محمد خير الحلبي
المجون الفلسطيني

(لاتقلب الكرسيَّ..
الوقتُ ليسَ صيفاً ...
والعالمُ السفليُّ ..
مجنزر ٌبالآه..)
***

دعني أمص متعة التراب بالبكاء. وأحشد الأنخاب مرتين كغرفة معزولة الكلام والآهات والأصحاب.. وأغرف النيران مثل الطلقة.. وأمخر العباب ..
فالوقت ليس نرجسا
ومثلنا كمثلنا هذا الزمن قلاّب....
دع نصف قبلة هنا ونصفها هناك..
لاتبتئس فليس غيري يعرف النجوم والكلاب والحساب..
وكلّ ما في زورقي خرائط بائدة ونسلها كذّاب..
دعني على سريرك المائي مثل قبعة.. يغرقها من لذة العناق والشراب..
نديم هذا العمر بعد برهة وسوطه الخلاّب..
مانفع لو أقول ياأحبتي.. وكلّ سلك شائك مزنر بالورد والخريف والعذاب..
مانفعها شفاه مومساتي.. ولانبيذ يرتدي بذلته ويقلب الصحون والأسماء في الأصلاب..
ما نفع أن بالطبل سوف يُطرق.. والعزف ماذا ينفع الأموات في أحفادنا.. وماالذي سينفع القلوب والأجساد وصمتنا مزروعة نظراته كمثل طفل جائع ترفعه الحراب..
ماذا يريد من هوى نهودي
ومن شفاه خمرتي ومن سما حدودي..
يريدني زجاجة الشرود
ماذا لو أن نصف جسمي عاريا تركته ونصفه مستودع اللحود..
ماذا لو أن شبق الحياة صار عقربا.. وحولتني هذه اللحون كالشريد
ما ينفع الأقلام والأفلام والزوارق
ما تنفع النمارق
ما تنفع الوسائد... الشراشف.. الحدائق.. الكؤوس والأصباغ والعطور والغناء
وكل ما في جسدي مرحّبٌ بموته.. بسجنه بخرقه بصلبه على قفا الأبواب..
ما سرّها الأبواب..
خرائط المساء في عروقها.. ونجمة الرحمة في خلخالها وخصرها سحاب
ما نفع لو رقصت يا حبيبي
وكل عمري ليس من نصيبي
وباب بيتي ليس من نصيبي
وذكريات جدتي.. والفلفل المرشوش فوق زهرتي.. وكل كل حصتي.. كالخنجر المقلوب في إنسحاب
مانفع لو ضاجعتني.. وليس غير ميتة رأيت في كياني
البرق لا لم يبق منه دفتر لتلتقي في سطره عنواني
حتى البكاء خانني.. وخانني أخواني
دع عنك كل نجمة رسمتها
وكل أغنياتي... دعني هنا يمدد السياط فوق جثتي سجاني
دع شرق حزني آيبا لغربه لعله يلقاني
وسم لي خريطتي.. وسم لي أوطاني ..
وشق لو أردت عن جفوني من زحمة البكاء ما في الماء من صوان
وارسم على جدار قلبي راية
قل يا فلسطين أنتبهت.. يا سما ئي التاسعة..هذا الجناح أزغبٌ للآن..
والقدس زعفرانها.وشالها وخالها ونكهة الجميز في صلصالها
ونجمة اللازي في أحزانها.

صليبها وقبة الأقصى وشمعدانها
الماء والهواء والمحراب والصلاة.
أطفالها نساؤها أشجانها
رعاتها سراتها شهودها رؤسها
ترابها وذروة الدماء في سحابها
عيون زنبقاتها.

جراحها أحلامها.. آمالها شهداؤها.. وزيت نور الله في مشكاتها.. وخبزها ولحنها.. وحزنها وقمحها وفحمها ..
حطابها.. وغرابها.. ابوابها دروبها شعابها.. عشاقها.. خصومها..
نداؤها.. تحريكها.. تسكينها.. وكلُّ حذفٍ قابل للضم في سكونها.. وكل ما أضافه العشاق في قمصانها..

نجومها سماؤها ..
الغار والريحان والدماء والصلاة

جميعهم خريطة الحياة في أبوابها
فلينكسر حصارها.. سينكسر لينكسر وينكسر حصارها
ألله يا نرجسها ودمعها وموت من من أجلهم تعمدت بالماء والنيران والأطفال والبكاء..
الله ياالله يالله يالله ..

حسبي ملاك واحد ليحرس الدعاء
للقدس أن تسيل في مياهها الصلاة.. وتزرع الحياة بالحياة والحياة
ويسقط الحزن عن الصليب مرتين
وتولد البلاد من جبينها البلاد.. وينتهي من مبتداه العزف والنشيد والوقود واللدود والخلود والموؤود وتعزف الشهود

أغنية بالصمت والحجارة.. وتحرق الخرائط.. وتغتسل من حزنها الحدود
ما نفع لوغنيت يابلادي
وليس من سماء..
وليس من بحر ولا أفياء..
وليس من خد ولا عين ولا شفاه.. وليس من ينادي ..
وليس من وصية.. ولاعلى المفارق... تمر كالزوارق
وتحسم الخلاف بالعفاف
ويختفي التمزيق والتفريق والتلزيق والتــ(...)يق
ويحدث المدهش والرفيق
وينتهي الحريق
لترسم الصبية
رداء شمس الآن
ويجرف الطوفان
ماطال من أكفان
ويحرس الجندي أغنياته
والطير يأتي شاهرا آياته.

وأنتقي كعاشق ٍ
رصاصة اللقاء والفراق والعتاب.. وأختم الرواية.. بالخبر الكذاب
قد مات جيش الغزو
وعاش جيش الحب والحياة في الكتاب...