أغتصــــــــــــــــــاب


الوكيلي محسن
--------------------


ما زال الجرحُ طريا ولا زالت المدينة القابعة كصقر على تخوم الصحراء تسكنها وتثير بدواخلها شجون أول ليلة. تحاصرها كروب ذاكرتها ويلون الماضي الحي، الحاضر أبدا، عينيها الأطلسيتين بانكسارات المغيب.
كانت ككل صبايا الريف، خجولة، قوية وأصيلة.. تعانق رياح الشروق لترصد كل يوم أفراح البدايات، ثم تتعقب أحلامها كالظل، وحين يمسها الإعياء وتمسح السماءُ عن محياها آخر بقايا شغفِ النهار، ترحل إلى عالم أوسع، حيث حضن البتول.
لم ينمح العالم الأول في دواخلها، ما زالت أوراق الأشجار وأصوات مياه الغدير ترسم ذكرى فاتنة، حية، لكنها بعيدة.
تمنت لو أمكنها بتر شريط الزمن، لو تستطيع رتق الماضي البعيد بحاضر آخر ثابت، غير أن المدينة وأسوارها الباردة وشوارعها المبلطة الكئيبة خلفت في صخر معدنها النفيس نقوش البدائيين.

كانت بالمطبخ تنتظر الحساء حين زارهم رجل غريب، قيل لها إنه جاء من المدينة، وقيل إن المدينة عالم جميل.
تتذكر.. سقط المطر بالقنوط ونزل الليل بلحن حزين، حتى الكلاب التي كانت تدغدغ أحلام ليلها وتشعرها بالأمان أُخرِسَتْ، وأنشدت الريح طلائع عالم بديل.
تذكرت كذلك أن والدتها بكت ولم تخف عنها دموعها...

بعد شهر جاء الغريب و بمعيته رجلان وامرأة عجوز...
لم تشرق شمس الغد على روابي الأطلس، وولى عالم حي خلف زحمة الناس وإشارات المرور.
ماذا قيل لوالدها ؟
لا تعلم.
وأما لُمَ سيقت إلى المدينة، فقد جاءها الجواب قبل أن تطرح السؤال :
بيعت بثمن بخس..

أربعة عشر ربيعا سقطوا على مشارف أول ليلة وعمر صيف طويل.. كبرت دفعة واحدة.. وصارت امرأة.