، بعد أن قرّرت، سعياً وراء المثالية التي غرسها فينا المعلّم أجيك أحمد، أن أتخذ التعليم مهنة لي).
ثم سمعتها تناديني.
"أيها الشابّ!"
كانت تقود سيارتها الستوديبيكر، وتوقّفت بالقرب من الرصيف. ربما بدا صوتها أجش، لكنها كانت فاتنة للغايةـ إلى درجة أني رحت أحدّق فيها، مرتبكاً.
"نعم؟"
"ألا تسمع؟"
"آسف..."
"كنت أناديك..."
"أوه... المعذرة... - كنت أحلم أحلام يقظة..."
قالت بابتسامة: " بحوريات البحر؟"
"لا..."
"تأكّد من أنّ تكون لها سيقان. فالحوريات ذات الزعانف ليست ممتعة كثيراً..."
"ماذا...؟ أوه...."
ضحكت من قلبها لأني شعرت بالحرج. بدا أنها من سيدات المجتمع اللاتي يعتبرن أنهن يتفوقن على الرجال. "بيبيك - كم تبعد بيبيك عن هنا؟"
أشرت باتجاه القرية، التي لا تكاد تبعد مسافة نصف كيلو متر. "إنها هناك".
نظرت في قصاصة من الورق. "إني أبحث عن شارع – يني زقاق. إنه الزقاق الذي أقيم فيه. هل تستطيع أن تساعدني في إيجاده؟"
"هناك بائع صحف عند الناصية. إنه يعرف".
فتحت لي باب السيارة وقالت: "اصعد". وعندما رأتني متردداً، أشارت إليّ قائلة: "هيا، هيا. فأنا بحاجة إلى مساعدتك. فقد انتقلت إلى هذه المنطقة منذ فترة وجيزة".
صعدت إلى السيارة كإنسان آلي. أردت أن أعبّر لها عن دهشتي بأنها لم تتمكن من العثور على بيتها، وخاصة وأن بيبيك قرية صغيرة جداً، ولا يمكن، حتى لأعمى، أن يتيه في أزقتها. لكني كنت معقود اللسان.
انطلقت بسرعة كسائقي سيارات السباق. نظرت إليها بمزيج من الإعجاب والوجل. وسجّلت ثيابها في مخيلتي: حذاء أسود، جوارب نسائية سوداء، تنورة سوداء، بلوزة سوداء، وشاح أسود، وسترة جلدية سوداء. وفجأة خطر ببالي شيء. فما هذه إلا امرأة وجودية. جولييت غريكو، رمز جيلي، ورمز الفساد الخلقي بالنسبة للمؤسسة ولآبائنا. ها هنا التمرّد مجسداً.
نخزتني بمرفقها. "قلت بائع الصحف، أين هو؟"
أشرت إلى الدكان.
وفي الوقت نفسه تقريباً، لمحت ديميتري واسماعيل، يقف كل منهما على أحد جانبي الطريق، يراقبانني. لوّحت لهما، لكنهما تجاهلاني.
وبعد لحظات، رأيت جنكيز، ثم إشبر، ثم أكوب وكاظم، الذين كانوا جميعهم يقفون بالقرب من بائع الصحف. كانوا مبللين بالمطر، ومع ذلك كانوا يتسكعون لسبب لا أعرفه. لوّحت لهم أيضاً، لكنهم تجاهلوني كذلك.
عندما وصلنا عند بائع الصحف، أشارت إلى طريق على اليمين. "إنه يبدو مألوفاً. هل أجرّبه؟"
"قرأت لوحة الشارع: يني زقاق. إنه هو!"
استدارت باتجاهه، وقالت بصوت منتش يشبه هديل حمامة: "لا بد أني أملك مقومات المستكشفة! السيدة ماجلان! ألا يبدو هذا جيداً؟"
ابتسمت وهمهمت إقراراً بذلك.
"نريد رقم ثمانية وثلاثين".
