آخين ولات
شفتاك تسفحان الكرز
(يتشح الغسق باللهفة)
--------------------


1

تفتّح الزيزفون في طلّتك، بينما أنت في ثنايايَ النسيمُ.
قل:
أنك والزيزفون هذا المساء، ستحكيان حكاية الأميرة العاشقة، حين ألوذ في صمتي بكما، وأنّ الحكاية لم تبدأ بعد، لتنتهيَ في هبوب الزيزفون والمساء الرطب، وموت الأميرة على صدر عاشقها.
قل:
أنك هنا لتغيير النهايات بتوقيت الساعات الرملية في هبوبي،
وهنا للحكاية بقية...

***

يتأهب الزيزفون لهبوبك.
قلتَ: فليبشر بصباحٍ أنتِ فيه الأميرة، وأنتِ النسيم،
ماذا بعد الزيزفون؟
قلتَ: هو الزيزفون أيضاً، سيلغي مواعيده مع الفجر والنهار، والمساء والليل؛ سيتخلى عن نزقه،
هدوئه، كل عاداته، وغيابه السنوي، ليكون لك متى تشائين.
وماذا بعد الهبوب؟
قلتَ: إنه أنتِ وأنا في الزيزفون.


2

حين على أسوارك تَخفق الرايات، سأكون السوسن هنا، ألثم التراب تحت قدميك.


3

هبّت لنجدتي كل الزهور، إذ السماء هي صهيل الحروف، والمطر والطلُّ هما أنت.
تمتدَّ رائحة الصمغ من دفاتري وحرائق الصنوبر، للصهيل في الشرفة إذ هي كل ما لنا، في
المدينة بقلعتها، وسورها الممتد لشواطئَ، صارت طواحينَ في روايات ياشار كمال، سليم بركات، في مسرحيات العم موسى عنتر.
في قصائد محمد عفيف، ومحمد نور الحسيني، وصارت رياحاًً وغباراً، في هبوبي على أسوارك
." Amedê"


4

ثقيلٌ هو هذا المساء، تتهاوى المنابرُ فيه، تحرقُ كلَّ الكتبِ نارٌ سعير، يقّلب المواجع، ليدين كل الانتماءات واللغات والزهور، لأنها تعبق وتنام، لأننا نصرخ، لنموت حتى الثمالة بكل أبعادنا في الصمت، ولأننا نحو الهاوية نحبو، وتجرحُ أقدامَنا الخطواتُ .
هل للمساء أن يعيد للزهر رونقه حين على شفتيك، تنضب الأنهار،
ويعبث القمر بالمرايا الصامتة، الكسيرة؟.


5

كان جريحاً صوتك اليوم.
فيم هذا الانكسار في النبرات،
وفي العينين تبرق الأقدار شفيفةً شقية؟
قلتَ: ماهي إلاّ الفراسخ تمتد، لتتأبّط كل هذه الأنهار والجبال وهذه الأوتار
قلتُ: وكأنّ الدروب تحملني إليك، والكلمات تشي بك
لاضير إن طار الطير لآخر المسافات، وأبعد الأغنيات، حالما يعتق البرد أغصان الشجر ستسمعه يشدو هنا.
ـ هل لصوتك أن يعتق الجرح؟
قلتَ: إنّ الجرح هو الصوت؛ وأنت هما
هلاّ تمهلتِ قليلاً وأنت تعبرين؟
وإذ أنتَ العبور الجميل.
هلاّ استعجلتَ رائحتكَ والرياح؟.


6

كل ما كان ليلةَ الأمس بخوائها هنا:
الكوب بنصفيه الممتلئ، والفارغ، الأوراق المبعثرة، الغاردينيا فوق الزجاج، فنجان القهوة، بالدروب الممتدة، بطاووسه المتباهي كبرياءً، بخطوطه المتباعدة المتداخلة، مجموعة الأقلام المرمية هنا وهناك، القلم الوديع، يلثغ لتوّه بفوضى الأوراق، وذاكرة الغرفة البعيدة، القريبة، في نصف الكوب الممتلئ، والنصف الفارغ ينتظر المزيد من الضوء،
المنفضة الممتلئة أعقاب سجائر، كل ما كان ليلةَ الأمس على الطاولة أتأمله،
الكوب بنصفيه، والغاردينيا
لقد امتلأ الآن النصف الفارغ، ضوءاً وألواناً.


