المشاركات الشائعة

السبت، 22 يناير 2011

الكاماسوترا
ترجمه عن الفرنسية
كاستون فاتول

تقديم
كلود دوزون


المقدمة
علم الجنس فن الحياة

الكاماسوترا كتاب فني. موضوع بحثه اللذة، اللذة المتناهية طبعاً، التي تسببها العمليات الجنسية (التمارين الغرامية). لذلك اعتبر فن الحب ، ولا يبقى لكي نعتبره فناً في الحب سوى خطوة واحدة. وهو المتمم الشرقي لحب أوفيد. وصنف إلى جانب قصائد أريتان وإلى جانب البحث «دي فيفوريس فنريس» الذي كتبه في بداية القرن التاسع عشر الباحث الالماني فريدريش كارل فوربرغ، بدون خبرة شخصية بل بتحليل دقيق للكتب القديمة والحديثة، أحصى التعابير الغرامية ، ووضع قواعد العمليات الجنسية .

وبدون أي شك ، بالنسبة للقارئ السطحي أو الجاهل يبدو هذا الكتاب عكس ما هو . إن عناوين بعض الفصول وطريقة الكتابة على شكل أقوال مأثورة كهذه: «عندما يرقد الرجل ، لسبب ما تجاه امرأة أو إلى جانبها ويلمس جسدها بجسده تدعى المعانقة اللامسة» وتعدد جميع الحالات الدقيقة الممكنة عند الالتقاء بالمرأة ومداعبتها ومعانقتها وحتى صراعه معها والابتعاد عنها، تضفي على هذا الكتاب ظاهرياً «صفة الوجيز في الدعارة » . لذلك ، منذ التراجم الأول إلى اللغة الفرنسية، في نهاية القرن الماضي ، عرض الكاماسوترا في كثير من الأحيان بأغلفة ملونة وجميلة ، تهيج مشاعر العجوز الكامنة عند بعض رواد المكاتب. ولكن وإن وجد هؤلاء سعادة في بعض الصفحات إلا أنه يبقون حائرين ومرتبكين عند قراءتهم الابتهالات والتضرعات للآلهة دراما وأرتا وكاما ويدركون تماماً الفرق الشاسع بين العلوم الهندية وبين التمادي في المزاح والفكاهات البذيئة.

في الواقع الكاماسوترا كتاب فني موضوعه الحب .

ولكن ليس للفن هنا هدف جنسي لتذوق اللذة الشخصية . بينما يهتم أوفيد والآريتي بالتفتيش عن الإحساس القوي والفوري وعن اللذة الجسدية ، ولا يهتم الكاماسوترا باللذة إلا بالقدر الذي تؤثر على مجرى الحياة وتؤدي إلى المعرفة التجريدية.

تجاه النصائح العملية في علم الجنس التي يعطيها فاتسيايانا ، يعتقد القارئ الغربي أن العلوم التجريدية ليست هنا إلا حجة . في الواقع، كالمذاهب التنتريكية استخدمت أحياناً لقيام الحفلات الجنسية الصوفية . ولكن وإن استخدمتها مجموعات صغيرة العدد أو ملة ملحدة ، كان من المستحيل ، حتى في هذه الحالات، التفريق بين الرذيلة ـ بالتعبير الذي نفهمه ـ وبين الطقوس السحرية والاعتقادات العميقة في الصلة بين العلاقات الجنسية ومدة الحياة وأعمال الأجداد.

يجب أن لا نخطئ ونعتبر الكاماسوترا بحثاً مفسداً.نحن بعيدون عن كتابات ساد. وحتى عن كتابات أوفيد اللاأخلاقية المرحة . وبعيدون أيضاً عن لا أخلاقية مورياك التي تذكرنا برائحة الخطيئة الفاسدة والتي نستنشقها بتسامح، يعرض الكاماسوترا طريقة انسجامية : في المجتمع وفي الحياة وفي الكون، طريقة منبثقة من الجسد تنتهي في ما وراء الطبيعة . وإذا لم يدرك المرء هذا الشعور يفقد الكتاب معناه ويعرّض الأوروبي بشكل خاص إلى استنشاق سموم لم يقصد المؤلف بثها .