كنت أحدّق في شعرها: كان كستنائياً داكناً متدرج اللون كما قلت، لكنه كان منفلتاً طليقاً ويتطاير مع الريح ويتموّج مثل شجرة صفصاف. لا بد أنها امرأة وجودية. لكنها كانت تقارب أمّي في السن. هل يوجد وجوديون في مثل عمرها؟
رأتني أحدّق فيها. " هل هناك شيء؟"
"لا. لا... إني أبحث عن الرقم ثمانية وثلاثين".
"ولد جيد".
تبين أن الرقم ثمانية وثلاثين يقع في منتصف الشارع. وتبين أنه واحد من تلك الأبنية الخشبية الجميلة من مخلفات اسطنبول العثمانية. "هناك!"
أوقفت السيارة خارج البيت، أطفأت المحرّك وأطلقت تنهيدة بالشعور بالفرج. "لقد وصلنا".
هززت رأسي.
ربتت على كتفي. "شكراً. كنت رائعاً. ما كنت لأجده لولا مساعدتك".
ابتسمت باستحياء. ثم، أحسست أني ربما كنت أثقل عليها، فنزلت من السيارة.
نزلت هي أيضاً، وبدأت تبحث في حقيبتها عن مفاتيح بيتها.
أخذت أسير مبتعداً. "إلى اللقاء..."
وجدت مفاتيحها. "لا تذهب هكذا. لقد كنت لطيفاً جداً معي! تعال واحتسي كأساً! أرني كيف تشرب العرق أيها الشاب الشجاع".
"ماذا تريدين أن تريني؟"
"كلّ الأشياء السرية".
حدّقت فيها مشدوهاً.
"هل تضيف إليه الماء أم تضع فيه مكعبات الثلج فقط؟ وماذا تتناول معه؟"
هززت رأسي. "أوه، فهمت قصدك..." حاولت أن أبدو خبيراً في أمور الدنيا. "كما تشائين؟"
كانت قد فتحت الباب الأمامي الآن. " هيا أرني! أووه! الجو لطيف ودافئ هنا!"
وقفت عند المدخل متردداً، مع أني أحسست بالشرف الذي تفضلت فيه مثل هذه المرأة البالغة ودعتني لاحتساء كأس.
شدتني من كمّي. "هيا ادخل، لندخل اتقاء من المطر!"
عندما وقفت في المدخل المزخرف، رحت أتنشق رائحة العطر التي كانت تتضوع في البيت. عطرها. سيبقى في أنفي لسنوات وسنوات.
ألقت بحذائها من قدميها، وأشارت إلى الغرفة الأمامية. "هناك. يمكنك أن تجد العرق . يوجد ثلج ومياه معدنية. صبّ بسخاء. لا شيء يعادل كأساً مترعاً من الشراب. سأعود بعد لحظة". وصعدت الدرج.
علّقت معطفي وحقيبتي على المشجب. ثم خلعت حذائي ولبست نعلاً منزلياً. ربما كان نعلاً سحرياً ينقلني من الحقيقة إلى الوهم.
وما عزز هذا الشعور لديّ رحابة الغرفة الأمامية الهادئة. لعلي أتيت إلى إحدى تلك المعتكفات الداخلية العثمانية التي طالما قرأت عنها، ورأيتها في الصور، لكن التي ، كما قال المعلم أجيك أحمد أنها زالت من الوجود، ربما كانت لا تزال موجودة في البيوت المحافظة، لأن الاتجاهات الغربية هيمنت على البلاد في أعقاب إصلاحات أتاتورك. ورغم أن الغرفة كانت تعج بالأرائك الخفيضة، والوسائد الناعمة، والمناضد الصغيرة المطعّمة بالعاج، ورفوف من التحف الفنية الصغيرة، وصحون إزنيك التزيينية، فقد كانت تمنحك إحساساً بالرحابة. وأضفت ألوان الأثاث الأصلية البراقة، وخاصة السجاد القديم، بريقاً نبيلاً. وخيّل إليّ، وأنا متجه إلى الخزانه التي توجد فوقها صينية تضم مجموعة متنوعة من القناني، بأني إذا صفقت بيديّ، فسيظهر سرب من الجواري لخدمتي.
