شملكان
فادي عزام


بينما كانت تنتهي من ترتيب عزلتها، أخذ جسدها ينضج بين رفيف التوق للمجهول، وعنفوان الرغبات الخطيرة، وبدأت هبّاته الرذاذية تسبغ وجنتيها بالاحمرار البهي، وسارت أيامها بجلاء نحو المسالك الوعرة لمفازات الغُلمة وأنوارها النحاسية، وصارت تعرف بغريزة بكر درب سلالة المنبوذين القدامى وسلطة الجسد، وأحابيل الفتنة وفوران الدم.
وكأنها حلّت باكرا سرَّ الغواية, ورسمت أولى خيوطها باتجاه أول ضيوفها بعد أن لاحظت زغب الرجولة قد أحتل شفته العليا، وعيناه تتلبدان بأكداس من صليل الشهوة كلما مرت بقربه، فصارلا يبرح سطح البيت، كانت تعرف مواعيد وجوده، وتلتقط إشارات ارتباكه . منحته خيالات بحجم سنوات عمره الأربع عشرة، ولم تبخل عليه بالابتلال الليلي وغابات الاستحلام، باتَ يستمني كلما وافته الخلوة، حتى استحال شاحبا مسقودا "كعِرْق ِ البُصْوي"، وتناثرت بثور حمراء على وجهه الشحوب.
تتركه ينظر من نافذة الحوش المحاط بآصائص العرائش، تقرفص فوق "جاط " غسيلها، تتعمد ابتلال ثوبها فاتحة أزراره، تُزرر أحدها كل برهة ثم تجعله ينفلت، مُتقشْمرة عن حُمرة تترك أثرها على أذنيه وحُبيّبات وجهه وتدك حصونه الواهية.
تغلق النافذة بحركة تدمِر شوقه وتتركه رائحاً غادياً على سطح بيته الترابي، مشكلا أحافيراً من دروب حيرته، هائما في فوضى المهابة والخوف، مُجمعا كل طاقته حازما أمره بعد شهرين من الآلام المبرحة التي كانت كافية للعاشق الصغير أن يطرق ببابها ليلة الخميس.

بدا مثيرا للشفقة، بعد انحشاره ببنطال أخيه الصغير الأزرق، وقميص ابن خالته الذي جلبه من "بالةَ "الشام ، فاحت منه رائحة نصف زجاجة عطر " ناز " و"البرينطين" جعل شعره متلاصفا بتسريحة مضحكة ، واستحالت بثور وجهه أكثر شناعة من محاولاته البائسة لإخفائها عصرا ودهنا بمرهم " إديال "
قامة وارفة تطاولت أمامه، فصار حيّزه أثيريا.
وقف وقد تبخر كل ما ردده قبل قدومه فلم يجد أن يقول:
- في شربة مَيْ ...

وبذل جهدا خارقا ليضيف:
- باردة ....

ردت بوله حارق ٍ:
- ما تكّرم عينك مشددة على الكاف الغواية بدا صوتها ساحرا يستقطب كرياته الحمر يفرغه من نفسه، فوقف مشددا جاهزا للانكسار وتناثر إلى شظايا جارحة من، " قَزَازِ "الرغبة.

فاستدارت متمايلة، مخلِّفة هروبا عبقريا لبطل السطح .

غير أنه لا انفكك من أحابيل فتنتها، سيتسمر أمام النافذة، المفتوحة الدرفتين، فراحت تفلش شعرها خصلا على جسدها المغموس بضوء الخضرة، وبدأت بدعك ثدييها "بتم السمكة" وشتلات غضة أخرى من نباتات غامضة الهوية، تذوِّب رؤوس البابونج تحت أبطيها، وتفرك براعم العطيرة البرية والنعناع المتوجس صعودا وهبوطا بن الثديين العاجيين الموشحين بتلامح اخضرار العرائش .
سينزل عن السطح كالسائر في نومه، ماشيا إلى قدره عبر دروب عزائه الباب نصف مفتوح وذراعان تتلقفان انتظاره، أصابع بطراوة الخبيزة تتمرغ ببيادر بطنه، وتسرح كقطيع من الماعز في براري جسده ، أصابع تطلق خيول جموحه، تشد على انتصابه، وتشلع زرَّا من قميصه وفم كالندى يُبَلل قشَّ براءته، ويحصده من جذوره فيتراقص نحل جسده ، يصب كل مائه دافقا كالوادي، يومضُ وينطفئ ثم يفوعُ كخلية زنابير تغرس معاقيصها في دمه، ليهمد بعدها كحمْلِِ ِ تبن انفلش من "روزنة" عملاقة، أصابعٌ تسحبه من غيبوبة اللهفة تحيِّله رجلا في دقائق ووحيدا بعد نصف ساعة دافعة به خارج الحوش ، يبكي وحدته تالفا بين عرائش الهمود ولفقات الهيجان، يتلمس ما حدث يود الرجوع إلى أحضانها، واسترداد براءته التي انقصفت تحت هول فتنتها يود استعادة الزر الذي انشلع من قميصه، لكنها كانت أوصدت الباب والجسد أمامه ، فقانونها أخذ بعد خروجه شكلا نهائيا أقرَّ به كل من عبر إلى رجولته عبرها هي مرة واحدة ولا تعاد أبدا .

ــــ
فصل من نص لا أعرف ماذا أفعل به نشر لأول مرة في موقع جدار الثقافي