7

حافيين كنّا...
والأزقّة أكثر سخاءً بالعتمة
حين في الزّاوية المنتحية اشتهاء الشفتين، لمعت نجمة...
ما علينا إلاّ أن نشرب القهوة في الفجر
وهو يبزغ من كفّينا.
هل هي الشٌرفة ذاتها، في المدينة ذاتها؟
تتلبّد الطّحالب تحت أقدامنا، والقواقع في أيدينا...
ماذا للأمواج، وهي تهيج لعُرينا أكثر؟
تاهت المدينة، بينما كنا في أزقّتها، نتأبّط حلماً.
في مواء القطط الشريدة ونقيق الضَفادع هنا
كان الصباح يتأهّب حافياً، لبزوغنا من أغاني النِسوة هناك
إحداهنَ تصبّ الماء بالملعقة والأخرى بشدو أصابعها، تعجن الحنَّاء لخنصريِّ العروسين.
كنّا صمت الشموع، وهي تشتعل بالأغنيات أكثر والرَقصات...
بينما الليل ينسدل على الزّغاريد
قلتَ: سأشمُ من خنصرك النَّعناع؟

***

والمدينة في خطواتنا تبحث عن أحذيةٍ للصباح
ما كان للنهر إلاّ أن يغادر الضّفادع إلى نقيقها
ونحن نغادر القبلات لدهشة الملاءات والستائر...
ستشرق الشمس من أكفِّ النِّسوة المحنَّاة، وهنَّ يمسحن دموع الملائكة في قريتنا
هل سيغادرنا الصباح منتعلاً حذاءه؟
والنهر... سيكون رؤوفاً بالضفادع أكثر هذا المساء،
لكنَّ الصباح لن يكون إلاّ حافياً في المفارق، ونحن نتأبَّطُّ الأمواج لحافة ليلٍ يفيض من ورق العنب، في الشرفة.


8

من المطر يأتي حفيف الشجر
قبلاتي في الكرز
ترنو لشفتيك.
شفتاك تسفحان لجسدي الكرز
والمطر هو حفيف الشجر
هل تسمع تساقط الأوراق؟.

***

من البرد تأتي هذه الدهشة مزهوّةً بك، من الحرّ وهو يسعف العنب والتين..
يأتي الصيف مصفّقاً لحفيف الشجر
في المطر
وفي الكرز الذي تسفحه شفتاي لشفتيك
دثرني...
فلا صيفنا يتفيأ بالقبلات، ولاشتاؤنا بها يتدفأ
قد يعاود العيد مجيئه حزيناً،
لكن الكرز لن ينتظر المواسم، والظلالُ من الغمام تنهمر.


9

تهبّ النسائم ملآى بك، يهبّ شعري من آخر سكرةٍ بين يديك، ووجهي منبسط لرائحتك، يتأهّب للقياك في الياسمين، تلثم العواصف حين تهب من عينيك وجه الشمس، فتشرق بين أضلاعي، ينطفئ الشاطئ، أشتعل بك، وقلبي عصفورٌ صغير؛ تنحسر البحار رضاباً على ثغرك...
مهلاً، فقلبي ينبض في رؤوس أصابعك.


10

ثمة كرسيٌّ شاغرٌ في الشرفة تلك، وأصابعك تعبث بأزرار قميصي
كرسيان شاغران وقضبانٌ حديدٌ.
ماذا للشرفة هذه؟ هل تحبين فوضاي؟
الكرسي شاغرٌ
والقضبان، لا زالت تحلم بردّ الريح، والمطر عن الغبار.


11

يداك الصبوحتان
تقطفان كل ليلةٍ أزهاري
فتنبثق أكثر عبقاً
من هفوات قميصك الأزرق.


12

موجةٌ أنا على شفتيك، تزداد ظمأً، كلما شربتني أكثر.
منذ أيامٍ لم تغادرني بعد
ارتشفتني قطرةً قطرة.


13

يعرج الدرب في مشيته، تنتشي برغبتي في أن تمسك بيدي، في أن أكون على يسارك.
خارجاً من معطفي السكّري، ذراعك شالٌ من الحريرعلى كتفيّ.
نمشي والدرب يكتوي بنا.

***

كانت الغابة هنا، على يسارك أبداً أمشي، تطوق خاصرتي
تسبقني انحناءاتي، التواءات الشجر في الجذوع، تلوي ذراعي، أدور حولك، فيسيح الحرير من عنقي.


14

حفيفاً كنتَ، في انحناءاتي
وفي لهفة خاصرتي ليديك:
قطرةً قطرة.
موجةٌٌ أنا على شفتيك
منذ أيامٍ ترعف، وتستعجل الرحيل.


15

لاهثةً...
أنسلُّ منك، ألجُ بتلات البنفسج، في تفتحها المربك
من سيوليها أنشودةً؟
من سيحصي أخطاء الحجر، في برزخ الغياب، ويهرول في الصباحات الطائشة؟
هل للحجر سقطات؟
في الشرفة، وأنا أجزي النسيم تهافُتَ شعري...
ترنو للأفق
علّك تستل من بين أصابعي المساء.
هكذا يتّشح الغسق باللهفة
متسللاً
من تهافتك الفادح.