ولدهشتي، اعتراني شعور بالإثارة. ربما لأني حدست بما سيحدث، مع أنه، بسبب عمر مضيفتي، لم تخطر ببالي أفكار عن الجنس معها – إذ إن هذه الأفكار لم تكن تراودني إلا في التخيلات فقط. وكما يقول أستاذنا أجيك أحمد، فإن الجسم أكثر حكمة من العقل.
ملأت قدحين ووضعت فيهما مكعّبات من الثلج، وصببت قدراً وافراً من العرق فيهما. ثم أعددت كأسين من المياه المعدنية، وأضفت إليهما الثلج أيضاً، ورتّبت صحون الفستق والفواكه المجفّفة والحلويات، بأفضل ما يمكنني، ورتبتها فوق إحدى المناضد الصغيرة.
[/align]
* * *
[align=justify]
عندما عادت، كان الثلج في القدحين قد ذاب. ورحت أثناء ذلك أتململ في مقعدي، وفكّرت أني يجب أن أودعها وأغادر المنزل في الحال، مع أني كنت أرغب في قرارة نفسي في أن أبقى، فقط لأستنشق عبير عطرها، الذي عبقت به الغرفة كلها، وعمل على إثارتي.
جاءت يتضوع منها المزيد من العطر. وكانت تفوح منها هذا المرة، رائحة صابون المسك، مما يعني أنها استحمت أيضاً. إن فكرة أنها خلعت ثيابها فعلاً، ومشت عارية، وغسلت مكمن أنوثتها وفركته بالصابون، في أثناء وجودي في البيت، لا يفصلني عنها سوى سقف وجدار ودرج، ملأت مخيلتي، وجعلت عقلي يتوقف عن التفكير.
بدلّت ثيابها وارتدت رداء فضفاضاً – أسود، كالثياب التي كانت ترتديها، ومتلألئاً. كانت حافية القدمين، ولم تكن أصابع قدميها مصبوغة بطلاء الأظافر. وقد تركت شعرها ينسدل كشلال على كتفيها، مفترشاً ردائها الأسود البراق، مما أضفى عليها بريقاً رائعاً. أما ما تبقى من شعرها، فقد انسدل إلى الأمام، وشكّل شقّاً أوحى لي بأن صدرها ممتلئ، مع أنه لم يكن كبيراً جداً. ولم تكن ترتدي حمالة صدر.
وعلى الفور نسيت مسألة عمرها.
قدمت لها كأس العرق .
فحصته كما لو كانت تفحص شراباً غريباً. "أرى أنك تشربه بالماء، أرى..."
"لا. بالثلج. لكنه ذاب. إنه جيد للشرب".
هزت رأسها. "والمياه المعدنية؟ مشروب إضافي؟ حقاً؟
"هكذا أحبّه".
"وهذا يكفيني جيداً، وأشارت إلى الأطعمة الشهية على المنضدة الصغيرة. "تفضل". وأشارت بيدها إلى الأريكة وقالت: "اجلس".
كنت مستثاراً إلى درجة كبيرة – لذلك شعرت بالحرج واعتراني الخجل– تهالكت على الأريكة. تناولت حفنة من الجوز، آملاً أن يصرف ذلك انتباهي بعض الشيء. كان قلبي يخفق بشدة حتى خيّل إليّ أنه سينقذف من فمي، ولن يتوقف إلا عندما يرتطم بأسوار المدينة البيزنطية.
جلست أمامي على وسادة على الأرض، وقالت: "ما اسمك؟"
انفرج رداؤها قليلاً، كاشفاً عن أحد فخذيها.
كان مكتنزاً، لكنه كان متيناً وصلباً.
جفّ حلقي، واختنق صوتي وخرج كهمس أجش. "مصطفى".
ابتسمت. " اسمك على اسم أتاتورك".
لم أتمكن من أن أشيح بعينيّ عن فخذها. ويائساً، ارتشفت جرعة من العرق. كنت أعرف أنها تراقبني وأنا أنظر إليها فاغر الفم. أرغمت نفسي على أن أقول شيئاً. "أنا ممن يسمون بالبوماك. نحن أصلاً من بلغاريا".