ما هو إذاً الكاماسوترا ؟ إنه ليس كتاباً مقدساً بالمعنى الحقيقي، بل كتبه راهب براهماني يدعى ماليناغا أو مريلانا فاتسايانا في القرن الثالث أو الرابع، كتاب يعيد بل يوجز علوم النصوص المقدمة ، التي ساهمت الأوبانيساد (مقدمات الدروس) في نشرها . قال زمّر (Zimmer) إنها مؤلفات رائعة لكنها مختصرة جداً وبالتالي نعتبر تكثيفاً للمواد المستوحاة من التقاليد القديمة.ذكر ذلك فاتسيانا في مقدمة مؤلفه كاماسوترا ونسب مراجعه لسيد الكائنات أي للإله سيفا، ويعلمنا في آن واحد انتماءه إلى حركة سيفا. ويذكر لنا المؤلفون الأول الذين كتبوا الوصايا المتعلقة بالآلهة دارما وأرتا وكاما التي تتحدث بالتالي عن المزايا الدينية، والفضيلة، وعن الثراء والحب. ويذكر من هم المؤلفون الذين أوجزوا أو نقحوا فصول الكاماشاسترا وعددها ألف التي كتبها ناندي ، وكيف أقدم هو على إعادة كتابة أعمال من سبقوه بعد توضيحها وجعلها بمتناول الجميع .

هذا الميراث الذي جمعه فاتسيايانا وبوبه في القرن الرابع ما هو إلا ميراث مذهب فيدا . وديانة فيداا التي أدخلها الغازون الآريون (آرياس) بين عامي /2000 و1500/ قبل الميلاد، هي أقدم الديانات الهندية التي نعرفها وهي أساس ليس للتطوير اللاحق لما يدعى البراغماتية وتارة الهندية حسب ما ينظر إلى العهود الأولى أو كامل التطوير الديني منذ مذهب ريغ فيدا فحسب، بل أيضاً حركات الإلحاد التي انتمت إليها أو ضدها كالبوذية واليانية([1]).

إن نصوص المذهب الفيدي الطويلة وهي أساس الديانة ونقطة انطلاق كل مؤلف سنسكريتي وآدابها ، والريغ فيدا أو فيدا الغناء ، والياجور فيدا أو فيدا الألفاظ، والسامافيدا أو فيدا الموسيقى، والأتارفافيدا ذات أهمية أقل بالنسبة للمذهب المنزل ومؤلف التعليقات الأكثر قدماً وهي البراهماناس والأوبانيتاد، جميعها، تقدم قصة الآلهة المعقدة جداً الغنية بالآلهة التي أخذت شكل الإنسان وتقدم أيضاً رؤية حقيقية في علم الكونيات ، إن آلهة فيدا ( منهم اندرا الذي ورد في مآثره العديدة أنه قتل التنين حاجز المياه واستولى على الشمس وحرر الفجر، وهو ارفعهم) كائنات نشيطة، قامت بمغامرات لا تحصى، تتدخل بشكل حسن أو سيء في القضايا البشرية. والعلاقات بين الإنسان والآلهة وثيقة بشكل نرى فيه كثيراً من الآلهة يستدعون الملوك لمؤازرتهم في صراعهم ضد أعدائهم أو ضد إله الشر، ومن جهة أخرى توصل بعض الرهبان وبعض القديسين إلى درجة من المعرفة في أسرار الكون حتى أصبحوا آلهة بدورهم .

واشتهر إلهين من أبرز آلهة فيدا بشهرة خاصة فكرمتهما الطوائف القوية ، وهما سيفا وفشنو ، الأول «مدمر» الكون والثاني «المحافظ» عليه.

فشنو ، الذي يعتبر في مذهب الفيدا ، تجسيداً لخرافة شمسية، يصبح أحد الشخصيات الأكثر تعقيداً من الآلهة الهندية. فهو قبل كل شيء وبصورة خاصة إله سلبي، إله راقد يمثل مستلقياً على الفوضى التي تعم المحيط . فهو يحلم بالكون و هو إذاً التأمل الصرف . في مرة يستيقظ بها ، تخرج من صرته زهرة اللوتس ينبثق منها كاهن براهماني . وبصورة دورية يظهر فشنو دوره الخلاق فيهبط إلى الأرض متقمصاً في سمكة أو سلحفاة أو خنزير بري كما يتجسد في أبطال راما وكرشنا وفي المرة التاسعة من « هبوطاته » تقمص بوذا . أما سيفا الذي يمثل عادة له أذرع عديدة ، فهو إله مزدوج، مخيف أو خير ، إيجابي أو سلبي، في كثير من الأحيان ينقل سلطته إلى «الساكتيس» أو «الطاقات» وهي انبثاقات جوهره وتتجسد في النساء .

إلى جانب هذه المجموعة الإلهية التي تتمثل بالآلهة من الجنسين وذات الأهمية المتفاوتة جداً يظهر التأمل المطلق حول منشأ الكون في مذهب الريغ فيدا ويتطور في الاوبانيشاد . هكذا تشكل المعنى البراهماني ، المبدأ الحيادي، الخالي من كل انتماء خرافي ، وأساس لكل شيء الذي سيصبح فيما بعد في النصوص المقدسة للبراهماناس ، الروح الكلية ، الروح المطلقة . و من هذا المبدأ انطلق المذهب الذي طورته الاوبانيشاد حول العلاقات الكائنة بين الروح الشخصية ( أتمان ) والروح الكلية ( براهمان ) والضرورة لكل منهما الحصول على المعرفة التي تقود إلى الخلاص والانصهار في الروح الكلية.

في الواقع، بقيت الأوبانيشاد نصوص سرية يعرفها الكهنة والمثقفون بصورة خاصة ، وبالتالي يشرحونها ويعلقون عليها . في الواقع اتضح جلياً أن علم الكونيات في المذهب الهندي مائع جداً . فتارة نتعلم أن الشيء الهام للإنسان هو اجتيار هذه الحياة المؤلفة من «مائة عام» التي منحت لنا دون أن نأمل معرفة ما سيأتي مستقبلاً ، بحكمة ، مقيدين كل فترة في العمر بالأعمال والتأملات الخاصة بها . وتارة ، في أكثر الأحيان، يعتقد بوجود دورة لا نهاية لها تقريباً لانتقال الأرواح من جسد إلى آخر، ولا يعود الكل الإنساني إلا بعد عدد محدد من التقمصات الحيوانية وتارة أخرى نتعلم أن المعرفة تسمح للروح الوصول إلى درجة التحرر أي التخلص من مجموعة التحولات الطويلة هذه والامتزاج بروح الكون .

لكن الهام هو ما يلي : حركة الحياة الكونية التي احتضنتنا والتي يتوجب علينا المحافظة عليها ، الدورة الأبدية المنبعثة دوماً من اللقاح و النمو والنضوج والموت ومن بعدها البعث الجديد . من هنا تأتي الأهمية التي تعطي لجميع أعمال الإخصاب . ومن هنا رسالة المنجب في مذهب سيفا التي تحتم عليه الإشراف على الجماع الجنسي . ومن هنا أيضاً الاشتراك الوثيق بين سيفا والعضو الذكر. يمثل العضو الذكر بشكل مزخرف جداً ( ويفقد بالتالي مظهره الجنسي ) في أغلب معابد سيفا . نراه أيضاً ممثلاً في المعابد البوذية وأمكنتها المقدسة. عادة يربط تمثيل العضو الذكر بالعضو المؤنث ويزخرف أيضاً هذا العضو ويمثل على شكل موشور أو مكعب مجوف قليلاً.

إن النشاط الجنسي ، العامل الأساسي لانشراح الفرد ، وهو جوهر الإنجاب واستمرار الحياة، لذلك يدرج طبيعياً في نظام الكون. وإن لم يكن كافياً للوصول إلى المعرفة فهو ضروري للانسجام الشخصي والكوني . في المذهب الهندي لا يوجد الازدواج، التفريق المطلق بين الجسد والروح كما هو الآن في الفلسفات الغربية و الدين المسيحي، ولكن يوجد امتداد ، صلة متينة بين الجسد و الروح كما هو الحال في الأعمال الدينية، تكون الأعمال الجنسية ، وخاصة في الزواج ، وطالما أنها لا تخالف القوانين الإلهية ، الوسيلة للاشتراك بنظام الكون، والإسهام بما ندعوه الوثوب الحيوي . بالطبع من الضروري عدم الاكتفاء بهذا المستوى والاستمرار في الطموح للوصول إلى المعرفة ولكن هناك فترة ضرورية، مرحلة لا بد منها للتعرف على الذات.

يدرج الكاماسوترا إذاً في هذا المنهاج . والكاماسوترا هو قبل كل شيء دليل عملي ، شبيه بالنصوص التي سبقته كما هو شبيه أيضاً بالنصوص التي تلته في الأدب السانسكريتي ونذكر منها : الراتيراهسيا أي أسرار الحب للمؤلف كولوكا ، وبانشاساكيا أي السهام الخمسة للمؤلف جيوتيريشا ، وسمارابراديبا أي نور الحب للمؤلف غوناكار ، والراتيما نجاري أي أكليل الحب للمؤلف جاياديفا ، والرسماجانتي أي نبتة الحب للمؤلف بهانوداتا، واننفارنغا أي دورة الحب للمؤلف لوليان مول (يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر (.

قلنا إن الكاماسوترا دليل عملي، و نعني أنه كان ينتمي إلى الدين والطقوس السحرية (التي غالباً لا تنفصل عن الدين وتذكر حتى في النصوص المقدسة الهامة) ، فهو يجتهد بالتوفيق ما بين التعاليم التقليدية و الواقع الحالي (مجتمع القرن الرابع ) ولا يبحث إلا بموضوع واحد ، الموضوع المتعلق بالإله كاما.

وبذلك يتفوق (كما يتعارض بصفاته الإرشادية مع مشاعر الإنسان) على النصوص الأساسية التي يقتبس منها بعض عناصره ، لأن هذه النصوص لم تفرق إلا الواقع من النظري والحياة من المعرفة . ولذلك في الريغ فيدا تشرح، أحياناً بالتفصيل مغامرات الآلهة الغرامية.

لكن الكاماسوترا، يهمل أعمال الآلهة ليعلمنا كيف يتوجب على الإنسان تطبيق تعليمات كاما.

إن كاماديفا ، إله الحب الهندي ، ليس طفلاً وسيماً كالإله إيروس اليوناني بل هو شاب لامع، اتخذ رفيقة له راتي « شهوة اللذات الجنسية » وشريكه المفضل فارسانتا « الربيع » وكالإله إيروس يملك قوساً تزينه الزهور .

وعدا عن القوس يملك أيضاً خمسة أسهم وحبلاً ذو أنشوطة و كلاب ( لاقتناص العشاق وشدهم إلى بعض ) . هذه الأدوات التي لا تروق للفاتسيايانا ، سوف تتصدر القرون الوسطى أثناء الاحتفالات الدينية التنتريكية .

وبصورة خاصة، كاما إله لا منظور . لقد فقد شكله الإنسان من جراء مغامرة غريبة بأمر من اندار ، ملك الآلهة ، اضطر يوماً للتهجم على سيفا الناسك، لمنحه الحب تجاه الآلهة برفاتي ، ابنة ملك جبال الالهيمالايا .

وكانت برفاتي هذه ، على اعتبار أنها تجسد إله الكون الأعلى كالي درغاساتي، الشكل المؤنث للإله سيفا و«طاقته المندفعة». ومن أجل توازن العالم كان من الضروري أن يتعرف عليها سيفا. لكن كاما أزعجه في أحلامه، فصوب عليه اللهب من عينه الثالثة وحوله إلى رماد . توسلت راتي إلى الإله ، فقبل بإعادة كاما من الفناء . لكن كاما لم يعد بكامله، عادت روحه فقط ولم يكن بالإمكان إعادة جسده . منذ ذلك الحين أصبح كاما أنانغا «من لا جسد له». في الواقع، لقد استفاد من هذا الحادث ، لأن بإمكانه الاقتراب من العشاق وإلهامهم وإجبارهم على المعانقة.

كاما إله مزدوج، خطير، إذا بقي المرء تحت سيطرته ، وكما قال هـ. زمّر : «عندئذ تثبت الكائنات فاقدة إرادتها إلى دولاب الزمن الدائر ، فمصيرنا العيش على الأرض أو في الجنة أو في عذاب المطْهَر ، حسب طبيعة أفكارها أو رغباتها لكن الإله كاما معطاء إلى حد ما ، بفضل خفايا الجنس والإنجاب وهو أداة الحياة الدائم وعامل من عوامل ربط الأزلية بالزمن» .

وإن قام فاتسيايانا بتعليم كيفية تمجيد كاما في كتابه كاماسوترا، إلا أنه لم يتوقف عن دعوة قرائه إلى بلوغ الحياة الثانية ، واجتذاب ارتا ودارما والتقدم على طريق المعرفة والحياة . لكن كتابه ، ذا الأهداف المحددة في المنهاج الديني الدقيق هو قبل كل شيء بحث في الأعمال الجنسية هدفها الحب و الإنجاب ( في الزواج بصورة خاصة ) . ووجيز في السحر الغرامي ودليل في علم الأخلاق الاجتماعي .

تتضمن قواعد الحب، كما هي معروضة في الكاماسوترا ، القواعد النفسية والقواعد الجسدية.

العلوم الجسدية هي قبل كل شيء علم التقرب والإغراء . فهي تبحث عن تطابق أو تنافر الطباع وعن أفضل الطرق للتفاهم بين العشاق وبصورة خاصة بين الزوجين . لا يقصد هنا انفصال القلوب. الحب الرومانطيقي مجهول في الحياة الهندية كما هو مجهول في الحياة اليونانية. الهام هنا في التوصل إلى الوفاق اليومي ، والسرور المتبادل . وإن وجدت نساء من الأفضل عدم معاشرتهن كالمصابات بالبرص وغريبة الأطوار أو المطرودة من عشيرتها ، وإن كان على العاشقين الظهور بمظهر لائق في المجتمع ومعرفة كيفية إبراز مواهبهما ورقة عواطفهما ، إلا أنه يتوجب عليهما أن يتوافقا في المجال الجنسي . وكما هو الحال في التفكير الهندي، يرتبط العلم الجسدي بالعلم الروحي. من هنا تنبثق أهمية توافق الزوجين جنسياً لمفاهيم الجماع الوضيع ، والجماع الرفيع والجماع الطبيعي. في حال عدم التوافق الجسدي ، مصير الحب هو الفشل ويؤدي عدم الرضا الجنسي إلى الضغينة أو اللامبالاة تجاه الشريك.

لذلك، اعتباراً من المداعبة الخفيفة والقبلة الأولى حتى الجماع ، يقدم فاتسيايانا بأسلوب شبه طبي ، مجموعة من النصائح لاتباع كاما ، ولكن من الضروري ملاحظة أن هؤلاء الأتباع، بالإضافة إلى قلقهم تجاه ضعف المرأة ومخاوفها ( يجب عدم التسرع معها بل جذبها إلى اللذة تدريجياً ) ، يهدفون بصورة خاصة إلى تشجيع التعارف و الإنشراح المتبادلين وإلى السماح باستمرار الحياة.

وعدا عن ذلك ، تظهر التماثيل المنحوتة في معابد سيفا الحركات والوضعيات التي يوصي باتباعها، فنرى جماع الآلهة، ونرى أيضاً الحوريات اللواتي تحطن كرشنا عاريات بصورة عامة، واضعات أيديهن على صدورهم أو على فروجهن . تدل هذه الرسومات المنقوشة على العربات المقدسة وعلى الأبنية الرسمية ، في الشوارع وفي المنازل الخاصة والتي يميزها العضو التناسلي الذي يذهب بعض الأنصار من مذهب سفا أو طانطرا إلى حمله على شكل حجاب معلقاً على الصدر أو على النطاق ، تدل إذاً على أهمية الأعمال الجنسية ليس في مجرى الحياة فحسب بل أيضاً في العلوم الكونية .

ليس التعليم الجنسي الصرف الوارد في الكاماسوترا ، تحريضاً للدعارة . فهو ينبثق من صميم الحياة، وبصورة خاصة، ما يميزه في هذا المجال ، بالمقارنة بالكتب الجنسية الأوروبية، التي كتبها رجال من أجل لذة الرجال ، فهو يعطي للمرأة المكان اللائق لها . وليست المرأة أداة جنسية صرفة . فهي مخلوقة واعية ، متساوية بالرجل المتوجب عليه نيل أسمى ما لديها ومنحها جميع اللذات التي ترغبها. وتجاوزاً يمكن القول أن الكاماسوترا تهدف إلى تأليه المرأة.

يضيف الكاماسوترا إلى النصائح النفسية والجسدية نصائح أخرى، لإغراء امرأة جميلة متمردة ، لإعادة عاشق فار إلى أحضان عشيقته ، لإعادة الجمال الذابل أو النشاط الجنسي المفقود وكلها تتعلق بالسحر .

يجب أن لا ندهش من ذلك. إن العلوم الهندية وطقوس سيفا وطانطرا ارتدت دوماً طابع السحر. حتى في الريغ فيدا، تستبدل الأفكار التجريدية بالوصفات السحرية وفي الواقع لا يوجد مجال أفضل من مجال الحب حيث تنشط في الأعمال السحرية. قال زمّر «من المستحيل إيجاد عمل سحري بدون نبذة من الإغراء» .

في الأتارفافيدا مثلاً، حيث /41/ نشيداً من مجموع /536/ مكرسة للحب ( بصورة رئيسية للحياة الزوجية نجاحها ) ، نصادف التعويذات السحرية:

«من أجل ولادة سعيدة » ، « اللعنات على امرأة لكي تبقى عانساً » ، « أدوات الإغراء » ، « عشبة الحب » ، « كيفية نيل حب امرأة » ، « ما العمل عند الولادة قبل أوانها » ، « من أجل حمل سعيد ، بواسطة الحجاب » ، « لتدمير النشاط الجنسي لشخص ما »… الخ .

نجد وصفات مشابهة لهذه الوصفات حتى في القرن الخامس عشر، في الانانفا رونفا مثلاً ، لتضخيم الثدي وتقويته وإبرازه ، لتعطير التنفس ، لاكتساب حب الزوج ، والاحتفاظ به ، للتغلب على خصم ، لتحديد عدد الأولاد ، لإسراع طلقات المرأة عند الولادة و لتأخير اندفاع المني قبل أوانه عند الرجل.

وهكذا، لانندهش عندما يقدم الكاماسوترا، هو أيضاً، مزيجاً غريباً من النصائح النفسية والوصفات الطبية والتعويذات السحرية . وفي الواقع تؤلف هذه التعويذات القسم الأكبر من الجزء السابع . وهي تشبه الوصفات العلمية الكاذبة التي تصفها نساء قرانا أو الوصفات السحرية الواردة في كتاب « البير الكبير » أو « البير الصغير » . وهنا كما هو الحال هناك ، تقتصر العملية على مزج مواد من أصل طبيعي تتعلق في كثير من الأحيان بالإفرازات الحيوانية أو الحوينات المنوية . وهنا ، كما هو الحال هناك نجد الأساس الخرافي القديم وعلم الرموز الذي يعتمد بصورة خاصة على اللغة الرمزية وهكذا لاستيعاد النشاط الجنسي المفقود من المستحسن شرب « الحليب المحلى حيث انسلقت فيه خاصة فحل من الضان أو الماعز » و لكي « لا تحب امرأة ما أحداً غيره » يتوجب على الرجل « بعد مزج مسحوق نبات السياج الأبيض و نبات الكنتالا مع إفرازات القرد وجذور نبات اللنجاليكا المسحوقة » قذف هذا المزيج عليها.

يظهر الكاماسوترا إذاً أساس السحر العالمي .

وفي آن واحد، الكاماسوترا وثيقة عن المجتمع الهندي في القرنين الثالث والرابع. لا يعلم كيف ينتقي الرجل زوجته ، وكيف يتوجب على العشيقة إرضاء عشيقتها وكيف يؤسس القران الناجح في المجالين الجسدي والفكري فحسب، بل يوفق بين جميع هذه التعاليم و النصائح الموروثة غالباً من التقاليد وبين واقع العصر .

عند قراءة عناوين الفصول فقط، نلاحظ أن هذا المجتمع قريب جداً من مجتمعنا ولا تختلف أعمال الحب والجنس ، ولعبة الشجار والخداع والفراق عن بعضها في أي زمان أو مكان . وهكذا ، في الكاماسوترا ، نتعرف ( عدا عن وضعيات الجنس العادية المضاف إليها بعض الوضعيات البهلوانية) على جميع الوضعيات الشاذة. نجد أيضاً طريقة إغراء امرأة الغير ، وطريقة دس المرأة المتزوجة في السرير الملكي وطريقة إدخال الشاب الوسيم إلى حريم الملك وطريقة مداعبة امرأتين معاً أو بالنسبة للمومس، مداعبة رجلين معاً . وكما في المسرحيات القديمة أو في مسرحيات موليير يكون دور الوسيطات المزدوج أحياناً رئيسياً .

لكن الفحوى هنا مختلف . إن وجود حريم الأثرياء وطيبعة الفنون الواجب مزاولتها للظهور في المجتمع وخاصة تجاه ممثلات الجنس الآخر وإحصاء المشروبات والأطعمة التي يتناولها العشاق أثناء الأحاديث التمهيدية أو لاستعادة النشاط بعد الجماع والتذكير الدائم للقواعد الدينية و الرقة المطلوبة من العاشق تجاه حبيبته و المهارة التي ترافق ، وصف المواقف الأكثر دقة ، كل ذلك يشير إلى أننا دخلنا في بيئة تختلف عن بيئتنا و لهذه البيئة جوانب خلابة: الحياة سهلة ، براقة . لا يحلم المرء فيها إلا بالاجتماعات السارة ، بالأعياد والاحتفالات و يتسابق الرجال والنساء لارتداء الألبسة الفاخرة .

كل شيء لطيف . المنازل معطرة وغرف الاستقبال مكسوة بالأقمشة الحريرية وبدون أي شك يتم الحديث هنا وهناك عن الفقراء والأغنياء وتذكر و اجبات ربة البيت وأعمالها ، ولكن ما على هذه الربة إلا الإدارة وإصدار الأوامر . يوضع الخدم تحت تصرفها وتنفذ الطبقة المتواضعة جميع رغباتها . وصول المومس و عشيقها ، ينتظران مجموعة من الممثلين الهزليين و الطفيليين و الانتهازيين الوقت المناسب لإشباع نزواتهما ، في الواقع، كما هو الحال في الحب الرقيق في الغرب أثناء القرون الوسطى ، يخصص الحب في الكاماسوترا لأرقى طبقات المجتمع «هذا لا يبعد عن ذهننا ، كما نعلم أثناء القراءة، أن يحصل لرجل نبيل أو لشخصية من البلاط الملكي ، مغامرات ممتعة مع قرويات ، أو إحدى النساء من الحريم ، من كثرة مللها أثناء عزلتها المسائية ، تستدعي خادماً قوي البنية لمزاولة عمليات الجماع معه » . لكن كل ذلك تسليات الأمراء ، وفي هذه الحالة ليس الشريك المختار سوى أداة . لا يكتب فاتيسيايانا للخدم أو المربيات أو العبيد . فهو يتوجه بكتاباته إلى أناس من الطبقات الراقية التي تعرف القراءة و تتذوق الفنون و النصوص المقدسة.

لذلك نلاحظ أن طريقة الطبقات التي تجزئ ( و التي تجزئ حتى الآن ) المجتمع الهندي موجودة أيضاً ، وإن كان ضمنياً ، في الكاماسوترا . وفي عدة مناسبات وإن لم تكن التجزئة صارمة كما حدث بعد ذلك ، تذكرنا هذه التجزئة بالعقبات في المجال الاجتماعي و الأخطار في المجال الجنسي ، من غير المستحسن أن يقترن الرجل الأرنب بالمرأة الفيل وكذلك الفرق الشاسع في المحيط حيث يخضع الرجل أمام أقرباء قرينته . لا يهمل الكاماسوترا الذي يهدف إلى الوفاق المنسجم، هذه المسألة أو تلك، لذلك وخاصة إذا كان المقصود من الحب الذي ينتهي منطقياً بالزواج ، من الضروري كما هو مذكور في الفصل الثاني ، تطبيق القواعد « المتعلقة بأصناف الرجال الأربعة وبمراحل الحياة الأربع » . الأنصاف الأربعة هي : البراهما و الكثاتريا و الغيشا و السودرا.

يختص البراهمان في الواجبات الدينية . يمكن أن يكونوا علماء أو ناسكين أو « أساتذة » يدرسون الفيدا ويكتبون مؤلفات جديدة أو تواضعا ، في القرى، عدا عن وظيفة الكاهن ، شغل مهنة الحلاق والطبيب والفلكي . إن الكثاتريا هم المحاربون . وعادة هم أيضاًُ ملاكون أثرياء . فيعيشون في المنازل الكبيرة أو القصور التي يذكرها فاتسيايانا ، ويقضون أوقاتهم بالحفلات والرقصات و إلقاء القصائد ويعيشون في جو معطر . يتمتع هؤلاء النبلاء بالامتيازات الدينية لكن عليهم واجباً أيضاً : دراسة الفيدا.

إن الغيثا والسودارا هم أيضاً « مواطنون» حسب التعبير الذي استخدمه فاتسيايانا . وهم تجار أو فنانون أو مزارعون ولذلك يساهمون في إنعاش القرى والمدن التي ( كالعاصمة باتاليبوترا ) ، لم تكن إلاّ مجموعة من القرى والمزارع تفصلها الأراضي المزروعة ، وجميعها تقع بين أسوار القصر الهائلة. وبصورة خاصة ، هم رجال أحرار لذلك يملكون الامتيازات العديدة بالمقارنة إلى بقية الرجال والعبيد و المواطنين العاديين الذين يقومون بالأعمال الوضيعة والصعبة والمذلة .

هذا مع العلم أن في عهد فاتسيايانا كان نظام الطبقات مرناً نسبياً . هذا ما يفسر الحياة الزاهرة بالحركة التي يصفها في كتابه حيث يستطيع الطفيليون والانتهازيون العيش بسهولة في فلك الأثرياء . في الفصل الأول من الجزء السادس المخصص لأصدقاء المومس ( أشخاص يجب عليها مجاملتهم للإفادة منهم ، أشخاص يجب تجنبهم ، أصدقاء مثيري الاهتمام و رجال يمكنها منحهم حبها بسبب أخلاقهم العالية ) وضع قائمة جرد حقيقية لجميع المهن الممكنة تتضمن المتسول والعطار والفلكي حتى مستشار الملك ، كما تتضمن أيضاً جميع النشاطات الهامشية أو التسليات التي يمكن أن يمارسها المواطنون .

ما يظهر لنا جلياً ، هنا بصورة خاصة ، هو الحب الهندي للتصنيف .

ليست اجتماعية فقط ، بل نجدها في جميع المجالات وهي تبرهن عن الاهتمام الدقيق لوضع كل واحد وكل شيء في مكانه المعين . توجد قائمة تبين تسلسل الآلهة وأخرى للمجتمع والعائلة . وضعت القوائم لتصنيف جميع أنواع المعارف والأصدقاء و حتى الجماعات الجنسية . و عند دراسة قوائم التصنيف العديدة التي يصادفها القارئ في الكاماسوترا يتمكن من العثور على المرأة اللائقة في جميع المجالات: الاجتماعية والأخلاقية والجنسية. ندرك عندئذ لماذا قدم فاتسيايانا قواعد الحب هذه بوضوح تعليمي .

يمكن إذاً القيام بقراءة الكاماسوترا من زوايا مختلفة . زاوية الجنس الصرف ، وزاوية الأخلاق ، وزاوية الدين ، وزاوية المجتمع . في الواقع ، يعتبر فاتسيايانا أن وجهات النظر هذه متلازمة لا يمكن التفريق بينها .

لكن جمال الكتاب يكمن في تنسيقه الموزون وشيء من الخفة اللطيفة.

و كما هو معروف تخفف الترجمة بشكل ملحوظ شاعرية الكاماسوترا .

و تفقد الآيات التي تنهي مختلف الفصول إيقاعها الأصلي . ولكن في البيئة حيث كانت نصوص الدين المقدسة موزونة طبيعياً كما هو الحال في الأدب الملحمي و حيث لا يقضي المواطنون الأثرياء السهرات الطويلة بالاستماع إلى الإلقاءات الشعرية فحسب بل يتوجب عليهم دراسة الفنون و عددها أربع وستون ومن بينها فنون « تأليف القصائد » و « تأليف الأبيات وتقطيعها » ، كان من الطبيعي أن يهتم كل مؤلف ، وإن كان مؤلفه يبحث في الحب، بإيجاد الجملة اللطيفة والتعابير التصويرية . لذلك في أغلب الأحيان في الكاماسوترا ، يتم استبدال التعبير الفني الدقيق بالتعابير الريفية والوصف المثير ووصف العشاق والعش الدافئ الذي يحمي ملذاتهم البارعة .وفي آن واحد، نثر فاتسيايانا في مؤلفه النكت عديمة الفائدة لكنها ممتعة وساخرة . وذكر وقائع وأمثلة غريبة أو بديهية كالنصيحة التي تدعو الرجل إلى عدم عقد قرانه بالمرأة المشوهة أو المصابة بالدمامل من جهة ، ومن جهة أخرى محاولة إغراء أرملة الممثل أو امرأة الجوهري أو الحدباء ، وبصورة خاصة تتخلل الإحصاءات الطويلة الواردة في مؤلفة التفاصيل اللاذعة. و عندما يعدد الفنون الأربع والستون التي يجب أن يتعلمها المواطن الصالح ويذكر انتظام الغناء والوشم ، فن الطبخ و « حل الألغاز والأحاجي والكلام المبهم والتلاعب بالألفاظ والأسئلة الغامضة » ، الهندسية المعمارية وفن تعليم الكلام للببغاء والزرزور ، علم المنطق و فن صنع الزهور الاصطناعية لابد من التفكير بالمناهج الدراسية التي وضعها رابوليه، الكاتب الفرنسي الفكه، حيث يختلط الشاذ بالجاد.

إن فاتسيايانا يتحدث بجد ، ومن الممكن أننا نحن ، قراء رابوليه وجاري ، نصفه بالسخرية عندما يشرح لنا كيف يمكن أن يحالفنا الحظ بسبب وفاة الرجل الغني إذا أغرينا زوجته ، و هكذا نرث في آن واحد الزوجة و الثروة . في مجتمع يهوى اللهو ، من المنطق أن يعمد البراهمان فاتسيايانا من وقت إلى آخر ، إلى تسلية قرائه عندما يحدثنا بجد عن موضوع حرج ، علماً أن كاما ما هو إلا مرحلة يجب اجتيازها على طريق المعرفة . وتوجد مقاطع لا يمكن قراءتها بدون أن ترتسم الابتسامة على وجهنا ونشعر كما لو طرف بعينه أو سخر بلطف من سذاجة الأزواج والعشاق .

لا تزعزع هذه السخرية من قوة الكاماسوترا ودقته . فهي تجعله أقرب للإنسان وتسهل قراءته والتعليق على فصوله بين الأصدقاء . لا تزيح السخرية الحكمة، الحماقة فقط ضحيتها . إن الكاماسوترا كتاب حكمة و أخلاق، أخلاق مبنية على قيم مشتركة بين الجميع وموجهة نحو الحياة .

يعلم فاتسيايانا ، كما يعلم جميع حكماء الهند ، تطور الحياة المتناسق و يعين هذا التطور عدم استبعاد الملذات الجسدية طالما أنها تساهم ، بقدر غيرها في انشراح الإنسان و توازن العلاقات الزوجية . وفي آن واحد يضع الملذات في مكانها المحدد و هي عابرة و آنية. و يدعو القارئ إلى تجاوزها للتوصل إلى معرفة الحياة والعالم بصورة أوسع . إن النشوة الجنسية ما هي إلا مرحلة في طريق تفهمنا للكون ، وليست إلا مقدمة للنشوة الروحية . و مذهب طانطرا الذي يظهر في عهد فاتسيايانا أدرك تماماً أن الشهوة الجنسية تفتح طريق الصوفية.

وهكذا يبدو الكاماسوترا لنا ، أغرب بحث من البحوث الجنسية لأن لا يعطي مفاتيح اللذة إلا لكي يسمح بتجاوزها الوصول إلى الامتزاج ، لا مع الشريك ، بل مع الألوهية ، هذا العنصر الجوهري الشامل.

كلود دوزون

ليست هناك تعليقات: