سُرَ المرأةُ ودهشة الأغراء فيها....!
نعيم عبد مهلهل


في طفولتنا دفعنا نعاس الفقر أن نسرق جيوب آبائنا الشبه خاوية لنحصل على أربعين فلسا هي ثمن تذكرة الدخول إلى السينما..!
كان المقرر أن نرى فيلم صوفيا لورين سقوط الإمبراطورية الرومانية لكن الفيلم أبدلَ قبل العرض بدقائق بآخر هو لروجيه فاديم وبطولة الممثلة الفرنسية برجيت باردو عنوانه على ما أتذكر ( وخلق الله المرأة..)
إشتدَ الصفير والاحتجاج وقذفت الشاشة بقشور البرتقال وتلطخَ وجه الحسناء باردو بزبد الصرخات، لكنها ما أن حركت وركيها وأرت الجالسين ما فوق الركبة حتى ساد القاعة صمت رهيب لتبدأ واحدة من أجمل سيمفونيات تخيل الجمال بذاكرة طفولية وليبقى هذا الأغراء المعجون بالعسل والسمن البلدي وقشطة المعدان متعلقاً بذاكرتي مثلما يتعلق القميص الأبيض على حبل مودة السطوح ليعلن قرب لقاء حبيب بحبيبته. في خلسة البراءة والتقبيل والأحضان الدافئة
ذهبت تلك الأيام. وأسطورة برجيت باردو ذات الجمال الفرنسي الذي يهيج حتى طوب الطين الجاثم في جدار غرفتي كأنه أثر سومري تحولت إلى شيخوخة هرمه لاتعتني سوى بالقطط والديكة والكلاب التي ضجر من تربيتها أصحابها..!
أنا كبرت أيضاً كما تكبر خواطر الجنود لحظة دنو الأجل المحتوم برصاص الصولة، لكن صورة المرأة الترفة المعجونة بأنوثة الخلق ونعومة كؤؤس ثمالة الملوك ولمعان شعرها الذهبي كدموع أمهات فاقدات فلذات أكبادهن في حرب الشمال الثلجي ظلت عالقة بمخيلتي كما يعلق العجوز صور الشباب الذي تمناه أن يعود يوما ليخبره بما فعل المشيب.. وأنا اتذكر جحيم ومتعة تلك الأيام وهي تلوذ بمقولة أمي الشهيرة حين رات الجبال الشمالية تمطر ثلجا وخوفا وخواطرا بين شفتي عندما قالت جزعت من رهبة موت ابناء الجنوب في حرب ( برزان ): أنا قلت ياعلي.. والشمال قال هاتيه لي ..!
يمكننا أن نتصور المرأة في كينونة الحلم جسدا يمتشق خيالينا للحظة الود ويمارس معه لعبة من لعب الحرب ، الكر والفر ، المهاتفة السلكية، الرسائل المتبادلة ، لقاءات الغرام ، وغيرها هناك حرب لمواددة انفرادية أي لا يلتقي فيها الجسدان ولا تتبادل عواطف الرسائل بل ثمة شعور غير متبادل هو يحبها في خلسة وهي توده دون أن يعلم..
هكذا تدخل المرأة في لب المعنى. كائن يعتمر الفقه الحسي قبعة وبها يغازل فحولة الذكر، ومن الفحولة يتصبب عرق رغباتنا ،ومن العرق تتصبب قصائدنا..
أدرك في جوهر المرأة معنى التكميل وأتصور النحول الأول ودبيب خطوات الحزن على الأرض قبل أن تنمو أول وردة ، فأسعى لتبيان كشف الماهية الوجودية لسلطة هذا الكائن على القادم الذي فينا. ضرع ثدييها ، تنهيدتها ونحن في الحجر أطفالا رضعاً، ابتسامتها ونحن نعود إليها من أول يوم مدرسي في حياتنا، دموعها حين نأتي بنعوش الشظايا شهداءً من حروب لا نفهمها. كل هذه المكونات لطبيعة وجود البشر تقترن أولا وأخيرا بهيمنة الروح والبوح لهذا البشر الذي خدع في لحظة حلم وخسر الجنة لكنه ربح تكويناً جديداً بدأ من الألواح وانتهى في صعود المركبات إلى المريخ ودخول المارينز إلى بغداد...!
أجد في المرأة ما لا أجده في الإناث الباقية من تكوينات الطبيعة . ففي المرأة تجد الهديل وخفق أجنحة الوزة وطنين أجنحة النحلة وحفيف ورقة الشجرة، ومنادمة الدجاجة للديك ومراوغة لبؤة الأسد ولهاث أنثى الذئب وتقوس رقبة المهرة وأنحاء الغيمة باتجاه الأرض، وحتى في النص الأدبي تحتل المرأة روح المعنى ومقدمة الكتاب وإرث النهاية. وستاندال يقول: عندما أجد المرأة في أول فصول رواياتي، أرتاح أيما راحة...!
أنا اكون مرتاحاً وأنت تتدلين من نافذة هذا المقال مثل غصن لبلاب غادره الخريف ليمسكَ شموع الربيع بأصابع باردة، تفجرين لهفتكِ في فكرة أن أكون لك وتكونين لي وفي هذا امتزاج لحالة أن نكون معا في الطريق الأبدي لصناعة الحياة الحلوة تلك التي كان سقراط يتمناها حين ترتفع ثرثرة زوجته لتطالبه ان يقف حافياً على ثمار العنب ويعصره بقدمية ليصير خمرة تقدمه نذرا لأولمب الذي جاء أليها في واحدة من أطياف الخيال وأمرها بتقديم الكأس بمصاحبة عزف الموسيقى والغناء فكان على الفيلسوف مرغما أن يعصر الكرم بقدميه ويغني أغنية أخذتها من بعده تينا جارلس وهي تقول :
لك سكرة العنب يا حبيبي
فضمني إليك مثلما ضم يولسيس موج البحر إلى أحضانه
واحملني بحنان نسائم البحر
مثلما حمل هركلس الكرة الأرضية..!
تذكرني هذه الأغنية بهوس الرغبة لاقتناء جمال المرأة كأي تحفة غالية الثمن أرى من خلالها رقاد الزمن على سطح الوجود فالمرأة هي ابتكار معرفي ليس لقدرتنا على أن نبدع ونشتهي ونريد بل أن كل تحول لا تلامسه أنامل امرأة لا يعد تحولا وان كان فيبدو باهتا...!
وهو وحدهن من توجه إليهن كاسترو في أول خطاب له لثورته عندما قال: انتن سر ثورتنا وإيقاع حياة كوبا القادمة..!
عالم المرأة. عالم اللون والسحر وهي تعبر في رؤى التكوين شكلا مكملا للحياة الحلم، فهي العاشقة والمربية والملهمة وهي أول هاجس سكن الذاكرة البشرية لصناعة الإلوهية حين صنع الدمى على شكل نساء وسجد لها مفترضا أن الخصب الذي تصنعه المرأة بالإنجاب هو الحياة كلها..!
والآن هل يكفي أن تقول لامرأة: أنت رائعة ومن ثم تذهب بعيداً..!
أعتقد أن هذا لا يكفي. ورغم هذا ثمة من يقول أن باستطاعتي أن أفعل .حينها يكون قد حقق انتصارا ولكن مع أمراة مغفلة. فالمرأة القوية الماسكة لسحرها بيديها وروحها لن تستسلم بسهولة..........!

المانيا في 8 آب 2010
الحوار المتمدن