"هل أنت مختون؟"
"ماذا؟"
"يكون البوماك عادة مختونين، أليس كذلك؟"
"بالطبع، فنحن مسلمون".
لفتّ ساقاً على ساق. "شكلها أجمل – الأعضاء المختونة. من الناحية الجمالية، فهي أكثر أناقة".
لم أعد قادراً على التحكم بدقات قلبي. فعندما لفتّ ساقاً على ساق، تباعد رداؤها أكثر. وانكشف الآن فخذاها كلاهما. ولمحت من فوقهما انحناءة أحد ردفيها، وكذلك لمحت، وهذا لم أكن أحلم به، جزءاً من مكمن أنوثتها.
"ألا توافقني في الرأي؟"
"ماذا؟"
"أن الختان يجعله جميلاً. فالقلفة تبدو قبيحة للغاية".
أرغمت نفسي على التحدّيق في قدحي. " لا – لا أعرف".
"ألم تر صبياناً غير مختونين؟ كنت أظن أنه يوجد فتيان من جميع الأجناس والأديان في مدرستك. لا بد أنك رأيت ذلك. في المهجع، أو في الحمّام".
"نعم... لكن..."
رفعت هذه المرة، ساقها عن الساق الأخرى، وكشفت قدراً أكبر من لحم فخذيها، وتمكنت من رؤية مكمن أنوثتها بالكامل. كان ناعماً، حليقاً. لا أثر لشعرة واحدة فيه. ثم خطر لي أنها ربما لم تكن وجودية، لم تكن جوليت غريكو أخرى. فالنساء اللاتي يحلقن شعر عانتهن - وآباطهن - يفترض أنهن مسلمات تقيات. إذ إن إزالة الشعر دلالة على النظافة الشخصية، ويعكس صحة عقلية وأخلاقية.
راح العرق البارد يتصبب مني. أحسست بيديّ ترتعشان. نظرت إليها. ابتسمت.
مرة أخرى، شعرت بأني يجب أن أقول شيئاً. "ما اسمك؟"
لوّحت بيدها بحركة رافضة وقالت: " أوه، إنه أكثر الأسماء قبحاً في العالم. فأنا لا أستخدمه أبداً. إني أفضّل الأسماء التي يطلقها عليّ أصدقائي. ماذا برأيك يجب أن أدعى؟"
لم أتذكر أي اسم امرأة – سوى اسم أمّي. "إيبك".
هزت رأسها تقديراً، ثم رفعت كأسها.
"ممتاز. هل تظن أن هذا الاسم يناسبني؟"
بالتأكيد كان يناسبها، فإيبك تعني الحرير. "بالتأكيد".
مدّت يدها وتناولت علبة سكائرها وقداحة.
"إنك شهم حقاً".
هذه المرة تمكنت من رؤية منحنيات ردفيها بالكامل. وكنت على درجة شديدة من الإثارة إلى حد أني ظننت أني سأقذف في سروالي.
أشعلت سيكارة كما لو أنها كانت تؤدي طقساً من الطقوس.
وفجأة فكّرت بأن السيكارة قد تسعفني في الخروج من ورطتي.
"هل يمكنني – هل يمكنني أن أدخّن سيكارة أيضاً؟"
"بالطبع". مالت إلى الأمام، وقدّمت لي علبة السكائر. وفيما مددت يدي لتناول السيكارة، وقع نظري على نهديها. وكما لاحظت في البداية، لم يكونا كبيرين جداً. لكنهما كانا يتأرجحان على نحو يسيّل اللعاب. هالتان داكنتان. وحلمتان مدببتان.
رأيتها تراقبني. ومرة أخرى، أشحت بنظري عنها بسرعة.
أشعلت سيكارتي. لامست يدها يدي.
"يا إلهي. إن يديك نديتان".
كانت يداي تنضحان عرقاً - دبقتان من عرق الإثارة. "أنا...."
قفزت واقفة وقالت: "إنك مبلل بالمطر حتى العظم وأنا جالسة أثرثر معك"، وسحبت كنزتي قبل أن أتمكن من الإقدام على أي حركة.
"لا بأس في ذلك".
"لا. إنها مبللة. اخلعها"، وبسرعة فكت أزرار قميصي ونزعته أيضاً.
جلست، وقد تحوّلت إلى صنم من حجر، غير قادر على أن آتي بأي حركة.
"الصدريّة رطبة أيضاً". ونزعتها أيضاً. "إنها ستجف بسرعة".
فكّرت أنه عليّ أن أغطّي صدري العاري. لكني لم أقوى على الحركة.
مررت يديها على كتفيّ. "إنك فتى قوي، أليس كذلك؟ أراهن أنك تمارس الرياضة".
"نعم".
"أي نوع من الرياضة؟"
"السباحة. رفع الأثقال. المصارعة".
"آه.. مصارع من البوماك! تخيّل هذا!"
نظرت إلى الأعلى بحدّة. "وما العيب في ذلك؟" "لا شيء. إنه شيء عظيم. لقد آن الأوان لكي يظهر البوماك قوتهم".
"هل أنتِ من طائفة البوماك أيضاً؟"
"لا".
"ماذا إذن؟"
"قليل من كلّ شيء. لا بد أنها مثيرة للغاية - المصارعة. جسد متشابك مع جسد آخر... كالجنس، على ما أظن..."
"لا - لا أعرف...."
"لا؟ من المؤكد إنك تعرف...".
"المصارعة عمل شاقّ... كذلك يجب على المرء أن يفكّر - بالحركات التي سيقدم عليها. مثل لاعب الشطرنج..."
"مثل لاعب شطرنج؟ بل إنها أكثر إثارة. ففيها تتغير الأوضاع باستمرار. لحظة في الأعلى، وفي لحظة أخرى تصبح في الأسفل....".
"أراهن أنك تجيدها؟"
"لا. فأنا لست سريع البديهة. إني أجيد رفع الأثقال".
"إنك شديد التواضع. هل حدث وتصارعت مع امرأة؟"
بدأت نبضات انتصابي تزداد خفقاناً. " أنا.... كيف...؟"
ضحكت بصمت. "لكنك تريد، صحيح؟ لديك عقل فاسق يا بني. يمكنني أن أرى ذلك في عينيك...".
كنت على وشك أن أقذف. "تستطيعين....؟"
"لكن هذا جيد. هكذا يجب أن يكون".
"نعم؟"
ابتسمت وهزت رأسها، ثم تحسّت بنطالي.
"وماذا عن هذا؟ إنه مبلل أيضاً".
"لا بأس به".
"اخلعه".
"لا، أرجوك... أنا على ما يرام هكذا".
"لا أظن أنك خجول إلى هذه الدرجة؟"
"لا، لكن..."
شدتني إلى الأعلى. "هيا، هيا. لا داعي لأن تكون خجولاً معي". سحبت بنطالي إلى الأسفل، ورأت الانتفاخ في سروالي الداخلي. " أوه... يا إلهي..."
لا بدّ أن لون وجهي كان قد أصبح بلون الغروب. لكن أين هو الظلام لينقذني؟ حاولت أن أغطي انتصابي بيدي، لكني نسيت أني كنت لا أزال أمسك كأسي بيدي. لذلك دلقت العرق على السجادة. كنت على وشك أن أنفجر في البكاء. "أنا...أنا آسف...."
أخذت مني سيكارتي، وقالت: "ارفع قدمك".
رفعت قدمي وسحبت إحدى ساقيّ بنطالي.
لم أتوقف عن الغمغمة. "أنا آسف..."
أطفأت السيكارة. "القدم الآخر" رفعته أيضاً.
سحبت بقيّة بنطالي.
"أنا حقاً آسف..."
"لا تقلق. السجاد يحبّ العرق".
هذه المرة استطعت أن أغطي انتصابي بكلتا يديّ. "أنا... أنا لا أعرف ماذا أقول. لم - لم أستطع أن - لم أستطع أن..."
نظرت إلى انتصابي وانفجرت ضاحكة. "أوه، إنك تقصد هذا ..." وربتت عليه. "لا داعي للاعتذار. إن هذا يجعلني أشعر بالإطراء". لملمت ثيابي. " سأعلّقها كي تجفّ. لن تستغرق لحظة..."
أدركت أني كنت على حافة القذف. لقد اجتزت نقطة اللا عودة وكان في تصاعد مستمر. عضضت على شفتي محاولاً قدر استطاعتي أن أمنع حدوث هذا الانفجار.
توقّفت عند الباب. "في الحقيقة، إنه مبلل كثيراً، لذلك يجب غسله أيضاً".
"أرجوك - لا حاجة لأن تفعلي شيئاً..."
"من الناحية الأخرى، هل عليك أن تعود إلى البيت في عطلة نهاية الأسبوع هذه؟"
بدأت أرتعش. "ماذا؟"
"يمكنك أن تمكث هنا. عندها أستطيع أن أكويه لك..."
تهالكت على الأريكة. بدأت أقذف. "لكني..." "أنتم الصبية لا تذهبون إلى البيت دائماً في عطل نهاية الأسبوع، أليس كذلك؟ سمعت أنكم تُعاقبون أحياناً ويتعين عليكم البقاء في...."
بدأت أقذف سيلاً جارفاً، ملوثاً سروالي الداخلي. "نعم، لكن..."
"إنها فكرة جيدة، ألا تظن ذلك؟ يمكنني أن أخابر أبويك، وأدعيّ أني المديرة. وأخبرهم بأنك اُحتجزت في المدرسة لعمل ارتكبته. إن الأمر سهل".
كنت أقذف بشكل جميل. ومع ذلك لم أتمكن من الاستمتاع به. فبدلاً من أن أصيح إلى درجة الهذيان، كان علّي أن ألزم الهدوء والصمت، وأتظاهر بأن شيئاً لم يحدث. "أنا – أنا..."
"سنقضي وقتاً ممتعاً. فكّر في الأمر". ولوّحت بثيابي كأنها راية. " سأجفّفها فيما تتخذ قرارك. وفي هذه الأثناء، هيئ لنا كأساً آخر".
عادت بعد لحظة. وعندما رأت أن الأقداح كانت لا تزال فارغة، رمقتني بنظرة متسائلة. "ألم تعدّ المشروب؟"
كنت قد نسيت المشروب. كنت أجثم على حافة الأريكة ويدايّ تغطّيان سروالي الداخلي، وكنت أفكر كيف يمكنني أن أغادر الغرفة وأذهب وأغتسل دون أن تلاحظ أني لوّثت نفسي، وعندما أغتسل، كيف سأطلب منها أن تعيد لي ثيابي. "أنا - أنا آسف..."
لاحظت ارتباكي. "هل أنت على ما يرام؟"
"نعم. نعم. أريد - أريد فقط - أن أذهب إلى الحمام".
"في الطابق العلوي. الباب الذي أمامك".
نهضت. كنت لا أزال أحاول أن أغطي سروالي الداخلي بيديّ؛ كلي دبق، شعرت بالارتباك.
ضحكت. "ألست صبياً خجولاً!"
"أنا...."
ثم لاحظت. "أوه، الآن فهمت..."
"أنا آسف..."
اقتربت مني، وأبعدت يديّ، وراحت تتفحص سروالي. "والكثير منه..."
"لم - لم أستطع أن أتمالك نفسي..."
سحبت سروالي إلى الأسفل. " يا له من إطراء! إني أتشرّف بـ..."
حاولت أن أبتعد. "أرجوك... يجب أن أغتسل..."
"وتهدر كلّ هذه القشطة اللذيذة؟"
"ماذا؟"
دفعتني إلى الأريكة. "استلق". سحبت سروالي الداخلي. "يا له من مأدبة!"
رحت أنظر برعب عندما انتصبت ثانية. "ماذا؟" أمسكت قضيبي، مبتسمة. "أوه، يا لك من صبي فحل..." أبديت احتجاجاً بلطف. "يجب أن أغتسل".
أخذت تداعبني. "سأخبرك ما سأفعله. عندما أنتهي، سأخابر أبويك. سأقول لهما إنك محتجز. ثم...." وأخذتني في فمها.
بدأت أتأوه واستسلمت إلى نعومة لا يمكن تصورها، إلا بالتجربة.
وبسرعة بلغت لحظة الإيغاف مرة أخرى.


صباح يوم الاثنين، أوصلتني إلى المدرسة. أمضينا عطلة نهاية الأسبوع ونحن نمارس الجنس، وكبادرة لتوديعها ضاجعتها قبل أن أغادر بيتها مباشرة. لقد أثبتت أنها واحدة من تلك النساء - النادرات، كما تبين لي في السنوات اللاحقة – التي تُثار من مجرد لمسة، والتي لا تتوقف عن ممارسة الجنس، كما لو كانت قد ولدت لتفعل ذلك فقط. أما في ذلك الصباح، فقد كانت متقدة إلى درجة أكبر، وتعلّقت بي بقوة فيما كانت هزات الجماع القوية تنتابها على نحو متكرر، وقد وصفت ذلك، باستعارة التعبير الصوفي الأثير لديّ، مثل "رؤية الإله"، ورجوتها أن لا تدعني أذهب. قلت لها إني مستعد لأن أترك المدرسة، لأن أهرب من البيت، لأن أشحذ في الشوارع، لأن أسرق، لأن أقتل، إذا دعت الضرورة، في سبيل أن أبقى ملتحماً بها. لكنها رفضت وقالت إن أحدنا سيصبح بهذه الطريقة، عبداً للآخر، ولا شيء يعوّض فقدان الحرية مهما بلغت درجة المتعة.
ويائساً غيّرت توسلاتي لها. فقد وعدتها بأن أمنحها كلّ الحرية المتاحة في العالم، وأن أحترم استقلاليتها بالولاء والصبر. وأن لا أطلب منها شيئاً بالمقابل، إلا أن أبقى معها بضع ساعات كلّ أسبوع.

وبهذه الطريقة، انتهى حبي الأول الذي لا يمكن أن ينسى، مثل معظم قصص الحب، بحرقة شديدة. تملكني شعور بأنه لا شيء يمكن أن يعزيني، وبأن ضرراً شديداً لا يمكن إصلاحه قد أصابني ، وبأني لُعنت إلى الأبد.
لكني بعد ذلك، شأن كلّ السلع القابلة للعطب، مثل الجرار المتصدّعة من العصور القديمة، أصبحت شيئاً مستهلكاً. لكن هذه التجربة أكسبتني حكمة، وجعلت قلبي واسعاً بحيث أصبح بوسع كلّ زائرة أن توقّع عليه، أو أن تسجل اسمها فيه.
والأهم من كلّ ذلك، تعلّمت الكثير عن الحبّ، وخاصة عن الحبّ الجسدي. فقد تعلّمت أنه جوع، إذا لم يُغذّى، فإنه يضعف ويُقتل بقسوة وبدون رحمة، تماماً كالجوع للطعام والماء. وقد تعلّمت أن أشكر الله لأنه غرس فينا مثل هذا الجوع.
لقد تعلّمت أنه لا توجد متعة على الأرض تعادل متعة تجربة شخصين يستلقيان عاريين تغمرهما سوائل الجسد، والإحساس بأن المرء حيّ قد لا يعني إلا هذا.
لقد تعلّمت أنه لا يوجد مخلوق مقدس أكثر من جسد الإنسان.
لقد تعلّمت أن الحركات البطيئة جميلة، وأن الهمهمات اللطيفة التي تنبعث من جسدين متشابكين تولّد نوعاً من الكهرباء العلية الرائعة التي يحتاج إليها العالم، لكنه يرفضها لأنه يؤمن بالنشاط الدائم الذي يعني دائماً، صراعاً أبدياً.
لقد تعلّمت أنه توجد ألعاب في الحبّ بعدد النجوم في السماء، التي يمكن للمرء أن يلتحم فيها مع شريكه مثل الحريش (أم أربع وأربعين) أو مثل ثور، ونشكر الله، أنه لا يزال يوجد رجال ونساء يتمتعون بروح حرة، ويحاولون إيجاد طرائق جديدة لممارسة الحبّ.
* * *

ليست هناك تعليقات: